Sanaa
06-24-2012, 10:04 PM
هل ستغير نظرتك لـ رجال الأعمال السوريين ... بعد قراءتك لـ هذه القصة ....!!!
الكاتب: حمود المحمود | تاريخ المقال: 2012-06-24
كتب رئيس التحرير التنفيذي
حمود المحمود
هل أنت ممن يتهمون رجال الأعمال السوريين بأنهم "جماعة اضرب واهرب"؟
إذاً استمع إلى هذه الحكاية ثم راجع أقوالك:
قبل أيام دعيت إلى جلسة مغلقة حضرها نحو عشرين من كبار رجال وسيدات الأعمال في سورية، نظمها معهد سكيلز، وكانت الجلسة مخصصة لمناقشة كيف أدار ويدير أصحاب البزنس في سورية أعمالهم في ظل الأزمة المشتعلة.
وجدت رجال الأعمال قد أرخوا ربطات العنق وشمّروا عن سواعدهم بطي أكمام القمصان وهم يستمعون إلى محاضرة الخبير الذي افتتح النقاش بعرض يسمى Strategic Thinking ومنه كان النقاش يدور حول التفكير قصير المدى وبعيد المدى في إدارة البزنس والتخطيط له في مختلف الظروف.
والذي كان يقوله المحاضر القادم من تجربة عالمية والعمل في شركات عربية بمستوى عالمي في دبي، هو أنّ قطاع الأعمال ينتقل في الأزمات كالتي تعيشها سورية من التخطيط بعيد المدى إلى التخطيط المرحلي المتطور باستمرار والمتغير ربما يومياً، لكنه في الوقت ذاته يضع عينه على المدى البعيد للتأسيس إلى التخطيط بعيد الأمد وتحضير كوادره وبنيته التحتية للقفزات القادمة التي تولد فيما بعد الأزمة.
***
والآن، انتهى الكلام العلمي النظري، وبدأنا نستمع إلى تعليقات وتجارب الحضور: بصوت واحد متداخل يجيب الجميع تقريباً أن التخطيط للأزمات والذي يمتاز بالمرحلية والتقلب اليومي والخوف من المفاجآت والتطورات، كان عملنا الدائم على مر السنوات السابقة في سورية !
يستغرب المحاضر الذي كان افتتح للتو شركة جديدة في سورية مهمتها الاستشارات، وليتحول من محاضر إلى مستمع.
انفتحت الأفواه مختلطة بالتنهيدات والأسف: على مدى عشرات السنوات السابقة لم نحظ يومياً بالفرصة للتخطيط الاستراتيجي، كنا ننام على قرار ونصحوا على آخر كنا ننام على تفسير للقانون ونعقد صفقاتنا على أساسه، ثم يفاجئنا الموظف في اليوم التالي بأنّ اللجنة التي اجتمعت قبل يومين كانت قد قررت شيئاً مختلفاً ولم يكن قد وصله بعد !
يواصل أصحاب الأعمال بين الضحكات الساخرة والأسف على حال البلد: إذا اطمأننت على القوانين والقرارات لشهر أو شهرين، فإنك لم تكن لتطمئن للتفسيرات المفاجئة واجتهادات البيروقراطيين والتي تأتيك في كثير من الأحيان صادمة غير مبالية بما تكبدته من خسائر وبما أبرمته من عقود.
***
في هذه الجلسة تذكرت كيف أنني وكثير من الصحفيين لم نفتأ نهاجم رجال الأعمال السوريين متهمين إياهم بالسعي للربح السريع وعدم التفكير بالمشاريع الاستراتيجية طويلة الأمد وذات القيمة المضافة.
ويتكلم في هذه اللحظة أحد أساطين الصناعة في سورية، يروي الرجل الذي يمتلك احد أكبر المصانع في سورية، كيف أنّ الأزمة داهمته وهو منتصف عملية بناء أكبر مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج المواد الأولية، ويقول إنّ الأزمة التي أوقفت مشروعه فتّحت عيونه على أخطاءه السابقة.
يسترجع الرجل ومن حوله كيف كان واحدهم يقضي حوالي 70% من وقته للعمل كمعقب للمعاملات بحثاً عمن يحل مشكلاته الإدارية في الاستيراد والتصدير والترخيص وغيرها. هذا من جهة التعامل مع الحكومة والتي كان يتطلب في كل مرة تجازو تعقيداتها تجاوز الفاسدين بالرشاوى أو بطرق أخرى منها الزواج بين السلطة والمال.
ومن جهة التعامل مع المناخ الاستثماري في نواحيه الأخرى، يستفيق الرجل على واقع العمل المصرفي على سبيل المثال وكيف كانت المصارف السورية ترتبك في حال طلب منها تسهيلات ائتمانية كبيرة، بينما كانت المصارف العالمية تفتح ذراعيها لمن هو بثقله دون حدود.
وكانت المفارقة كما قالوا أنهم كانوا يعيشون هذا الواقع في الوقت الذي تفتح فيه دول إقليمية وعربية أذرعها لمثل هذه الاستثمارات والتي كان يمكن أن تدخل من وإلى سورية وتنتقل عبر العالم دون عوائق أو عراقيل تذكر.
***
والآن يتسائلون: مالذي كان يمنع أي صناعي أو تاجر سوري من افتتاح مصنعه أوعمله التجاري في دبي أو لبنان أو تركيا أو مصر في الوقت الذي كانت فيه الرسوم الجمركية صفراً بين سورية وهذه الدول؟
لم يكن يمنعهم كما يقولون سوى أملهم المستمر بأن يتحسن حال البلد وأن يستثمروا ويستقروا فيه كما قالوا.
والجواب لمن يقول بأنهم استطاعوا في هذه الظروف التي يصفونها بالمعرقلة في سورية أن يحققوا أرباحاً طائلة، هو أن الاستقرار في الاستثمار في أي بلد آخر والاستدامة فيه كان سيحقق أكبر من هذه الأرباح دون التقلبات التي كانوا يعيشونها باستمرار مع الحالة التي كانوا يعيشونها والتي كانت أشبه بالأزمة المستمرة دون انقطاع كما همس لي أحدهم.
هل نلومهم..؟
لا أدري، لكن الدرس الذي تعلموه سندفع ثمنه جميعنا نحن السوريين حتى بعد انتهاء الأزمة، فهذا الصناعي الكبير والذي هو مجرد نموذج بدا أن كثيرين ممن هم في القاعة يشاركونه التفكير ذاته. هذا الصناعي نقل مصنعه الأكبر في الشرق الأوسط والذي كان ينوي افتتاحه في سورية إلى بلد آخر.
نضيف هذه الحكاية إلى الخبر الذي نشرناه لى موقع الاقتصادي قبل أيام والذي كشفنا فيه أن نحو عشرة من كبار الصناعيين السوريين نقلوا أعمالهم إلى دول أخرى خلال هذا العام.
ورد هذا المقال في العدد رقم ( 137 ) من مجلة الاقتصادي
الكاتب: حمود المحمود | تاريخ المقال: 2012-06-24
كتب رئيس التحرير التنفيذي
حمود المحمود
هل أنت ممن يتهمون رجال الأعمال السوريين بأنهم "جماعة اضرب واهرب"؟
إذاً استمع إلى هذه الحكاية ثم راجع أقوالك:
قبل أيام دعيت إلى جلسة مغلقة حضرها نحو عشرين من كبار رجال وسيدات الأعمال في سورية، نظمها معهد سكيلز، وكانت الجلسة مخصصة لمناقشة كيف أدار ويدير أصحاب البزنس في سورية أعمالهم في ظل الأزمة المشتعلة.
وجدت رجال الأعمال قد أرخوا ربطات العنق وشمّروا عن سواعدهم بطي أكمام القمصان وهم يستمعون إلى محاضرة الخبير الذي افتتح النقاش بعرض يسمى Strategic Thinking ومنه كان النقاش يدور حول التفكير قصير المدى وبعيد المدى في إدارة البزنس والتخطيط له في مختلف الظروف.
والذي كان يقوله المحاضر القادم من تجربة عالمية والعمل في شركات عربية بمستوى عالمي في دبي، هو أنّ قطاع الأعمال ينتقل في الأزمات كالتي تعيشها سورية من التخطيط بعيد المدى إلى التخطيط المرحلي المتطور باستمرار والمتغير ربما يومياً، لكنه في الوقت ذاته يضع عينه على المدى البعيد للتأسيس إلى التخطيط بعيد الأمد وتحضير كوادره وبنيته التحتية للقفزات القادمة التي تولد فيما بعد الأزمة.
***
والآن، انتهى الكلام العلمي النظري، وبدأنا نستمع إلى تعليقات وتجارب الحضور: بصوت واحد متداخل يجيب الجميع تقريباً أن التخطيط للأزمات والذي يمتاز بالمرحلية والتقلب اليومي والخوف من المفاجآت والتطورات، كان عملنا الدائم على مر السنوات السابقة في سورية !
يستغرب المحاضر الذي كان افتتح للتو شركة جديدة في سورية مهمتها الاستشارات، وليتحول من محاضر إلى مستمع.
انفتحت الأفواه مختلطة بالتنهيدات والأسف: على مدى عشرات السنوات السابقة لم نحظ يومياً بالفرصة للتخطيط الاستراتيجي، كنا ننام على قرار ونصحوا على آخر كنا ننام على تفسير للقانون ونعقد صفقاتنا على أساسه، ثم يفاجئنا الموظف في اليوم التالي بأنّ اللجنة التي اجتمعت قبل يومين كانت قد قررت شيئاً مختلفاً ولم يكن قد وصله بعد !
يواصل أصحاب الأعمال بين الضحكات الساخرة والأسف على حال البلد: إذا اطمأننت على القوانين والقرارات لشهر أو شهرين، فإنك لم تكن لتطمئن للتفسيرات المفاجئة واجتهادات البيروقراطيين والتي تأتيك في كثير من الأحيان صادمة غير مبالية بما تكبدته من خسائر وبما أبرمته من عقود.
***
في هذه الجلسة تذكرت كيف أنني وكثير من الصحفيين لم نفتأ نهاجم رجال الأعمال السوريين متهمين إياهم بالسعي للربح السريع وعدم التفكير بالمشاريع الاستراتيجية طويلة الأمد وذات القيمة المضافة.
ويتكلم في هذه اللحظة أحد أساطين الصناعة في سورية، يروي الرجل الذي يمتلك احد أكبر المصانع في سورية، كيف أنّ الأزمة داهمته وهو منتصف عملية بناء أكبر مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج المواد الأولية، ويقول إنّ الأزمة التي أوقفت مشروعه فتّحت عيونه على أخطاءه السابقة.
يسترجع الرجل ومن حوله كيف كان واحدهم يقضي حوالي 70% من وقته للعمل كمعقب للمعاملات بحثاً عمن يحل مشكلاته الإدارية في الاستيراد والتصدير والترخيص وغيرها. هذا من جهة التعامل مع الحكومة والتي كان يتطلب في كل مرة تجازو تعقيداتها تجاوز الفاسدين بالرشاوى أو بطرق أخرى منها الزواج بين السلطة والمال.
ومن جهة التعامل مع المناخ الاستثماري في نواحيه الأخرى، يستفيق الرجل على واقع العمل المصرفي على سبيل المثال وكيف كانت المصارف السورية ترتبك في حال طلب منها تسهيلات ائتمانية كبيرة، بينما كانت المصارف العالمية تفتح ذراعيها لمن هو بثقله دون حدود.
وكانت المفارقة كما قالوا أنهم كانوا يعيشون هذا الواقع في الوقت الذي تفتح فيه دول إقليمية وعربية أذرعها لمثل هذه الاستثمارات والتي كان يمكن أن تدخل من وإلى سورية وتنتقل عبر العالم دون عوائق أو عراقيل تذكر.
***
والآن يتسائلون: مالذي كان يمنع أي صناعي أو تاجر سوري من افتتاح مصنعه أوعمله التجاري في دبي أو لبنان أو تركيا أو مصر في الوقت الذي كانت فيه الرسوم الجمركية صفراً بين سورية وهذه الدول؟
لم يكن يمنعهم كما يقولون سوى أملهم المستمر بأن يتحسن حال البلد وأن يستثمروا ويستقروا فيه كما قالوا.
والجواب لمن يقول بأنهم استطاعوا في هذه الظروف التي يصفونها بالمعرقلة في سورية أن يحققوا أرباحاً طائلة، هو أن الاستقرار في الاستثمار في أي بلد آخر والاستدامة فيه كان سيحقق أكبر من هذه الأرباح دون التقلبات التي كانوا يعيشونها باستمرار مع الحالة التي كانوا يعيشونها والتي كانت أشبه بالأزمة المستمرة دون انقطاع كما همس لي أحدهم.
هل نلومهم..؟
لا أدري، لكن الدرس الذي تعلموه سندفع ثمنه جميعنا نحن السوريين حتى بعد انتهاء الأزمة، فهذا الصناعي الكبير والذي هو مجرد نموذج بدا أن كثيرين ممن هم في القاعة يشاركونه التفكير ذاته. هذا الصناعي نقل مصنعه الأكبر في الشرق الأوسط والذي كان ينوي افتتاحه في سورية إلى بلد آخر.
نضيف هذه الحكاية إلى الخبر الذي نشرناه لى موقع الاقتصادي قبل أيام والذي كشفنا فيه أن نحو عشرة من كبار الصناعيين السوريين نقلوا أعمالهم إلى دول أخرى خلال هذا العام.
ورد هذا المقال في العدد رقم ( 137 ) من مجلة الاقتصادي