M-AraBi
05-29-2010, 12:18 AM
” خلق الله الإنسانَ حُراً، قائده العقل، فكفرَ و أبى إلا أن يكون عبداً قائده الجهل” عبد الرحمن الكواكبي
لم يخلق الله الإنسانَ إلا ليكون شيئاً مذكوراً، و ليكون شيئاً مؤثراً في الوجود، فلا يخرج من الحياةِ التي أتاها إلا بعد أن يُبقيَ فيها شيئا منه يُذكر بعده، رضيَ بذلك أم لم يرضَ، قصدَ ذلك أم لم يقصده. فالله لم يخلقه عبثاً و لم يُوجده لعباً، و إنما من أجل حكمة بالغة.
من أدرك حكمة الله من خلق الإنسان، و أدرك سر إيجاده، أدرك أن الإنسان ليس إلا مخلوقاً منفرداً بنفسه، مستقلاً عن غيره، لا ارتباط له بشيءٍ في الكون إلا ارتباطاً لتوجيه و إرشاد فقط لا أكثر. من أجل ذلك منحه الله تعالى عقلاً يُميزه عن غيره من المخلوقات، و شرفه بهذا العقل، و جمَّله به كما كمَّله به، ليكون بالعقلِ طالباً و باحثاً، و ليكون به مميزاً كان به متميزاً، فمنحه بالعقلِ مجالاتٍ أوسَع للرؤية، و آفاقاً أكبر للإدراك، ليكون ناظراً بعمقٍ إلى سر وجوده، فيكون بذلك إثبات شهوده، فتوصَّل بالعقلِ إلى العلم بالكون و الحياةِ، و المعرفة بأسرار الوجود، و لولا العقلُ ما كان متأهباً و لا متأهلا لذلك، فكان العقل طريقاً و باباً، بل هو ملجأ و ملاذ للإنسان في تمحيص المعارف. فحريةُ الإنسان هي الأصل له، و العبوديةُ و الرِّقُّ طارئٌ عليه، و لا يكون إلا كما جُعل أصلا، فإن نُقلَ إلى سواه انتفت منه أقدارٌ من إنسانيته.
و لكنَّ الإنسان يسعى لأن يبقى على حريته، و يُبقيها على تمامها، و لكنَّه ليس في كل ما أراده يصيب، فأصابته أدواء الحياة التي سلبته الحريةَ التي خُلقَ من أجلها. إلا أن تلك الحرية حين أُعطيها إنما هي مقيَّدةٌ بما يتبعه و يتخذه طريقا و سبيلاً، من دينٍ، و غيره. فحتى هذا التقييدُ ليس تقييداً بالصورة التي يفهمها الناس خطأً، بل ممنوحٌ فيها حريةً واسعةَ الأُفق، و لكن لا يُدركها إلا من عرف قيمة حريته، و عرف قدْرَ عقله.
من مقيِّدات حريةِ الإنسان الجهل، فالجهل ضيقٌ، و الحريةُ لا تقبل الضيقَ، و تنفرُ منه نفورا شديدا، فمتى كان الإنسان جاهلاً بشيءٍ فإنه لن يكون عارفاً بما فيه و ما وراءه، فيكون جهله حابسه في محلِّه و حاله. لكنه عندما يتمرد على جهله بالعلم و المعرفة فسيكون في حريةٍ في النظر في المعارف. و الجهلُ ليس فقط عدم العلم، بل يتجاوز ذلك كثيراً إلى التقيُّد بشيءٍ من العلم لا يتجاوزه، فضيِّق المعارف و قليلُ العلم ليس أبعد شأواً من الجاهل بكلٍ. التمتعُ بالحرية لا يكون إلا من خلال المعرفة، و المعرفة العامة بكل أنواعها و تفاصيلها، من المعرفة بالذات، و المعرفة بالقُدرات العقلية، و المعرفة بالمعارف و العلوم، إلى المعرفة الفَهمية، هذه المعارف تمنح الإنسان حقيقة حريته التي وُجدَ أصلاً متصفاً بها، لكنه حين يكون جاهلاً بأي جزءٍ من المعرفة فهو ليس حراً بما يكفي. فالحريةُ بقدرِ المعرفة.
يتبع هذا، وهو كجزءٍ منه، أن تُقيَّد الحريةُ من حيث الرأي، فيكون الإنسان ملازماً رأياً واحداً، لم يقف على رأيٍ غيره، أو يكون قد وقف و عرفَ لكنه منعه التعصُّبُ لرأيه، و ربما يكون رأيَ مدرسةٍ فكرية أو طائفةٍ متحيزةٍ، فالتعصُبُ حتما سيكون قيداً كبيراً على الحرية، ومن ثَم لا يُجاوز الإنسان ظلَّ رأيه ذلك، و إن رام المجاوزةَ خشيَ المبارزة، فيلزم الجادةَّ المطروقة و لو كانت غير آمنةِ المنتهى. كثيرون الذي قُيِّدت حرياتهم بالتعصُّبِ للرأي، فصاروا أرقاءَ فهوم غيرهم، أو ربما فهومهم، و قليلٌ ما هُم، فَعميتْ عليهم أنباءُ الآراءِ الأخرى. لكنَّ من تحررَ من قيدِ التعصُّبِ للرأي أدرك و عرفَ سرَّ إنسانيته، فصارَ منقِّباً عن المعارفِ أين كانت. و بذلك يكون بريئاً من قيدَيْ الجهل و التعصب.
من مقيِّدات الحريةِ، أيضاً، التقاليد. كل أمةٍ من الناس لها تقاليدها الموروثة، و أغلب التقاليدِ لا تكون مناسبة للأحوال المتجددة، بل تكون ضرراً إذا التزمها الإنسان، فهي تقييدٌ خُرافيٌ، مبني على عادةٍ منقولة، و العاداتُ استحساناتٌ اجتماعية، و الاستحسان ليس شيئا ثابتاً مسقراً، بل هو عُرضةٌ للتجدد و التطوُّر. كثيراً ما كانت التقاليدُ حجرَ عثرةٍ في طريق حرية الإنسان، تمنعه من أن يكون حراً بما توحيه إليه معارفه التي استلهمها من حياته، و كثيراً ما كانت، أيضا، سَداً دون مسيره في صناعة حياته كما يريد. التحررُ من التقاليد أصعبُ من التحررِ من أي قيدٍ للحرية، لأن مخالفة المجتمعات جريمة أكبر من مخالفة الأديان، هكذا نظرُ الناس، لكنَّ القوي من الناسِ من تحررَ من التقاليد بقوةٍ أُوتيها، مبنية على برهانٍ صحيح، فمتى واجهه مجتمعه بشيءٍ أتاهم ببرهانه فأتمَّ بُنيانه. و لا يتحرر من تقاليد المجتمعات و أعرافها إلا قلةٌ، و القليلُ كريم.
ليست كل التقاليدِ يُتمرَّدُ عليها، و إنما التقاليد التي لا تنتمي تحت مظلةٍ سليمة، و لا تندرجُ تحت القبول. فبعض التقاليد من السُخفِ بمكانٍ لا يقبل بها إنسان، و لا تؤيدها شريعةُ سماء، فمثلها ترفض تماما. كذلك تلك التقاليدُ التي هي عادات فصُبغتْ صِبغةً دينيةً من أجل أن تُمرَّرَ على الناسِ و تستجلب عواطفهم، و ليست من دينٍ صحيحي في شيءٍ، و إن زُخرفَ لها و زُيِّن.
تلك المقيِّداتِ للحرية الإنسانية ليست بتلك القوة التي لا تُغلب، فعندما يكون العزمُ على مجاوزتها، و الهمةُ في تحقيق الحرية، تكون هشَّةً، و لا تقوى إلا على ذي خوفٍ، و الخوفُ وهمٌ يتلاشَى حين تكون الثقةُ بالقوة الذاتية و الرؤيةُ للغاية المنشودة، و لا أجلَّ من تحقيق غايةِ الإنسانية؛ الحريةِ التي خلق الخالقُ الأكبرُ الإنسان متصفاً بها. حينما يُنادى بالحرية لا يعني التمردُ اللا موزون و اللا مقبول، و إنما الحريةُ السليمة هي ما كانت وَفْقَ قانون العلم و الأدب، إن الحريةَ حين تكون لا وزنَ لها، و بدون قانون يضبطها تكون ضرراً كبيراً، و أول من يُصاب بضررها الحُرُّ الذي تبناها.
لم يخلق الله الإنسانَ إلا ليكون شيئاً مذكوراً، و ليكون شيئاً مؤثراً في الوجود، فلا يخرج من الحياةِ التي أتاها إلا بعد أن يُبقيَ فيها شيئا منه يُذكر بعده، رضيَ بذلك أم لم يرضَ، قصدَ ذلك أم لم يقصده. فالله لم يخلقه عبثاً و لم يُوجده لعباً، و إنما من أجل حكمة بالغة.
من أدرك حكمة الله من خلق الإنسان، و أدرك سر إيجاده، أدرك أن الإنسان ليس إلا مخلوقاً منفرداً بنفسه، مستقلاً عن غيره، لا ارتباط له بشيءٍ في الكون إلا ارتباطاً لتوجيه و إرشاد فقط لا أكثر. من أجل ذلك منحه الله تعالى عقلاً يُميزه عن غيره من المخلوقات، و شرفه بهذا العقل، و جمَّله به كما كمَّله به، ليكون بالعقلِ طالباً و باحثاً، و ليكون به مميزاً كان به متميزاً، فمنحه بالعقلِ مجالاتٍ أوسَع للرؤية، و آفاقاً أكبر للإدراك، ليكون ناظراً بعمقٍ إلى سر وجوده، فيكون بذلك إثبات شهوده، فتوصَّل بالعقلِ إلى العلم بالكون و الحياةِ، و المعرفة بأسرار الوجود، و لولا العقلُ ما كان متأهباً و لا متأهلا لذلك، فكان العقل طريقاً و باباً، بل هو ملجأ و ملاذ للإنسان في تمحيص المعارف. فحريةُ الإنسان هي الأصل له، و العبوديةُ و الرِّقُّ طارئٌ عليه، و لا يكون إلا كما جُعل أصلا، فإن نُقلَ إلى سواه انتفت منه أقدارٌ من إنسانيته.
و لكنَّ الإنسان يسعى لأن يبقى على حريته، و يُبقيها على تمامها، و لكنَّه ليس في كل ما أراده يصيب، فأصابته أدواء الحياة التي سلبته الحريةَ التي خُلقَ من أجلها. إلا أن تلك الحرية حين أُعطيها إنما هي مقيَّدةٌ بما يتبعه و يتخذه طريقا و سبيلاً، من دينٍ، و غيره. فحتى هذا التقييدُ ليس تقييداً بالصورة التي يفهمها الناس خطأً، بل ممنوحٌ فيها حريةً واسعةَ الأُفق، و لكن لا يُدركها إلا من عرف قيمة حريته، و عرف قدْرَ عقله.
من مقيِّدات حريةِ الإنسان الجهل، فالجهل ضيقٌ، و الحريةُ لا تقبل الضيقَ، و تنفرُ منه نفورا شديدا، فمتى كان الإنسان جاهلاً بشيءٍ فإنه لن يكون عارفاً بما فيه و ما وراءه، فيكون جهله حابسه في محلِّه و حاله. لكنه عندما يتمرد على جهله بالعلم و المعرفة فسيكون في حريةٍ في النظر في المعارف. و الجهلُ ليس فقط عدم العلم، بل يتجاوز ذلك كثيراً إلى التقيُّد بشيءٍ من العلم لا يتجاوزه، فضيِّق المعارف و قليلُ العلم ليس أبعد شأواً من الجاهل بكلٍ. التمتعُ بالحرية لا يكون إلا من خلال المعرفة، و المعرفة العامة بكل أنواعها و تفاصيلها، من المعرفة بالذات، و المعرفة بالقُدرات العقلية، و المعرفة بالمعارف و العلوم، إلى المعرفة الفَهمية، هذه المعارف تمنح الإنسان حقيقة حريته التي وُجدَ أصلاً متصفاً بها، لكنه حين يكون جاهلاً بأي جزءٍ من المعرفة فهو ليس حراً بما يكفي. فالحريةُ بقدرِ المعرفة.
يتبع هذا، وهو كجزءٍ منه، أن تُقيَّد الحريةُ من حيث الرأي، فيكون الإنسان ملازماً رأياً واحداً، لم يقف على رأيٍ غيره، أو يكون قد وقف و عرفَ لكنه منعه التعصُّبُ لرأيه، و ربما يكون رأيَ مدرسةٍ فكرية أو طائفةٍ متحيزةٍ، فالتعصُبُ حتما سيكون قيداً كبيراً على الحرية، ومن ثَم لا يُجاوز الإنسان ظلَّ رأيه ذلك، و إن رام المجاوزةَ خشيَ المبارزة، فيلزم الجادةَّ المطروقة و لو كانت غير آمنةِ المنتهى. كثيرون الذي قُيِّدت حرياتهم بالتعصُّبِ للرأي، فصاروا أرقاءَ فهوم غيرهم، أو ربما فهومهم، و قليلٌ ما هُم، فَعميتْ عليهم أنباءُ الآراءِ الأخرى. لكنَّ من تحررَ من قيدِ التعصُّبِ للرأي أدرك و عرفَ سرَّ إنسانيته، فصارَ منقِّباً عن المعارفِ أين كانت. و بذلك يكون بريئاً من قيدَيْ الجهل و التعصب.
من مقيِّدات الحريةِ، أيضاً، التقاليد. كل أمةٍ من الناس لها تقاليدها الموروثة، و أغلب التقاليدِ لا تكون مناسبة للأحوال المتجددة، بل تكون ضرراً إذا التزمها الإنسان، فهي تقييدٌ خُرافيٌ، مبني على عادةٍ منقولة، و العاداتُ استحساناتٌ اجتماعية، و الاستحسان ليس شيئا ثابتاً مسقراً، بل هو عُرضةٌ للتجدد و التطوُّر. كثيراً ما كانت التقاليدُ حجرَ عثرةٍ في طريق حرية الإنسان، تمنعه من أن يكون حراً بما توحيه إليه معارفه التي استلهمها من حياته، و كثيراً ما كانت، أيضا، سَداً دون مسيره في صناعة حياته كما يريد. التحررُ من التقاليد أصعبُ من التحررِ من أي قيدٍ للحرية، لأن مخالفة المجتمعات جريمة أكبر من مخالفة الأديان، هكذا نظرُ الناس، لكنَّ القوي من الناسِ من تحررَ من التقاليد بقوةٍ أُوتيها، مبنية على برهانٍ صحيح، فمتى واجهه مجتمعه بشيءٍ أتاهم ببرهانه فأتمَّ بُنيانه. و لا يتحرر من تقاليد المجتمعات و أعرافها إلا قلةٌ، و القليلُ كريم.
ليست كل التقاليدِ يُتمرَّدُ عليها، و إنما التقاليد التي لا تنتمي تحت مظلةٍ سليمة، و لا تندرجُ تحت القبول. فبعض التقاليد من السُخفِ بمكانٍ لا يقبل بها إنسان، و لا تؤيدها شريعةُ سماء، فمثلها ترفض تماما. كذلك تلك التقاليدُ التي هي عادات فصُبغتْ صِبغةً دينيةً من أجل أن تُمرَّرَ على الناسِ و تستجلب عواطفهم، و ليست من دينٍ صحيحي في شيءٍ، و إن زُخرفَ لها و زُيِّن.
تلك المقيِّداتِ للحرية الإنسانية ليست بتلك القوة التي لا تُغلب، فعندما يكون العزمُ على مجاوزتها، و الهمةُ في تحقيق الحرية، تكون هشَّةً، و لا تقوى إلا على ذي خوفٍ، و الخوفُ وهمٌ يتلاشَى حين تكون الثقةُ بالقوة الذاتية و الرؤيةُ للغاية المنشودة، و لا أجلَّ من تحقيق غايةِ الإنسانية؛ الحريةِ التي خلق الخالقُ الأكبرُ الإنسان متصفاً بها. حينما يُنادى بالحرية لا يعني التمردُ اللا موزون و اللا مقبول، و إنما الحريةُ السليمة هي ما كانت وَفْقَ قانون العلم و الأدب، إن الحريةَ حين تكون لا وزنَ لها، و بدون قانون يضبطها تكون ضرراً كبيراً، و أول من يُصاب بضررها الحُرُّ الذي تبناها.