الصقرالحنون
06-12-2010, 04:36 AM
فهمي هويدي يكتب فرحة ما تمت
5387
أكد الكاتب والمفكر فهمي هويدي أن فتح معبر رفح خبر جيد وفرحة لن يكتب لها مؤقت إلى أن تهدأ موجة الغضب التي ترددت في أنحاء العالم مطالبة به حين حدث شبه إجماع على أنه لو كان المعبر مفتوحا لما جرى ما جرى لقافلة الحرية وسوف يغلق المعبر عائدا إلى سيرته الأولى بعد أيام قليلة مشيرا الي أن الملف الفلسطيني لم يعد في أيدي العرب، وأنه سلّم إلى الولايات المتحدة الأميركية بالكامل منذ زمن ليس بعيدا.
وأضاف فهمي هويدي في مقاله الذي تنشره عدد من الدوريات العربية ان الحصار له هدف محدد ومعاناة سكان القطاع مطلوبة ومقصودة ويراد بها ليّ ذراع السلطة القائمة في غزة، وإجبارها على الالتحاق بركب التسوية التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل. وإنهاء تلك المعاناة مرتبط بتحقيق ذلك الهدف، ولن يكون بمقدور الأطراف المشاركة في لعبة التسوية أن تسهم في رفع الحصار، لأن ذلك يعني إفشال المخطط المرسوم. ولأن مصر من تلك الدول، فسيظل غاية جهدها أن تفتح المعبر مؤقتا.
وفيما يلي نص مقال فهمي هويدي
الخبر الجيد أن معبر رفح فتح، أما الخبر السيئ فإن ذلك الفتح مؤقت إلى أن تهدأ موجة الغضب التي ترددت في أنحاء العالم مطالبة به حين حدث شبه إجماع على أنه لو كان المعبر مفتوحا، وطريق وصول احتياجات أهل غزة سالكا، لما جرى ما جرى لقافلة الحرية.
كأننا بصدد استعادة المشهد الذي عايشناه منذ ثلاث سنوات، حين انفجر غضب المحاصرين في غزة، ولجأوا إلى كسر الحصار عنوة من خلال عبور الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة سيناء وبين القطاع. ولامتصاص الانفعالات التي طفت على السطح آنذاك، أطلق في مصر شعار أعلن أننا لن نسمح بتجويع الفلسطينيين، وهو ما صدّقه بعض أصحاب النوايا الحسنة آنذاك، فصفقوا طويلا وهتفوا قائلين: «فُرِجت!»، ثم ما أن هدأت الأمور ومرت العاصفة بسلام حتى ارتفع صوت المسؤول المصري الذي قال إننا سنكسر رجل أي فلسطيني يعبر الحدود إلى مصر. وانطلقت معزوفة ميليشيا الإعلام الرسمى التي ما برحت تؤجج مشاعر السخط والتحريض ضد الفلسطينيين، معتبرة أنهم يطمعون في الاستيطان بسيناء، وأنهم ـ وليس الإسرائيليون ـ يهددون أمن مصر القومي. وهي الموجة التي استمرت لبعض الوقت، تلتها موجات أخرى في ذات الاتجاه. احتفت بهدم الأنفاق التي كان الرئيس مبارك قد ذكر في وقت سابق أن الفلسطينيين اضطروا إلى حفرها لتوفير احتياجاتهم التي حرمهم الحصار منها، ثم انتهت بإقامة السور الفولاذي بتمويل ورعاية أميركيتين، لإحكام الخناق حول المحاصرين، وإجبارهم على الركوع والاستسلام.
كنت قد تمنيت أن يكون الإعلان عن فتح معبر رفح بداية هادئة لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، عملا بالحديث النبوي القائل «تفاءلوا بالخير تجدوه»، لكن تبين لي أنني أسرفت في حُسن الظن، وأدركت أن أوان تحقيق الخير المنشود لم يحن بعد، ذلك أنني فهمت من عدة اتصالات أجريتها أن قرار فتح المعبر الذي أعلن عنه لا يعبر عن تغيير أو تصحيح للسياسة المتبعة، ولكنه من قبيل الانحناء للعاصفة، وبالتالي فهو إجراء مؤقت، تعود بعده «ريمة إلى عادتها القديمة»، كما يقول المثل الشائع.
الطريف أن الإعلان الرسمي المصري عن فتح المعبر نسبه إلى قرار الرئيس مبارك شخصيا (من يغلقه يا ترى؟!). مضيفا أن الهدف منه هو تخفيف المعاناة عن «الإخوة الفلسطينيين». ولم أفهم لماذا يصدر قرار من هذا القبيل عن رئيس الجمهورية، الذي يُفترض أنه منشغل بالقرارات الكبرى والسياسات العليا، إلا إذا كان قد أريد نسبة ذلك «الفضل» إلى الرئيس. كما استوقفتني عبارة «تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين»، التي تعطي انطباعا بأن استمرار معاناة «الأشقاء» صار القاعدة المستقرة والمسلّم بها، أما التخفيف فهو الاستثناء ـ كأنما كتب على الفلسطينيين وحدهم من دون شعوب العالم ـ أن يظلوا شعب الله المعذَّب والمحتار!
لأن المفاجأة أو الصدمة كثيرا ما تفتح الأعين على أمور تكون خارجة عن دائرة الوعي في الظروف العادية، فإن ذلك ما حدث معي، حين أدركت أن المعبر سيغلق عائدا إلى سيرته الأولى بعد أيام قليلة، بحيث تتواصل المعاناة بعد الانقطاع الطارئ. ذلك أنني انتبهت أن الملف الفلسطيني لم يعد في أيدي العرب، وأنه سلّم إلى الولايات المتحدة الأميركية بالكامل منذ زمن ليس بعيدا.. ولأن إسرائيل حاضرة في دائرة صنع القرار الأميركي، فذلك يعني أن ما يتعلق بالملف صار محكوما بإرادة الطرفين، ويعني أيضا أن هامش حركة الإرادة العربية إزاء الموضوع صار متواضعا ومحدودا.
إذا صح ذلك التحليل، فإنه يدعونا إلى التفكير بطريقة أخرى فيما يتعلق بحصار غزة، الذي هو في الأصل موقف إسرائيلي وقرار للرباعية الدولية، ذلك أن الحصار له هدف محدد ومعاناة سكان القطاع مطلوبة ومقصودة، ويراد بها ليّ ذراع السلطة القائمة في غزة، وإجبارها على الالتحاق بركب التسوية التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل. وإنهاء تلك المعاناة مرتبط بتحقيق ذلك الهدف، ولن يكون بمقدور الأطراف المشاركة في لعبة التسوية أن تسهم في رفع الحصار، لأن ذلك يعني إفشال المخطط المرسوم. ولأن مصر من تلك الدول، فسيظل غاية جهدها أن تفتح المعبر مؤقتا، بما يحقق بعض التنفيس، الذي لا يؤدي إلى فك الحصار وإنهاء المعاناة ـ لذا لزم التنويه.
5387
أكد الكاتب والمفكر فهمي هويدي أن فتح معبر رفح خبر جيد وفرحة لن يكتب لها مؤقت إلى أن تهدأ موجة الغضب التي ترددت في أنحاء العالم مطالبة به حين حدث شبه إجماع على أنه لو كان المعبر مفتوحا لما جرى ما جرى لقافلة الحرية وسوف يغلق المعبر عائدا إلى سيرته الأولى بعد أيام قليلة مشيرا الي أن الملف الفلسطيني لم يعد في أيدي العرب، وأنه سلّم إلى الولايات المتحدة الأميركية بالكامل منذ زمن ليس بعيدا.
وأضاف فهمي هويدي في مقاله الذي تنشره عدد من الدوريات العربية ان الحصار له هدف محدد ومعاناة سكان القطاع مطلوبة ومقصودة ويراد بها ليّ ذراع السلطة القائمة في غزة، وإجبارها على الالتحاق بركب التسوية التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل. وإنهاء تلك المعاناة مرتبط بتحقيق ذلك الهدف، ولن يكون بمقدور الأطراف المشاركة في لعبة التسوية أن تسهم في رفع الحصار، لأن ذلك يعني إفشال المخطط المرسوم. ولأن مصر من تلك الدول، فسيظل غاية جهدها أن تفتح المعبر مؤقتا.
وفيما يلي نص مقال فهمي هويدي
الخبر الجيد أن معبر رفح فتح، أما الخبر السيئ فإن ذلك الفتح مؤقت إلى أن تهدأ موجة الغضب التي ترددت في أنحاء العالم مطالبة به حين حدث شبه إجماع على أنه لو كان المعبر مفتوحا، وطريق وصول احتياجات أهل غزة سالكا، لما جرى ما جرى لقافلة الحرية.
كأننا بصدد استعادة المشهد الذي عايشناه منذ ثلاث سنوات، حين انفجر غضب المحاصرين في غزة، ولجأوا إلى كسر الحصار عنوة من خلال عبور الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة سيناء وبين القطاع. ولامتصاص الانفعالات التي طفت على السطح آنذاك، أطلق في مصر شعار أعلن أننا لن نسمح بتجويع الفلسطينيين، وهو ما صدّقه بعض أصحاب النوايا الحسنة آنذاك، فصفقوا طويلا وهتفوا قائلين: «فُرِجت!»، ثم ما أن هدأت الأمور ومرت العاصفة بسلام حتى ارتفع صوت المسؤول المصري الذي قال إننا سنكسر رجل أي فلسطيني يعبر الحدود إلى مصر. وانطلقت معزوفة ميليشيا الإعلام الرسمى التي ما برحت تؤجج مشاعر السخط والتحريض ضد الفلسطينيين، معتبرة أنهم يطمعون في الاستيطان بسيناء، وأنهم ـ وليس الإسرائيليون ـ يهددون أمن مصر القومي. وهي الموجة التي استمرت لبعض الوقت، تلتها موجات أخرى في ذات الاتجاه. احتفت بهدم الأنفاق التي كان الرئيس مبارك قد ذكر في وقت سابق أن الفلسطينيين اضطروا إلى حفرها لتوفير احتياجاتهم التي حرمهم الحصار منها، ثم انتهت بإقامة السور الفولاذي بتمويل ورعاية أميركيتين، لإحكام الخناق حول المحاصرين، وإجبارهم على الركوع والاستسلام.
كنت قد تمنيت أن يكون الإعلان عن فتح معبر رفح بداية هادئة لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، عملا بالحديث النبوي القائل «تفاءلوا بالخير تجدوه»، لكن تبين لي أنني أسرفت في حُسن الظن، وأدركت أن أوان تحقيق الخير المنشود لم يحن بعد، ذلك أنني فهمت من عدة اتصالات أجريتها أن قرار فتح المعبر الذي أعلن عنه لا يعبر عن تغيير أو تصحيح للسياسة المتبعة، ولكنه من قبيل الانحناء للعاصفة، وبالتالي فهو إجراء مؤقت، تعود بعده «ريمة إلى عادتها القديمة»، كما يقول المثل الشائع.
الطريف أن الإعلان الرسمي المصري عن فتح المعبر نسبه إلى قرار الرئيس مبارك شخصيا (من يغلقه يا ترى؟!). مضيفا أن الهدف منه هو تخفيف المعاناة عن «الإخوة الفلسطينيين». ولم أفهم لماذا يصدر قرار من هذا القبيل عن رئيس الجمهورية، الذي يُفترض أنه منشغل بالقرارات الكبرى والسياسات العليا، إلا إذا كان قد أريد نسبة ذلك «الفضل» إلى الرئيس. كما استوقفتني عبارة «تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين»، التي تعطي انطباعا بأن استمرار معاناة «الأشقاء» صار القاعدة المستقرة والمسلّم بها، أما التخفيف فهو الاستثناء ـ كأنما كتب على الفلسطينيين وحدهم من دون شعوب العالم ـ أن يظلوا شعب الله المعذَّب والمحتار!
لأن المفاجأة أو الصدمة كثيرا ما تفتح الأعين على أمور تكون خارجة عن دائرة الوعي في الظروف العادية، فإن ذلك ما حدث معي، حين أدركت أن المعبر سيغلق عائدا إلى سيرته الأولى بعد أيام قليلة، بحيث تتواصل المعاناة بعد الانقطاع الطارئ. ذلك أنني انتبهت أن الملف الفلسطيني لم يعد في أيدي العرب، وأنه سلّم إلى الولايات المتحدة الأميركية بالكامل منذ زمن ليس بعيدا.. ولأن إسرائيل حاضرة في دائرة صنع القرار الأميركي، فذلك يعني أن ما يتعلق بالملف صار محكوما بإرادة الطرفين، ويعني أيضا أن هامش حركة الإرادة العربية إزاء الموضوع صار متواضعا ومحدودا.
إذا صح ذلك التحليل، فإنه يدعونا إلى التفكير بطريقة أخرى فيما يتعلق بحصار غزة، الذي هو في الأصل موقف إسرائيلي وقرار للرباعية الدولية، ذلك أن الحصار له هدف محدد ومعاناة سكان القطاع مطلوبة ومقصودة، ويراد بها ليّ ذراع السلطة القائمة في غزة، وإجبارها على الالتحاق بركب التسوية التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل. وإنهاء تلك المعاناة مرتبط بتحقيق ذلك الهدف، ولن يكون بمقدور الأطراف المشاركة في لعبة التسوية أن تسهم في رفع الحصار، لأن ذلك يعني إفشال المخطط المرسوم. ولأن مصر من تلك الدول، فسيظل غاية جهدها أن تفتح المعبر مؤقتا، بما يحقق بعض التنفيس، الذي لا يؤدي إلى فك الحصار وإنهاء المعاناة ـ لذا لزم التنويه.