Abu anas
07-31-2010, 12:54 AM
عرض/نبيل شبيب
قليل من الكتب غير السياسية ما يتحول إلى حدث يشغل وسائل الإعلام على نطاق واسع، ويشهد من السجال ما لا يُنتظر أن يهدأ في ألمانيا لفترة طويلة نسبيا، كما هو الحال مع هذا الكتاب.
وهو لكاتبة من النساء اللاتي دخلن الحياة المهنية من بابها الواسع، وحققن من الشهرة ما جعلهن من "النجمات" اللاتي يتطلع إليهن الجيل الصاعد.
وبالتالي فليس بسيطا أن تكتب إحداهن -إيفا هيرمان- وهي في أوج شهرتها، كتابا تقول فيه إن الحركة النسوية سلبت النساء أنوثتهن، وإن ما دعت إليه لم يكن في صالح النساء، وإنه ينبغي أن يعاد الاعتبار إلى الأم وربة البيت، وأن يخرج المجتمع من تلك المعارك "الوهمية" بين النساء والرجال.
بل إن في الكتاب دعوة مباشرة للثورة على تلك "القلة" من النساء اللواتي يصنعن القرار للحركة النسوية، واللاتي كن من وراء امتهان أعمال أنثوية كريمة، كالإنجاب والتربية وخدمة البيت، حتى تفككت الأسرة، وانتشرت ظاهرة الانقراض السكاني، فضلا عن الأمراض الاجتماعية على مستوى الأطفال والشبيبة والناشئة.
مقدمة برامج تلفزيونية
لقد أحدث الكتاب "ثورة" اجتماعية وإعلامية عندما نزل إلى الأسواق في سبتمبر/أيلول 2006، ولكن ظهرت بوادر هذه الثورة منذ ستة شهور، عندما بدأت إيفا هيرمان تتحدث علنا عن أفكارها التي تضمنها الكتاب قبل طباعته.
وكانت قادرة على أن تصل بصوتها إلى نسبة كبيرة من المجتمع، إذ هي أشهر مقدمات البرامج التلفزيونية في ألمانيا، حازت على عدد من الجوائز، وتصدرت كثيرا من عمليات استطلاع الرأي، وعرفت من قبل بعدد من الكتب التي نشرتها، وكان معظمها حول الأمومة، التي ذاقت طعمها مرة واحدة، رغم أنها تزوجت ثلاث مرات، قبل زواجها الرابع الحالي.
ولعب ذلك دوره في أن الحركة النسوية التي عبأت هجمة مضادة للكاتبة والكتاب، تعمدت التركيز على هذا الجانب الشخصي من حياتها، وبدلا من مناقشة أفكارها، بدأ يتردد في كثير من المقالات الصحفية والمقابلات الإعلامية أن إخفاقها المتكرر في الحياة الزوجية أوجد لديها من الخلل الفكري ما يجعلها تدعو النساء إلى العودة إلى "العصور الحجرية"، وأن كلامها لا قيمة له، وأنه لا ينبغي الاهتمام به وبها.
ولكن كلما ازدادت وطأة الهجمة، ازداد حجم الاهتمام بالكاتبة والكتاب، وبدا المجتمع الألماني منقسما على نفسه بين مؤيد ومعارض.
صحيح أن نسبة المعارضة التي تعتمد الحركة النسوية على ذكرها في حدود 75%، ولكنها اختارت لذلك استطلاعا للرأي من شركة "فورسا" الألمانية وأهملت استطلاعا آخر لشركة "إيمنيد" المعروفة برصانتها والمعتمَدة في الاستطلاعات السياسية الرئيسية عادة، وهو استطلاع يقول إن زهاء 50% من المجتمع الألماني يؤيد الأفكار التي تطرحها "إيفا هيرمان".
الكتاب يحمل عنوان "مبدأ إيفا" والترجمة الأصح هي "مبدأ حواء"، فالاسم "إيفا" يعني حواء، والكتاب لا يتحدث عن خبرة شخصية ذاتية، بل يتحدث عن حواء عموما، وهو ما يشير إليه الجزء التالي من العنوان "من أجل أنوثة جديدة".
ولم يترك الكتاب في مقدمة مؤلفته وفصوله الثمانية مقولة أو شعارا أو مبدأ دعت إليه الحركة النسوية إلا وأورد نقضا له، بأسلوب منهجي مبسط، يمكن أن يصمد للنقد العلمي وأن يفهمه العامة -وهم المستهدفون بالكتاب- دون صعوبة.
في كل فقرة رئيسية من فقراته، مثال أو عدد من الأمثلة من واقع الحياة التي تعيشها المرأة مباشرة، ثم معلومات أساسية وإحصائية تبين موضع الخلل فيما أدت إليه دعوات الحركة النسوية، ونتيجة يصل إليها القارئ قبل أن تذكرها الكاتبة التي جمعت تلك النتائج فيما سمته "مبدأ حواء" مفصلة إياها في الباب الثامن.
وتعلن الكاتبة في المقدمة أنها تخترق بأفكارها المحظورات، فتبدأ بذلك هجومها المباشر على الحركة النسوية التي اصطنعت تلك المحظورات، حتى بات من يريد الحديث عن دور الأمومة، يخشى من ردود الأفعال ضده، رغم أن هذا بالذات ما أوصل المجتمع إلى الهاوية.
وأشارت إلى العزوف عن الإنجاب الذي بات من المواضيع الساخنة في المجتمع الألماني، وإلى ما يعانيه الأطفال نتيجة العجز عن وصفة بديلة لدور المرأة الأم في رعاية الأطفال أولا.
مساواة وهمية
تتناول المؤلفة في الفصل الأول عمل المرأة خارج المنزل، فتعتبر انتشاره نتيجة للانحراف في فكر اعتبر ذلك مدخلا لإثبات المرأة وجودها، بعد امتهان دورها الأسري، والواقع أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية جعلتها مكرهة على العمل، وإن لم ترغب فيه، سواء كان ذلك نتيجة الظروف المعيشية، أو نتيجة مفعول مناهج التوعية والتربية والتعليم التي تقول للمرأة إن قيمتها مرتبطة بمزاولة العمل فحسب.
ولكن الإحساس بالفخر يتحقق دون ربطه بمهنة تستهدف تحصيل المال، وهذا ما ينبغي علينا صنعه "فنحن النساء نملك سائر المواهب لذلك، إنما يجب أن نمتلك الجراءة لصنعه".
وتنتقد المؤلفة في الفصل الثاني دعوة مساواة المرأة بالرجل، بالصيغة التي نُشرت بها وكأنها "معتقد" يجب الالتزام به، بينما يكمن الخطأ الأكبر في ربط كلمة المساواة بأن تصبح المرأة كالرجل، أي أن تتخلى عن أنوثتها.
وكأنه لا قيمة لها بوصفها امرأة، بل يجب أن تكون رجلا لتصبح لها قيمة، إلى درجة إجراء تجارب كانت الحركة النسوية تدعمها في السبعينيات من القرن الميلادي العشرين، لتحويل المرأة إلى رجل أو الرجل إلى امرأة جسمانيا وليس نفسانيا فقط.
وهنا تستشهد الكاتبة بالدراسات العلمية الحديثة التي تحدد الفوارق بين المرأة والرجل بصورة قطعية، وترفض تبعا لذلك تلك المعركة الوهمية ضد "الجنس القوي".
وتطالب هيرمان النساء بالتركيز على وجود فارق بين حواء وآدم، وأن يكون ذلك منطلق اعتزاز المرأة بأنوثتها، بدلا من سلوك "طريق لا جدوى منه على صعيد إعادة توزيع الأدوار" بدعوى المساواة.
ولا يعني ما تدعو إليه الكاتبة التخلي عن وجود المرأة الطبيعي في ميادين عديدة تثبت من خلاله كفاءتها، علميا وتقنيا وإنجازا وعطاء، إنما يدور محور دعوتها حول عدم ربط قيمة المرأة بأن تعمل بالضرورة، أو بأن تزاول ما يُعتبر -بسبب القوة العضلية المطلوبة- من مهن الرجال.
ويظهر في الفصلين الثالث والرابع دافع رئيسي حرك الكاتبة لتنشر أفكارها في الوقت الحاضر، وهو ما يتم رصده على صعيد الأطفال والأسرة، فالأطفال والناشئة هم الضحية الأولى.
وتركز المؤلفة على تجارب شرق ألمانيا بصورة خاصة، ويظهر مقصودها في عنواني الفصلين "مأساة الأطفال.. علام نعيش في مشاعر عصر جليدي؟.." و"مجتمع بلا روابط.. علام نفقد السند الاجتماعي؟".
وتعالج في الفصلين أكثر من ظاهرة سلبية تعاني منها الأسرة ويعاني منها الأطفال، مثل قضية العنف، فتخاطب النساء مشيرة إلى ما يعيشه الأطفال من عنف في عالمنا، فتقول "إنهم يرون، ويسمعون ويقرؤون ثم يعتقدون في النهاية أن العنف أمر طبيعي. ألا ينبغي على الأقل أن نُظهر لهم بالمثال العملي داخل الأسرة أنه يوجد طريقة أخرى للحياة غير العنف؟".
وتخصص هيرمان الفصل الخامس لأمر يُعتبر في محور دعوة الحركة النسوية الغربية منذ السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وهو العلاقات بين الجنسين.
وتصل فيه إلى القول إن "الحركة النسوية تفترس أطفالنا" بعد أن جعلت الجنس هدفا بذاته، ونزعت دوره على صعيد الإنجاب، وركزت على "ترويض الرجل" و"تغييب أنوثة المرأة".
وإذا كانت الحركة النسوية قد دمرت الأسرة بذلك، فمبدأ حواء يريد إحياءها والدفاع عنها، "ونحن النساء نملك القدرة على إخراج أنفسنا من الطريق المسدودة هذه، فلنعد إلى مشاعر الأنوثة، والحياء، والعفة الجنسية، والرغبة في الإنجاب بطبيعة الحال أيضا".
قلم "إسلامي معتدل!"
وبعد نقض أهم ما تدعو إليه الحركة النسوية الغربية في الفصول السابقة تنتقل الكاتبة في الفصل السادس إلى الحديث المباشر عنها، فالمشكلة ليست فقط في الثمن الذي دفعته المرأة من خلال سلوك طريق خاطئ، وتعبئتها بالأوهام، وتجريدها من قيمتها الذاتية ومن أنوثتها بدعوى المساواة، بل تحولت الحركة النسوية مع الزمن من حرب ضد الرجال إلى حرب ضد النساء.
فما نشرته تلك الحركة من "تصورات ومعتقدات"، أصبحت تنشره بوصفه الحقيقة المطلقة، وهذا ما يجعل الخوض في الحديث عنها محظورا.
وعندما يتحدث رجل أو امرأة عن ذلك يتلقى الهجمات من كل صوب، ولكن عند التأمل في ذلك يظهر أن من وراء الهجمات نسبة محدودة من النساء يتزعمن الحركة النسوية.
ولهذا لا ينبغي -كما قالت الكاتبة في الفصل السابع- الاستمرار في تلك الحرب الوهمية ضد الرجال، بل ينبغي البحث عن طريق آخر، هو ما ترسمه الكاتبة فيما أطلقت عليه "مبدأ حواء" وفصلت الحديث حوله في الفصل الثامن الختامي من الكتاب.
و"مبدأ حواء" حافل بالقيم، أولها إعادة مكانة الصدارة للأسرة والحياة الأسرية، والانطلاق إلى ذلك من إعادة المرأة التفكير في الواقع الذي نشأ مع الزمن.
وركزت هيرمان على أهمية التربية داخل الأسرة، بما في ذلك التخلي خصوصا عن شعار "الحرية المطلقة في تربية الأطفال" الذي حل مكان احترام الأكبر سنا بدءا بالوالدين، ثم التحرر من المحظورات الفكرية المصطنعة عبر الحركة النسوية.
وطالبت برفع شعار المصالحة والتفاهم بين الرجل والمرأة، وبين المرأة والمرأة، وبعث إحساس المرأة بمسؤوليتها انطلاقا من كونها امرأة، لها قيمتها الذاتية الاجتماعية، ودورها القائم على بناء الأسرة وتعزيزها.
هل في الكتاب جديد حقا؟.. قد لا يبدو لنا في أوساطنا العربية والإسلامية أن فيه أفكارا جديدة، لأن كثيرا مما تطرحه إيفا هيرمان هو في صميم ما ينتشر لدينا من دعوات للحفاظ على الأسرة ولاعتبار تكريم المرأة كامنا في كونها امرأة، أما وزوجة وأختا وبنتا، دون التعنت في اتجاه حرمانها من حقوق أساسية لجنس الإنسان، ولا التشدد في اعتبار عملها خارج المنزل، ناهيك عن تحصيل العلم والمساهمة في البحث العلمي، أمرا محظورا.
ويكاد قارئ الكتاب يرى فيه قلما "إسلاميا معتدلا"، يتحدث عن تجربة غربية للحركة النسوية الغربية، فيحذر من عواقبها المستقبلية، بينما يمثل هذا الكتاب تحذيرا داخل الغرب من عواقبها التي باتت جزءا مرئيا من معاناة الواقع المعاش، إلى درجة أن موضوع الأسرة والأمومة الذي يتناوله، بات منذ فترة من المواضيع الأساسية المطروحة في الحياة الفكرية والإعلامية في ألمانيا وسواها من البلدان الغربية.
وتميز هذا الكتاب جاء من ربط هذا الحديث ربطا مباشرا بما يمثل "جرد حساب" للحركة النسوية وحصيلة ما صنعته في العقود الأربعة الماضية على وجه الخصوص.
قليل من الكتب غير السياسية ما يتحول إلى حدث يشغل وسائل الإعلام على نطاق واسع، ويشهد من السجال ما لا يُنتظر أن يهدأ في ألمانيا لفترة طويلة نسبيا، كما هو الحال مع هذا الكتاب.
وهو لكاتبة من النساء اللاتي دخلن الحياة المهنية من بابها الواسع، وحققن من الشهرة ما جعلهن من "النجمات" اللاتي يتطلع إليهن الجيل الصاعد.
وبالتالي فليس بسيطا أن تكتب إحداهن -إيفا هيرمان- وهي في أوج شهرتها، كتابا تقول فيه إن الحركة النسوية سلبت النساء أنوثتهن، وإن ما دعت إليه لم يكن في صالح النساء، وإنه ينبغي أن يعاد الاعتبار إلى الأم وربة البيت، وأن يخرج المجتمع من تلك المعارك "الوهمية" بين النساء والرجال.
بل إن في الكتاب دعوة مباشرة للثورة على تلك "القلة" من النساء اللواتي يصنعن القرار للحركة النسوية، واللاتي كن من وراء امتهان أعمال أنثوية كريمة، كالإنجاب والتربية وخدمة البيت، حتى تفككت الأسرة، وانتشرت ظاهرة الانقراض السكاني، فضلا عن الأمراض الاجتماعية على مستوى الأطفال والشبيبة والناشئة.
مقدمة برامج تلفزيونية
لقد أحدث الكتاب "ثورة" اجتماعية وإعلامية عندما نزل إلى الأسواق في سبتمبر/أيلول 2006، ولكن ظهرت بوادر هذه الثورة منذ ستة شهور، عندما بدأت إيفا هيرمان تتحدث علنا عن أفكارها التي تضمنها الكتاب قبل طباعته.
وكانت قادرة على أن تصل بصوتها إلى نسبة كبيرة من المجتمع، إذ هي أشهر مقدمات البرامج التلفزيونية في ألمانيا، حازت على عدد من الجوائز، وتصدرت كثيرا من عمليات استطلاع الرأي، وعرفت من قبل بعدد من الكتب التي نشرتها، وكان معظمها حول الأمومة، التي ذاقت طعمها مرة واحدة، رغم أنها تزوجت ثلاث مرات، قبل زواجها الرابع الحالي.
ولعب ذلك دوره في أن الحركة النسوية التي عبأت هجمة مضادة للكاتبة والكتاب، تعمدت التركيز على هذا الجانب الشخصي من حياتها، وبدلا من مناقشة أفكارها، بدأ يتردد في كثير من المقالات الصحفية والمقابلات الإعلامية أن إخفاقها المتكرر في الحياة الزوجية أوجد لديها من الخلل الفكري ما يجعلها تدعو النساء إلى العودة إلى "العصور الحجرية"، وأن كلامها لا قيمة له، وأنه لا ينبغي الاهتمام به وبها.
ولكن كلما ازدادت وطأة الهجمة، ازداد حجم الاهتمام بالكاتبة والكتاب، وبدا المجتمع الألماني منقسما على نفسه بين مؤيد ومعارض.
صحيح أن نسبة المعارضة التي تعتمد الحركة النسوية على ذكرها في حدود 75%، ولكنها اختارت لذلك استطلاعا للرأي من شركة "فورسا" الألمانية وأهملت استطلاعا آخر لشركة "إيمنيد" المعروفة برصانتها والمعتمَدة في الاستطلاعات السياسية الرئيسية عادة، وهو استطلاع يقول إن زهاء 50% من المجتمع الألماني يؤيد الأفكار التي تطرحها "إيفا هيرمان".
الكتاب يحمل عنوان "مبدأ إيفا" والترجمة الأصح هي "مبدأ حواء"، فالاسم "إيفا" يعني حواء، والكتاب لا يتحدث عن خبرة شخصية ذاتية، بل يتحدث عن حواء عموما، وهو ما يشير إليه الجزء التالي من العنوان "من أجل أنوثة جديدة".
ولم يترك الكتاب في مقدمة مؤلفته وفصوله الثمانية مقولة أو شعارا أو مبدأ دعت إليه الحركة النسوية إلا وأورد نقضا له، بأسلوب منهجي مبسط، يمكن أن يصمد للنقد العلمي وأن يفهمه العامة -وهم المستهدفون بالكتاب- دون صعوبة.
في كل فقرة رئيسية من فقراته، مثال أو عدد من الأمثلة من واقع الحياة التي تعيشها المرأة مباشرة، ثم معلومات أساسية وإحصائية تبين موضع الخلل فيما أدت إليه دعوات الحركة النسوية، ونتيجة يصل إليها القارئ قبل أن تذكرها الكاتبة التي جمعت تلك النتائج فيما سمته "مبدأ حواء" مفصلة إياها في الباب الثامن.
وتعلن الكاتبة في المقدمة أنها تخترق بأفكارها المحظورات، فتبدأ بذلك هجومها المباشر على الحركة النسوية التي اصطنعت تلك المحظورات، حتى بات من يريد الحديث عن دور الأمومة، يخشى من ردود الأفعال ضده، رغم أن هذا بالذات ما أوصل المجتمع إلى الهاوية.
وأشارت إلى العزوف عن الإنجاب الذي بات من المواضيع الساخنة في المجتمع الألماني، وإلى ما يعانيه الأطفال نتيجة العجز عن وصفة بديلة لدور المرأة الأم في رعاية الأطفال أولا.
مساواة وهمية
تتناول المؤلفة في الفصل الأول عمل المرأة خارج المنزل، فتعتبر انتشاره نتيجة للانحراف في فكر اعتبر ذلك مدخلا لإثبات المرأة وجودها، بعد امتهان دورها الأسري، والواقع أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية جعلتها مكرهة على العمل، وإن لم ترغب فيه، سواء كان ذلك نتيجة الظروف المعيشية، أو نتيجة مفعول مناهج التوعية والتربية والتعليم التي تقول للمرأة إن قيمتها مرتبطة بمزاولة العمل فحسب.
ولكن الإحساس بالفخر يتحقق دون ربطه بمهنة تستهدف تحصيل المال، وهذا ما ينبغي علينا صنعه "فنحن النساء نملك سائر المواهب لذلك، إنما يجب أن نمتلك الجراءة لصنعه".
وتنتقد المؤلفة في الفصل الثاني دعوة مساواة المرأة بالرجل، بالصيغة التي نُشرت بها وكأنها "معتقد" يجب الالتزام به، بينما يكمن الخطأ الأكبر في ربط كلمة المساواة بأن تصبح المرأة كالرجل، أي أن تتخلى عن أنوثتها.
وكأنه لا قيمة لها بوصفها امرأة، بل يجب أن تكون رجلا لتصبح لها قيمة، إلى درجة إجراء تجارب كانت الحركة النسوية تدعمها في السبعينيات من القرن الميلادي العشرين، لتحويل المرأة إلى رجل أو الرجل إلى امرأة جسمانيا وليس نفسانيا فقط.
وهنا تستشهد الكاتبة بالدراسات العلمية الحديثة التي تحدد الفوارق بين المرأة والرجل بصورة قطعية، وترفض تبعا لذلك تلك المعركة الوهمية ضد "الجنس القوي".
وتطالب هيرمان النساء بالتركيز على وجود فارق بين حواء وآدم، وأن يكون ذلك منطلق اعتزاز المرأة بأنوثتها، بدلا من سلوك "طريق لا جدوى منه على صعيد إعادة توزيع الأدوار" بدعوى المساواة.
ولا يعني ما تدعو إليه الكاتبة التخلي عن وجود المرأة الطبيعي في ميادين عديدة تثبت من خلاله كفاءتها، علميا وتقنيا وإنجازا وعطاء، إنما يدور محور دعوتها حول عدم ربط قيمة المرأة بأن تعمل بالضرورة، أو بأن تزاول ما يُعتبر -بسبب القوة العضلية المطلوبة- من مهن الرجال.
ويظهر في الفصلين الثالث والرابع دافع رئيسي حرك الكاتبة لتنشر أفكارها في الوقت الحاضر، وهو ما يتم رصده على صعيد الأطفال والأسرة، فالأطفال والناشئة هم الضحية الأولى.
وتركز المؤلفة على تجارب شرق ألمانيا بصورة خاصة، ويظهر مقصودها في عنواني الفصلين "مأساة الأطفال.. علام نعيش في مشاعر عصر جليدي؟.." و"مجتمع بلا روابط.. علام نفقد السند الاجتماعي؟".
وتعالج في الفصلين أكثر من ظاهرة سلبية تعاني منها الأسرة ويعاني منها الأطفال، مثل قضية العنف، فتخاطب النساء مشيرة إلى ما يعيشه الأطفال من عنف في عالمنا، فتقول "إنهم يرون، ويسمعون ويقرؤون ثم يعتقدون في النهاية أن العنف أمر طبيعي. ألا ينبغي على الأقل أن نُظهر لهم بالمثال العملي داخل الأسرة أنه يوجد طريقة أخرى للحياة غير العنف؟".
وتخصص هيرمان الفصل الخامس لأمر يُعتبر في محور دعوة الحركة النسوية الغربية منذ السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وهو العلاقات بين الجنسين.
وتصل فيه إلى القول إن "الحركة النسوية تفترس أطفالنا" بعد أن جعلت الجنس هدفا بذاته، ونزعت دوره على صعيد الإنجاب، وركزت على "ترويض الرجل" و"تغييب أنوثة المرأة".
وإذا كانت الحركة النسوية قد دمرت الأسرة بذلك، فمبدأ حواء يريد إحياءها والدفاع عنها، "ونحن النساء نملك القدرة على إخراج أنفسنا من الطريق المسدودة هذه، فلنعد إلى مشاعر الأنوثة، والحياء، والعفة الجنسية، والرغبة في الإنجاب بطبيعة الحال أيضا".
قلم "إسلامي معتدل!"
وبعد نقض أهم ما تدعو إليه الحركة النسوية الغربية في الفصول السابقة تنتقل الكاتبة في الفصل السادس إلى الحديث المباشر عنها، فالمشكلة ليست فقط في الثمن الذي دفعته المرأة من خلال سلوك طريق خاطئ، وتعبئتها بالأوهام، وتجريدها من قيمتها الذاتية ومن أنوثتها بدعوى المساواة، بل تحولت الحركة النسوية مع الزمن من حرب ضد الرجال إلى حرب ضد النساء.
فما نشرته تلك الحركة من "تصورات ومعتقدات"، أصبحت تنشره بوصفه الحقيقة المطلقة، وهذا ما يجعل الخوض في الحديث عنها محظورا.
وعندما يتحدث رجل أو امرأة عن ذلك يتلقى الهجمات من كل صوب، ولكن عند التأمل في ذلك يظهر أن من وراء الهجمات نسبة محدودة من النساء يتزعمن الحركة النسوية.
ولهذا لا ينبغي -كما قالت الكاتبة في الفصل السابع- الاستمرار في تلك الحرب الوهمية ضد الرجال، بل ينبغي البحث عن طريق آخر، هو ما ترسمه الكاتبة فيما أطلقت عليه "مبدأ حواء" وفصلت الحديث حوله في الفصل الثامن الختامي من الكتاب.
و"مبدأ حواء" حافل بالقيم، أولها إعادة مكانة الصدارة للأسرة والحياة الأسرية، والانطلاق إلى ذلك من إعادة المرأة التفكير في الواقع الذي نشأ مع الزمن.
وركزت هيرمان على أهمية التربية داخل الأسرة، بما في ذلك التخلي خصوصا عن شعار "الحرية المطلقة في تربية الأطفال" الذي حل مكان احترام الأكبر سنا بدءا بالوالدين، ثم التحرر من المحظورات الفكرية المصطنعة عبر الحركة النسوية.
وطالبت برفع شعار المصالحة والتفاهم بين الرجل والمرأة، وبين المرأة والمرأة، وبعث إحساس المرأة بمسؤوليتها انطلاقا من كونها امرأة، لها قيمتها الذاتية الاجتماعية، ودورها القائم على بناء الأسرة وتعزيزها.
هل في الكتاب جديد حقا؟.. قد لا يبدو لنا في أوساطنا العربية والإسلامية أن فيه أفكارا جديدة، لأن كثيرا مما تطرحه إيفا هيرمان هو في صميم ما ينتشر لدينا من دعوات للحفاظ على الأسرة ولاعتبار تكريم المرأة كامنا في كونها امرأة، أما وزوجة وأختا وبنتا، دون التعنت في اتجاه حرمانها من حقوق أساسية لجنس الإنسان، ولا التشدد في اعتبار عملها خارج المنزل، ناهيك عن تحصيل العلم والمساهمة في البحث العلمي، أمرا محظورا.
ويكاد قارئ الكتاب يرى فيه قلما "إسلاميا معتدلا"، يتحدث عن تجربة غربية للحركة النسوية الغربية، فيحذر من عواقبها المستقبلية، بينما يمثل هذا الكتاب تحذيرا داخل الغرب من عواقبها التي باتت جزءا مرئيا من معاناة الواقع المعاش، إلى درجة أن موضوع الأسرة والأمومة الذي يتناوله، بات منذ فترة من المواضيع الأساسية المطروحة في الحياة الفكرية والإعلامية في ألمانيا وسواها من البلدان الغربية.
وتميز هذا الكتاب جاء من ربط هذا الحديث ربطا مباشرا بما يمثل "جرد حساب" للحركة النسوية وحصيلة ما صنعته في العقود الأربعة الماضية على وجه الخصوص.