الصقرالحنون
08-02-2010, 06:53 PM
وفود الأحنف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه المدائني
قال: قدم الأحنف بن قيس التميمي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أهل البصرة وأهل الكوفة فتكلموا عنده في أنفسهم وما ينوب كل واحد منهم وتكلم الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد الله وقد أتتك وفود أهل العراق وإن إخواننا من أهل الكوفة والشام ومصر نزلوا منازل الأمم الخالية والملوك الجبابرة ومنازل كسرى وقيصر وبني الأصفر فهم من المياه العذبة والجنان المخصبة في مثل حولاء السلى وحدقة البعير تأتيهم ثمارهم غضة لم تتغير وإنا نزلنا أرضاً نشاشة طرف في فلاة وطرف في ملح أجاج جانب منها منابت القصب وجانب سبخة نشاشة لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها تأتينا منافعها في مثل مريء النعامة يخرج الرجل الضعيف منا يستعذب الماء من فرسخين وتخرج المرأة بمثل ذلك ترنق ولدها ترنيق العنز تخاف عليه العدو والسبع فإلا ترفع خسيستنا وتنعش ركيستنا وتجبر فاقتنا وتزيد في عيالنا عيالاً وفي رجالنا رجالاً وتصفر درهمنا وتكبر قفيزنا وتأمر لنا بحفر نهر نستعذب به الماء هلكنا. قال عمر: هذا والله السيد! هذا والله السيد! قال الأحنف: فما زلت أسمعها بعدها. فأراد زيد بن جبلة أن يضع منه فقال: يا أمير المؤمنين إنه ليس هناك وأمه باهلية. قال عمر: هو خير منك إن كان صادقاً. يريد إن كانت له نية. فقال الأحنف: أنا ابن الباهلية أرضعتني بثدي لا أجد ولا وخيم أغض على القذى أجفان عيني إذا شر السفيه إلى الحليم قال: فرجع الوفد واحتبس الأحنف عنده حولاً وأشهراً ثم قال: إن رسول الله (ص) حذرنا كل منافق صنع اللسان وإني خفتك فاحتبستك فلم يبلغني عنك إلا خير رأيت لك جولاً ومعقولاً فارجع إلى منزلك واتق الله ربك. وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أن يحتفر لهم نهراً. على عمر بن الخطاب رضي الله عنه العتبي عن أبيه قال: وفد الأحنف وعمرو بن الأهتم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأراد أن يقرع بينهما في الرياسة فلما اجتمعت بنو تميم قال الأحنف: ثوى قدح عن قومه طالما ثوى فلما أتاهم قال قوموا تناجزوا فقال عمرو بن الأهتم: إنا كنا وأنتم في دار جاهلية فكان الفضل فيها لمن جهل فسفكنا دماءكم وسبينا نساءكم وإنا اليوم في دار الإسلام والفضل فيها لمن حلم فغفر الله لنا ولك. قال: فغلب يومئذ عمرو بن الأهتم على الأحنف ووقعت القرعة لآل الأهتم. فقال عمرو بن الأهتم: لما دعتني للرياسة منقر لدى مجلس أضحى به النجم باديا شددت لها أزري وقد كنت قبلها لأمثالها مما أشد إزاريا وعمرو بن الأهتم: هو الذي تكلم بين يدي رسول الله (ص) وسأله عن الزبرقان فقال عمرو: مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: والله يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر مما قال ولكن حسدني قال: أما والله يا رسول الله إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الولد لئيم الخال والله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى رضيت عن ابن عمي فقلت أحسن ما علمت ولم أكذب وسخطت عليه فقلت أقبح ما علمت ولم أكذب فقال رسول الله (ص): إن من البيان لسحراً.
وفود عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إذ أوفده سعد لما فتحت القادسية على يدي سعد بن أبي وقاص أبلى فيها عمرو بن معد يكرب بلاء حسناً فأوفده سعد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب إليه معه بالفتح وأثنى في الكتاب على عمرو. فلما قدم على عمر بن الخطاب سأله عنه سعد فقال: أعرابي في نمرته أسد في تأمورته نبطي في جبايته يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفر في السرية وينقل إلينا حقنا نقل الذرة. فقال عمر: لشد ما تقارضتما الثناء. وكان عمر قد كتب إلى سعد يوم القادسية أن يعطى الناس على قدر ما معهم من القرآن. فقال سعد لعمرو بن معد يكرب: ما معك من القرآن قال: ما معي شيء قال: إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أعطي الناس على قدر ما معهم من القرآن فقال عمرو: إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحد قالت قريش ألا تلك المقادير نعطى السوية من طعن له نفذ ولا سوية إذ نعطى الدنانير وفود أهل اليمامة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفد أهل اليمامة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد إيقاع خالد بهم وقتله مسيلمة الكذاب فقال لهم أبو بكر: ما كان يقول صاحبكم قالوا: أعفنا يا خليفة رسول الله قال: لا بد أن تقولوا قالوا: كان يقول: يا ضفدع كم تنقين لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون. فقال لهم أبو بكر: وحيكم! ما خرج هذا من إل ولا بر فأين ذهب بكم قال أبو عبيد: الإل: الله تعالى. والبر: الرجل الصالح.
وفود عمرو بن معد يكرب على مجاشع بن مسعود
وفد عمرو بن معد يكرب الزبيدي على مجاشع بن مسعود السلمي - وكانت بين عمرو وبين سليم حروب في الجاهلية - فقدم عليه البصرة يسأله الصلة فقال: اذكر حاجتك فقال له: حاجتي صلة مثلي. فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرساً من بنات الغبراء وسيفاً جرازاً ودرعاً حصينة وغلاماً خبازاً. فلما خرج من عنده قال له أهل المجلس: كيف وجدت صاحبك قال: لله در بني سليم ما أشد في الهيجاء لقاءها وأكرم في اللأواء عطاءها وأثبت في المكرمات بناءها والله يا بني سليم لقد قاتلناكم في الجاهلية فما أجبناكم ولقد هاجيناكم فما أقحمناكم وقد سألناكم فما أبخلناكم. فلله مسؤولاً نوالاً ونائلاً وصاحب هيج يوم هيج مجاشع الوفود على معاوية وفود الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه أبو بكر بن أبي شيبة قال: وفد الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية بعد عام الجماعة فقال له معاوية والله لأحبونك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك ولا أجيز بها أحداً بعدك فأمر بمائة ألف. وفي بعض الحديث أن النبي (ص) دخل على ابنته فاطمة فوجد الحسن طفلاً يلعب بين يديها فقال لها: إن الله تعالى سيصلح على يدي ابنك هذا بين فئتين عظيمتين من المسلمين. على معاوية رحمه الله العتبي قال: قدم زيد بن منية على معاوية من البصرة - وهو أخو يعلى بن منية صاحب جمل عائشة ومتولي تلك الحروب ورأس أهل البصرة وكان عتبة بن أبي سفيان قد تزوج يعلى بن منية - فلما دخل على معاوية شكا إليه ديناً لزمه فقال: يا كعب أعطه ثلاثين ألفاً فلما ولى قال: وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أخرى: ثم قال له: الحق بصهرك - يعني عتبة - فقدم عليه مصر فقال: إن سرت إليك شهرين أخوض فيهما المتالف ألبس أردية الليل مرة وأخوض في لجج السراب أخرى موقراً من حسن الظن بك وهارباً من دهر قطم ودين لزم بعد غنى جدعنا به أنوف الحاسدين فلم أجد إلا إليك مهربا وعليك معولاً فقال عتبة: مرحباً بك وأهلاً إن الدهر أعاركم غنى وخلطكم بنا ثم استرد ما أمكنه أخذه وقد أبقى لكم منا ما لا ضيعة معه وأنا واضع يدي ويدك بيد الله. فأعطاه ستين ألفاً كما أعطاه معاوية رحمه الله.
وفود عبد العزيز بن زرارة على معاوية رحمه الله
وفد عبد العزيز بن زرارة على معاوية وهو سيد أهل الكوفة فلما أذن له وقف بين يديه وقال: يا أمير المؤمنين لم أزل أهز ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معولاً إلا عليك أمتطي الليل بعد النهار وأسم المجاهل بالآثار يقودني إليك أمل وتسوقني بلوى والمجتهد يعذر وإذ بلغتك فقطني. فقال معاوية: احطط عن راحتك رحلها. وخرج عبد العزيز بن زرارة مع يزيد بن معاوية إلى الصائفة فهلك هناك فكتب به يزيد بن معاوية إلى معاوية فقال لزرارة: أتاني اليوم نعي سيد شباب العرب قال زرارة: يا أمير المؤمنين هو ابني أو ابنك قال: بل ابنك قال: للموت ما تلد الوالدة. أخذ سابق البريري فقال: وللموت تغدو الوالدات سخالها كما لخراب الدار تبنى المساكن وقال آخر: للموت يولد منا كل مولود لا شيء يبقى ولا يفنى بموجود وفود عبد الله جعفر على يزيد بن معاوية المدائني قال: قدم عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية. فقال له: كم كان عطاؤك فقال له: ألف ألف قال: قد أضعفاناها لك قال: فداك أبي وأمي وما قلتها لأحد قبلك قال: أضعفناها لك ثانية. فقيل ليزيد: أتعطي رجلاً واحداً أربعة آلاف ألف! فقال: ويحكم! إنما أعطيتها أهل المدينة أجمعين فما يده فيها إلا عارية. فلما كان في السنة الثانية قدم عبد الله بن جعفر وقدم مولى له يقال له نافع كانت له منزلة من يزيد بن معاوية. قال نافع: فلما قدمنا عليه أمر لعبد الله بن جعفر بألف ألف وقضى عنه ألف ألف ثم نظر إلي فتبسم فقلت: هذه لتلك الليلة. وكنت سامرته ليلة في خلافة معاوية وأسمعته فيها فذكرته بها. وقدمت عليه هدايا من مصر كثيرة فأمر بها لعبد الله بن جعفر وكان له مائة ناقة فقلت لابن جعفر: لو سألته منها شيئاً نحتلبه في طريقنا ففعل فأمر بصرفها كلها إليه. فلما أراد الوداع أرسل إلي فدخلت عليه فقال: ويلك! إنما أخترك لأتفرغ إليك هات قول جميل: خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي قال: فأسمعته! فقال: أحسنت والله هات حاجتك. فما سألته شيئاً إلا أعطانيه فقال: إن يصلح الله هذا الأمر من قبل ابن الزبير تلقنا بالمدينة فإن هذا لا يحسن إلا هناك. فمنع والله من ذلك شؤم ابن الزبير.
الوفود على عبد الملك بن مروان
وفود عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان قال بديح: وفد عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان وكان زوج ابنته أم كلثوم من الحجاج على ألفي ألف في السر وخمسمائة في العلانية وحملها إليه إلى العراق فمكثت عنده ثمانية أشهر. قال بديح: فلما خرج عبد الله بن جعفر إلى عبد الملك بن مروان خرجنا معه حتى دخلنا دمشق فإنا لنحط رحالنا إذ جاءنا الوليد بن عبد الملك على بغلة وردة ومعه الناس فقلنا: جاء إلى ابن جعفر ليحييه ويدعوه إلى منزله. فاستقبله ابن جعفر بالترحيب فقال له: لكن أنت لا مرحباً بك ولا أهلاً مهلاً يا بن أخي فلست أهلاً لهذه المقالة منك قال: بلى ولشر منها قال: وفيم ذلك قال: إنك عمدت إلى عقيلة نساء العرب وسيدة بني عبد مناف ففرشتها عبد ثقيف يتفخذها قال: وفي هذا عتب علي يا بن أخي قال: وما أكثر من هذا قال: والله إن أحق الناس أن لا يلومني في هذا لأنت وأبوك إن كان من قبلكم من الولاة ليصلون رحمي ويعرفون حقي وإنك وأباك منعتماني ما عندكما حتى ركبني من الدين ما والله لو أن عبداً مجدعاً حبشياً أعطاني بها ما أعطاني عبد ثقيف لزوجتها فإنما فديت بها رقبتي من النار. قال: فما راجعه كلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى دخل على عبد الملك - وكان الوليد إذا غضب عرف ذلك في وجهه - فلما رآه عبد الملك قال: مالك أبا العباس قال: إنك سلطت عبد ثقيف وملكته ورفعته حتى تفخذ نساء عبد مناف وأدركته الغير. فكتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يطلقها. فما قطع الحجاج عنها رزقاً ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا. قال: وما زال واصلاً لعبد الله بن جعفر حتى هلك. قال بديح: فما كان يأتي علينا هلال إلا وعندنا عير مقبلة من الحجاج عليها لطف وكسوة وميرة حتى لحق عبد الله بن جعفر بالله. ثم استأذن ابن جعفر على عبد الملك فلما دخل عليه استقبله عبد الملك بالترحيب ثم أخذ بيده فأجلسه معه على سريره ثم سأله فألطف المسألة حتى سأله عن مظعمه ومشربه فلما انقضت مسألته قال له يحيى بن الحكم: أمن خبيثة كان وجهك أبا جعفر قال: وما خبيثة قال: أرضك التي جئت منها قال: سبحان الله! رسول الله (ص) يسميها طيبة وتسميها خبيثة! لقد اختلفتما في الدنيا وأظنكما في الآخرة مختلفين. فلما خرج من عنده هيأ له ابن جعفر هدايا وألطافاً. فقلت لبديح: ما قيمة ذلك قال: قيمته مائة ألف من وصفاء ووصائف وكسوة وحرير ولطف من لطف الحجاز. قال: فبعثني بها فدخلت عليه وليس عنده أحد فجعلت أعرض عليه شيئاً شيئاً. قال: فما رأيت مثل إعظامه لكل ما عرضت عليه من ذلك وجعل يقول كلما أريته شيئاً: عافى الله أبا جعفر ما رأيت كاليوم وما كنا نريد أن يتكلف لنا شيئاً من هذا وإن كنا لمتذممين محتشمين. قال: فخرجت من عنده وإذن لأصحابه فوالله لبينا أنا أحدثه عن تعجب عبد الملك وإعظامه لما أهدى إليه إذا بفارس قد أقبل علينا فقال: أبا جعفر إن أمير المؤمنين يقرأ السلام عليك ويقول لك: جمعت لنا وخش رقيق الحجاز أباقهم وحبست عنا فلانة فابعث بها إلينا - وذلك أنه حين دخل عليه أصحابه جعل يحدثهم عن هدايا ابن جعفر ويعظمها عندهم فقال له يحيى بن الحكم: وماذا أهدى إليك ابن جعفر جمع لك وخش رقيق الحجاز وأباقهم وحبس عنك فلانة قال: ويلك! وما فلانة هذه قال: ما لم يسمع والله أحد بمثلها قط جمالاً وكمالاً وخلقاً وأدباً لو أراد كرامتك بعث بها إليك قال: وأين تراها وأين تكون قال: هي والله معه وهي نفسه التي بين جنبيه - فلما قال الرسول ما قال وكان ابن جعفر في أذنه بعض الوقر إذا سمع ما يكره تصام فأقبل علي فقال: ما يقول بديح قال: قلت: فإن أمير المؤمنين يقرأ السلام ويقول: إنه جاءني بريد من ثغر كذا يقول: إن الله نصر المسلمين وأعزهم قال: اقرأ أمير المؤمنين السلام وقل له: أعز الله نصرك وكبت عدوك فقال الرسول: يا أبا جعفر إني لست أقول هذا وأعاد مقالته الأولى. فسألني فصرفته إلى وجه آخر فأقبل علي الرسول فقال: يا ماص أبرسل أمير المؤمنين تهكم وعن أمير المؤمنين تجيب هذا الجواب قال: والله لأطلن دمك فانصرف. وأقبل علي ابن جعفر فقال: من ترى صاحبنا قال: صاحبك
قال: قدم الأحنف بن قيس التميمي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أهل البصرة وأهل الكوفة فتكلموا عنده في أنفسهم وما ينوب كل واحد منهم وتكلم الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد الله وقد أتتك وفود أهل العراق وإن إخواننا من أهل الكوفة والشام ومصر نزلوا منازل الأمم الخالية والملوك الجبابرة ومنازل كسرى وقيصر وبني الأصفر فهم من المياه العذبة والجنان المخصبة في مثل حولاء السلى وحدقة البعير تأتيهم ثمارهم غضة لم تتغير وإنا نزلنا أرضاً نشاشة طرف في فلاة وطرف في ملح أجاج جانب منها منابت القصب وجانب سبخة نشاشة لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها تأتينا منافعها في مثل مريء النعامة يخرج الرجل الضعيف منا يستعذب الماء من فرسخين وتخرج المرأة بمثل ذلك ترنق ولدها ترنيق العنز تخاف عليه العدو والسبع فإلا ترفع خسيستنا وتنعش ركيستنا وتجبر فاقتنا وتزيد في عيالنا عيالاً وفي رجالنا رجالاً وتصفر درهمنا وتكبر قفيزنا وتأمر لنا بحفر نهر نستعذب به الماء هلكنا. قال عمر: هذا والله السيد! هذا والله السيد! قال الأحنف: فما زلت أسمعها بعدها. فأراد زيد بن جبلة أن يضع منه فقال: يا أمير المؤمنين إنه ليس هناك وأمه باهلية. قال عمر: هو خير منك إن كان صادقاً. يريد إن كانت له نية. فقال الأحنف: أنا ابن الباهلية أرضعتني بثدي لا أجد ولا وخيم أغض على القذى أجفان عيني إذا شر السفيه إلى الحليم قال: فرجع الوفد واحتبس الأحنف عنده حولاً وأشهراً ثم قال: إن رسول الله (ص) حذرنا كل منافق صنع اللسان وإني خفتك فاحتبستك فلم يبلغني عنك إلا خير رأيت لك جولاً ومعقولاً فارجع إلى منزلك واتق الله ربك. وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أن يحتفر لهم نهراً. على عمر بن الخطاب رضي الله عنه العتبي عن أبيه قال: وفد الأحنف وعمرو بن الأهتم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأراد أن يقرع بينهما في الرياسة فلما اجتمعت بنو تميم قال الأحنف: ثوى قدح عن قومه طالما ثوى فلما أتاهم قال قوموا تناجزوا فقال عمرو بن الأهتم: إنا كنا وأنتم في دار جاهلية فكان الفضل فيها لمن جهل فسفكنا دماءكم وسبينا نساءكم وإنا اليوم في دار الإسلام والفضل فيها لمن حلم فغفر الله لنا ولك. قال: فغلب يومئذ عمرو بن الأهتم على الأحنف ووقعت القرعة لآل الأهتم. فقال عمرو بن الأهتم: لما دعتني للرياسة منقر لدى مجلس أضحى به النجم باديا شددت لها أزري وقد كنت قبلها لأمثالها مما أشد إزاريا وعمرو بن الأهتم: هو الذي تكلم بين يدي رسول الله (ص) وسأله عن الزبرقان فقال عمرو: مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: والله يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر مما قال ولكن حسدني قال: أما والله يا رسول الله إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الولد لئيم الخال والله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى رضيت عن ابن عمي فقلت أحسن ما علمت ولم أكذب وسخطت عليه فقلت أقبح ما علمت ولم أكذب فقال رسول الله (ص): إن من البيان لسحراً.
وفود عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إذ أوفده سعد لما فتحت القادسية على يدي سعد بن أبي وقاص أبلى فيها عمرو بن معد يكرب بلاء حسناً فأوفده سعد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب إليه معه بالفتح وأثنى في الكتاب على عمرو. فلما قدم على عمر بن الخطاب سأله عنه سعد فقال: أعرابي في نمرته أسد في تأمورته نبطي في جبايته يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفر في السرية وينقل إلينا حقنا نقل الذرة. فقال عمر: لشد ما تقارضتما الثناء. وكان عمر قد كتب إلى سعد يوم القادسية أن يعطى الناس على قدر ما معهم من القرآن. فقال سعد لعمرو بن معد يكرب: ما معك من القرآن قال: ما معي شيء قال: إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أعطي الناس على قدر ما معهم من القرآن فقال عمرو: إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحد قالت قريش ألا تلك المقادير نعطى السوية من طعن له نفذ ولا سوية إذ نعطى الدنانير وفود أهل اليمامة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفد أهل اليمامة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد إيقاع خالد بهم وقتله مسيلمة الكذاب فقال لهم أبو بكر: ما كان يقول صاحبكم قالوا: أعفنا يا خليفة رسول الله قال: لا بد أن تقولوا قالوا: كان يقول: يا ضفدع كم تنقين لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون. فقال لهم أبو بكر: وحيكم! ما خرج هذا من إل ولا بر فأين ذهب بكم قال أبو عبيد: الإل: الله تعالى. والبر: الرجل الصالح.
وفود عمرو بن معد يكرب على مجاشع بن مسعود
وفد عمرو بن معد يكرب الزبيدي على مجاشع بن مسعود السلمي - وكانت بين عمرو وبين سليم حروب في الجاهلية - فقدم عليه البصرة يسأله الصلة فقال: اذكر حاجتك فقال له: حاجتي صلة مثلي. فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرساً من بنات الغبراء وسيفاً جرازاً ودرعاً حصينة وغلاماً خبازاً. فلما خرج من عنده قال له أهل المجلس: كيف وجدت صاحبك قال: لله در بني سليم ما أشد في الهيجاء لقاءها وأكرم في اللأواء عطاءها وأثبت في المكرمات بناءها والله يا بني سليم لقد قاتلناكم في الجاهلية فما أجبناكم ولقد هاجيناكم فما أقحمناكم وقد سألناكم فما أبخلناكم. فلله مسؤولاً نوالاً ونائلاً وصاحب هيج يوم هيج مجاشع الوفود على معاوية وفود الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه أبو بكر بن أبي شيبة قال: وفد الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية بعد عام الجماعة فقال له معاوية والله لأحبونك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك ولا أجيز بها أحداً بعدك فأمر بمائة ألف. وفي بعض الحديث أن النبي (ص) دخل على ابنته فاطمة فوجد الحسن طفلاً يلعب بين يديها فقال لها: إن الله تعالى سيصلح على يدي ابنك هذا بين فئتين عظيمتين من المسلمين. على معاوية رحمه الله العتبي قال: قدم زيد بن منية على معاوية من البصرة - وهو أخو يعلى بن منية صاحب جمل عائشة ومتولي تلك الحروب ورأس أهل البصرة وكان عتبة بن أبي سفيان قد تزوج يعلى بن منية - فلما دخل على معاوية شكا إليه ديناً لزمه فقال: يا كعب أعطه ثلاثين ألفاً فلما ولى قال: وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أخرى: ثم قال له: الحق بصهرك - يعني عتبة - فقدم عليه مصر فقال: إن سرت إليك شهرين أخوض فيهما المتالف ألبس أردية الليل مرة وأخوض في لجج السراب أخرى موقراً من حسن الظن بك وهارباً من دهر قطم ودين لزم بعد غنى جدعنا به أنوف الحاسدين فلم أجد إلا إليك مهربا وعليك معولاً فقال عتبة: مرحباً بك وأهلاً إن الدهر أعاركم غنى وخلطكم بنا ثم استرد ما أمكنه أخذه وقد أبقى لكم منا ما لا ضيعة معه وأنا واضع يدي ويدك بيد الله. فأعطاه ستين ألفاً كما أعطاه معاوية رحمه الله.
وفود عبد العزيز بن زرارة على معاوية رحمه الله
وفد عبد العزيز بن زرارة على معاوية وهو سيد أهل الكوفة فلما أذن له وقف بين يديه وقال: يا أمير المؤمنين لم أزل أهز ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معولاً إلا عليك أمتطي الليل بعد النهار وأسم المجاهل بالآثار يقودني إليك أمل وتسوقني بلوى والمجتهد يعذر وإذ بلغتك فقطني. فقال معاوية: احطط عن راحتك رحلها. وخرج عبد العزيز بن زرارة مع يزيد بن معاوية إلى الصائفة فهلك هناك فكتب به يزيد بن معاوية إلى معاوية فقال لزرارة: أتاني اليوم نعي سيد شباب العرب قال زرارة: يا أمير المؤمنين هو ابني أو ابنك قال: بل ابنك قال: للموت ما تلد الوالدة. أخذ سابق البريري فقال: وللموت تغدو الوالدات سخالها كما لخراب الدار تبنى المساكن وقال آخر: للموت يولد منا كل مولود لا شيء يبقى ولا يفنى بموجود وفود عبد الله جعفر على يزيد بن معاوية المدائني قال: قدم عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية. فقال له: كم كان عطاؤك فقال له: ألف ألف قال: قد أضعفاناها لك قال: فداك أبي وأمي وما قلتها لأحد قبلك قال: أضعفناها لك ثانية. فقيل ليزيد: أتعطي رجلاً واحداً أربعة آلاف ألف! فقال: ويحكم! إنما أعطيتها أهل المدينة أجمعين فما يده فيها إلا عارية. فلما كان في السنة الثانية قدم عبد الله بن جعفر وقدم مولى له يقال له نافع كانت له منزلة من يزيد بن معاوية. قال نافع: فلما قدمنا عليه أمر لعبد الله بن جعفر بألف ألف وقضى عنه ألف ألف ثم نظر إلي فتبسم فقلت: هذه لتلك الليلة. وكنت سامرته ليلة في خلافة معاوية وأسمعته فيها فذكرته بها. وقدمت عليه هدايا من مصر كثيرة فأمر بها لعبد الله بن جعفر وكان له مائة ناقة فقلت لابن جعفر: لو سألته منها شيئاً نحتلبه في طريقنا ففعل فأمر بصرفها كلها إليه. فلما أراد الوداع أرسل إلي فدخلت عليه فقال: ويلك! إنما أخترك لأتفرغ إليك هات قول جميل: خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي قال: فأسمعته! فقال: أحسنت والله هات حاجتك. فما سألته شيئاً إلا أعطانيه فقال: إن يصلح الله هذا الأمر من قبل ابن الزبير تلقنا بالمدينة فإن هذا لا يحسن إلا هناك. فمنع والله من ذلك شؤم ابن الزبير.
الوفود على عبد الملك بن مروان
وفود عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان قال بديح: وفد عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان وكان زوج ابنته أم كلثوم من الحجاج على ألفي ألف في السر وخمسمائة في العلانية وحملها إليه إلى العراق فمكثت عنده ثمانية أشهر. قال بديح: فلما خرج عبد الله بن جعفر إلى عبد الملك بن مروان خرجنا معه حتى دخلنا دمشق فإنا لنحط رحالنا إذ جاءنا الوليد بن عبد الملك على بغلة وردة ومعه الناس فقلنا: جاء إلى ابن جعفر ليحييه ويدعوه إلى منزله. فاستقبله ابن جعفر بالترحيب فقال له: لكن أنت لا مرحباً بك ولا أهلاً مهلاً يا بن أخي فلست أهلاً لهذه المقالة منك قال: بلى ولشر منها قال: وفيم ذلك قال: إنك عمدت إلى عقيلة نساء العرب وسيدة بني عبد مناف ففرشتها عبد ثقيف يتفخذها قال: وفي هذا عتب علي يا بن أخي قال: وما أكثر من هذا قال: والله إن أحق الناس أن لا يلومني في هذا لأنت وأبوك إن كان من قبلكم من الولاة ليصلون رحمي ويعرفون حقي وإنك وأباك منعتماني ما عندكما حتى ركبني من الدين ما والله لو أن عبداً مجدعاً حبشياً أعطاني بها ما أعطاني عبد ثقيف لزوجتها فإنما فديت بها رقبتي من النار. قال: فما راجعه كلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى دخل على عبد الملك - وكان الوليد إذا غضب عرف ذلك في وجهه - فلما رآه عبد الملك قال: مالك أبا العباس قال: إنك سلطت عبد ثقيف وملكته ورفعته حتى تفخذ نساء عبد مناف وأدركته الغير. فكتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يطلقها. فما قطع الحجاج عنها رزقاً ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا. قال: وما زال واصلاً لعبد الله بن جعفر حتى هلك. قال بديح: فما كان يأتي علينا هلال إلا وعندنا عير مقبلة من الحجاج عليها لطف وكسوة وميرة حتى لحق عبد الله بن جعفر بالله. ثم استأذن ابن جعفر على عبد الملك فلما دخل عليه استقبله عبد الملك بالترحيب ثم أخذ بيده فأجلسه معه على سريره ثم سأله فألطف المسألة حتى سأله عن مظعمه ومشربه فلما انقضت مسألته قال له يحيى بن الحكم: أمن خبيثة كان وجهك أبا جعفر قال: وما خبيثة قال: أرضك التي جئت منها قال: سبحان الله! رسول الله (ص) يسميها طيبة وتسميها خبيثة! لقد اختلفتما في الدنيا وأظنكما في الآخرة مختلفين. فلما خرج من عنده هيأ له ابن جعفر هدايا وألطافاً. فقلت لبديح: ما قيمة ذلك قال: قيمته مائة ألف من وصفاء ووصائف وكسوة وحرير ولطف من لطف الحجاز. قال: فبعثني بها فدخلت عليه وليس عنده أحد فجعلت أعرض عليه شيئاً شيئاً. قال: فما رأيت مثل إعظامه لكل ما عرضت عليه من ذلك وجعل يقول كلما أريته شيئاً: عافى الله أبا جعفر ما رأيت كاليوم وما كنا نريد أن يتكلف لنا شيئاً من هذا وإن كنا لمتذممين محتشمين. قال: فخرجت من عنده وإذن لأصحابه فوالله لبينا أنا أحدثه عن تعجب عبد الملك وإعظامه لما أهدى إليه إذا بفارس قد أقبل علينا فقال: أبا جعفر إن أمير المؤمنين يقرأ السلام عليك ويقول لك: جمعت لنا وخش رقيق الحجاز أباقهم وحبست عنا فلانة فابعث بها إلينا - وذلك أنه حين دخل عليه أصحابه جعل يحدثهم عن هدايا ابن جعفر ويعظمها عندهم فقال له يحيى بن الحكم: وماذا أهدى إليك ابن جعفر جمع لك وخش رقيق الحجاز وأباقهم وحبس عنك فلانة قال: ويلك! وما فلانة هذه قال: ما لم يسمع والله أحد بمثلها قط جمالاً وكمالاً وخلقاً وأدباً لو أراد كرامتك بعث بها إليك قال: وأين تراها وأين تكون قال: هي والله معه وهي نفسه التي بين جنبيه - فلما قال الرسول ما قال وكان ابن جعفر في أذنه بعض الوقر إذا سمع ما يكره تصام فأقبل علي فقال: ما يقول بديح قال: قلت: فإن أمير المؤمنين يقرأ السلام ويقول: إنه جاءني بريد من ثغر كذا يقول: إن الله نصر المسلمين وأعزهم قال: اقرأ أمير المؤمنين السلام وقل له: أعز الله نصرك وكبت عدوك فقال الرسول: يا أبا جعفر إني لست أقول هذا وأعاد مقالته الأولى. فسألني فصرفته إلى وجه آخر فأقبل علي الرسول فقال: يا ماص أبرسل أمير المؤمنين تهكم وعن أمير المؤمنين تجيب هذا الجواب قال: والله لأطلن دمك فانصرف. وأقبل علي ابن جعفر فقال: من ترى صاحبنا قال: صاحبك