M-AraBi
09-16-2010, 06:58 AM
بقلم : د. عماد الدين خليل
بموازاة الهجوم الذي فرضه "الحجاب" والظاهرة الإسلامية عموماً في ديار الغرب، تلقّت الحياة الغربية في مسألة المرأة والأسرة هجمات لا تقل إلحاحاً، انطلقت هذه المرة من مطالب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والسنن التي ركزها الخالق سبحانه في لحمة الخلق، والتي اعتدي عليها وأُريد لها أن تنحرف عن مسارها الأصيل، إلى الحد الذي تصير فيه فلسفة امرأة كالأديبة الفرنسية المعروفة (سيمون دو بوفوار) (وسنعتمد مفرداتها بالحرف): " إن المرأة لاتخلق امرأة بل تصبح امرأة. فليس هناك مصير بيولوجي او نفسي او اقتصادي يحدد الدور الذي تؤديه انثى البشر في المجتمع. إن المدنية ككل هي المسؤولة عن انتاج هذا الكائن الذي يوصف على أنه أنثوي" !!
أي تبديل هذا لخلق الله؟ وأي منطلق يتناقض ابتداء مع التفرد المؤكد للمرأة على المستويات البيولوجية والنفسية والاجتماعية؟ وهو التميّز الذي يؤكده كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ويتعاملان معه من أكثر من زاوية ، ليس من أجل وضع (الأنثى)
في درجة أدنى من الرجل، وإنما من أجل الاستجابة لطبيعة مطالبها الأساسية ووظيفتها الأولى، وهو الأمر الذي يجعل المرأة على المستوى الإنساني، ليس فقط في حالة توازٍ مع الرجل يكمل من خلاله أحدهما الآخر. بل إن المرأة قد تحتل موقعاً أعلى من الرجل في كثير من الحلقات الأساسية للحياة البشرية، كما يُلحظ من معطيات هذا الدين في العقيدة والتشريع والسلوك على السواء.
وعلى أية حال فإن (سيمون دوبوفوار) انسياقاً وراء نزوعها المضاد للأنثى، فضّلت أن تظل عشيقة لرفيقها (جان بول سارتر) لمدى نصف القرن على أن تصير زوجة له، عندما طلب منها الزواج، معتقدة ان العلاقة التي تجمعهما كانت أقوى وأهم من "ورقة" تحدّد هذه الرابطة!
بل إنها اصطرعت مع (الأنثى) باتجاه آخر لايقل خطورة، فإذا كانت في الحالة السابقة ترفض الرابطة الزوجية التي هي أساس كل علاقة إنسانية بين الرجل والمرأة، فإنها في الحالة الثانية رفضت أن تصير المرأة أماً وأن تكون كائناً يحرس استمرارية الحياة بحكم قوانين الفطرة. ففي عام 1971 وقعت مع (340) امرأة بياناً يفيد بخضوعها لعملية إجهاض تحدّياً للقانون الفرنسي آنذاك، والآن لندع (سيمون دوبوفوار)، ولنتحدث بمنطق الأرقام الذي ينطوي على مصداقيته بقوة "الاحصاء".
بين يدي أرقام تستند إلى دراسات استطلاعية قام بها (معهد سامبل) في المانيا، وإلى دراسات أخرى نُفّذت بتكليف من وزارة الأسرة والشباب في ألمانيا، فضلاً عن منشورات الدائرة الاتحادية للإحصاء، وهي من إعداد الأستاذ (نبيل شبيب)، وقد نشرها في تقرير
" قضايا دولية" التي تصدر في إسلام أباد (العدد 249 أكتوبر 1994 م):
1-تناقص عدد الزيجات منذ عام 1950 إلى عام 1992 بمعدل 25 % ، وازدادت معدلات الطلاق بنسبة 16% وصلت إلى 34% من حالات الزواج بمجموعها.
2- 25% من الأمهات دون أزواج. ويعيش 25 % من الأطفال دون أم أو دون أب . ويولد 25 % من الأطفال دون زواج.
3- يعيش حوالي (12) مليون شخص على انفراد من أصل (80) مليون نسمة.
4- وصلت نسب "أسر المعاشرة" إلى أسر الزواج إلى حوالي 10 %.
5- يوجد (8.6) ملايين وحدة أسروية دون أطفال و (5.2) ملايين بطفل واحد من أصل (35) مليون وحدة أسروية .
6- 90% من فئة أعمار (20 – 30) سنة يؤكدن الرغبة في الإنجاب.
7 - 56% من المتزوجين والمعاشرين يريدون إنجاب طفلين على الأقل.
8 - 26% لا يتمكنون من إنجاب أكثر من طفل واحد.
9 - 25% يعللون عدم الإنجاب بالعمل و 25% بتضييق الحرية الشخصية
و 27% بسبب الأعباء المالية.
10 - رغم الإباحية فإن:
- حالات الاغتصاب السنوية التي تم التبليغ عنها للسلطات (6300).
- التقدير الرسمي لحالات الاغتصاب دون تبليغ (200) ألف.
- حالات التحرش دون التبليغ غير قابلة للتقدير.
- حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال المعروضة أمام القضاء (16500).
- التقدير الرسمي لحوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال دون وصولها إلى القضاء (300) ألف.
- (11- 5) ملايين امرأة أو 33% من النساء المتزوجات والمعاشرات يتعرضن للضرب من الزوج أو العشير. وتصل حوادث الاعتداء بالضرب الذي يترك آثاراً جسدية دائمة على الأطفال إلى (300) ألف سنوياً، ويموت أكثر من ألف سنويا "ضرباً".
12- تقول دراسة جامعية: إن متوسط توزيع وقت الأم أو الأب يومياً يتضمن ما يعادل (30) دقيقة للمكالمات الهاتفية و خمس ساعات للهوايات".
**********
لنترك الآن ظاهرة دمار الحياة الأسرية، وضياع المرأة، وتحوّلها إلى آلية للمتعة الصرفة أو الربح السريع، وهوانها على نفسها وعلى الآخرين، فهذه مسألة معروفة تماماً. ولنقف لحظات عند اثنتين من الهجمات المضادة الأكثر حداثة: ندرة المواليد وتعرض ديموغرافية الغرب للانكماش، ووباء الإيدز الذي يهدّد بافتراس الرجال والنساء معاً ممن تجاوزوا الإشارات الحمراء التي ركزت في فطرتهم، وانحدروا في تيار الشهوة، ومالوا بالإنسان الميل العظيم الذي حذّر منه كتاب الله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء:27] ومن بين التقارير والبحوث والتحذيرات العديدة التي كتبت عن المسألة الأولى أكتفي بهذا التقرير الذي أعلنته وكالة (رويتر) في واشنطن والذي ينطوي على دلالته الواضحة في هذا المجال: "اذا كان السيد بن واتنبيرغ على حق، فإن النساء اللائي يفضلن الاهتمام بعملهن أكثر من إنجاب الأطفال، سيكن السبب في فصم عُرى المجتمع الصناعي الغربي".
ان المشكلة - في تحليله - تتمثل في تناقض منتظم في معدل المواليد في الدول الصناعية الغربية، الأمر الذي يمكن أن يقوّض هذه المجتمعات(وإذا لم يتغير هذا الاتجاه فسينتهي أمرنا) .. وما أراه جديراً بالاهتمام لدرجة كبيرة هو مدى نقص وعي الناس به بالرغم من أهميته واستمراره لفترة طويلة للغاية.. إن كندا وأوروبا الغربية واليابان واستراليا ونيوزيلندا و (إسرائيل) وايسلندا تعاني كلها من مشكلة ندرة المواليد، وتحتاج إلى اتباع سياسات تحفز السكان على الإنجاب. أما عن الولايات المتحدة فيقول مكتب التعداد:
إن (65) طفلاً فقط ولدوا لكل (1.000) امرأة في سن الإنجاب عام 1986، وهو أدنى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة، وقد تناقص معدل الخصوبة فيها من مستوى عال سُجل
سنة 1957 م، وبلغ (3.77) ليصل إلى أقل من (2.1) عام 1972، وهو المستوى الضروري ليبقى عدد السكان ثابتاً. ومنذ ذلك الحين ومعدل المواليد حول رقم (1.8)، ويقول (واتنبيرغ) الذي يكتب عن الاتجاهات السكانية منذ (25) عاماً، وأصدر كتاباً بعنوان "ندرة المواليد": (أمامنا في الغرب جيل واحد لنفهم المشكلة أولاً ثم نعكس هذا الانهيار الاختياري في معدلات الخصوبة، وإلاّ فسوف ندفع الثمن.. وأيا كان التحليل الصحيح لأثر الظاهرة فبالنظر إلى الانفجار السكاني المستمر في معدل المواليد في العالم الثالث، فربما يمثل سكان دول الغرب 9% فقط من سكان العالم عام 2025 بالمقارنة مع 15% في الوقت الحاضر، و 22% في 1950. ويعزو الخبراء تناقص معدلات الخصوبة في الغرب إلى مجموعة من الأسباب المختلفة، منها: تزايد عدد النساء العاملات خارج البيت، وتناقص معدلات الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق .. وتوافر وسائل أفضل لمنع الحمل وإباحة الإجهاض ... ومن بين الدول المتقدمة فإن الحكومة الفرنسية هي الأكثر نشاطاً في تشجيع الإنجاب حتى إنها تنشر إعلانات تحمل صورة طفل كُتب تحتها: فرنسا تحتاج إلى أطفال".
أما غزو الإيدز (أو مرض فقدان المناعة المكتسبة) فالحديث عنه يطول وموجة الموت والتآكل والفناء تنداح بسرعة رهيبة في ديار الغرب لكي تأتي على حشود الرجال والنساء الذين جرفتهم الشهوات، واندفعوا فيما وراء حافات الإشباع باتجاه بؤر الإسراف والشذوذ.
الإحصائيات كثيرة، وهي تزداد كماً يوماً بعد يوم .. إحداها تذكر أن المصابين في البرازيل وحدها عام 1992 تجاوزوا الربع مليون، وإن هذا العدد آخذ في الازدياد بمعدلات سريعة، وثمة باحثون في الحكومة الأمريكية ذكروا لصحيفة نقباء الأطباء الأمريكية في
عام 1991 أن نسبة النساء بين مرضى الإيدز في الولايات المتحدة قد زاد على عشرة في المائة. فقد ارتفعت النسبة هناك من 6.6 % في عام 1985 إلى 11.5 % في عام 1990 م، وكان من بين مرضى الإيدز المسجلين مع نهاية عام 1990 والذين بلغ عددهم (158279) شخصاً، 10% أو 15492 من النساء. وقد أصيب 51 % من النساء نتيجة المشاركة في الحقن بالوريد عند تعاطي المخدرات، بينما أصيب 29 % منهن بالمرض عن طريق المعاشرة الجنسية.
وثمة هجوم مضاد من محور آخر، لتطويق الشطط والانحراف الذي قاد الحياة الغربية في قضية المرأة والأسرة إلى الميل العظيم، بقوة التنطير والادعاءات العلمية، ويتمثل هذا الهجوم بسلسلة من البحوث والكشوف العلمية التي تناولت أحد أدعياء النبوة الكاذبين. (سيكموند فرويد) صاحب النظريات المعروفة في (التحليل النفسي) .
هاهو ذا فرويد الذي مارس لأكثر من نصف القرن في ديار الغرب والشرق معاً دور (العرّاب) الذي برّر وبارك كل صيغ الانفلات والشذوذ في المسألة الجنسية وقضية المرأة والأسرة عموماً .. هاهو ذا يتعرض منذ عقود عديدة، وأحيانا من تلامذته أنفسهم، لسهام النقد العلمي الذي كاد يأتي على نظرياته، في جل حلقاتها الأساسية، من القواعد.
هاهنا يطول الحديث ويمكن - من ثم - الاكتفاء بشاهد واحد أكثر حداثة يتمثل بتلك البحوث (السيكولوجية) التي أنجزها البروفيسور (هانز ايزينك) على مدى ثلاثين عاماً، وكان آخرها كتابه الموسوم بـ (تدهور وسقوط الإمبراطورية الفرويدية) الذي يُعدّ الضربة القاضية للتحليل النفسي.
ولقد أوضح (ايزينك) في بحوثه كافة، وفي كتابه الأخير -على وجه الخصوص- أن العلاج النفسي المبني على التحليل النفسي لاينطوي على قيمة تُذكر، وأن فرويد لم يكن عبقرية علمية، بل عبقرية اتقنت فنون الدعاية وأساليبها، وأنه كان يتميز بمقدرة لغوية كبيرة أعانته على نحت مفردات ومصطلحات جذابة مثل (عقدة أوديب) أو (مبدأ المتعة) وهذه بدورها جعلت من سرده الجديد لقصة قديمة جذاباً ومثيراً ، وبخاصة لأولئك الذين يفتقرون إلى معرفة علمية في موضوع علم النفس.
إن ما كان جديداً في أعمال فرويد - والرأي للبروفيسور ايزينك - لم يكن حقيقياً، وما كان حقيقياً لم يكن جديداً، وإن فكر فرويد لايتضمن شيئاً سوى تفسيرات خيالية لأحداث زائفة وإخفاقات علاجية ونظريات لامنطقية، واستعارات فاضحة غير معترف بها (واستبصارات) خاطئة.
ويقدم كتاب ايزينك طروحات قيمة مثل تأكيده على أهمية علم الوراثة في السلوك، وهو الدور الذي حاول التحليل النفسي إغفاله .. باختصار شديد فإن عشاق فرويد - في التحليل النهائي لقناعات ايزينك - هم ضحايا الدعاية وتضليل الذات.
ومن بعد فرويد جاء دور الوجودية الإلحادية التي كان سقوطها هذه المرة بصيغة دراماتيكية على يد مؤسسها نفسه (جان بول سارتر) عبر لقائه الأخير مع عشيقته (سيمنو دو بوفوار) في نيسان عام 1980 م، وإذ كان للوجودية دورها هي الأخرى في تأكيد "الميل العظيم" في علاقات الرجل بالمرأة، وتبريرها باسم ضرورات التحقق الذاتي وحرية
الاختيار، فإن لنا أن نتصور كيف كان انهيارها بمثابة هجوم آخر من الهجمات التي تستهدف المعطيات المضادة للفطرة، والتي تطلّ دائماً من تحت الأتربة والأنقاض لكي تعيد للحياة البشرية ألقها المنطمس وتوازنها المفقود.
وفي هذا السياق نفسه يمكن اعتبار سقوط الماركسية وعودة النبض الديني إلى الحياة الغربية ضربة أخرى لدعاة الميل العظيم وأنبيائه الكذبة، وتنظيراته الشاملة، ودعوة ملحة للعودة إلى الطهر والنظافة والاحتشام التي تليق بكرامة الإنسان وتفرده على الخلائق، وتنسجم مع مطالب الحياة البشرية المتوحدة الآمنة.
ففي غياب الدافع الديني لن يقوم - بحال من الاحوال - مجتمع نظيف متوازن مستقر، وبانهيار هذا الدافع يجيء الزهري والإيدز فيأكلان الاخضر واليابس، ولايأمن الزوج على زوجته، ولا هذه على زوجها .. ويتكاثر أولاد الحرام فلاتكاد تستوعبهم المحاضن والملاجئ، ويصير الفعل الجنسي المحرم نزوة عابرة يتحتم إطفاؤها سريعاً كما يشرب الإنسان العطشان كاساً من الماء، فيما قالت به يوماً تنظيرات الماركسية البائدة في بدايات تشكل الاتحاد السوفياتي المنحلّ على يد عالم النفس الماركسي المعروف (ولهلم رايخ) فيما دفع (لينين) نفسه بعد سنتين فحسب، إلى أن ينهض محتجاً ويدعو إلى الاحتشام والتعفف واحترام قوانين العائلة، وإلاّ أصبح الجيل التالي من الروس وأتباعهم كله من أولاد الحرام!!
بموازاة الهجوم الذي فرضه "الحجاب" والظاهرة الإسلامية عموماً في ديار الغرب، تلقّت الحياة الغربية في مسألة المرأة والأسرة هجمات لا تقل إلحاحاً، انطلقت هذه المرة من مطالب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والسنن التي ركزها الخالق سبحانه في لحمة الخلق، والتي اعتدي عليها وأُريد لها أن تنحرف عن مسارها الأصيل، إلى الحد الذي تصير فيه فلسفة امرأة كالأديبة الفرنسية المعروفة (سيمون دو بوفوار) (وسنعتمد مفرداتها بالحرف): " إن المرأة لاتخلق امرأة بل تصبح امرأة. فليس هناك مصير بيولوجي او نفسي او اقتصادي يحدد الدور الذي تؤديه انثى البشر في المجتمع. إن المدنية ككل هي المسؤولة عن انتاج هذا الكائن الذي يوصف على أنه أنثوي" !!
أي تبديل هذا لخلق الله؟ وأي منطلق يتناقض ابتداء مع التفرد المؤكد للمرأة على المستويات البيولوجية والنفسية والاجتماعية؟ وهو التميّز الذي يؤكده كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ويتعاملان معه من أكثر من زاوية ، ليس من أجل وضع (الأنثى)
في درجة أدنى من الرجل، وإنما من أجل الاستجابة لطبيعة مطالبها الأساسية ووظيفتها الأولى، وهو الأمر الذي يجعل المرأة على المستوى الإنساني، ليس فقط في حالة توازٍ مع الرجل يكمل من خلاله أحدهما الآخر. بل إن المرأة قد تحتل موقعاً أعلى من الرجل في كثير من الحلقات الأساسية للحياة البشرية، كما يُلحظ من معطيات هذا الدين في العقيدة والتشريع والسلوك على السواء.
وعلى أية حال فإن (سيمون دوبوفوار) انسياقاً وراء نزوعها المضاد للأنثى، فضّلت أن تظل عشيقة لرفيقها (جان بول سارتر) لمدى نصف القرن على أن تصير زوجة له، عندما طلب منها الزواج، معتقدة ان العلاقة التي تجمعهما كانت أقوى وأهم من "ورقة" تحدّد هذه الرابطة!
بل إنها اصطرعت مع (الأنثى) باتجاه آخر لايقل خطورة، فإذا كانت في الحالة السابقة ترفض الرابطة الزوجية التي هي أساس كل علاقة إنسانية بين الرجل والمرأة، فإنها في الحالة الثانية رفضت أن تصير المرأة أماً وأن تكون كائناً يحرس استمرارية الحياة بحكم قوانين الفطرة. ففي عام 1971 وقعت مع (340) امرأة بياناً يفيد بخضوعها لعملية إجهاض تحدّياً للقانون الفرنسي آنذاك، والآن لندع (سيمون دوبوفوار)، ولنتحدث بمنطق الأرقام الذي ينطوي على مصداقيته بقوة "الاحصاء".
بين يدي أرقام تستند إلى دراسات استطلاعية قام بها (معهد سامبل) في المانيا، وإلى دراسات أخرى نُفّذت بتكليف من وزارة الأسرة والشباب في ألمانيا، فضلاً عن منشورات الدائرة الاتحادية للإحصاء، وهي من إعداد الأستاذ (نبيل شبيب)، وقد نشرها في تقرير
" قضايا دولية" التي تصدر في إسلام أباد (العدد 249 أكتوبر 1994 م):
1-تناقص عدد الزيجات منذ عام 1950 إلى عام 1992 بمعدل 25 % ، وازدادت معدلات الطلاق بنسبة 16% وصلت إلى 34% من حالات الزواج بمجموعها.
2- 25% من الأمهات دون أزواج. ويعيش 25 % من الأطفال دون أم أو دون أب . ويولد 25 % من الأطفال دون زواج.
3- يعيش حوالي (12) مليون شخص على انفراد من أصل (80) مليون نسمة.
4- وصلت نسب "أسر المعاشرة" إلى أسر الزواج إلى حوالي 10 %.
5- يوجد (8.6) ملايين وحدة أسروية دون أطفال و (5.2) ملايين بطفل واحد من أصل (35) مليون وحدة أسروية .
6- 90% من فئة أعمار (20 – 30) سنة يؤكدن الرغبة في الإنجاب.
7 - 56% من المتزوجين والمعاشرين يريدون إنجاب طفلين على الأقل.
8 - 26% لا يتمكنون من إنجاب أكثر من طفل واحد.
9 - 25% يعللون عدم الإنجاب بالعمل و 25% بتضييق الحرية الشخصية
و 27% بسبب الأعباء المالية.
10 - رغم الإباحية فإن:
- حالات الاغتصاب السنوية التي تم التبليغ عنها للسلطات (6300).
- التقدير الرسمي لحالات الاغتصاب دون تبليغ (200) ألف.
- حالات التحرش دون التبليغ غير قابلة للتقدير.
- حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال المعروضة أمام القضاء (16500).
- التقدير الرسمي لحوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال دون وصولها إلى القضاء (300) ألف.
- (11- 5) ملايين امرأة أو 33% من النساء المتزوجات والمعاشرات يتعرضن للضرب من الزوج أو العشير. وتصل حوادث الاعتداء بالضرب الذي يترك آثاراً جسدية دائمة على الأطفال إلى (300) ألف سنوياً، ويموت أكثر من ألف سنويا "ضرباً".
12- تقول دراسة جامعية: إن متوسط توزيع وقت الأم أو الأب يومياً يتضمن ما يعادل (30) دقيقة للمكالمات الهاتفية و خمس ساعات للهوايات".
**********
لنترك الآن ظاهرة دمار الحياة الأسرية، وضياع المرأة، وتحوّلها إلى آلية للمتعة الصرفة أو الربح السريع، وهوانها على نفسها وعلى الآخرين، فهذه مسألة معروفة تماماً. ولنقف لحظات عند اثنتين من الهجمات المضادة الأكثر حداثة: ندرة المواليد وتعرض ديموغرافية الغرب للانكماش، ووباء الإيدز الذي يهدّد بافتراس الرجال والنساء معاً ممن تجاوزوا الإشارات الحمراء التي ركزت في فطرتهم، وانحدروا في تيار الشهوة، ومالوا بالإنسان الميل العظيم الذي حذّر منه كتاب الله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء:27] ومن بين التقارير والبحوث والتحذيرات العديدة التي كتبت عن المسألة الأولى أكتفي بهذا التقرير الذي أعلنته وكالة (رويتر) في واشنطن والذي ينطوي على دلالته الواضحة في هذا المجال: "اذا كان السيد بن واتنبيرغ على حق، فإن النساء اللائي يفضلن الاهتمام بعملهن أكثر من إنجاب الأطفال، سيكن السبب في فصم عُرى المجتمع الصناعي الغربي".
ان المشكلة - في تحليله - تتمثل في تناقض منتظم في معدل المواليد في الدول الصناعية الغربية، الأمر الذي يمكن أن يقوّض هذه المجتمعات(وإذا لم يتغير هذا الاتجاه فسينتهي أمرنا) .. وما أراه جديراً بالاهتمام لدرجة كبيرة هو مدى نقص وعي الناس به بالرغم من أهميته واستمراره لفترة طويلة للغاية.. إن كندا وأوروبا الغربية واليابان واستراليا ونيوزيلندا و (إسرائيل) وايسلندا تعاني كلها من مشكلة ندرة المواليد، وتحتاج إلى اتباع سياسات تحفز السكان على الإنجاب. أما عن الولايات المتحدة فيقول مكتب التعداد:
إن (65) طفلاً فقط ولدوا لكل (1.000) امرأة في سن الإنجاب عام 1986، وهو أدنى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة، وقد تناقص معدل الخصوبة فيها من مستوى عال سُجل
سنة 1957 م، وبلغ (3.77) ليصل إلى أقل من (2.1) عام 1972، وهو المستوى الضروري ليبقى عدد السكان ثابتاً. ومنذ ذلك الحين ومعدل المواليد حول رقم (1.8)، ويقول (واتنبيرغ) الذي يكتب عن الاتجاهات السكانية منذ (25) عاماً، وأصدر كتاباً بعنوان "ندرة المواليد": (أمامنا في الغرب جيل واحد لنفهم المشكلة أولاً ثم نعكس هذا الانهيار الاختياري في معدلات الخصوبة، وإلاّ فسوف ندفع الثمن.. وأيا كان التحليل الصحيح لأثر الظاهرة فبالنظر إلى الانفجار السكاني المستمر في معدل المواليد في العالم الثالث، فربما يمثل سكان دول الغرب 9% فقط من سكان العالم عام 2025 بالمقارنة مع 15% في الوقت الحاضر، و 22% في 1950. ويعزو الخبراء تناقص معدلات الخصوبة في الغرب إلى مجموعة من الأسباب المختلفة، منها: تزايد عدد النساء العاملات خارج البيت، وتناقص معدلات الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق .. وتوافر وسائل أفضل لمنع الحمل وإباحة الإجهاض ... ومن بين الدول المتقدمة فإن الحكومة الفرنسية هي الأكثر نشاطاً في تشجيع الإنجاب حتى إنها تنشر إعلانات تحمل صورة طفل كُتب تحتها: فرنسا تحتاج إلى أطفال".
أما غزو الإيدز (أو مرض فقدان المناعة المكتسبة) فالحديث عنه يطول وموجة الموت والتآكل والفناء تنداح بسرعة رهيبة في ديار الغرب لكي تأتي على حشود الرجال والنساء الذين جرفتهم الشهوات، واندفعوا فيما وراء حافات الإشباع باتجاه بؤر الإسراف والشذوذ.
الإحصائيات كثيرة، وهي تزداد كماً يوماً بعد يوم .. إحداها تذكر أن المصابين في البرازيل وحدها عام 1992 تجاوزوا الربع مليون، وإن هذا العدد آخذ في الازدياد بمعدلات سريعة، وثمة باحثون في الحكومة الأمريكية ذكروا لصحيفة نقباء الأطباء الأمريكية في
عام 1991 أن نسبة النساء بين مرضى الإيدز في الولايات المتحدة قد زاد على عشرة في المائة. فقد ارتفعت النسبة هناك من 6.6 % في عام 1985 إلى 11.5 % في عام 1990 م، وكان من بين مرضى الإيدز المسجلين مع نهاية عام 1990 والذين بلغ عددهم (158279) شخصاً، 10% أو 15492 من النساء. وقد أصيب 51 % من النساء نتيجة المشاركة في الحقن بالوريد عند تعاطي المخدرات، بينما أصيب 29 % منهن بالمرض عن طريق المعاشرة الجنسية.
وثمة هجوم مضاد من محور آخر، لتطويق الشطط والانحراف الذي قاد الحياة الغربية في قضية المرأة والأسرة إلى الميل العظيم، بقوة التنطير والادعاءات العلمية، ويتمثل هذا الهجوم بسلسلة من البحوث والكشوف العلمية التي تناولت أحد أدعياء النبوة الكاذبين. (سيكموند فرويد) صاحب النظريات المعروفة في (التحليل النفسي) .
هاهو ذا فرويد الذي مارس لأكثر من نصف القرن في ديار الغرب والشرق معاً دور (العرّاب) الذي برّر وبارك كل صيغ الانفلات والشذوذ في المسألة الجنسية وقضية المرأة والأسرة عموماً .. هاهو ذا يتعرض منذ عقود عديدة، وأحيانا من تلامذته أنفسهم، لسهام النقد العلمي الذي كاد يأتي على نظرياته، في جل حلقاتها الأساسية، من القواعد.
هاهنا يطول الحديث ويمكن - من ثم - الاكتفاء بشاهد واحد أكثر حداثة يتمثل بتلك البحوث (السيكولوجية) التي أنجزها البروفيسور (هانز ايزينك) على مدى ثلاثين عاماً، وكان آخرها كتابه الموسوم بـ (تدهور وسقوط الإمبراطورية الفرويدية) الذي يُعدّ الضربة القاضية للتحليل النفسي.
ولقد أوضح (ايزينك) في بحوثه كافة، وفي كتابه الأخير -على وجه الخصوص- أن العلاج النفسي المبني على التحليل النفسي لاينطوي على قيمة تُذكر، وأن فرويد لم يكن عبقرية علمية، بل عبقرية اتقنت فنون الدعاية وأساليبها، وأنه كان يتميز بمقدرة لغوية كبيرة أعانته على نحت مفردات ومصطلحات جذابة مثل (عقدة أوديب) أو (مبدأ المتعة) وهذه بدورها جعلت من سرده الجديد لقصة قديمة جذاباً ومثيراً ، وبخاصة لأولئك الذين يفتقرون إلى معرفة علمية في موضوع علم النفس.
إن ما كان جديداً في أعمال فرويد - والرأي للبروفيسور ايزينك - لم يكن حقيقياً، وما كان حقيقياً لم يكن جديداً، وإن فكر فرويد لايتضمن شيئاً سوى تفسيرات خيالية لأحداث زائفة وإخفاقات علاجية ونظريات لامنطقية، واستعارات فاضحة غير معترف بها (واستبصارات) خاطئة.
ويقدم كتاب ايزينك طروحات قيمة مثل تأكيده على أهمية علم الوراثة في السلوك، وهو الدور الذي حاول التحليل النفسي إغفاله .. باختصار شديد فإن عشاق فرويد - في التحليل النهائي لقناعات ايزينك - هم ضحايا الدعاية وتضليل الذات.
ومن بعد فرويد جاء دور الوجودية الإلحادية التي كان سقوطها هذه المرة بصيغة دراماتيكية على يد مؤسسها نفسه (جان بول سارتر) عبر لقائه الأخير مع عشيقته (سيمنو دو بوفوار) في نيسان عام 1980 م، وإذ كان للوجودية دورها هي الأخرى في تأكيد "الميل العظيم" في علاقات الرجل بالمرأة، وتبريرها باسم ضرورات التحقق الذاتي وحرية
الاختيار، فإن لنا أن نتصور كيف كان انهيارها بمثابة هجوم آخر من الهجمات التي تستهدف المعطيات المضادة للفطرة، والتي تطلّ دائماً من تحت الأتربة والأنقاض لكي تعيد للحياة البشرية ألقها المنطمس وتوازنها المفقود.
وفي هذا السياق نفسه يمكن اعتبار سقوط الماركسية وعودة النبض الديني إلى الحياة الغربية ضربة أخرى لدعاة الميل العظيم وأنبيائه الكذبة، وتنظيراته الشاملة، ودعوة ملحة للعودة إلى الطهر والنظافة والاحتشام التي تليق بكرامة الإنسان وتفرده على الخلائق، وتنسجم مع مطالب الحياة البشرية المتوحدة الآمنة.
ففي غياب الدافع الديني لن يقوم - بحال من الاحوال - مجتمع نظيف متوازن مستقر، وبانهيار هذا الدافع يجيء الزهري والإيدز فيأكلان الاخضر واليابس، ولايأمن الزوج على زوجته، ولا هذه على زوجها .. ويتكاثر أولاد الحرام فلاتكاد تستوعبهم المحاضن والملاجئ، ويصير الفعل الجنسي المحرم نزوة عابرة يتحتم إطفاؤها سريعاً كما يشرب الإنسان العطشان كاساً من الماء، فيما قالت به يوماً تنظيرات الماركسية البائدة في بدايات تشكل الاتحاد السوفياتي المنحلّ على يد عالم النفس الماركسي المعروف (ولهلم رايخ) فيما دفع (لينين) نفسه بعد سنتين فحسب، إلى أن ينهض محتجاً ويدعو إلى الاحتشام والتعفف واحترام قوانين العائلة، وإلاّ أصبح الجيل التالي من الروس وأتباعهم كله من أولاد الحرام!!