حسن حاضري
10-20-2010, 01:38 AM
حين تسرقنا الحياة وصخبها وضجيجها وزحام الناس والعرق والشتائم ، نتحول إلى أرقام إضافية ، رقم وظيفي ، رقم عميل ، رقم مراجع ، رقم حظ ، رقم صعب ، رقم كشخة .
أفتقد عبدالله ذاك الذي يتسنى له التفكير فيما فعله طيلة اليوم ومراجعته والكتابة عنه أحيانا .
أفتقد الخلوة والهدوء والقدرة على الحب والنظر والاختيار والتراجع ، بعيدا عن هذه الماكينة الكبيرة التي أشكل أحد أجزائها الدقيقة ، برغي في صاج الإسناد الوقائي، صامولة في المكبس الأيمن الثانوي ، وهكذا ، عامل لتسيير شئون وتفاصيل مملة لمشروع عالمي ضخم ، وهكذا أيضا .
عندما يتعملق الإنسان في داخله قليلا وينفش ريشه باعتداد يجب أن يتذكر ضآلته وقلة شأنه في هذا الكون الهائل الذي يحوي ملايين المجرات والكواكب والأجرام والأسرار .
وعندما يطمح الشخص للتغيير والتأثير والذكر الحسن يجب أن يتذكر التوجهات العامة التي تمليها قوى بعيدة أخطبوطية تتجاوز المحيطات والشعوب والأشخاص ، ويجب أن لا تنحرف الأمور عن هذه التوجهات العامة المرسومة بعناية ، إذن ما الهامش الذي تركوه له كي يغير ويؤثر ويثبت نفسه ؟ إنها مساحة مفتعلة للتنفيس فقط ، تمتصه وترميه فتاتاً للقطط .
والناس لا يرحمون أبدا ، ينهشون لحمك بتلذذ أزلي ، بأنيابهم التي يفصلونها حسب الحاجة ، ناب للدين وناب للأخلاق وناب للواجب وناب للحب وناب للذوق العام وناب للاحتياط ، يفعلون هذا بمنتهى الحرفية والأنانية ، وعندما تسيل دماؤك يتذكرون احمرار الورد وعيد الحب والليالي الحمراء ويتغنون على شرف الفضيلة والسلام .
ينهشك مديرك كي يضعك دعامة لأمجاده ، وينهشك نسيبك بداعي القرابة كي يستعين بك في شئونه وينهشك جارك بدعوى الشرف كي يثبت لنفسه أنه رجل فاضل وينهشك حبيبك باسم الإخلاص وهو حب التملك وينهشك بائع الجرائد تحت شعار الخدمة وهو يرى فيك لقمة وينهشك التاجر والسياسي والوجيه والبقية بدعاوى مختلفة ، وحين يعود الكل ليلا ويتمددون في فرشهم يحسبون أرباحهم اليومية ويضعونك خانة في الجدول المادي .
لم أجد شيئا أقبح من الإنسان إلا محاولته في التجمل ، ولأنه الكائن العاقل الوحيد على الأرض فإنا ملزمون باحترامه والتعامل معه والتعاطي مع قبحه ، وهذا التعاطي الطاعون هو ما يفسدنا من دون أن نشعر .
إذا أراد الإنسان أن يجمل التبعية السلبية وصفها بروح الفريق ، وإذا أراد أن يجمل الكذب سماه الدبلوماسية ، وإذا أراد أن يجمل الفجور المؤذي سماه الحرية ، وإذا أراد أن يجمل مصادرة الرأي سماها الوطنية ، وإذا أراد أن يجمل المجاملات الزائفة سماها التحضر ، وإذا أراد أن يجمل الكفر سماه العلم ، وإذا أراد أن يجمل القبح سماه الاستراتيجيات ، وهكذا يختلق له مسميات ملونة تزين أخطاءه ، ويفرغ عن تأنيب ضميره بتزيين الديكور والعرائس ومداخل المباني ، حتى دور العبادة لم تسلم من المد التزييني حين أسرف الإنسان في قبحه وشعر أنه سيدخل للمسجد أو للكنيسة قبيحا ، فطفق يزخرف الجدران لعلها تستر عورة خطاياه .
وكلما ازددت علما كلما ازددت علما بجهلي ، قالها رجل أدرك السر ومضى ، لكنه انتهى عصر التواضع فأنا ازداد علما بجهلي وجهالات غيري المضاعفة ، لذا أفقد الكثير من الطمأنينة والثقة ، كيف تطمئن لتسليم جسدك للطبيب يجرب فيه حيث يشاء وهو قد يكون سكران أو مريضا نفسيا أو حصل على شهادته بطريقة ليست علمية أو كان طبيبا في الباطنية فيما علتك في الأعصاب ؟ أو مسّا من الجن ؟
يخرجون علينا في هالات مضيئة ، سعادة الوزير الفلاني ، نيافة الخبير الفلنتاني ، فخامة التمبريجيسير ( هذه درجة سيحدثونها بعد أزمة نضوب الدرجات ) وحين تجمعكم الصدفة على كوب من قهوة تجد أن هذه الهالة مجرد بالون كما قالت أمينة عبدالله ، فالرجل لا يحسن الفاتحة ، ولا يزال يخطيء في جدول الضرب ، ويخلط بين المكروه والمباح والمحرم والذوق والرغبة الرئاسية ، إنه أبو شلاخ البرمائي معك على الطاولة .
أفقد الرغبة في المشاركة والظهور والأضواء ليس عن عجز ولكن عن فقدان ثقة ، فقدان ثقة في الإنسان المعاصر وفي أدواته وتشريعاته المعاصرة أيضا .
لعبها لاري بيج وانتهى ، ابن الحرام ! أتاهم من الخلف وتربع على العرش بصمت وبساطة ، وعليهم الآن أن يتناولوا حتى أهواءه الصبيانية على شكل فتوحات .
أما مزاحمة صغار القطط على قطع التونة التي يتركها كبار القطط خوفا أو رغبة في قطع أكبر لدى الكلب الكبير الذي سرقها من الذئب الذي استعارها من الفهد الذي اشتراها من النمر بوساطة من شركة الضباع للتجارة والمقاولات وتغليف الهدايا ، فهذه مهمة لا تثير حماسي ، بل لا تمثلني ولا تحقق ذاتي .
وحين أقول صغار القطط أدخل في هذا التصغير حتى أولائك الذين يرون أنفسهم كبارا ويطمحون للتغيير والتأثير والذكر الحسن من خلال اختراق منظومة متناسلة من التوجهات العامة المذكورة .
لذا لا أومن بمعايير النجاح والفشل التي يرمونها لنا في الطرقات والمجالس العامة .
وأرى هذا الانحدار الجمعي في المعايير والقناعات والتوصيفات لدرجة أن الواحد يحتج عليك بصوت الثقة العالي حين لا تحضر مناسبة عامة أو لا تظهر في الشاشة لما واتتك الفرصة .
حسنا أنا أحتاج المال عصب الحياة ، بل أنا من أشد الناس حاجة إليه ، وأقلهم سعيا لسد هذه الحاجة ، لكن المال مرهون اليوم بالظهور ، والظهور مرتبط بتلك الشروط التي تناقض تكويني الداخلي ، لذا هذا أنا قانع بما يقسمه لي ربي مع هذا التوازن الروحي حين أكون إياي .
اختصارا : هذه الأيام أنا مشوش ومرهق
أفتقد عبدالله ذاك الذي يتسنى له التفكير فيما فعله طيلة اليوم ومراجعته والكتابة عنه أحيانا .
أفتقد الخلوة والهدوء والقدرة على الحب والنظر والاختيار والتراجع ، بعيدا عن هذه الماكينة الكبيرة التي أشكل أحد أجزائها الدقيقة ، برغي في صاج الإسناد الوقائي، صامولة في المكبس الأيمن الثانوي ، وهكذا ، عامل لتسيير شئون وتفاصيل مملة لمشروع عالمي ضخم ، وهكذا أيضا .
عندما يتعملق الإنسان في داخله قليلا وينفش ريشه باعتداد يجب أن يتذكر ضآلته وقلة شأنه في هذا الكون الهائل الذي يحوي ملايين المجرات والكواكب والأجرام والأسرار .
وعندما يطمح الشخص للتغيير والتأثير والذكر الحسن يجب أن يتذكر التوجهات العامة التي تمليها قوى بعيدة أخطبوطية تتجاوز المحيطات والشعوب والأشخاص ، ويجب أن لا تنحرف الأمور عن هذه التوجهات العامة المرسومة بعناية ، إذن ما الهامش الذي تركوه له كي يغير ويؤثر ويثبت نفسه ؟ إنها مساحة مفتعلة للتنفيس فقط ، تمتصه وترميه فتاتاً للقطط .
والناس لا يرحمون أبدا ، ينهشون لحمك بتلذذ أزلي ، بأنيابهم التي يفصلونها حسب الحاجة ، ناب للدين وناب للأخلاق وناب للواجب وناب للحب وناب للذوق العام وناب للاحتياط ، يفعلون هذا بمنتهى الحرفية والأنانية ، وعندما تسيل دماؤك يتذكرون احمرار الورد وعيد الحب والليالي الحمراء ويتغنون على شرف الفضيلة والسلام .
ينهشك مديرك كي يضعك دعامة لأمجاده ، وينهشك نسيبك بداعي القرابة كي يستعين بك في شئونه وينهشك جارك بدعوى الشرف كي يثبت لنفسه أنه رجل فاضل وينهشك حبيبك باسم الإخلاص وهو حب التملك وينهشك بائع الجرائد تحت شعار الخدمة وهو يرى فيك لقمة وينهشك التاجر والسياسي والوجيه والبقية بدعاوى مختلفة ، وحين يعود الكل ليلا ويتمددون في فرشهم يحسبون أرباحهم اليومية ويضعونك خانة في الجدول المادي .
لم أجد شيئا أقبح من الإنسان إلا محاولته في التجمل ، ولأنه الكائن العاقل الوحيد على الأرض فإنا ملزمون باحترامه والتعامل معه والتعاطي مع قبحه ، وهذا التعاطي الطاعون هو ما يفسدنا من دون أن نشعر .
إذا أراد الإنسان أن يجمل التبعية السلبية وصفها بروح الفريق ، وإذا أراد أن يجمل الكذب سماه الدبلوماسية ، وإذا أراد أن يجمل الفجور المؤذي سماه الحرية ، وإذا أراد أن يجمل مصادرة الرأي سماها الوطنية ، وإذا أراد أن يجمل المجاملات الزائفة سماها التحضر ، وإذا أراد أن يجمل الكفر سماه العلم ، وإذا أراد أن يجمل القبح سماه الاستراتيجيات ، وهكذا يختلق له مسميات ملونة تزين أخطاءه ، ويفرغ عن تأنيب ضميره بتزيين الديكور والعرائس ومداخل المباني ، حتى دور العبادة لم تسلم من المد التزييني حين أسرف الإنسان في قبحه وشعر أنه سيدخل للمسجد أو للكنيسة قبيحا ، فطفق يزخرف الجدران لعلها تستر عورة خطاياه .
وكلما ازددت علما كلما ازددت علما بجهلي ، قالها رجل أدرك السر ومضى ، لكنه انتهى عصر التواضع فأنا ازداد علما بجهلي وجهالات غيري المضاعفة ، لذا أفقد الكثير من الطمأنينة والثقة ، كيف تطمئن لتسليم جسدك للطبيب يجرب فيه حيث يشاء وهو قد يكون سكران أو مريضا نفسيا أو حصل على شهادته بطريقة ليست علمية أو كان طبيبا في الباطنية فيما علتك في الأعصاب ؟ أو مسّا من الجن ؟
يخرجون علينا في هالات مضيئة ، سعادة الوزير الفلاني ، نيافة الخبير الفلنتاني ، فخامة التمبريجيسير ( هذه درجة سيحدثونها بعد أزمة نضوب الدرجات ) وحين تجمعكم الصدفة على كوب من قهوة تجد أن هذه الهالة مجرد بالون كما قالت أمينة عبدالله ، فالرجل لا يحسن الفاتحة ، ولا يزال يخطيء في جدول الضرب ، ويخلط بين المكروه والمباح والمحرم والذوق والرغبة الرئاسية ، إنه أبو شلاخ البرمائي معك على الطاولة .
أفقد الرغبة في المشاركة والظهور والأضواء ليس عن عجز ولكن عن فقدان ثقة ، فقدان ثقة في الإنسان المعاصر وفي أدواته وتشريعاته المعاصرة أيضا .
لعبها لاري بيج وانتهى ، ابن الحرام ! أتاهم من الخلف وتربع على العرش بصمت وبساطة ، وعليهم الآن أن يتناولوا حتى أهواءه الصبيانية على شكل فتوحات .
أما مزاحمة صغار القطط على قطع التونة التي يتركها كبار القطط خوفا أو رغبة في قطع أكبر لدى الكلب الكبير الذي سرقها من الذئب الذي استعارها من الفهد الذي اشتراها من النمر بوساطة من شركة الضباع للتجارة والمقاولات وتغليف الهدايا ، فهذه مهمة لا تثير حماسي ، بل لا تمثلني ولا تحقق ذاتي .
وحين أقول صغار القطط أدخل في هذا التصغير حتى أولائك الذين يرون أنفسهم كبارا ويطمحون للتغيير والتأثير والذكر الحسن من خلال اختراق منظومة متناسلة من التوجهات العامة المذكورة .
لذا لا أومن بمعايير النجاح والفشل التي يرمونها لنا في الطرقات والمجالس العامة .
وأرى هذا الانحدار الجمعي في المعايير والقناعات والتوصيفات لدرجة أن الواحد يحتج عليك بصوت الثقة العالي حين لا تحضر مناسبة عامة أو لا تظهر في الشاشة لما واتتك الفرصة .
حسنا أنا أحتاج المال عصب الحياة ، بل أنا من أشد الناس حاجة إليه ، وأقلهم سعيا لسد هذه الحاجة ، لكن المال مرهون اليوم بالظهور ، والظهور مرتبط بتلك الشروط التي تناقض تكويني الداخلي ، لذا هذا أنا قانع بما يقسمه لي ربي مع هذا التوازن الروحي حين أكون إياي .
اختصارا : هذه الأيام أنا مشوش ومرهق