المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هو الحب؟



Abu anas
12-21-2010, 12:40 PM
الرغم من قيمة مشاعر الحب عندي و عندكم معاشر القراء و القارئات ، و بالرغم من أن الحب يكاد يكون صنم هذا العصر الذي يُحرق له البخور ، و يُقدم له الشباب القرابين من دمائهم ، و يُقدم له الشيوخ القرابين من سمعتهم ، و تُرتل له الأناشيد ، و يُزمر له الزامر ، و تعمل بلاتوهات السينما و ستوديوهات التليفزيون ، ليكون المعبود الأول و المقصود الأول ، و الشاغل الأوحد و الهدف الأوحد و الغاية المثلى للحياة التي بدونها لا تكون الحياة حياة .




و بالرغم من أننا جميعا جناة أو ضحايا لهذا الحب ، و ليس فينا إلا من أصابه جرح أو سهم أو حرق ، أو أصاب غيره بجرح أو سهم أو حرق .





بالرغم من هذه الأهمية القصوى ، و الصدارة المطلقة لموضوع الحب في هذا الزمان ، فإني أستأذنكم في إعادة نظر و في وقفة تأمل ، و في محاولة فهم لهذا التيه الذي نتيه فيه جميعا شيوخا و شبابا و صبايا .





و أسأل نفسي أولا و أسألكم :





هل تعلمون لماذا يرتبط الحب دائما بالألم ، و لماذا ينتهي بالدموع و خيبة الآمال ؟!





دعوني أحاول الإجابة فأقول : إن الحب و الرغبة قرينان .. و إنه لا يمكن أن تحب امرأة دون أن ترغبها ، و لهذا ما تلبث نسمات الحب الرفافة الحنون أن تمازج الدم و اللحم ، و الجبلة البشرية فتتحول إلى ريح و إعصار و زوبعة ، حيث ينصهر اللحم و العظم في أتون من الشهوة العارمة ، و اللذة الوقتية التي ما تكاد تشتعل حتى تنطفئ .





هل أقول إن الحب يتضمن قسوة خفية ، و عدوانا مستترا ؟.





نعم هو كذلك إذا اصطبغ بالشهوة ، و هو لابد أن يتلون بالشهوة بحكم البشرية .





و المرأة التي تشعر أن الرجل استولى على روحها ، تحاول هي الأخرى أن تنزع روحه و تستولي عليها .. و في ذلك عدوان خفي متبادل، و إن كان يأخذ شكل الحب.





و المرة الوحيدة التي جاء فيها ذكر الحب في القرآن هي قصة امرأة العزيز التي شغفها فتاها ( يوسف ) حبّا.





فماذا فعلت امرأة العزيز حينما تعفف يوسف الصدّيق؟ و ماذا فعلت حينما دخل عليهما الزوج؟ لقد طالبت بإيداع يوسف السجن و تعذيبه.





قال تعالى: { ... قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [يوسف : 25]





و ماذا قالت لصاحباتها و هي تروي قصة حبها؟





قال تعالى: { ...وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ } [يوسف : 32]





إن عنف حبها اقترن عندها بالقسوة و السجن و التعذيب.





و ماذا قال يوسف الصدّيق؟





قال تعالى: { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ... }[يوسف : 33]






لأنه أدرك ببصيرته أن الحب سجن، و أن الشهوة قيد إذا استسلم له الرجل أطبق على عنقه حتى الموت.. و رأى أن مكثه في السجن عدة سنوات، أرحم من الخضوع للشهوة التي هي سجن مؤبد إلى آخر الحياة.





إن الحب لا يظل حبا صافيا رفافا شفافا، و إنما ما يلبث بحكم الجبلة البشرية أن يصبح جزءا من ثالوث هو: الحب و الجنس و القسوة، و هو ثالوث متلاحم يقترن بعضه ببعض على الدوام.





و لأن قصة الحب التي خالطتها الشهوة ما تلبث أن تنتهي إلى الإشباع في دقائق، ثم بعد ذلك يأتي التعب و الملل و الرغبة عند الإثنين في تغيير الطبق، و تجديد الصنف لإشعال الشهوة و الفضول من جديد.. لهذا ما يلبث أن يتداعى الحب إلى شك في كل طرف من غدر الطرف الآخر.. و هذا بدوره يؤدي إلى مزيد من الارتياب و التربص و القسوة و الغيرة، و هكذا يتحول الحب إلى تعاسة و آلام و دموع و تجريح.





و الحب لا يكاد ينفك أبدا عن هذا الثالوث.. (( الحب و الجنس و القسوة )).. و هو لهذا مقضى عليه بالإحباط و خيبة الأمل، و محكوم عليه بالتقلب من الضد إلى الضد، و من النقيض إلى النقيض.. فيرتد الحب عداوة و ينقلب كراهية و تنتحر العواطف كل يوم مائة مرة.. و ذلك هو عين العذاب.





و لهذا لا يصلح هذا الثالوث أن يكون أساسا لزواج.. و لا يصلح لبناء البيوت، و لا يصلح لإقامة الوشائج الثابتة بين الجنسين.





و من دلائل عظمة القرآن و إعجازه أنه حينما ذكر الزواج، لم يذكر الحب و إنما ذكر المودة و الرحمة و السكن.





سكن النفوس بعضها إلى بعض.


و راحة النفوس بعضها إلى بعض.


و قيام الرحمة و ليس الحب.. و المودة و ليس الشهوة.





قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ...} [الروم : 21]






إنها الرحمة و المودة.. مفتاح البيوت.





و الرحمة تحتوي على الحب بالضرورة.. و الحب لا يشتمل على الرحمة، بل يكاد بالشهوة أن ينقلب عدوانا.





و الرحمة أعمق من الحب و أصفى و أطهر.


و الرحمة عاطفة إنسانية راقية مركبة، ففيها الحب، و فيها التضحية، و فيها إنكار الذات، و فيها التسامح، و فيها العطف، و فيها العفو، و فيها الكرم.





و كلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية.


و قليل منا هم القادرون على الرحمة.


و بين ألف حبيبة هناك واحدة يمكن أن ترحم، و الباقي طالبات هوى و نشوة و لذة.





و لذلك جاء كتاب الحكمة الأزلية الذي تنزل علينا من الحق.. يذكرنا عند الزواج بالرحمة و المودة و السكن.. و لم يذكر كلمة واحدة عن الحب، محطما بذلك صنم العصر و معبوده الأول، كما حطم أصنام الكعبة من قديم.





و الذين خبروا الحياة و باشروا حلوها و مرّها، و تمرسوا بالنساء يعرفون مدى عمق و أصالة و صدق هذه الكلمات المنزلة.





و ليس في هذه الكلمات مصادرة للحب، أو إلغاء للشهوة و إنما هي توكيد، و بيان بأن ممارسة الحب و الشهوة بدون إطار من الرحمة و المودة و الشرعية هو عبث لابد أن ينتهي إلى الإحباط.





و الحيوانات تمارس الحب و الشهوة و تتبادل الغزل.


و إنما الإنسان وحده هو الذي امتاز بهذا الإطار من المودة و الرحمة و الرأفة، لأنه هو وحده الذي استطاع أن يستعلي على شهواته؛ فيصوم و هو جائع و يتعفف و هو مشتاق.





و الرحمة ليست ضعفا و إنما هي غاية القوة، لأنها استعلاء على الحيوانية و البهيمية و الظلمة الشهوانية.





الرحمة هي النور و الشهوة هي النار.


و أهل الرحمة هم أهل النور و الصفاء و البهاء، و هم الوجهاء حقا.





و القسوة جبن و الرحمة شجاعة.


و لا يؤتى الرحمة إلا كل شجاع كريم نبيل.


و لا يشتغل بالانتقام و التنكيل إلا أهل الصغار و الخسة و الوضاعة.


و الرحمة هي خاتم الجنة على جباه السعداء الموعودين من أهل الأرض.. تعرفهم بسيماهم و سمتهم و وضاءتهم.





و علامة الرحيم هي الهدوء و السكينة و السماحة، و رحابة الصدر، و الحلم و الوداعة و الصبر و التريث، و مراجعة النفس قبل الاندفاع في ردود الأفعال، و عدم التهالك على الحظوظ العاجلة و المنافع الشخصية، و التنزه عن الغل و ضبط الشهوة، و طول التفكير و حب الصمت و الائتناس بالخلوة و عدم الوحشة من التوحد، لأن الرحيم له من داخله نور يؤنسه، و لأنه في حوار دائم مع الحق، و في بسطة دائمة مع الخلق.





و الرحماء قليلون، و هم أركان الدنيا و أوتادها التي يحفظ بها الله الأرض و من عليها.


و لا تقوم القيامة إلا حينما تنفد الرحمة من القلوب، و يتفشى الغلّ، و تسود المادية الغليظة، و تنفرد الشهوات بمصير الناس، فينهار بنيان الأرض و تتهدم هياكلها من القواعد.





اللهم إني أسألك رحمة..


اللهم إني أسألك مودة تدوم..


اللهم إني أسألك سكنا عطوفا و قلبا طيبا..


اللهم لا رحمة إلا بك و منك و إليك..

دمعة فرح
12-21-2010, 01:06 PM
اللهم إني أسألك رحمة..


اللهم إني أسألك مودة تدوم..


اللهم إني أسألك سكنا عطوفا و قلبا طيبا..


اللهم لا رحمة إلا بك و منك و إليك..

اللهم آمين .. بصراحة أروع موضوع قرأته .. واجمل صباح اتصبحت بالمودة والرحمة
صباحك معطر بذكر الله

ومني إلك أروع تقييم

تحيتي

ماهرالفيزو
12-21-2010, 01:10 PM
اللهم إني أسألك رحمة..


اللهم إني أسألك مودة تدوم..


اللهم إني أسألك سكنا عطوفا و قلبا طيبا..
شكرا لك

وجزاك الله خير
ولك احلى تقييم




اللهم لا رحمة إلا بك و منك و إليك..

Sanaa
12-22-2010, 12:06 AM
و الرحمة عاطفة إنسانية راقية مركبة، ففيها الحب، و فيها التضحية، و فيها إنكار الذات، و فيها التسامح، و فيها العطف، و فيها العفو، و فيها الكرم.



و كلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية.


و قليل منا هم القادرون على الرحمة.





اللهم إني أسألك رحمة..


اللهم إني أسألك مودة تدوم..


اللهم إني أسألك سكنا عطوفا و قلبا طيبا..

اللهم لا رحمة إلا بك و منك و إليك..





اللهم آمييييييين


كلمات راااااااائعة ... و موضوع أرووووع

و يستحق التقييم بجداااااارة

شكراا كتيييير ع الطرح المهم و الراقي جدااا

مع التحية

ريماس
12-22-2010, 03:22 PM
اللهم إني أسألك رحمة..


اللهم إني أسألك مودة تدوم..


اللهم إني أسألك سكنا عطوفا و قلبا طيبا..

اللهم لا رحمة إلا بك و منك و إليك..

اللهم امين اللهم امين اللهم امين
فعلا من اروع واجمل مااقرأت كلمات تريح القلب
وفعلا يستحق اجمل تقيم
شكرا لك ماهر مبدع وذواق في الاختيار
تحيتي لك

السكون
12-22-2010, 11:46 PM
مشكور يا اروع ماهر بالكون

تسلم يا حبيب على المعلومات الرائعة

جمال الروح
12-23-2010, 02:36 AM
بـــــاركــ الله فيـــكـ عـــلى

هــذا الإختيـــار والطـــــرح الــــراقــــــــي

تحيتــي لكــ
مـــع جـــزيـــل الشكـــر والتقـــديــــر

محمود عبد المعطي
12-24-2010, 07:46 AM
مشكور ويعطيك العافية

Abu anas
02-25-2011, 12:36 PM
مشكورين يا جماعة للمرور و التعليقات المميزة
:z025: