سارة
01-18-2011, 11:34 PM
ذكر أنّ معاوية بن أبي سفيان جلس ذات يومٍ بمجلسٍ كان له بدمشق علىقارعة الطّريق، وكان المجلس مفتّح الجوانب لدخول النّسيم، فبينما هو على فراشه وأهلمملكته بين يديه، إذ نظر إلى رجلٍ يمشي نحوه وهو يسرع في مشيته راجلاً حافياً، وكانذلك اليوم شديد الحرّ، فتأمّله معاوية ثمّ قال لجلسائه: لم يخلق الله ممّن أحتاجإلى نفسه في مثل هذا اليوم. ثمّ قال: يا غلام سر إليه واكشف عن حاله وقصّته فواللهلئن كان فقيراً لأغنينّه، ولئن كان شاكياً لأنصفنّه، ولئن كان مظلوماً لأنصرنّه،ولئن كان غنياً لأفقرنّه. فخرج إليه الرسول متلقياً فسلّم عليه فردّ عليه السّلام. ثمّ قال له: ممّن الرّجل? قال: سيّدي أنا رجلٌ أعرابيٌّ من بني عذرة، أقبلت إلىأمير المؤمنين مشتكياً إليه بظلامةٍ نزلت بي من بعض عمّاله. فقال له الرّسول: أصبحتيا أعرابي? ثمّ سار به حتّى وقف بين يديه فسلّم عليه بالخلافة ثمّ أنشأيقول:
معاوي يا ذا العلم والحلم والفضـل ويا ذا النّدى والجود والنّابلالجزل
أتيتك لمّا ضاق في الأرض مذهبي فيا غيث لا تقطع رجائي من العدل
وجد ليبإنصافٍ من الجّائر الـذي شواني شيّاً كان أيسـره قـتـلـي
سباني سعدى وانبرىلخصومـتـي وجار ولم يعدل، وأغصبني أهلـي
قصدت لأرجو نفعه فـأثـابـنـي بسجنٍوأنواع العذاب مع الكـبـل
وهمّ بقتلـي غـير أن مـنـيّتـي تأبّت، ولم أستكملالرّزق من أجلي
أغثني جزاك الـلـه عـنّـي جـنّةً فقد طار من وجدٍ بسعدى لهاعقلي
فلمّا فرغ من شعره قال له معاوية: يا إعرابيإنّي أراك تشتكي عاملاً من عمّالنا ولم تسمعه لنا! قال: أصلح الله أمير المؤمنين،وهو والله ابن عمّك مروان بن الحكم عامل المدينة. قال معاوية: وما قصّتك معه ياأعرابي. قال: أصلح الله الأمير، كانت لي بنت عمٍّ خطبتها إلى أبيها فزوّجني منها. وكنت كلفاً بها لما كانت فيه من كمال جمالها وعقلها والقرابة. فبقيت معها يا أميرالمؤمنين، في أصلح حالٍ وأنعم بالٍ، مسروراً زماناً، قرير العين. وكانت لي صرمةً منإبلٍ وشويهات، فكنت أعولها ونفسي بها. فدارت عليها أقضية الله وحوادث الدّهر، فوقعفيها داءٌ فذهبت بقدرة الله. فبقيت لا أملك شيئاً، وصرت مهيناً مفكّراً، قد ذهبعقلي، وساءت حالي، وصرت ثقلاً على وجه الأرض. فلمّا بلغ ذلك أباها حال بيني وبينها،وأنكرني، وجحدني، وطردني، ودفعها عنّي. فلم أدر لنفسي بحيلةٍ ولا نصرةٍ. فأتيت إلىعاملك مروان بن الحكم مشتكياً بعمّي، فبعث إليه، فلمّا وقف بين يديه، قال له مروان: يا أيّها الرّجل لم حلت بين ابن أخيك وزوجته? قال: أصلح الله الأمير، ليس له عنديزوجة ولا زوجته من ابنتي قط. قلت أنا: أصلح الله الأمير، أنا راضٍ بالجّارية، فإنرأى الأمير أن يبعث إليها ويسمع منها ما تقول? فبعث إليها فأتت الجّارية مسرعةً،فلمّا وقفت بين يديه ونظر إليها وإلى حسنها وقعت منه موقع الإعجاب والاستحسان، فصارلي، يا أمير المؤمنين خصماً وانتهرني، وأمر بي إلى السّجن. فبقيت كأني خررت منالسّماء في مكانٍ سحيقٍ، ثمّ قال لأبي بعدي: هل لك أن تزوّجها منّي، وأنقدك ألفدينارٍ، وأزيدك أنت عشرة آلاف درهمٍ تنتفع بها، وأنا أضمن طلاقها? قال له أبوها: إنأنت فعلت ذلك زوّجتها منك.
فلمّا كان من الغد بعث إليّ، فلمّا أدخلت عليه نظرإليّ كالأسد الغضبان، فقال لي: يا أعرابي طلّق سعدى. قلت: لا أفعل. فأمر بضربي ثمردّني إلى السّجن، فلمّا كان في اليوم الثّاني قال: عليّ بالأعرابي. فلمّا وقفت بينيديه، قال: طلّق سعدى. فقلت: لا أفعل. فسلّط عليّ يا أمير المؤمنين خدّامه فضربونيضرباً لا يقدر أحدٌ على وصفه، ثمّ أمر بي إلى السّجن؛ فلمّا كان في اليوم الثّالثقال: عليّ بالإعرابي، فلمّا وقفت بين يديه قال: عليّ بالسّيف والنّطع وأحضرالسيّاف، ثمّ قال: يا أعرابي، وجلالة ربّي، وكرامة والدي، لئن لم تطلّق سعدىلأفرّقنّ بين جسدك وموضع لسانك.
فخشيت على نفسي القتل فطلّقتها طلقةً واحدةً علىطلاق السّنّة، ثمّ أمر بي إلى السّجن فحبسني فيه حتّى تمّت عدّتها ثمّ تزوّجها،فبنى بها، ثمّ أطلقني. فأتيتك مستغيثاً قد رجوت عدلك وإنصافك، فارحمني يا أميرالمؤمنين. فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجهدني الأرق، وأذابني القلق، وبقيت فيحبّها بلا عقلٍ، ثمّ انتحب حتىّ كادت نفسه تفيض. ثمّ أنشأ يقول:
في القلب منّي نارٌ والنّار فيه الدّمار
والجّسم منّي سقيمٌفيه الطّبيب يحار
والعين تهطل دمعاً فدمعها مـدرار
حملت منه عظيماً فما عليهاصطبار
فليس ليلـي لـيلٌ ولا نهاري نهـار
فارحم كئيباً حزيناً فؤادهمستطـار
اردد عليّ سعادي يثيبك الـجـبّـار
ثمّ خرّمغشيّاً عليه بين يدي أمير المؤمنين كأنّه قد صعق به قال: وكان في ذلك الوقت معاويةمتكّئاً، فلمّا نظر إليه قد خرّ بين يديه قام ثمّ جلس، وقال: إنّا لله وإنّا إليهراجعون. اعتدى والله مروان بن الحكم ضراراً في حدود الدّين، وإحساراً في حرمالمسلمين: ثمّ قال: والله يا أعرابي لقد أتيتني بحديثٍ ما سمعت بمثله. ثمّ قال: ياغلام عليّ بداوةٍ وقرطاسٍ فكتب إلى مروان: أمّا بعد، فإنّه بلغني عنك أنّك اعتديتعلى رعيّتك في بعض حدود الدّين، وانتهكت حرمةً لرجلٍ من المسلمين. وإنّما ينبغي لمنكان والياً على كورةٍ أو إقليمٍ أن يغضّ بصره وشهواته، ويزجر نفسه عن لذّاته. وإنّما الوالي كالرّاعي لغنمةٍ، فإذا رفق به بقيت معه، وإذا كان لها ذئباً فمنيحوطها بعده. ثمّ كتب بهذه الأبيات:
ولّيت، ويحك أمراً لست تحكمـه فاستغفر الله من فعل امرئٍ زاني
قد كنت عندي ذا عقـلٍ وذا أدبٍ مع القراطيس تمثالاً وفـرقـان
حتّى أتاناالفتى العذريّ منتحـبـاً يشكو إلينا بـبـثٍّ ثـمّ أحـزان
أعطي الإله يميناً لاأكـفّـرهـا حقّاً وأبرأ مـن دينـي وديانـي
إن أنت خالفتني فيما كتبـت بـهلأجعلنّك لحماً بين عـقـبـانـي
طلّق سعاد وعجّلها مـجـهّـزةً مع الكميت، ومع نصربن ذبيان
فما سمعت كما بلّغت في بـشـرٍ ولا كفعلك حقاً فعـل إنـسـان
فاخترلنفسك إمّا أن تجود بـهـا أو أن تلاقي المنايا بين أكـفـان
معاوي يا ذا العلم والحلم والفضـل ويا ذا النّدى والجود والنّابلالجزل
أتيتك لمّا ضاق في الأرض مذهبي فيا غيث لا تقطع رجائي من العدل
وجد ليبإنصافٍ من الجّائر الـذي شواني شيّاً كان أيسـره قـتـلـي
سباني سعدى وانبرىلخصومـتـي وجار ولم يعدل، وأغصبني أهلـي
قصدت لأرجو نفعه فـأثـابـنـي بسجنٍوأنواع العذاب مع الكـبـل
وهمّ بقتلـي غـير أن مـنـيّتـي تأبّت، ولم أستكملالرّزق من أجلي
أغثني جزاك الـلـه عـنّـي جـنّةً فقد طار من وجدٍ بسعدى لهاعقلي
فلمّا فرغ من شعره قال له معاوية: يا إعرابيإنّي أراك تشتكي عاملاً من عمّالنا ولم تسمعه لنا! قال: أصلح الله أمير المؤمنين،وهو والله ابن عمّك مروان بن الحكم عامل المدينة. قال معاوية: وما قصّتك معه ياأعرابي. قال: أصلح الله الأمير، كانت لي بنت عمٍّ خطبتها إلى أبيها فزوّجني منها. وكنت كلفاً بها لما كانت فيه من كمال جمالها وعقلها والقرابة. فبقيت معها يا أميرالمؤمنين، في أصلح حالٍ وأنعم بالٍ، مسروراً زماناً، قرير العين. وكانت لي صرمةً منإبلٍ وشويهات، فكنت أعولها ونفسي بها. فدارت عليها أقضية الله وحوادث الدّهر، فوقعفيها داءٌ فذهبت بقدرة الله. فبقيت لا أملك شيئاً، وصرت مهيناً مفكّراً، قد ذهبعقلي، وساءت حالي، وصرت ثقلاً على وجه الأرض. فلمّا بلغ ذلك أباها حال بيني وبينها،وأنكرني، وجحدني، وطردني، ودفعها عنّي. فلم أدر لنفسي بحيلةٍ ولا نصرةٍ. فأتيت إلىعاملك مروان بن الحكم مشتكياً بعمّي، فبعث إليه، فلمّا وقف بين يديه، قال له مروان: يا أيّها الرّجل لم حلت بين ابن أخيك وزوجته? قال: أصلح الله الأمير، ليس له عنديزوجة ولا زوجته من ابنتي قط. قلت أنا: أصلح الله الأمير، أنا راضٍ بالجّارية، فإنرأى الأمير أن يبعث إليها ويسمع منها ما تقول? فبعث إليها فأتت الجّارية مسرعةً،فلمّا وقفت بين يديه ونظر إليها وإلى حسنها وقعت منه موقع الإعجاب والاستحسان، فصارلي، يا أمير المؤمنين خصماً وانتهرني، وأمر بي إلى السّجن. فبقيت كأني خررت منالسّماء في مكانٍ سحيقٍ، ثمّ قال لأبي بعدي: هل لك أن تزوّجها منّي، وأنقدك ألفدينارٍ، وأزيدك أنت عشرة آلاف درهمٍ تنتفع بها، وأنا أضمن طلاقها? قال له أبوها: إنأنت فعلت ذلك زوّجتها منك.
فلمّا كان من الغد بعث إليّ، فلمّا أدخلت عليه نظرإليّ كالأسد الغضبان، فقال لي: يا أعرابي طلّق سعدى. قلت: لا أفعل. فأمر بضربي ثمردّني إلى السّجن، فلمّا كان في اليوم الثّاني قال: عليّ بالأعرابي. فلمّا وقفت بينيديه، قال: طلّق سعدى. فقلت: لا أفعل. فسلّط عليّ يا أمير المؤمنين خدّامه فضربونيضرباً لا يقدر أحدٌ على وصفه، ثمّ أمر بي إلى السّجن؛ فلمّا كان في اليوم الثّالثقال: عليّ بالإعرابي، فلمّا وقفت بين يديه قال: عليّ بالسّيف والنّطع وأحضرالسيّاف، ثمّ قال: يا أعرابي، وجلالة ربّي، وكرامة والدي، لئن لم تطلّق سعدىلأفرّقنّ بين جسدك وموضع لسانك.
فخشيت على نفسي القتل فطلّقتها طلقةً واحدةً علىطلاق السّنّة، ثمّ أمر بي إلى السّجن فحبسني فيه حتّى تمّت عدّتها ثمّ تزوّجها،فبنى بها، ثمّ أطلقني. فأتيتك مستغيثاً قد رجوت عدلك وإنصافك، فارحمني يا أميرالمؤمنين. فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجهدني الأرق، وأذابني القلق، وبقيت فيحبّها بلا عقلٍ، ثمّ انتحب حتىّ كادت نفسه تفيض. ثمّ أنشأ يقول:
في القلب منّي نارٌ والنّار فيه الدّمار
والجّسم منّي سقيمٌفيه الطّبيب يحار
والعين تهطل دمعاً فدمعها مـدرار
حملت منه عظيماً فما عليهاصطبار
فليس ليلـي لـيلٌ ولا نهاري نهـار
فارحم كئيباً حزيناً فؤادهمستطـار
اردد عليّ سعادي يثيبك الـجـبّـار
ثمّ خرّمغشيّاً عليه بين يدي أمير المؤمنين كأنّه قد صعق به قال: وكان في ذلك الوقت معاويةمتكّئاً، فلمّا نظر إليه قد خرّ بين يديه قام ثمّ جلس، وقال: إنّا لله وإنّا إليهراجعون. اعتدى والله مروان بن الحكم ضراراً في حدود الدّين، وإحساراً في حرمالمسلمين: ثمّ قال: والله يا أعرابي لقد أتيتني بحديثٍ ما سمعت بمثله. ثمّ قال: ياغلام عليّ بداوةٍ وقرطاسٍ فكتب إلى مروان: أمّا بعد، فإنّه بلغني عنك أنّك اعتديتعلى رعيّتك في بعض حدود الدّين، وانتهكت حرمةً لرجلٍ من المسلمين. وإنّما ينبغي لمنكان والياً على كورةٍ أو إقليمٍ أن يغضّ بصره وشهواته، ويزجر نفسه عن لذّاته. وإنّما الوالي كالرّاعي لغنمةٍ، فإذا رفق به بقيت معه، وإذا كان لها ذئباً فمنيحوطها بعده. ثمّ كتب بهذه الأبيات:
ولّيت، ويحك أمراً لست تحكمـه فاستغفر الله من فعل امرئٍ زاني
قد كنت عندي ذا عقـلٍ وذا أدبٍ مع القراطيس تمثالاً وفـرقـان
حتّى أتاناالفتى العذريّ منتحـبـاً يشكو إلينا بـبـثٍّ ثـمّ أحـزان
أعطي الإله يميناً لاأكـفّـرهـا حقّاً وأبرأ مـن دينـي وديانـي
إن أنت خالفتني فيما كتبـت بـهلأجعلنّك لحماً بين عـقـبـانـي
طلّق سعاد وعجّلها مـجـهّـزةً مع الكميت، ومع نصربن ذبيان
فما سمعت كما بلّغت في بـشـرٍ ولا كفعلك حقاً فعـل إنـسـان
فاخترلنفسك إمّا أن تجود بـهـا أو أن تلاقي المنايا بين أكـفـان