مشاهدة النسخة كاملة : أقوال في ذم الدنيا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ"
قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه صف لنا الدنيا فقال: ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب وحرامها عذاب، من استغنى فيها فتن ومن افتقر حزن"
دخل أعرابي عمّر مئة وعشرين سنة على معاوية فقال له: صف لي الدنيا فقال: سنيات بلاء، وسنيات رخاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود باد الخلق ولولا الهالك ضاقت الأرض.
قال أبو العتاهية:
نَسيتُ مَنيّتي، وَخدعتُ نَفسي،
وَطالَ عَليّ تَعمِيري، وغَرْسِي
وكُلُّ ثمينة ٍ أصبحتُ أغلِي
بها ستُباعُ من بعدي بِوكْسِ
وَما أدري، وإنْ أمّلتُ عُمراً،
لعَلّي حينَ أُصْبحُ لَستُ أُمْسِي
وَساعَة ُ مِتَتي، لا بُدّ مِنها،
تُعَجّلُ نُقلَتي، وتُطيلُ حَبسِي
أموتُ ويكرهُ الأحبابُ قُربِي
وتَحضَرُ وَحشتي، ويَغيبُ أُنسِي
ألا يا ساكنَ البيتِ الموشَّى
ستُسكِنُكَ المَنِيّة ُ بَطنَ رَمسِ
رَأيْتُكَ تَذْكُرُ الدّنْيا كَثيراً،
وَكَثرَة ُ ذِكْرِها للقَلْبِ تُقْسِي
كأنّكَ لا تَرَى بالخَلْقِ نَقْصاً
وأنتَ تراهُ كُلَّ شروقِ شمسِ
وطالِبِ حاجَة ٍ أعْيَا وَأكْدَى
ومُدركِ حاجة ٍ في لينِ لمسِ
ألا وَلَقَلّ ما تَلْقَى شَجِيّاً
يُسيغُ شَجَاهُ إلاّ بالتّأسّي
وقال أبو حازم: بيني وبين الملوك يوم واحد، أما أمس فلا يجدون لذته ولا أجد شدته، وأما غد فإني وإياهم منه على خطر، وما هو إلا اليوم فما عسى أن يكون.
خطبة لقطري بن الفجاءة في ذم الدنيا والتحذير منها
أما بعد. فإني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وراقت بالقليل وتحببت بالعاجلة، وحليت بالآمال، وتزينت بالغرور. لا تدوم نصرتها، ولا تؤمن فجعتها. غرارة، ضرارة، وخاتلة، زائلة ونافذة، بائدة، أكالة، غوالة. لا تعدو إذ تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا عنها أن تكون كما قال الله تعالى " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً " مع أن أمراً لم يكن منها في حبرة، لغا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرائها بطناً، إلا منحته من ضرائها ظهراً. ولم تصله غيثة رخاء، إلا هطلت عليه مزنة بلاء. وحرية إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة. وأي جانب منها اعذوذب واحلولى، أمر عليه منها جانب وأوبا. فإن آتت امرأ من غصونها ورقاً أرهقته من نوائبها تعبا. ولم يمس منها امرؤ في جناح أمن إلا أصبح منها على قوادم خوف، غرارة: غرور ما فيها؛ فانية: فان من عليها، لا خير في شيء من زادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه. ومن استكثر منها، استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه، ويبكي عينه. كم واثق بها قد فجعته، وذي حكم ثنته إليها قد صرعته، وذي احتيال فيها قد خدعته. وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيراً، وذي نخوة قد ردته ذليلاً. ومن ذي تاج قد كبته لليدين والفم. سلطانها دول. وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام. قطافها سلع. حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم. منيعها بعرض اهتضام. وملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب. وسليمها منكوب، وجارها محروب. مع أن وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " . ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول منكم أعماراً، وأوضح منكم آثاراً، وأعد عديداً، وأكثف جنوداً، وأشد عتوداً. تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، وظعنوا عنها بالكره والصغار. فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفساً بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب بل أرهقتهم بالقوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالفجائع. وقد رأيتم تنكرها لمن رادها وآثرها وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق إلى الأبد إلى آخر الأمد. هل زودتهم إلا السغب؟ وأحلتهم إلا الضنك، أو نورت لهم إلا الظلمة، أو أعقبتهم إلا الندامة؟ أفهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم إليها تطمئنون؟ يقول الله جل ذكره " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون " بئست الدار لمن أقام فيها! فاعلموا إذ أنتم تعلمون أنكم تاركوها الأبد، فإنما هي كما وصفها الله تعالى باللعب واللهو، وقد قال تعالى: " أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين "
ابن الزقاق البلنسي
ألا يا واقفاً بي عند قبري
سل الأجداث عن صرف الليالي
وعن حالي فإن عَيَّتْ جواباً
فعبرتها تجيب عن السؤال
لئن شمت العدوّ بنا فمهلاً
سينقل للصفائح كانتقالي
وأيّ شماتة في ترك دنيا
لذي أمل رأى عنها ارتحالي
وكنت أُقيم بين الناس فيها
فسرتُ إلى المهيمن ذي الجلال
يقول ابن الرومي
ألا إنما الدنيا كجيفةِ مَيْتةٍ
وطُلّابها مثل الكلاب النواهِسِ
وأعظمهمْ ذمّاً لها وأشدُّهم
بها شعفاً قوم طوالُ القلانِسِ
ويقول
فلا تحسب الدنيا إذا ما سكنتها
قراراً فما دنياك غير طريق
متى غمرت دنيا أخاها بمائها
فليس وإن أروته غير غريق
عليك بدار لا يزول ظلالها
ولا يتأذى أهلها بمضيق
فما يبلغ الراضي رضاه ببلغة
ولا ينقع الصادي صداه بريق
ويقول
لما تُؤذن الدنيا به من شرورها
يكون بكاء الطفل ساعة يوضَعُ
وإلا فما يبكيه منها وإنها
لأفسح مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدنيا استهلَّ كأنه
يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
يقول أحدهم:
تبا لطالب دنيا لا بقاء لها
كأنّها في تصريفها حلم
صفاؤها كدر ، سراؤها ضرر
أمانيها غدر ، أنوارها ظلم
شبابها هرم ، راحاتها سقم
لذّاتها ندم ، وجدانها عدم
فخل عنها و لا تركن لزهرتها
فانّها نعيم في طيّها نقم
واعمل لدار نعم لا نفاذ له
و لا يخاف به موت و لا هرم
Powered by vBulletin™ Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions,