En.Khaled Alfaiomi
03-12-2011, 11:21 AM
منذر ومأمون شريكان في تعهدات ضخمة. بدأت أعمالها بأرقام متواضعة ثم ما لبثت أن أصبحت بمئات الألوف بل بالملايين..
منذر كان شريكاً بالباطن، أما مأمون فإن المناقصات والمعاملات كانت تتم باسمه تجاه الأفراد والمؤسسات، وكان الشريكان يجتمعان ويتحاسبان من وقت إلى آخر.
إلا انهما كانا يرجئان الحساب النهائي في كل مرة إلى نهاية تصفية أعمالهما التعاقدية بحجة أنهما يريدان زيادة رأسمال الشركة القائمة بينهما.
ذات يوم جاء منذر إلى دار مأمون مكفهر الوجه معكر المزاج، وما أن فتح له مأمون الباب حتى استوضحه عن الأسباب ودعاه بود وحنان إلى الدخول..، ارتمى منذر في أول مقعد من الصالون، ثم استل سيكاره من علبته وأشعلها، وأطلق زفرة طويلة من الدخان في الهواء وهو يحدق في سقف الصالون.
( خير..خير.. شايفك حامل هموم الدنيا يا منذر ) قال له مأمون.
عاد منذر يشفط من سيكارته دون أن ينبس ببنت شفة، مكتفياً بهز رأسه كمن يفكر بأمر يزعجه.
وحاول مأمون أن يهدئ من حال شريكه ويخفف عنه دون أن يعلم الأسباب الحقيقية لهذا التجهم، ثم قال له:( رح أتركك تنفخ سيكارتك.. حتى أعمل فنجاين قهوة نشربهم سوا على رواق ). وخرج مأمون من الصالون إلى المطبخ.. ثم ما هي إلالحظات حتى سمع طلقاً مدوياً.. هرع مأمون عائداً إلى الصالون مصدر الصوت.
جمدته المفاجأة عن الحركة وأفقدته القدرة حتى على النطق، إذ وجد منذر جثة هامدة على الأرض وفي يده اليمنى مسدسه الذي انتحر به والدماء الغزيرة تتدفق من صدغه الأيمن... ما هي إلا ثوان حتى استرد مأمون زمام المبادرة واتصل بالشرطة والإسعاف.
لم تكن المسافة الزمنية الفاصلة بين إغلاق الهاتف ودخول الشرطة سوى بضع دقائق.. إلا أن مأمون شعر بها وكأنها الدهر كله.
وصلت سيارات الشرطة والمباحث والإسعاف وباشرت مهمتهما تحت إشراف قاضي التحقيق. صوروا الجثة في أوضاع عدة وهي ملقاة على الأرض، ثم تناولوا المسدس من يد منذر بحذر زائد، وطبعوا البصمات الموجودة عليه كما طبعوا بصمات يديه بعناية فائقة تحاشياً لأي إلتباس أو خطأ.
أمام قاضي التحقيق سرد مأمون الحكاية بتأثر زائد، وكيف أنه أراد أن يخفف عن صديقه المرحوم منذر الحالة النفسية التي كان عليها يوم انتحاره، ولكن الزمن كان أسبق منه وأعجل منه أقر مأمون بالعلاقة التجارية القائمة بينهما، كما أقر لشريكه منذر المنتحر برصيد معين كذا من الأرباح، وأبدى استعداده لتسليمه لورثة المرحوم. ثم ما لبث أن اجهش بالبكاء حزناً على صديقه.
قاضي التحقيق: أنا مضطر إلى توقيفك احتياطياً يا مأمون ريثما يردني تقرير الطبيب الشرعي. وبالطبع لم يبد مأمون أي اعتراض على قرار القاضي.
لأن الدنيا قد اسودت ولم تعد الأيام لها أي طعم في فمه، وفي اليوم الثاني ورد تقرير الطبيب الشرعي مؤكداً أن الوفاة كانت نتيجة دخول طلق ناري من مسدس عيار 9 ملم في الصدغ الأيمن على مسار مقداره 35 درجة وعلى بعد مقداره 5 سم، وأن هذه المواصفات والأبعاد لا يمكن أن تتم إلا بحالة الإنتحار، لا سيما وأن البصمات الموجودة على المسدس تتطابق بكافة أصابعها على بصمات المرحوم منذر، مما لا يترك للشك أن المرحوم هو الذي أطلق على نفسه النار ومن مسدسه بالذات.
أسرع قاضي التحقيق وسطر مذكرة بإخلاء سبيل مأمون فوراً، وأمر بحفظ الأوراق.
خرج مأمون من السجن في اليوم التالي، ولم يفته أن يشارك أسرة المرحوم منذر في أحزانها فأقام حفلة تأبينية كبرى أكد فيها حزنه العميق وألمه لفراق صديقه منذر.
لم يكن هناك أي إنسان يخالجه الشك في براءة مأمون من دم منذر. إن الرواية التي سردها مأمون عن انتحار منذر قد أكدها بصورة يقينية التقرير الطبي الشرعي وتقرير الأدلة الجنائية، إلا أن أرملة منذر بالذات التي كانت تعلن عن شكوكها صراحة في كل مناسبة وفي كل لقاء.. إلى أن وضع التحقيق نهاية لهذه الشكوك وقرر حفظ الأوراق.
الإنتحار حالة نفسية معينة لا يمكن أن تتم إلا في معزل عن الآخرين، وليس في منزل الآخرين.ما هي الأسباب النفسية التي حدت بالمرحوم منذر إلى الإنتحار؟هذه الأسئلة على وجاهتها ودقتها بقيت من دون أجوبة مع كل أسف، وكان على التحقيق أن يلم بها قبل أن يأمر بحفظ الأوراق، حتى وإن لم يكن مأمون هو المعني بالإتهام.
ولكن ليس باليد حيلة وتقرير الطبيب الشرعي أكد أن الوفاة هي بسبب الإنتحار. عندئذٍ انضم المحامي وكيل ورثة منذر إلى الآخرين مكتفياً بهذه النتيجة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير..
ذات يوم جاءت أميرة أرملة المرحوم منذر إلى مكتب المحامي متابعة قضية تركة زوجها وأعطته سنداً خطياً موثقاً لدى كاتب العدل في دمشق من جملة الأوراق والوثائق التي سلمته إياها تناول المحامي السند وحملق فيه مطولاً. ثم رفع نظره وبدأ يحملق في وجه أميرة...، خير... في شيء يا أستاذ.
لم يرد المحامي على سؤال أميرة...، بل بادرها بسؤال مشوب بنبرة الذهول: أنت متأكدة يا أميرة أن البصمة في ذلك السند هي بصمة المرحوم زوجك؟. طبعاً... وموثقة لدى كاتب العدل أصولاً. يعني.. يعني أن المرحوم؟ ماذا يا أستاذ؟.
هل كان المرحوم أشول؟.
ماذا تعني بكلمة أشول يا أستاذ؟.
يستخدم يده اليسرى. طبعاً.. كان يأكل ويشرب ويكتب ويبصم كل ذلك باليد اليسرى.
كان رحمه الله عسراوياً.
لم ينتظر المحامي أن تكمل أميرة كلامها واستدار من خلف طاولته وتناول كامل الملف الذي كان مفتوحاً، وغادر المكتب متوجهاً إلى القصر العدلي.. أمر رئيس النيابة فتح التحقيق مجدداً على ضوء المعلومات التي أدلى بها المحامي..
وأوقف مأمون ثانية ولكن هذه المرة كان يواجه موقفاً حرجاً للغاية: لقد فاته أن شريكه منذر كان أشول وكان عليه أن يمسك المسدس بيده اليسرى وكان لا بد من الإعتراف ..
منذر كان شريكاً بالباطن، أما مأمون فإن المناقصات والمعاملات كانت تتم باسمه تجاه الأفراد والمؤسسات، وكان الشريكان يجتمعان ويتحاسبان من وقت إلى آخر.
إلا انهما كانا يرجئان الحساب النهائي في كل مرة إلى نهاية تصفية أعمالهما التعاقدية بحجة أنهما يريدان زيادة رأسمال الشركة القائمة بينهما.
ذات يوم جاء منذر إلى دار مأمون مكفهر الوجه معكر المزاج، وما أن فتح له مأمون الباب حتى استوضحه عن الأسباب ودعاه بود وحنان إلى الدخول..، ارتمى منذر في أول مقعد من الصالون، ثم استل سيكاره من علبته وأشعلها، وأطلق زفرة طويلة من الدخان في الهواء وهو يحدق في سقف الصالون.
( خير..خير.. شايفك حامل هموم الدنيا يا منذر ) قال له مأمون.
عاد منذر يشفط من سيكارته دون أن ينبس ببنت شفة، مكتفياً بهز رأسه كمن يفكر بأمر يزعجه.
وحاول مأمون أن يهدئ من حال شريكه ويخفف عنه دون أن يعلم الأسباب الحقيقية لهذا التجهم، ثم قال له:( رح أتركك تنفخ سيكارتك.. حتى أعمل فنجاين قهوة نشربهم سوا على رواق ). وخرج مأمون من الصالون إلى المطبخ.. ثم ما هي إلالحظات حتى سمع طلقاً مدوياً.. هرع مأمون عائداً إلى الصالون مصدر الصوت.
جمدته المفاجأة عن الحركة وأفقدته القدرة حتى على النطق، إذ وجد منذر جثة هامدة على الأرض وفي يده اليمنى مسدسه الذي انتحر به والدماء الغزيرة تتدفق من صدغه الأيمن... ما هي إلا ثوان حتى استرد مأمون زمام المبادرة واتصل بالشرطة والإسعاف.
لم تكن المسافة الزمنية الفاصلة بين إغلاق الهاتف ودخول الشرطة سوى بضع دقائق.. إلا أن مأمون شعر بها وكأنها الدهر كله.
وصلت سيارات الشرطة والمباحث والإسعاف وباشرت مهمتهما تحت إشراف قاضي التحقيق. صوروا الجثة في أوضاع عدة وهي ملقاة على الأرض، ثم تناولوا المسدس من يد منذر بحذر زائد، وطبعوا البصمات الموجودة عليه كما طبعوا بصمات يديه بعناية فائقة تحاشياً لأي إلتباس أو خطأ.
أمام قاضي التحقيق سرد مأمون الحكاية بتأثر زائد، وكيف أنه أراد أن يخفف عن صديقه المرحوم منذر الحالة النفسية التي كان عليها يوم انتحاره، ولكن الزمن كان أسبق منه وأعجل منه أقر مأمون بالعلاقة التجارية القائمة بينهما، كما أقر لشريكه منذر المنتحر برصيد معين كذا من الأرباح، وأبدى استعداده لتسليمه لورثة المرحوم. ثم ما لبث أن اجهش بالبكاء حزناً على صديقه.
قاضي التحقيق: أنا مضطر إلى توقيفك احتياطياً يا مأمون ريثما يردني تقرير الطبيب الشرعي. وبالطبع لم يبد مأمون أي اعتراض على قرار القاضي.
لأن الدنيا قد اسودت ولم تعد الأيام لها أي طعم في فمه، وفي اليوم الثاني ورد تقرير الطبيب الشرعي مؤكداً أن الوفاة كانت نتيجة دخول طلق ناري من مسدس عيار 9 ملم في الصدغ الأيمن على مسار مقداره 35 درجة وعلى بعد مقداره 5 سم، وأن هذه المواصفات والأبعاد لا يمكن أن تتم إلا بحالة الإنتحار، لا سيما وأن البصمات الموجودة على المسدس تتطابق بكافة أصابعها على بصمات المرحوم منذر، مما لا يترك للشك أن المرحوم هو الذي أطلق على نفسه النار ومن مسدسه بالذات.
أسرع قاضي التحقيق وسطر مذكرة بإخلاء سبيل مأمون فوراً، وأمر بحفظ الأوراق.
خرج مأمون من السجن في اليوم التالي، ولم يفته أن يشارك أسرة المرحوم منذر في أحزانها فأقام حفلة تأبينية كبرى أكد فيها حزنه العميق وألمه لفراق صديقه منذر.
لم يكن هناك أي إنسان يخالجه الشك في براءة مأمون من دم منذر. إن الرواية التي سردها مأمون عن انتحار منذر قد أكدها بصورة يقينية التقرير الطبي الشرعي وتقرير الأدلة الجنائية، إلا أن أرملة منذر بالذات التي كانت تعلن عن شكوكها صراحة في كل مناسبة وفي كل لقاء.. إلى أن وضع التحقيق نهاية لهذه الشكوك وقرر حفظ الأوراق.
الإنتحار حالة نفسية معينة لا يمكن أن تتم إلا في معزل عن الآخرين، وليس في منزل الآخرين.ما هي الأسباب النفسية التي حدت بالمرحوم منذر إلى الإنتحار؟هذه الأسئلة على وجاهتها ودقتها بقيت من دون أجوبة مع كل أسف، وكان على التحقيق أن يلم بها قبل أن يأمر بحفظ الأوراق، حتى وإن لم يكن مأمون هو المعني بالإتهام.
ولكن ليس باليد حيلة وتقرير الطبيب الشرعي أكد أن الوفاة هي بسبب الإنتحار. عندئذٍ انضم المحامي وكيل ورثة منذر إلى الآخرين مكتفياً بهذه النتيجة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير..
ذات يوم جاءت أميرة أرملة المرحوم منذر إلى مكتب المحامي متابعة قضية تركة زوجها وأعطته سنداً خطياً موثقاً لدى كاتب العدل في دمشق من جملة الأوراق والوثائق التي سلمته إياها تناول المحامي السند وحملق فيه مطولاً. ثم رفع نظره وبدأ يحملق في وجه أميرة...، خير... في شيء يا أستاذ.
لم يرد المحامي على سؤال أميرة...، بل بادرها بسؤال مشوب بنبرة الذهول: أنت متأكدة يا أميرة أن البصمة في ذلك السند هي بصمة المرحوم زوجك؟. طبعاً... وموثقة لدى كاتب العدل أصولاً. يعني.. يعني أن المرحوم؟ ماذا يا أستاذ؟.
هل كان المرحوم أشول؟.
ماذا تعني بكلمة أشول يا أستاذ؟.
يستخدم يده اليسرى. طبعاً.. كان يأكل ويشرب ويكتب ويبصم كل ذلك باليد اليسرى.
كان رحمه الله عسراوياً.
لم ينتظر المحامي أن تكمل أميرة كلامها واستدار من خلف طاولته وتناول كامل الملف الذي كان مفتوحاً، وغادر المكتب متوجهاً إلى القصر العدلي.. أمر رئيس النيابة فتح التحقيق مجدداً على ضوء المعلومات التي أدلى بها المحامي..
وأوقف مأمون ثانية ولكن هذه المرة كان يواجه موقفاً حرجاً للغاية: لقد فاته أن شريكه منذر كان أشول وكان عليه أن يمسك المسدس بيده اليسرى وكان لا بد من الإعتراف ..