ماهرالفيزو
03-15-2011, 09:38 PM
إن القلوب إذا امتد بها الزمان بدون جلاء صدأت و أظلمت و قست ، و أصبحت قلوباً متصحرة ميتة ، كتلك الخطب الميتة التي نسمعها أحياناً يوم الجمعة ، لا تحيي قلباً و لا توقظ روحاً !! . و القلوب الميتة لا تتألم لا لفوات طاعة ، و لا لضياع فرصة لعمل الخير . يقول محمد الحجار : (( إن المسلم اليوم لم يفقد العلم ، و لم يفقد المال .. ، بمثل ما فقد القلب الحي الولوع ، و القلب الحنون ، و القلب المشرق العامر بالإيمان ، و القلب النابض ، القلب الذي يتحرّق على خسارة الروح و فقد الضمير ، أكثر مما يتحرّق على خسارة التصدير و التوريـد )) .
فأنى لروح قلقة ، و قلب ميت ، أن يخشع في الصلاة أو أن يستشعر حلاوتها ؟ فصاحب هذا القلب يؤدي حركات الصلاة و ينطق بأدعيتها ، و لكن قلبه لا يعيش معها و لا يعيش بها ، و روحه لا تستحضر حقيقة الصلاة و حقيقة ما فيها من قراءات و دعوات و تسبيحات ! .
و أما أصحاب القلوب الحية فيقول الله عنهم : ﴿ الّذينَ همْ فىِ صلاتِهـِمْ خَـٰشِعـونَ ﴾..{ المؤمنون : 2 } . يقول سيد قطب : (( تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله ، فتسكن و تخشع ، فيسري الخشوع منها إلى الجوارح و الملامح و الحركات ، و يغشى أرواحهم جلال الله في حضرته ، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل ، و لا تشتغل بسواه ، و هم مستغرقون بالشعور به ، مشغولون بنجواه ، و يتوارى عن حسهم في تلك الحضرة القدسية كل ما حولهم و كل ما بهم .. و يتطهر وجدانهم من كل دنس .. ، و عندئذ تجد الروح الحائرة طريقها ، و يعرف القلب الموحش مثواه . و عندئذ تتضاءل القيم و الأشياء و الأشخاص إلا ما يتصل منها بالله )) .
إن القلوب الحية قلوب موصولة بالله ، و يسير أصحابها وفق منهج الله ، بلا تخبط أو قلق أو حيرة ، كما تحيا البشرية الضالة النكدة في عذاب ، فعلى الرغم من جميع الانتصارات العلمية ، و جميع التسهيلات الحضارية المادية ، إلا أنها تعاني من خواء مرير ؛ خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها أن تصبر عليها .. حقيقة الإيمان ، و خواء حياتها من المنهج الإلهي . إنهم لا يجدون انفسهم لأنهم لا يجدون غاية وجودهم الحقيقية ، و لا يجدون سعادتهم لأنهم لا يجدون المنهج الإلهي ، و لا يجدون طمأنينتهم لأنهم لا يعرفون الله !! . فلا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته و راحته و طمأنينة باله و صلاح حاله من الرجوع إلى منهج الله ، عندها يفتح الله بصيرته على استقامة الطريق ، و يهديه إلى الخير بوحي من حساسية الضمير و تقواه .
و القلب الموصول بالله دائم الذكر لله ، في كل بقعة و في كل أوان ، و من ثم يظل هذا القلب مفتوحاً يقظاً حساساً ، فكل ما حوله يذكره بتسبيح الله و حمده .
و هو قلب ينعم بالسكينة ، و السكينة حين ينزلها الله في قلب ، تكون طمأنينة و راحة ، و يقيناً و ثقة ، و وقاراً و ثباتاً ، و استسلاماً و رضاً بقضاء الله ، و الإنسان إذا اطمأن إلى أن اختيار الله أفضل من اختياره ، و أرحم له و أعود عليه بالخير ، استراح و سكن ، و لكن هذا منة من الله و فضل يعطيه من يشاء . يقول سيد قطب : (( السكينة الوقورة كالتقوى المتحرجة المتواضعة ، كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة ، المطمئن بما فيها من ثقة ، المراقب لربه في كل خالجة و كل حركة .. )) .
و القلب إذا سكن عند ربه ، زهد صاحبه في هذه الدنيا ، و انطلق من همومها و شواغلها ، و ارتفع عن حاجاتها ، فحلقت روحه في آفاق الرضا و التسبيح و الحمد و السلام .. تلك الآفاق اللائقة بكمال الإنسان .
غرس الزهد بقلبي شجـرة --- بعد أن نقّى بجهدٍ حَجَــرَه
و سقاها إثـر ما أوْدعهـا --- كَبِدَ الأرض بِدمْعِ فجَّــره
و متى أبصرَ طيراً مُفْسِداً --- حائماً حول حماها زَجَــرَه
نمتُ في ظلٍّ ظليلٍ تحتها --- رَوَّحَ القلبَ و نحّى ضَجَـرَه
ثم بايعتُ إلهي و كــذا --- بيعة الرضوان تحت الشجرة
إن أصحاب القلوب الحية الموصولة بالله ، هم وحدهم الذين تجد أرواحهم الأنس بالله في جوف الليل إذ الناس نيام ، و الكون ساكن يسبح . يقول سيد قطب : (( إن قيام الليل و الناس نيام ، و الانقطاع عن غبش الحياة اليومية و سفسافها ، و الاتصال بالله ، و تلقي فيضه و نوره ، و الأنس بالوحدة معه و الخلوة إليه ، و ترتيل القرآن و الكون ساكن .. ، و استقبال إشعاعاته و إيحاءاته و إيقاعاته في الليل الساجي .. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال العبء الباهظ و الجهد المرير الذي ينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل ! و ينير القلب في الطريق الشاق الطويل ، و يعصمه من وسوسة الشيطان ، و من التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير )) .
قلت لليل : كم بصدرك سـر --- أنبئني ما أروع الأسرار ؟
قال : ما ضاء في ظلامي سر --- كدموع المنيب في الأسحار
قال الفضيل بن عياض : (( أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة ، إنما هو على الجنب ، فإذا تحرك قال : ليس هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخـرة )) .
ألا يا نفس ويحك ساعديني --- بسعي منكِ في ظُلَمِ الليالـي
لعلكِ في القيامة أن تفوزي --- بطيب العيش في تلك العلالي
و هم وحدهم الذين تحلق أرواحهم في عالم الود و الألفة و الحب في الله و لله ، بعد أن خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم . يقول سيد قطب : (( إن هذه العقيدة عجيبة فعلاً .. إنها حين تخالط القلوب ، تستحيل إلى مزاج من الحب و الألفة و مودات القلوب ، التي تلين جاسيها ، و ترقق حواشيها ، و تندي جفافها ، و تربط بينها برباط وثيق عميق رفيق ، فإذا نظرة العين ، و لمسة اليد ، و نطق الجارحة ، و خفقة القلب ، ترانيم من التعارف و التعاطف ، و الولاء و التناصر ، و السماحة و الهوادة ، لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب ، و لا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب . و هذه العقيدة تهتف للبشرية بنداء الحب في الله ، و توقع على أوتارها ألحان الخلوص له و الالتقاء عليه . يقول رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ، و لا شهداء ، يغبطهم الأنبياء و الشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى . قالوا : يا رسول الله تخبرنا من هم ، قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ، و لا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، و إنهم على نور : لا يخافون إذا خاف الناس ، و لا يحزنون إذا حزن الناس ... " [ صحيح ، الألباني – صحيح أبي داود : 3527 ] )) .
أحب أخي في الله حباً --- يفوق شذاه إبداع المعاني
و لكن حبي لله أقوى --- أقود به أخي نحو الجنان
إن هؤلاء قد أنعم الله عليهم برزق وافر.. رزق الأرواح و السرائر ، فكما أن للأبدان رزق ، فللقلوب و الأرواح كذلك رزق . قال الإمام ابن تيمية : (( و كما أن لله ملائكة موكلة بالسحاب و المطر ، فله ملائكة موكلة بالهدى و العلم ، هذا رزق القلوب و قوتها ، و هذا رزق الأجساد و قوتها )) . و لكن شتان بين الرزقين ، رزق يشد الجسم إلى الأرض ، و رزق يحلق بالروح إلى الأعلى .
ثقلت زجاجات أتتنا فرغـــاً --- حتى إذا مُلئتْ بصرف الراح
خفتْ فكادت أن تطير بما حَوَتْ --- و كذا الجسومُ تَخِفُّ بالأرواح
و إن قلباً قد أوتي حظاً وافراً من الأرزاق التي ذكرنا ، لهو قلب طاهر مُنَوَّر ، يميز بين الحق و الباطل ، كما قال العلماء في شرح الحديث النبوي : " البر ما سكنت إليه النفس ، و اطمأن إليه القلب ، و الإثم ما لم تسكن إليه النفس ، و لم يطمئن إليه القلب ، و إن أفتاك المفتون " [ صحيح ، الألباني – صحيح الجامع : 2881 ] : (( هذا في قلب طاهر منوَّر واقف عند حدود الشرع ، يفيض عليه النور من مشكاة النبوة ، فهو كأنه مرآة مجلوَّة ، فصاحب مثل هذا القلب يرجع إلى قلبه في الشبهات ، و هو الذي يميز بين الحق و الباطل ، و بين الخير و الشر )) .
و لكن لا يأس من قلب خمد و جمد و قسا و تبلد ، فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة ، و أن يشرق فيه النور ، فالله يحيي الأرض بعد موتها فتنبض بالحياة ، و تزخر بالنبت و الزهر و الثمار ، و كذلك القلوب حين يشاء الله . يقول سيد قطب : (( إن هذا القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان ، و هو يشف و يشرق فيفيض بالنور ، و يرف كالشعاع ، فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير و لا تذكر تبلد و قسا ، و انطمست إشراقته ، و أظلم و أعتم ! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر و يخشع ، و لا بد من الطرق عليه حتى يرق و يشف ، و لا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد و القساوة )) .
اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين ، و أثلج صدورنا بسكينة المؤمنين ، و اجعل ألسنتنا تلهج بالذكر مع الذاكرين ... الهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .
فأنى لروح قلقة ، و قلب ميت ، أن يخشع في الصلاة أو أن يستشعر حلاوتها ؟ فصاحب هذا القلب يؤدي حركات الصلاة و ينطق بأدعيتها ، و لكن قلبه لا يعيش معها و لا يعيش بها ، و روحه لا تستحضر حقيقة الصلاة و حقيقة ما فيها من قراءات و دعوات و تسبيحات ! .
و أما أصحاب القلوب الحية فيقول الله عنهم : ﴿ الّذينَ همْ فىِ صلاتِهـِمْ خَـٰشِعـونَ ﴾..{ المؤمنون : 2 } . يقول سيد قطب : (( تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله ، فتسكن و تخشع ، فيسري الخشوع منها إلى الجوارح و الملامح و الحركات ، و يغشى أرواحهم جلال الله في حضرته ، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل ، و لا تشتغل بسواه ، و هم مستغرقون بالشعور به ، مشغولون بنجواه ، و يتوارى عن حسهم في تلك الحضرة القدسية كل ما حولهم و كل ما بهم .. و يتطهر وجدانهم من كل دنس .. ، و عندئذ تجد الروح الحائرة طريقها ، و يعرف القلب الموحش مثواه . و عندئذ تتضاءل القيم و الأشياء و الأشخاص إلا ما يتصل منها بالله )) .
إن القلوب الحية قلوب موصولة بالله ، و يسير أصحابها وفق منهج الله ، بلا تخبط أو قلق أو حيرة ، كما تحيا البشرية الضالة النكدة في عذاب ، فعلى الرغم من جميع الانتصارات العلمية ، و جميع التسهيلات الحضارية المادية ، إلا أنها تعاني من خواء مرير ؛ خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها أن تصبر عليها .. حقيقة الإيمان ، و خواء حياتها من المنهج الإلهي . إنهم لا يجدون انفسهم لأنهم لا يجدون غاية وجودهم الحقيقية ، و لا يجدون سعادتهم لأنهم لا يجدون المنهج الإلهي ، و لا يجدون طمأنينتهم لأنهم لا يعرفون الله !! . فلا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته و راحته و طمأنينة باله و صلاح حاله من الرجوع إلى منهج الله ، عندها يفتح الله بصيرته على استقامة الطريق ، و يهديه إلى الخير بوحي من حساسية الضمير و تقواه .
و القلب الموصول بالله دائم الذكر لله ، في كل بقعة و في كل أوان ، و من ثم يظل هذا القلب مفتوحاً يقظاً حساساً ، فكل ما حوله يذكره بتسبيح الله و حمده .
و هو قلب ينعم بالسكينة ، و السكينة حين ينزلها الله في قلب ، تكون طمأنينة و راحة ، و يقيناً و ثقة ، و وقاراً و ثباتاً ، و استسلاماً و رضاً بقضاء الله ، و الإنسان إذا اطمأن إلى أن اختيار الله أفضل من اختياره ، و أرحم له و أعود عليه بالخير ، استراح و سكن ، و لكن هذا منة من الله و فضل يعطيه من يشاء . يقول سيد قطب : (( السكينة الوقورة كالتقوى المتحرجة المتواضعة ، كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة ، المطمئن بما فيها من ثقة ، المراقب لربه في كل خالجة و كل حركة .. )) .
و القلب إذا سكن عند ربه ، زهد صاحبه في هذه الدنيا ، و انطلق من همومها و شواغلها ، و ارتفع عن حاجاتها ، فحلقت روحه في آفاق الرضا و التسبيح و الحمد و السلام .. تلك الآفاق اللائقة بكمال الإنسان .
غرس الزهد بقلبي شجـرة --- بعد أن نقّى بجهدٍ حَجَــرَه
و سقاها إثـر ما أوْدعهـا --- كَبِدَ الأرض بِدمْعِ فجَّــره
و متى أبصرَ طيراً مُفْسِداً --- حائماً حول حماها زَجَــرَه
نمتُ في ظلٍّ ظليلٍ تحتها --- رَوَّحَ القلبَ و نحّى ضَجَـرَه
ثم بايعتُ إلهي و كــذا --- بيعة الرضوان تحت الشجرة
إن أصحاب القلوب الحية الموصولة بالله ، هم وحدهم الذين تجد أرواحهم الأنس بالله في جوف الليل إذ الناس نيام ، و الكون ساكن يسبح . يقول سيد قطب : (( إن قيام الليل و الناس نيام ، و الانقطاع عن غبش الحياة اليومية و سفسافها ، و الاتصال بالله ، و تلقي فيضه و نوره ، و الأنس بالوحدة معه و الخلوة إليه ، و ترتيل القرآن و الكون ساكن .. ، و استقبال إشعاعاته و إيحاءاته و إيقاعاته في الليل الساجي .. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال العبء الباهظ و الجهد المرير الذي ينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل ! و ينير القلب في الطريق الشاق الطويل ، و يعصمه من وسوسة الشيطان ، و من التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير )) .
قلت لليل : كم بصدرك سـر --- أنبئني ما أروع الأسرار ؟
قال : ما ضاء في ظلامي سر --- كدموع المنيب في الأسحار
قال الفضيل بن عياض : (( أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة ، إنما هو على الجنب ، فإذا تحرك قال : ليس هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخـرة )) .
ألا يا نفس ويحك ساعديني --- بسعي منكِ في ظُلَمِ الليالـي
لعلكِ في القيامة أن تفوزي --- بطيب العيش في تلك العلالي
و هم وحدهم الذين تحلق أرواحهم في عالم الود و الألفة و الحب في الله و لله ، بعد أن خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم . يقول سيد قطب : (( إن هذه العقيدة عجيبة فعلاً .. إنها حين تخالط القلوب ، تستحيل إلى مزاج من الحب و الألفة و مودات القلوب ، التي تلين جاسيها ، و ترقق حواشيها ، و تندي جفافها ، و تربط بينها برباط وثيق عميق رفيق ، فإذا نظرة العين ، و لمسة اليد ، و نطق الجارحة ، و خفقة القلب ، ترانيم من التعارف و التعاطف ، و الولاء و التناصر ، و السماحة و الهوادة ، لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب ، و لا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب . و هذه العقيدة تهتف للبشرية بنداء الحب في الله ، و توقع على أوتارها ألحان الخلوص له و الالتقاء عليه . يقول رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ، و لا شهداء ، يغبطهم الأنبياء و الشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى . قالوا : يا رسول الله تخبرنا من هم ، قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ، و لا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، و إنهم على نور : لا يخافون إذا خاف الناس ، و لا يحزنون إذا حزن الناس ... " [ صحيح ، الألباني – صحيح أبي داود : 3527 ] )) .
أحب أخي في الله حباً --- يفوق شذاه إبداع المعاني
و لكن حبي لله أقوى --- أقود به أخي نحو الجنان
إن هؤلاء قد أنعم الله عليهم برزق وافر.. رزق الأرواح و السرائر ، فكما أن للأبدان رزق ، فللقلوب و الأرواح كذلك رزق . قال الإمام ابن تيمية : (( و كما أن لله ملائكة موكلة بالسحاب و المطر ، فله ملائكة موكلة بالهدى و العلم ، هذا رزق القلوب و قوتها ، و هذا رزق الأجساد و قوتها )) . و لكن شتان بين الرزقين ، رزق يشد الجسم إلى الأرض ، و رزق يحلق بالروح إلى الأعلى .
ثقلت زجاجات أتتنا فرغـــاً --- حتى إذا مُلئتْ بصرف الراح
خفتْ فكادت أن تطير بما حَوَتْ --- و كذا الجسومُ تَخِفُّ بالأرواح
و إن قلباً قد أوتي حظاً وافراً من الأرزاق التي ذكرنا ، لهو قلب طاهر مُنَوَّر ، يميز بين الحق و الباطل ، كما قال العلماء في شرح الحديث النبوي : " البر ما سكنت إليه النفس ، و اطمأن إليه القلب ، و الإثم ما لم تسكن إليه النفس ، و لم يطمئن إليه القلب ، و إن أفتاك المفتون " [ صحيح ، الألباني – صحيح الجامع : 2881 ] : (( هذا في قلب طاهر منوَّر واقف عند حدود الشرع ، يفيض عليه النور من مشكاة النبوة ، فهو كأنه مرآة مجلوَّة ، فصاحب مثل هذا القلب يرجع إلى قلبه في الشبهات ، و هو الذي يميز بين الحق و الباطل ، و بين الخير و الشر )) .
و لكن لا يأس من قلب خمد و جمد و قسا و تبلد ، فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة ، و أن يشرق فيه النور ، فالله يحيي الأرض بعد موتها فتنبض بالحياة ، و تزخر بالنبت و الزهر و الثمار ، و كذلك القلوب حين يشاء الله . يقول سيد قطب : (( إن هذا القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان ، و هو يشف و يشرق فيفيض بالنور ، و يرف كالشعاع ، فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير و لا تذكر تبلد و قسا ، و انطمست إشراقته ، و أظلم و أعتم ! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر و يخشع ، و لا بد من الطرق عليه حتى يرق و يشف ، و لا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد و القساوة )) .
اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين ، و أثلج صدورنا بسكينة المؤمنين ، و اجعل ألسنتنا تلهج بالذكر مع الذاكرين ... الهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .