ABDULLAH JANEM
03-07-2010, 05:49 PM
استيقظت أم محمود تسأل:( ليلى ) زوجة ابنها.. ..!! أين محمود ؟!! .. ليلى : لا أدري يا أمي كنت أحسبه عندك ..!! فقد اعتاد في كل صباح أن يكون إلى جوارك ..
نظرت ليلى في زوايا المكان , ثم عادت إلى غرفتها.. تدقق النظر في كل الزوايا.. ولكنها لم تجده ثم فتشت البيت بكامله, وكأنه اختفى واختفت معه كل معالمه ..!!
عادت ليلى إلى أم محمود.. أمي ..؟! لا أدري أين ذهب محمود ..!؟ربما ذهب إلى عمله ..!!
تقول الأم المسكينة : ليلى . يا ابنتي محمود لم يذهب إلى عمله فقد اعتاد قبل ذهابه الى العمل أن يقبل يدي ويسمع دعوة الرضى مني حينها يستشعر الأمان فيخرج لعمله ..
زاد قلق ليلى, وبدأت تضغط بإحدى يديها على الأخرى , وتضرب الأخرى بالأولى .. تتحرك بهستيريا تغدو وتروح .. تفتش بين زوايا المكان ..!!
وأخيرا استسلمت ليلى إلى الأمر الواقع ثم جلست إلى جانب أم محمود تنظر بين الأشياء وفي كل الزوايا والأركان ..!!
ثم فجأة وقعت عينها على قصاصة ورق يتراءى طرفها من تحت وسادة أم محمود .. التقطت ليلى الورقة المبتورة بلهفة وكأنها تدرك أن الورقة تحمل سرا كبيرا
قرأت ليلى الورقة بلهفة .. بخوف شديد ..بصوت تحشرجه الكلمات ... أمي العزيزة أنا مسافر لبضع أيام وسأعود بإذن الله .. والدتي الحنونة لا تقلقي فالسفر لأمر هام ..!!
.. ليلى حبيبتي لا تقلقي فأنا قادم مع اشراقة جديدة , ومع أول تغريده عصفور الصباح ..
حبيبي أحمد : أعلم أنك تنتظر لعبتك ... اللعبة سأشتريها لك قريبا سلامي لكم جميعا .... سقطت ليلى مغشيا عليها إلى جوار أم محمود .,.. صاحت أم محمود بأعلى صوتها ليلى... ليلى ..!! ولكن ليلى لم تحرك ساكنا ..
على صراخ أم محمود حضرت الجارة القريبة "أم سليم " مسرعة لتشاهد ليلى تفترش الأرض أحضرت أم سليم كوب ماء بسرعة فائقة وبدأت تنضح بالماء على وجه ليلى .
استشعرت ليلى برودة الماء ثم فتحت عينيها ..وما زالت تمسك بتلابيب قصاصة الورق.. تتمعنها وكأن محمودا يعيش بين سطورها .. تنظر أم سليم وتسأل ليلى ..!!؟؟ ماذا جرى ... لم تجب ليلى ولكن ما لفت انتباه أم سليم الورقة التي تمسك بها ليلى حاولت أم سليم أن تقرأ الورقة .. وبالكاد استطاعت أن تختطف من الورقة بعض كلمات عرفت منها أن محمود قد سافر... فقالت : سيعود إن شاء الله .. الكل يسافر ويعود .. تفاءلي خيرا يا ابنتي..
بدأت ليلى تستعيد أنفاسها ولكن الأمر زاد عن حده تاهت ليلى بين العناوين الجديدة وكأنها استحضرت كلماته التي كانت قبل السطور فأدركت أنه الوداع ....
في صبيحة اليوم التالي بعد صراعات الأمس بدأت تراجع حساباتها وبدأت تستعد ليوم جديد تعيش فيه ما تبقى من ذكريات , وتحاول في كل مرة أن تجيد فن البقاء في الشريط ..
بقيت إلى جوار سريرها.. تداعب صورها الموجودة في أحضان صور الحبيب, تقبل هذه..وتدع تلك وتضحك , ثم تنظر حولها لتشاهد الصور. وكأنها حقيقة ماثلة أمامها ....
تنظر أم محمود من شق باب غرفة ليلى التي ظلت حبيسة فيها طوال اليوم والليلة..
آثرت ليلى أن تظل مع صور الحبيب تعانق معها ذكريات الأمس القريب...
وكلما حاول المحيطون بها التسلل من عالم الواقع إلى عالمها الوردي تأبى ذلك , لأنها تريد أن تظل في موقف حالم عاشته بين الأيام والليالي..
وستظل تفتش عنه في الذاكرة حتى تعود من الذاكرة إلى الحقيقة وقتما تشاء, وعندما تتغير الموازين والمعايير..!!
ربما تستطيع ذلك, ولكن المشاهد يؤكد أنها ما زالت تائهة بين الخيال والحقيقة ....
تظل تحوم بذاكرتها شاردة الذهن والفكر.. لا تجالس أحدا.. بل تبقى في عالمها الداخلي بين فكرها وقلبها تعيش وتسجل علامات جديد..!
الحبيب غادر المكان إلى المجهول .. غادرها دون أن تعلم حقيقة سفره المفاجئ الذي جاء دون سابق موعد أو استعداد .. رحيل بالليل...وهم في النهار..!!
ظلت القصة تراوح مكانها بعد أن فقد الجميع خيوط الوصول إليه , أو حتى تحديد وجهة سفره .. ظلت القضية غامضة , فاستسلم الجميع للأمر ودعوا الله أن يعيده سالما ..
ليلى لم تستوعب الأمر..! فالصدمة لم تكن متوقعة , فقد كانت تعيش بأنفاسه, وتهيم بكيانه وتداعب حركاته , تعيش عالمه الخاص, فقد استحوذ عليها بالكامل.. ذابت في شرايينه ..وباتت نسخة منه تفكر بعقله وتعيش له فقط ..
الحب ملأ قلبها وفاض عنه حتى سالت من بين جوانحها روافده , فأضاءت وجهها بريقا , ووميضا كان يلحظه الناظر إلى وجهها البديع...
فكيف يمكنها العيش بدونه ..!!؟؟
فهاهي اليوم تعيش عالما تاه هو الآخر في زحمة الأيام , ولم يبق منه غير تلك الأحلام الوردية المسجلة بل المحفورة في أصل الذاكرة ..
تحدثها نفسها أن تبقى بين ثنايا الذكريات , تداعب اشراقاته , وبسماته وتغوص بين لوحاته المرسومة في كل مكان..
ولكن الأيام أخذت ترخي بظلالها فوق محياها , بعد أن يئست صديقاتها من دمجها في عالم الواقع.. هي لا تجد الرد .. مندهشة تعيش في عالم آخر تهيم في الوجوه.. تنظر إلى علا وسميرة وهي لا تدري..ماذا تقول : فقد ضلت الحروف طريقها إلى فهما .. وتاه السمع عن طريقه إلى أذنيها وظل النظر بعيدا عن العيون ... فأصبحت لا ترى ..!لا تسمع..! ولا تتكلم..!
أم محمود هي الأخرى تعيش في براثن البؤس والألم والحيرة , مشدوهة من هول الموقف .. الابن وقد سافر إلى ...!! وزوجة الابن الضائعة ..!! والصغير أحمد الذي ما زال في بداية الطريق ..!!
ولكنها لم تفقد الأمل بالله .. عندئذ وكلت أمرها إلى الله..
تظل أم محمود إلى جوار ليلى , فهي تعتبرها ابنتها الغالية وزوجة الغالي .. تمسح على شعرها الذي جفته أدوات التسريح جميعها , ووجهها الذي ارتسمت فوقه كل علامات الحزن والاستغراب والوجوم .. تلازمها .. تقترب منها.. تقبلها.. تمسح جبينها.. تضمها إلى صدرها.. تكفكف عبراتها .. ولكن ليلى لا تدري أين هي ..!!!
الصدمة كانت كبيرة أفقدتها العودة إلى الحقيقة... .. فقد كان الحبيب والأخ والوالد الحنون.. فلم تتخيل في يوم ما أنه سيرحل بهذه السرعة .. !!
تركها وحيدة مع والدته المريضة , وأخيه الصغير .. تركها مع ذكرياتها , ومع واقع مرير أليم فرض عليها ومصممة أن تبقى بعيدة عنه ..
فقد آثرت أن تظل في الذاكرة ... تنتظر قدومه ...!!!؟
انتظرت الأم المسكينة عودة ابنها الغالي ..الذي ظلت تداعب قدومه في قصاصته الأخيرة..
ليلى تتجه إلى المجهول .. ضياع بكاء مستمر ,وتواصل أنين كانت تعيش ليلى في كنف عمها فهي يتيمة الأب والأم , حرمت الحنان منذ نعومة أظفارها , وعاشت مغلوبة على أمرها خادمة لبيت عمها الذي بالكاد كانت تراه ...العمل أخذ منه كل أوقاته , فقد كان كثير العيال يعمل بالليل وبالنهار لكي يوفر حاجيات أولاده .. فقد عاشت ليلى ضنك العيش مع عمها ..وكأن الألم يجب أن يظل ملازما لها طيلة حياتها...!!!
أم محمود أخذت تفكر بجدية أكثر , وتحاول أن تمسك بطرف خيط يوصلها إلى فلذة كبدها , ولكن كل المحاولات كانت تبوء بالفشل..
ماذا ستفعل .. هل ستبقى ليلى تعيش هكذا ومصير زوجها مجهولا ..؟!! هل يجب أن تعود مجددا لبيت عمها .. فعمها هو الآخر لا يريد عودتها.. حتى لا تزيد من همه ...ومعاناته ...!!!
حاولت أم محمود اقتناص الفرصة بعد أن بدأت ليلى تعود رويدا رويدا إلى رشدها , وأصبحت تجيب عن أسئلة الآخرين باقتضاب.. وبين الكلمة والأخرى تتوالى وتنهمر العبرات ..!!
وبينما كانت تجلس ليلى إلى جوار عمتها " أم محمود " بدأت أم محمود تصارحها بالأمر ... يا ابنتي ما فائدة بقائك إلى جواري وأمر زوجك مجهول.. الله يعلم هل سيعود أم لا ..!! وانهمرت دموع العجوز وصاحبها شلال جديد من عبرات ليلى .. قالت ليلى عمتي الحبيبة بل والدتي الحنونة.. لن أتزوج حتى ولو علمت أن محمود ... ولم تستطيع إكمال الجملة حتى فاضت عينيها بدموع جديدة ...
فعانقت أم محمود ليلى عناقا طويلا .. وبينما تهم ليلى في استدارة وجهها سمعت حركات خفيفة قادمة من جهة الباب الخارجي .. استرقت السمع .. حاولت التأكد من الأمر قامت إلى الباب حاولت فتحه
لم تصدق أن محمود هو القادم ...
يدخل محمود يحمل كيسا بيمينه ولعبة بيده اليسرى ... ليشاهد أحمد وقد بدأت أول علامات البلوغ تظهر فوق قسماته التي احتوت شعيرات البداية إلى الرجولة .. استشعر محمود عمره لحظتها وعلم أن المدة التي قضاها كانت كبيرة.. ثم ترك الجميع وهرول مسرعا ليجثو على ركبتيه أمام أمه يقبلها من يديها ووجهها وأرجلها .. يعانقها يمسح دموعها التي خطت مجراها تحت الجفون ومن بين صحني خديها لتصب إلى جانب فمها الذي أصبح مستودع الأحزان .. و ما هي إلا لحظات حتى التم الشمل وحضر الجيران على أصوات البكاء الممزوج بلحن الفرح والسعادة..
صاحت ليلى مشدوهة ثم سقطت على قدميه تعانقهما وتتمسك يهما وكأنها تخاطبهما وتقول لهما لن ترحلا بعد اليوم ..!!!!!
نظرت ليلى في زوايا المكان , ثم عادت إلى غرفتها.. تدقق النظر في كل الزوايا.. ولكنها لم تجده ثم فتشت البيت بكامله, وكأنه اختفى واختفت معه كل معالمه ..!!
عادت ليلى إلى أم محمود.. أمي ..؟! لا أدري أين ذهب محمود ..!؟ربما ذهب إلى عمله ..!!
تقول الأم المسكينة : ليلى . يا ابنتي محمود لم يذهب إلى عمله فقد اعتاد قبل ذهابه الى العمل أن يقبل يدي ويسمع دعوة الرضى مني حينها يستشعر الأمان فيخرج لعمله ..
زاد قلق ليلى, وبدأت تضغط بإحدى يديها على الأخرى , وتضرب الأخرى بالأولى .. تتحرك بهستيريا تغدو وتروح .. تفتش بين زوايا المكان ..!!
وأخيرا استسلمت ليلى إلى الأمر الواقع ثم جلست إلى جانب أم محمود تنظر بين الأشياء وفي كل الزوايا والأركان ..!!
ثم فجأة وقعت عينها على قصاصة ورق يتراءى طرفها من تحت وسادة أم محمود .. التقطت ليلى الورقة المبتورة بلهفة وكأنها تدرك أن الورقة تحمل سرا كبيرا
قرأت ليلى الورقة بلهفة .. بخوف شديد ..بصوت تحشرجه الكلمات ... أمي العزيزة أنا مسافر لبضع أيام وسأعود بإذن الله .. والدتي الحنونة لا تقلقي فالسفر لأمر هام ..!!
.. ليلى حبيبتي لا تقلقي فأنا قادم مع اشراقة جديدة , ومع أول تغريده عصفور الصباح ..
حبيبي أحمد : أعلم أنك تنتظر لعبتك ... اللعبة سأشتريها لك قريبا سلامي لكم جميعا .... سقطت ليلى مغشيا عليها إلى جوار أم محمود .,.. صاحت أم محمود بأعلى صوتها ليلى... ليلى ..!! ولكن ليلى لم تحرك ساكنا ..
على صراخ أم محمود حضرت الجارة القريبة "أم سليم " مسرعة لتشاهد ليلى تفترش الأرض أحضرت أم سليم كوب ماء بسرعة فائقة وبدأت تنضح بالماء على وجه ليلى .
استشعرت ليلى برودة الماء ثم فتحت عينيها ..وما زالت تمسك بتلابيب قصاصة الورق.. تتمعنها وكأن محمودا يعيش بين سطورها .. تنظر أم سليم وتسأل ليلى ..!!؟؟ ماذا جرى ... لم تجب ليلى ولكن ما لفت انتباه أم سليم الورقة التي تمسك بها ليلى حاولت أم سليم أن تقرأ الورقة .. وبالكاد استطاعت أن تختطف من الورقة بعض كلمات عرفت منها أن محمود قد سافر... فقالت : سيعود إن شاء الله .. الكل يسافر ويعود .. تفاءلي خيرا يا ابنتي..
بدأت ليلى تستعيد أنفاسها ولكن الأمر زاد عن حده تاهت ليلى بين العناوين الجديدة وكأنها استحضرت كلماته التي كانت قبل السطور فأدركت أنه الوداع ....
في صبيحة اليوم التالي بعد صراعات الأمس بدأت تراجع حساباتها وبدأت تستعد ليوم جديد تعيش فيه ما تبقى من ذكريات , وتحاول في كل مرة أن تجيد فن البقاء في الشريط ..
بقيت إلى جوار سريرها.. تداعب صورها الموجودة في أحضان صور الحبيب, تقبل هذه..وتدع تلك وتضحك , ثم تنظر حولها لتشاهد الصور. وكأنها حقيقة ماثلة أمامها ....
تنظر أم محمود من شق باب غرفة ليلى التي ظلت حبيسة فيها طوال اليوم والليلة..
آثرت ليلى أن تظل مع صور الحبيب تعانق معها ذكريات الأمس القريب...
وكلما حاول المحيطون بها التسلل من عالم الواقع إلى عالمها الوردي تأبى ذلك , لأنها تريد أن تظل في موقف حالم عاشته بين الأيام والليالي..
وستظل تفتش عنه في الذاكرة حتى تعود من الذاكرة إلى الحقيقة وقتما تشاء, وعندما تتغير الموازين والمعايير..!!
ربما تستطيع ذلك, ولكن المشاهد يؤكد أنها ما زالت تائهة بين الخيال والحقيقة ....
تظل تحوم بذاكرتها شاردة الذهن والفكر.. لا تجالس أحدا.. بل تبقى في عالمها الداخلي بين فكرها وقلبها تعيش وتسجل علامات جديد..!
الحبيب غادر المكان إلى المجهول .. غادرها دون أن تعلم حقيقة سفره المفاجئ الذي جاء دون سابق موعد أو استعداد .. رحيل بالليل...وهم في النهار..!!
ظلت القصة تراوح مكانها بعد أن فقد الجميع خيوط الوصول إليه , أو حتى تحديد وجهة سفره .. ظلت القضية غامضة , فاستسلم الجميع للأمر ودعوا الله أن يعيده سالما ..
ليلى لم تستوعب الأمر..! فالصدمة لم تكن متوقعة , فقد كانت تعيش بأنفاسه, وتهيم بكيانه وتداعب حركاته , تعيش عالمه الخاص, فقد استحوذ عليها بالكامل.. ذابت في شرايينه ..وباتت نسخة منه تفكر بعقله وتعيش له فقط ..
الحب ملأ قلبها وفاض عنه حتى سالت من بين جوانحها روافده , فأضاءت وجهها بريقا , ووميضا كان يلحظه الناظر إلى وجهها البديع...
فكيف يمكنها العيش بدونه ..!!؟؟
فهاهي اليوم تعيش عالما تاه هو الآخر في زحمة الأيام , ولم يبق منه غير تلك الأحلام الوردية المسجلة بل المحفورة في أصل الذاكرة ..
تحدثها نفسها أن تبقى بين ثنايا الذكريات , تداعب اشراقاته , وبسماته وتغوص بين لوحاته المرسومة في كل مكان..
ولكن الأيام أخذت ترخي بظلالها فوق محياها , بعد أن يئست صديقاتها من دمجها في عالم الواقع.. هي لا تجد الرد .. مندهشة تعيش في عالم آخر تهيم في الوجوه.. تنظر إلى علا وسميرة وهي لا تدري..ماذا تقول : فقد ضلت الحروف طريقها إلى فهما .. وتاه السمع عن طريقه إلى أذنيها وظل النظر بعيدا عن العيون ... فأصبحت لا ترى ..!لا تسمع..! ولا تتكلم..!
أم محمود هي الأخرى تعيش في براثن البؤس والألم والحيرة , مشدوهة من هول الموقف .. الابن وقد سافر إلى ...!! وزوجة الابن الضائعة ..!! والصغير أحمد الذي ما زال في بداية الطريق ..!!
ولكنها لم تفقد الأمل بالله .. عندئذ وكلت أمرها إلى الله..
تظل أم محمود إلى جوار ليلى , فهي تعتبرها ابنتها الغالية وزوجة الغالي .. تمسح على شعرها الذي جفته أدوات التسريح جميعها , ووجهها الذي ارتسمت فوقه كل علامات الحزن والاستغراب والوجوم .. تلازمها .. تقترب منها.. تقبلها.. تمسح جبينها.. تضمها إلى صدرها.. تكفكف عبراتها .. ولكن ليلى لا تدري أين هي ..!!!
الصدمة كانت كبيرة أفقدتها العودة إلى الحقيقة... .. فقد كان الحبيب والأخ والوالد الحنون.. فلم تتخيل في يوم ما أنه سيرحل بهذه السرعة .. !!
تركها وحيدة مع والدته المريضة , وأخيه الصغير .. تركها مع ذكرياتها , ومع واقع مرير أليم فرض عليها ومصممة أن تبقى بعيدة عنه ..
فقد آثرت أن تظل في الذاكرة ... تنتظر قدومه ...!!!؟
انتظرت الأم المسكينة عودة ابنها الغالي ..الذي ظلت تداعب قدومه في قصاصته الأخيرة..
ليلى تتجه إلى المجهول .. ضياع بكاء مستمر ,وتواصل أنين كانت تعيش ليلى في كنف عمها فهي يتيمة الأب والأم , حرمت الحنان منذ نعومة أظفارها , وعاشت مغلوبة على أمرها خادمة لبيت عمها الذي بالكاد كانت تراه ...العمل أخذ منه كل أوقاته , فقد كان كثير العيال يعمل بالليل وبالنهار لكي يوفر حاجيات أولاده .. فقد عاشت ليلى ضنك العيش مع عمها ..وكأن الألم يجب أن يظل ملازما لها طيلة حياتها...!!!
أم محمود أخذت تفكر بجدية أكثر , وتحاول أن تمسك بطرف خيط يوصلها إلى فلذة كبدها , ولكن كل المحاولات كانت تبوء بالفشل..
ماذا ستفعل .. هل ستبقى ليلى تعيش هكذا ومصير زوجها مجهولا ..؟!! هل يجب أن تعود مجددا لبيت عمها .. فعمها هو الآخر لا يريد عودتها.. حتى لا تزيد من همه ...ومعاناته ...!!!
حاولت أم محمود اقتناص الفرصة بعد أن بدأت ليلى تعود رويدا رويدا إلى رشدها , وأصبحت تجيب عن أسئلة الآخرين باقتضاب.. وبين الكلمة والأخرى تتوالى وتنهمر العبرات ..!!
وبينما كانت تجلس ليلى إلى جوار عمتها " أم محمود " بدأت أم محمود تصارحها بالأمر ... يا ابنتي ما فائدة بقائك إلى جواري وأمر زوجك مجهول.. الله يعلم هل سيعود أم لا ..!! وانهمرت دموع العجوز وصاحبها شلال جديد من عبرات ليلى .. قالت ليلى عمتي الحبيبة بل والدتي الحنونة.. لن أتزوج حتى ولو علمت أن محمود ... ولم تستطيع إكمال الجملة حتى فاضت عينيها بدموع جديدة ...
فعانقت أم محمود ليلى عناقا طويلا .. وبينما تهم ليلى في استدارة وجهها سمعت حركات خفيفة قادمة من جهة الباب الخارجي .. استرقت السمع .. حاولت التأكد من الأمر قامت إلى الباب حاولت فتحه
لم تصدق أن محمود هو القادم ...
يدخل محمود يحمل كيسا بيمينه ولعبة بيده اليسرى ... ليشاهد أحمد وقد بدأت أول علامات البلوغ تظهر فوق قسماته التي احتوت شعيرات البداية إلى الرجولة .. استشعر محمود عمره لحظتها وعلم أن المدة التي قضاها كانت كبيرة.. ثم ترك الجميع وهرول مسرعا ليجثو على ركبتيه أمام أمه يقبلها من يديها ووجهها وأرجلها .. يعانقها يمسح دموعها التي خطت مجراها تحت الجفون ومن بين صحني خديها لتصب إلى جانب فمها الذي أصبح مستودع الأحزان .. و ما هي إلا لحظات حتى التم الشمل وحضر الجيران على أصوات البكاء الممزوج بلحن الفرح والسعادة..
صاحت ليلى مشدوهة ثم سقطت على قدميه تعانقهما وتتمسك يهما وكأنها تخاطبهما وتقول لهما لن ترحلا بعد اليوم ..!!!!!