ذكر الخبر عما حدث فيها من الفتن
فكان في ذلك وثوب سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد ما قتل الوليد بن يزيد بعمّان. فحدثني أحمد بن زهير، عن علي بن محمد قال: لما قتل الوليد خرج سليمان بن هشام من السجن، وكان محبوسًا بعمّان، فأخذ ما كان بعمّان من الأموال، وأقبل إلى دمشق، وجعل يلعن الوليد ويعيبه بالكفر.
ذكر خلاف أهل حمص
وفيها كان وثوب أهل حمص بأسباب العباس بن الوليد وهدمهم داره وإظهارهم الطلب بدم الوليد بن يزيد.
ذكر الخبر عن ذلك
حدثني أحمد عن علي، قال: كان مروان بن عبد الله بن عبد الملك عاملًا للوليد على حمص، وكان من سادة بني مروان نبلًا وكرمًا وعقلًا وجمالًا، فلما قتل الوليد بلغ أهل حمص قتله، فأغلقوا أبوابها، وأقاموا النوائح والبواكي على الوليد، وسألوا عن قتله، فقال بعض من حضرهم: مازلنا منتصفين من القوم قاهرين لهم؛ حتى جاء العباس بن الوليد، فمال إلى عبد العزيز بن الحجاج. فوثب أهل حمص فهدموا دار العباس وانتهبوها وسلبوا حرمه، وأخذوا بنيه فحبسوهم وطلبوه. فخرج إلى يزيد بن الوليد، وكاتبوا الأجناد، ودعوهم إلى الطلب بدم الوليد؛ فأجابوهم. وكتب أهل حمص بينهم كتابًا؛ ألّا يدخلوا في طاعة يزيد؛ وإن كان وليًا عهد الوليد حيّين قاموا بالبيعة لهما وإلا جعلوها لخير من يعلمون؛ على أن يعطيهم العطاء من المحرّم إلى المحرّم، ويعطيهم للذرّية. وأمّروا عليهم معاوية بن يزيد بن حصين، فكتب إلى مروان بن عبد الله بن عبد الملك وهو بحمص في دار الإمارة، فلما قرأه قال: هذا كتاب حضره من الله حاضر. وتابعهم على ما أرادوا.
فلما بلغ يزيد بن الوليد خبرهم، وجّه إليهم رسلًا فيهم يعقوب بن هانىء، وكتب إليهم: إنه ليس يدعو إلى نفسه، ولكنه يدعوهم إلى الشورى. فقال عمرو بن قيس السكوني: رضينا بولي عهدنا - يعني ابن الوليد بن يزيد - فأخذ يعقوب بن عمير بلحيته، فقال: أيها العشمة، إنك قد فيّلت وذهب عقلك؛ إن الذي تعني لو كان يتيمًا في حجرك لم يحلّ لك أن تدفع إليه ماله، فكيف أمر الأمّة! فوثب أهل حمص على رسل يزيد بن الوليد فطردوهم.
وكان أمر حمص لمعاوية بن يزيد بن حصين، وليس إلى مروان بن عبد الله من أمرهم شيء، وكان معهم السمط بن ثابت، وكان الذي بينه وبين معاوية بن يزيد متباعدًا. وكان معهم أبو محمد السفياني فقال لهم: لوقد أتيت دمشق، ونظر إلي أهلها لم يخالفوني. فوجّه يزيد بن الوليد مسرور ابن الوليد والوليد بن روح في جمع كبير، فنزلوا حوّارين، أكثرهم بنو عامر من كلب. ثم قدم على يزيد سليمان بن هشام فأكرمه يزيد، وتزوّج أخته أم هشام بنت هشام بن عبد الملك، وردّ عليه ما كان الوليد أخذه من أموالهم، ووجّهه إلى مسرور بن الوليد والوليد بن روح، وأمرهما بالسمع والطاعة له. وأقبل أهل حمص فنزلوا قرية لخالد بن يزيد بن معاوية.
حدثني أحمد، قال: حدثنا علي، عن عمرو بن مروان الكلبي، قال: حدثني عمرو بن محمد ويحيى بن عبد الرحمن البهراني، قالا: قام مروان بن عبد الله، فقال: يا هؤلاء؛ إنكم خرجتم لجهاد عدوّكم والطلب بدم خليفتكم، وخرجتم مخرجًا أرجو أن يعظم الله به أجركم، ويحسن عليه ثوابكم، وقد نجم لكم منهم قرن، وشال إليكم منهم عنق، إن أنتم قطعتموه اتبعه ما بعده، وكنتم عليه أحرى، وكانوا عليكم أهون، ولست أرى المضي إلى دمشق وتخليف هذا الجيش خلفكم. فقال السمط: هذا والله العدوّ القريب الدار؛ يريد أن ينقض جماعتكم؛ وهو ممايل للقدرية.
قال: فوثب الناس على مروان بن عبد الله فقتلوه وقتلوا ابنه، ورفعوا رأسيهما للناس؛ وإنّما أراد السمط بهذا الكلام خلاف معاوية بن يزيد، فلما قتل مروان بن عبد الله ولّوا عليهم أبا محمد السفياني، وأرسلوا إلى سليمان بن هشام: إنا آتوك فأقم بمكانك؛ فأقام. قال: فتركوا عسكر سليمان ذات اليسار، ومضوا إلى دمشق، وبلغ سليمان مضيّهم، فخرج مغدًا، فلقيهم بالسليمانية - مزرعة كانت لسليمان بن عبد الملك خلف عذراء من دمشق على أربعة عشر ميلًا.
قال علي: فحدثني عمرو بن مروان بن بشّار والوليد بن علي، قالا: لما بلغ يزيد أمر أهل حمص دعا عبد العزيز بن الحجاج، فوجّهه في ثلاثة آلاف، وأمره أن يثبت على ثنيّة العقاب، ودعا هشام بن مصاد، فوجّهه في ألف وخمسمائة، وأمره أن يثبت على عقبة السلامة، وأمرهم أن يمدّ بعضهم بعضًا.
قال عمرو بن مروان: فحدثني يزيد بن مصاد، قال: كنت في عسكر سليمان، فلحقنا أهل حمص، وقد نزلوا السلمانيّة، فجعلوا الزيتون على أيمانهم، والجبل على شمائلهم، والجباب خلفهم؛ وليس عليهم مأتىً إلا من وجه واحد، وقد نزلوا أوّل الليل، فأراحوا دوابّهم، وخرجنا نسري ليتنا كلّها، حتى دفعنا إليهم؛ فلما متع النهار واشتدّ الحرّ، ودوابنا قد كلّت وثقل علينا الحديد، دنوت من مسرور بن الوليد، فقلت له - وسليمان يسمع كلامي: أنشدك الله يا أبا سعيد أن يقدم الأمير جنده إلى القتال في هذه الحال! فأقبل سليمان فقال: يا غلام، اصبر نفسك، فوالله لا أنزل حتى يقضيَ الله بيني وبينهم ما هو قاض. فتقدّم وعلى ميمنته الطفيل بن حارثة الكلبي، وعلى ميسرته الطفيل بن زرارة الحبشيّن فحملوا علينا حملةً، فانهزمت الميمنة والميسرة أكثر من غلوتين، وسليمان في القلب لم يزل من مكانه؛ ثم حمل عليهم أصحاب سليمان حتى ردّوهم إلى موضعهم؛ فلم يزالوا يحملون علينا ونحمل عليهم مرارًا، فقتل منهم زهاء مائتي رجل، فيهم حرب بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وأصيب من أصحاب سليمان نحو من خمسين رجلًا، وخرج أبو الهلباء البهراني - وكان فارس أهل حمص - فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه حيّة بن سلامة الكلبي فطعنه طعنة أذراه عن فرسه، وشدّ عليه أبو جعدة مولىً لقريش من أهل دمشق فقتله، وخرج ثبيت ابن يزيد البهراني، فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه إيراك السغدي؛ من أبناء ملوك السغد كان منقطعًا إلى سليمان بن هشام - وكان ثبيت قصيرًا، وكان إيراك جسيمًا - فلما رآه ثبيت قد أقبل نحوه استطرد، فوقف إيراك ورماه بسهم فأثبت عضلة ساقه إلى لبده. قال: فبينا هم كذلك إذ أقبل عبد العزيز من ثنية العقاب، فشد عليهم، حتى دخل عسكرهم فقتل ونفذ إلينا.
قال أحمد: قال علي: قال عمرو بن مروان: فحدثني سليمان بن زياد الغساني قال: كنت مع عبد العزيز بن الحجاج؛ فلما عاين عسكر أهل حمص، قال لأصحابه: موعدكم التلّ الذي في وسط عسكرهم؛ والله لا يتخلّف منكم أحد إلّا ضربت عنقه. ثم قال لصاحب لوائه: تقدّم، ثم حمل وحملنا معه؛ فما عرض لنا أحد إلا قتل حتى صرنا على التلّ، فتصدّع عسكرهم، فكانت هزيمتهم، ونادى يزيد بن خالد بن عبد الملك القسري: الله الله في قومك! فكفّ الناس، وكره ما صنع سليمان وعبد العزيز؛ وكاد يقع الشرّ بين الذكوانيّة وسليمان وبين بني عامر من كلب، فكفوا عنهم؛ على أن يبايعوا ليزيد ابن الوليد. وبعث سليمان بن هشام إلى أبي محمد السفياني ويزيد خالد بن يزيد بن معاوية فأخذا، فمرّ بهما على الطفيل بن حارثة، فصاحا به: يا خالاه! ننشك الله والرحم! فمضى معهما إلى سليمان فحبسهما، فخاف بنو عامر أن يقتلهما، فجاءت جماعة منهم؛ فكانت معهما في الفسطاط، ثم وجّههما إلى يزيد بن الوليد معهم. ثم دخل سليمان وعبد العزيز إلى دمشق؛ ونزلا بعذراء. واجتمع أمر أهل دمشق، وبايعوا يزيد بن الوليد، وخرجوا إلى دمشق وحمص وأعطاهم يزيد العطاء، وأجاز الأشراف منهم معاوية بن يزيد بن الحصين والسمط بن ثابت وعمرو بن قيس وابن حُوَي والصقرين صفوان؛ واستعمل معاوية بن يزيد بن حصين من أهل حمص، وأقام الباقون بدمشق، ثم ساروا إلى أهل الأردن وفلسطين وقد قتل من أهل حمص يومئذ ثلثمائة رجل.
ذكر خلاف أهل الأردن وفلسطين
وفي هذه السنة وثب أهل فلسطين والأردنّ على عاملهم فقتلوه.
ذكر الخبر عن أمرهم وأمر يزيد بن الوليد معهم
حدثني أحمد، عن علي بن محمد، عن عمرو بن مروان الكلبي، قال: حدثني رجاء بن روح بن سلامة بن روح بن زنباع، قال: كان سعيد بن عبد الملك عاملًا للوليد على فلسطين، وكان حسن السيرة، وكان يزيد بن سليمان سيّد ولد أبيه، وكان ولد سليمان بن عبد الملك ينزلون فلسطين، فكان أهل فلسطين يحبّونهم لجوارهم؛ فلما أتى قتل الوليد - ورأس أهل فلسطين يومئذ سعيد بن روح بن زنباع - كتب إلى يزيد بن سليمان: إن الخليفة قد قثتل فاقدم علينا نولّك أمرنا. فجمع له سعيد قومه، وكتب إلى سعيد بن عبد الملك - وهو يومئذ نازل بالسبع: ارتحل عنّا، فإن الأمر قد اضطرب؛ وقد ولينا أرمنا رجلًا قد رضينا أمره. فخرج إلى يزيد بن الوليد، فدعا يزيد ابن سليمان أهل فلسطين إلى قتال يزيد بن الوليد، وبلغ أهل الأردنّ أمرهم، فولّوا عليهم محمد بن عبد الملك - وأمر أهل فلسطين إلى سعيد بن روح وضبعان بن روح - وبلغ يزيد أمرهم، فوجّه إليهم سليمان بن هشام في أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع السفياني.
قال علي: قال عمرو بن مروان: حدثني محمد بن راشد الخزاعي أنّ أهل دمشق كانوا أربعة وثمانين ألفًا، وسار إليهم سليمان بن هشام. قال محمد بن راشد: وكان سليمان بن هشام يرسلني إلى ضبعان وسعيد ابني روح وإلى الحكم وراشد ابني جرو من بلقين، فأعدهم وأمنّيهم على الدخول في طاعة يزيد بن الوليد، فأجابوا.
قال: وحدثني عثمان بن داود الخولاني، قال: وجهني يزيد بن الوليد ومعي حذيفة بن سعيد إلى محمد بن عبد الملك ويزيد بن سليمان، يدعوهما إلى طاعته، ويعدهما ويمنّيهما، فبدأنا بأهل الأردن ومحمد بن عبد الملك، فاجتمع إليه جماعة منهم؛ فكلّمته فقال بعضهم: أصلح الله الأمير! اقتل هذا القدري الخبيث، فكفهم عني الحكم بن جرو القيني. فأقيمت الصلاة فخلوت به، فقلت: إني رسول يزيد إليك، والله ما تركت ورائي راية تعقد إلّا على رأس رجل من قومك، ولا درهم يخرج من بيت المال إلّا في يد رجل منهم؛ وهو يحمل لك كذا وكذا. قال: أنت بذاك؟ قلت: نعم: ثم خرجت فأتيت ضبعان بن روح، فقلت له مثل ذلك، وقلت له: إنه يوليك فلسطين ما بقيَ، فأجابني فانصرفت، فما أصبحت حتى رحل بأهل فلسطين.
حدثني أحمد، عن علي، عن عمرو بن مروان الكلبي، قال: سمعت محمد بن سعيد بن حسان الأردني، قال: كنت عينًا ليزيد بن الوليد بالأردنّ، فلما اجتمع له ما يريد ولّاني خراج الأردنّ، فلما خالفوا يزيد بن الوليد أتيت سليمان بن هشام، فسألته أن يوجّه معي خيلًا، فأشنّ الغارة على طبريّة، فأبى سليمان أن يوجّه معي أحدًا، فخرجت إلى يزيد بن الوليد، فأخبرته الخبر، فكتب إلى سليمان كتابًا بخطه، يأمره أن يوجه معي ما أردت؛ فأتيت به سليمان، فوجه معي مسلم بن ذكوان في خمسة آلاف، فخرجت بهم ليلًا حتى أنزلتهم البطيحة، فتفرّقوا في القرى، وسرت أنا في طائفة منهم نحو طبريّة، وكتبوا إلى عسكرهم، فقال أهل طبريّة: علام نقيم والجنود تجوس منازلنا وتحكم في أهالينا! ومضوا إلى حجرة يزيد بن سليمان ومحمد بن عبد الملك، فانتهبوهما وأخذوا دوابّهما وسلاحهما، ولحقوا بقراهم ومنازلهم؛ فلما تفرّق أهل فلسطين والأردنّ، خرج سليمان حتى أتى الصنبرة، وأتاه أهل الأردنّ، فبايعوا ليزيد بن الوليد؛ فلما كان يوم الجمعة وجّه سليمان إلى طبرية، وركب مركبًا في البحيرة، فجعل يسايرهم حتى أتى طبريّة، فصلى بهم الجمعة، وبايع من حضر ثم انصرف إلى عسكره.
حدثني أحمد، قال: حدثنا علي، عن عمرو بن مروان الكلبي، قال: حدثني عثمان بن داود، قال: لما نزل سليمان الصنبرة، أرسلني إلى يزيد بن الوليد، وقال لي: أعلمه أنك قد علمت جفاء أهل فلسطين والأسود بن بلال المحاربي الأردنّ. فأتيت يزيد، فقلت له ما أمرني به سليمان، فقال: أخبرني كيف قلت لضبعان بن روح؟ فأخبرته، قال: فما صنع؟ قلت: ارتحل بأهل فلسطين، وارتحل ابن جرو بأهل الأردنّ قبل أن يصبحا. قال: فليسا بأحقّ بالوفاء منا، ارجع فمرْه ألّا ينصرف حتى ينزل الرملة، فيبايع أهلها، وقد استعملت إبراهيم بن الوليد على الأردنّ وضبعان بن روح على فلسطين ومسرور بن الوليد على قنسرين وابن الحصين على حمص.
ثم خطب يزيد بن الوليد بعد قتل الوليد، فقال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه محمد
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png.
أيها الناس؛ إني والله ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا حرصًا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي؛ إني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي؛ ولكني خرجت غضبًا لله ورسوله ودينه، داعيًا إلى الله وكتابه وسنة نبيه
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png؛ لمّا هدمت معالم الهدى، وأطفىء نور أهل التقوى، وظهر الجبّار العنيد، المستحلّ لكل حرمة، والرّاكب لكلّ بدعة؛ مع أنه والله ما كان يصدّق بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب؛ وإنه لابنُ عمّي في الحسب، وكفيّي في النسب؛ فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته ألّا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، وسعيت فيه حتى أراح الله منه العباد والبلاد بحول الله وقوّته، لا بحولي وقوتي.
أيّها الناس، إنّ لكم علي ألا أضع حجرًا على حجر، ولا لبنة على لبنة؛ ولا أكري نهرًا، ولا أكثر مالًا، ولا أعطيه زوجة ولا ولدًا، ولا أنقل مالًا من بلدة إلى بلدة حتى أسدّ ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يعينهم؛ فإن فضل فضل نقلته إلى البلد الذي يليه؛ ممن هو أحوج إليه؛ ولا أجمّركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم؛ ولا أغلق بابي دونكم؛ فيأكل قويّكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم ويقطع نسلهم؛ وإنّ لكم أعطياتكم عندي في كلّ سنة وأرزاقكم في كلّ شهر؛ حتى تستدرّ المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن وفيتُ لكم بما قلت؛ فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أف فلكم أن تخلعوني؛ إلا أن تستتيبوني؛ فإن تبت قبلتم مني، فإن علمتم أحدًا ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم فأردتم أن تبايعوه؛ فأنا أوّل من يبايعه، ويدخل في طاعته.
أيّها الناس، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا وفاء له بنقض عهد؛ إنما الطاعة طاعة الله؛ فأطيعوه بطاعة الله ما أطاع، فإذا عصى الله ودعا إلى المعصية؛ فهو أهل أن يعصى ويقتل. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ثم دعا الناس إلى تجديد البيعة له، فكان أول من بايعه الأفقم يزيد بن هشام. وبايعه قيس بن هانىء العبسي، فقال: يا أمير المؤمنين، اتّق الله، ودم على ما أنت عليه، فما قام مقامك أحد من أهل بيتك؛ وإن قالوا: عمر بن عبد العزيز فأنت أخذتها بحبل صالح، وإن عمر أخذها بحبل سوء. فبلغ مروان بن محمد قوله، فقال: ما له قاتله الله ذمّنا جميعًا وذمّ عمر! فلما وليَ موران بعث رجلًا، فقال: إذا دخلتَ مسجد دمشق فانظر قيس ابن هانىء، فإنه طالما صلّى فيه، فاقتله؛ فانطلق الرجل، فدخل مسجد دمشق، فرأى قيسًا يصلي فقتله.
وفي هذه السنة عزل يزيد بن الوليد يوسف بن عمر عن العراق وولاها منصور بن جمهور.