وتحرّكت المغاربة في هذه السنة يوم الخميس لثلاث خلون من جمادى الأولى، وكانوا يجتمعون قرب الجسر بسامرّا، ثم تفرّقوا يوم الجمعة.
وحجّ بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمتام وهو والي مكة.
ثم دخلت سنة خمسين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من أحداث
ظهور يحبى بن عمر الطالبي ثم مقتله
فمن ذلك ما كان من ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ المكنى بأبي الحسين بالكوفة، وفيها كان مقتله رضي الله عنه.
ذكر الخبر عن سبب ظهوره وما آل إليه أمره
ذكر أن أبا الحسين يحيى بن عمر - وأمّه أم الحسين فاطمة بنت الحسين ابن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - نالته ضيقة شديدة، ولزمه دين ضاق به ذرعًا، فلقي عمر بن فرج - وهو يتولّى أمر الطالبين - عند مقدمه من خراسان أيام المتوكل، فكلّمه في صلته، فأغلظ عليه عمر القول؛ فقذفه يحيى بن عمر في مجلسه، فحبس، فلم يزل محبوسًا إلى أن كفل به أهله، فأطلق، فشخص إلى مدينة السلام، فأقام بها بحال سيّئة، ثم صار إلى سامرّا، فلقي وصيفًا في رزق يجري له، فأغلظ له وصيفٌ في القول، وقال: لأيذ شيء يجري على مثلك! فانصرف عنه.
فذكر ابن أبي طاهر أن ابن الصوفي الطالبي حدثه، أنه أتاه في الليلة التي كان خروجه في صبيحتها، فبات عنده، ولم يعلمه بشيء مما عزم عليه؛ وأنه عرض عليه الطعام، وتبيّن فيه أنه جائع، فأبى أن يأكل وقال: إن عشنا أكلنا، قال: فتبيذنت أنه قد عزم على فتكة؛ وخرج من عندي؛ فجعل وجهه إلى الكوفة؛ وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان عاملًا عليها من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر؛ فجمع يحيى بن عمر جمعًا كثيرًا من الأعراب، وضوى إليه جماعة من أهل الكوفة، فأتى الفلّوجة؛ فصار إلى قرية تعرف بالعمد؛ فكتب صاحب البريد بخبره؛ فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أيوب بن الحسن وعبد الله بن محمود السرخسي - وكان عامل محمد بن عبد الله على معاون السواد - يأمرهما بالاجتماع على محاربة يحيى ابن عمر - وكان على الخراج بالكوفة بدر بن الأصبغ - فمضى يحيى بن عمر في سبعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها، وصار إلى بيت مالها؛ فأخذ ما فيه؛ والذي وجد ألفا دينار وزيادة شيء، ومن الورق سبعون ألف درهم؛ وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجنين وأخرج جميع من كان فيها؛ وأخرج عمّالها عنها، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي - وكان في عداد الشاكريّة، فضربه يحيى بن عمر ضربةً على قصاص شعره في وجهه أثخنته
فانهزم ابن محمود مع أصحابه، وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدوابّ والمال.
ثم خرج يحيى بن عمر من الكوفة إلى سوادها، فصار إلى موضع يقال له بستان - أو قريبًا منه - على ثلاثة فراسخ من جنبلاء؛ ولم يقم بالكوفة، وتبعته جماعة من الزيديّة، واجتمعت على نصرته جماعة من قرب تلك الناحية من الأعراب وأهل الطفوف والسيّب الأسفل، وإلى ظهر واسط. ثم أقام بالبستان، فكثر جمعه فوجّه محمد بن عبد الله لمحاربته الحسين بن إسماعيل ابن إبراهيم بن مصعب، وضمّ إليه من ذوي البأس والنجدة من قوّاده جماعة؛ مثل خالد بن عمران وعبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس، وأبي السناء الغنوي، وعبد الله بن نصر بن حمزة، وسعد الضبابي، ومن الإسحاقية أحمد ابن محمد بن الفضل وجماعة من خاصة الخراسانية وغيرهم.
وشخص الحسين بن إسماعيل، فنزل بإزاء هفندي في وجه يحيى بن عمر، لا يقدم عليه الحسين بن إسماعيل ومن معه؛ وقصد يحيى نحو البحرية - وهي قرية بينها وبين قسيّن خمسة فراسخ، ولو شاء الحسين أن يلحقه لحقه - ثم مضى يحيى بن عمر في شرقي السيّب والحسين في غربيّه، حتى صار إلى أحمد أباذ فعبر إلى ناحيى سورا، وجعل الجند لا يلحقون ضعيفًا عجز عن اللحاق بيحيى إلا أخذوه، وأوقعوا بمن صار إلى يحيى بن عمر من أهل تلك القرى.
وكان أحمد بن الفرج المعروف بابن الفزاري يتولى معوة السيّب لمحمد ابن عبد الله، فحمل ما اجتمع عنده منحاصل السيب قبل دخول يحيى بن عمر أحمد أباذ، فلم يظفر به.
ومضى يحيى بن عمر نحو الكوفة، فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب وجه الفلس، فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالًا شديدًا، فانهزم عبد الرحمن بن الخطاب، وانحاز إلى ناحية شاهى، ووافاه الحسين بن إسماعيل فعسكر بها، ودخل يحيى بن عمر الكوفة، واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه، وتولاه العامة من أهل بغداد - ولا يعلم أهم تولوا من أهل بيته غيره - وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيّعهم؛ ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم.
وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي، واستراح وأراح أصحابه دوابّهم، ورجعت إليهم أنفسهم، وشربوا العذب من ماء الفرات؛ واتّلت بهم الأمداد والميرة والأموال. وأقام يحيى بن عمر بالكوفة يعدّ العدد، ويطبع السيوف، ويعرض الرجال، ويجمع السلاح.
وإن جماعة من الزيديّة ممّن لا علم له بالحرب، أشاروا على يحيى بمعالجة الحسين، وألحت عليه عوّام أصحابه بمثل ذلك، فزحفت إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب؛ ومعهم الهيضم العجلي؛ في فرسان من بني عجل وأناس من بني أسد ورجالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علم ولا تدبير ولا شجاعة، فأسروا ليلتهم؛ ثم صبحوا حسينًا وأصحابه - وأصحاب حسين مستريحون ومستعدون - فثاروا إليهم في الغلس فرموا ساعة، ثم حمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموا، ووضع فيهم السيف؛ فكان أول أسير الهيضم بن العلاء بن جمهور العجلي، فانهزم رجالة أهل الكوفة، وأكثرهم عزل بغير سلاح، ضعفي القوى، خلقان الثياب؛ فداستهم الخيل، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر، وعليه جوشن تبنى، وقد تقطر به البرذون الذي أخذه من عبد الله بن محمود، فوقف عليه ابن لخالد بن عمران يقال له خير؛ فلم يعرفه، وظن أنه رجل من أهل خراسان، لما رأى عليه الجوشن. وقف عليه أيضًا أبو الغور بن خالد بن عمران، فقال لخير بن خالد: يا أخي، هذا والله أبو الحسين قد انفرج قلبه؛ وهو نازل لا يعرف القصة لانفراج قلبه، فأمر خير رجلًا من أصحابه المواصلين من العرفاء يقال له محسن بن المنتاب، فنزل إليه فذبحه، وأخذ رأسه وجعله في قوصرة، ووجهه مع عمر بن الخطاب أخي عبد الرحمن بن الخطاب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر.
وادعى قتله غير واحد، فذكر عن العرس بن عراهم أنهم وجدوه باركًا ووجدوا خاتمه مع رجل يعرف بالعسقلاني مع سيفه، وادعى أنه طعنه وسلبه، وادعى سعد الضباني أنه قتله.
وذكر عن أبي الحسين خال أبي السناء أنه طعن في الغلس رجلًا في ظهره لا يعرفه، فأصابوا في ظهر أبي الحسين طعنة ولا يدري من قتله، لكثرة من ادعاه، وورد الرأس دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وقد تغير، فطلبوا من يقور ذلك اللحم، ويخرج الحدقة والغلصمة، فلم يوجد وهرب الجزارون وطلب ممن في السجن من الخرمية الذباحين من يفعل له سهل بن الصغدي، فإنه تولى وإخراج دماغه وعينيه وقوره بيديه، وحشي بالصبر والمسك والكافور بعد أن غسل وصير في القطن. وذكر أنهم رأوا بجنبيه ضربة بالسيف منكرة ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد اليوم الذي وافاه فيه، وكتب إليه بالفتح بيده، ونصب رأسه بباب العامة بسامرا، واجتمع الناس لذلك، وكثروا وتذمروا وتولى إبراهيم الديرج نصبه؛ لأن إبراهيم بن إسحاق خليفة محمد بن عبد الله أمره فنصبه لحظة، ثم حط، ورد إلى بغداد لينصب بها بباب الجسر؛ فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله لكثرة من اجتمع من الناس. وذكر لمحمد بن عبد الله أنهم على أخذه اجتمعوا، فلم ينصبه، وجعله في صندوق في بيت السلاح في داره، ووجّه الحسين ابن إسماعيل بالأسرى ورءوس من قتل معه مع رجل يقال له أحمد بن عصمويه، ممّن كان مع إسحاق بن إبراهيم، فكدّهم وأجاعهم وأساءبهم؛ فأمر بهم فحبسوا في سجن الجديد، وكتب فيهم محمد بن عبد الله يسأل الصفح عنهم، فأمر بتخليتهم، وأن تدفن الرءوس ولا تنصب، فدفنت في قصر بباب الذهب.
وذكر عن بعض الطاهرييّن أنه حضر مجلس محمد بن عبد الله وهو يهنأ بمقتل يحيى بن عمرو بالفتح وجماعة من الهاشميين والطالبييّن وغيرهم حضور؛ فدخل عليه داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري فيمن دخل، فسمعهم يهنّئونه، فقال: أيها الأمير؛ إنك لتهنّئأ بقتل رجل لو كان رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حيًّا لعزّي به! فما ردّ عليه محمد بن عبد الله شيئًا، فخرج أبو هاشم الجعفري، وهو يقول:
يا بني كلوه وبيًّا ** إن الحم النبي غير مريّ
إنّ وترًا يكون طالبه الل ** ه لوترٍ نجاحه بالحريذ
وكان المستعين قد وجّه كلباتكين مددًا للحسين ومستظهرًا به، فلحق حسينًا بعد ما هزم القوم وقتل يحيى بن عمر، فمضى ومعهم صاحب بريد الكوفة فلقي جماعة ممّن كان مع يحيى بن عمر، ومعهم أسوقة وأطعمة يريدون عسكر يحيى؛ فوضع فيهم السيّف فقتلهم، ودخل الكوفة؛ فأراد أن ينهبها ويضع السيف في أهلها، فمنعه الحسين، وآمن الأسود والأبيض بها؛ وأقام أيامًا ثم انصرف عنها.
ذكر خبر خروج الحسن بن زيد العلوي
وفي هذه السنة كان خروج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب في شهر رمضان منها.
ذكر الخبر عن سبب خروجه
حدثني جماعة من أهل طبرستان وغيرهم؛ أنّ سبب ذلك كان أنّ محمد بن عبد الله بن طاهر لمّا جرى على يديه ما جرى من قتل يحيى بن عمر ودخول أصحابه وجيشه الكوفة بعد فراغهم من قتل يحيى، أقطعه المستعين من صوافي السلطان بطبرستان قطائع؛ وأن من تلك القطائع التي أقطعها قطيعة فيما قرب من ثغري طبرستان ممّا يلي الديلم؛ وهما كلار وسالوس، كان بحذائها أرض لأهل تلك الناحية فيها مرافق، منها محتطبهم ومراعي مواشيهم ومسرح سارحتهم؛ وليس لأحد عليها ملك؛ وإنما هي صحراء من موتان الأرض؛ غير أنها ذات غياض وأشجار وكلأ.
فوجّه - فيما ذكر لي - محمد بن عبد الله بن طاهر أخًا لكاتبه بشر بن هارون النصراني يقال له جابر بن هارون، لحيازة ما أقطع هنالك من الأرض، وعامل طبرستان يومئذ سليمان بن عبد الله خليفة محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، أخو محمد بن عبد الله بن طاهر، والمستولي على سليمان، والغالب على أمره محمد بن أوس البلخي؛ وقد فرّق محمد بن أوس ولده في مدن طبرستان، وجعلهم ولاتها، وضمّ إلى كلّ واحد منهم مدينة منها؛ وهم أحدث سفهاء؛ قد تأذّى بهم وبسففهم من تحت أيديهم من الرعيّة واستنكروا منهم ومن والدهم ومن سليمان بن عبد الله أثرهم فيهم؛ بقصص يطول الكتاب بشرح أكثرها.
ووتر مع ذلك - فيما ذكر لي - محمد بن أوس الديلم بدخوله إلى ما قرب من بلادهم من حدود طبرستان؛ وهم أهل سلم وموادعة لأهل طبرستان على اغترار من الديلم بما يلتمس بدخوله إليهم بغارة، فسبى منهم وقتل، ثم انكفأ راجعًا إلى طبرستان، فكان ذلك مما زاد أهل طبرستان عليه حنقًا وغيظًا، فلما صار رسول محمد بن عبد الله - وهو جابر بن هارون النصراني - إلى طبرستان لحيازة ما أقطعه هنالك محمد، عمد - فيما قيل لي - جابر بن هارون إلى ما أقطع محمد بن عبد الله من صوا في السلطان فحازه، وحاز ما اتّصل به من موات الأرض التي يرتفق بها أهل تلك الناحية - فيما ذكر - فكان فيما رام حيازته من ذلك الموات الذي بقرب من الثغريين اللذين يسمى أحدهما كلار والآخر سالوس؛ وكان في تلك الناحية يومئذ رجلان معروفان بالبأس والشجاعة، وكانا مذكورين قديمًا بضبط تلك الناحية ممن رامها من الديلم، وبإطعام الناس بها وبالإفضال عن من ضوى إليهما؛ يقال لأحدهما محمد وللآخر جعفر؛ وهما ابنا رستم أخوان؛ فأنكرا ما فعل جابر بن هارون من حيازته الموات الذي وصفت أمره، ومانعاه ذلك.
وكان ابنا رستم في تلك الناحية مطاعين فاستنهضا من أطاعهما ممّن في ناحيتهما لمنع جابر بن هارون من حيازة ما رام حيازته من الموات الذي هو مرفق لأهل تلك الناحية - فيما ذكر - وغير داخل فيما أقطعه صاحبه محمد بن عبد الله، فنهضوا معهما، وهرب جابر بن هارون خوفًا على نفسه منهما وممن قد نهض معهما، لإنكار ما رام جابر النصراني فعله. فلحق بسليمان بن عبد الله ابن طاهر، وأيقن محمد وجعفر ابنا رستم ومن نهض معهما في منع جابر عما حاول من حيازة ما حاول حيازته من الموات الذي ذكرت بالشرّ، وذلك أن عامل طبرستان كلّها سليمان بن عبد الله؛ وهو أخو محمد بن عبد الله بن طاهر وعمّ محمد ابن طاهر بن عبد الله عامل المستعين على خراسان وطبرستان والرّي والمشرق كله يومئذ.
فلما أيقن القوم بذلك، راسلوا جيرانهم من الديلم، وذكّروهم وفاءهم لهم بالعهد الذي بينهم وبينهم وما ركبهم به محمد بن أوس من الغدر والقتل والسبي، وأنهم لا يأمنون من ركوبه إياهم بمثل الذي ركبهم به، ويسألونهم مظاهرتهم عليه وعلى من معه؛ فأعلمهم الديلم أنّ ما يلي على أرضهم من جميع نواحيها من الأرضيين والبلاد؛ إنما عمّالها إمّا عمال لطاهر؛ وإمّا من يتّخذ آل طاهر إن احتاجوا إلى إنجادهم؛ وإن ما سألوا من معاونتهم لا سبيل لهم إليه إلا بزوال الخوف عنهم من أن يؤتوا من قبل ظهورهم إذا هم اشتغلوا بحرب بين أيديهم من عمال سليمان بن عبد الله؛ فأعلمهم الذين سألوهم المظاهرة على حرب سليمان وعماله أنهم لا يغفلون عن كفايتهم ذلك؛ حتى يأمنوا مما خافوا منه، فأجابهم الديلم إلى ما سألوهم من ذلك، وتعاقدوا هم وأهل كلار وسالوس على معاونة بعضهم بعضًا على حرب سليمان ابن عبد الله وابن أوس وغيرهم ممن قصدهم بحرب.