العقد الفريد/الجزء الثاني/11
مواعظ الحكماء
قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وَجْهَه: أُوصيكمِ بخَمس لو ضرَبتم عليها آباط الإبل لكان قليلاً: لا يَرْجًوَن أحدكم إلا ربّه ولا يخافنَ إلا ذنبه ولا يستحي إذا سُئل عما لا يَعلم أن يقول: لا أعلم. وإذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قُطع الرأس ذهب الجسد. وقال أيضاً: من أراد الغِنَى بغير مال والكثرةَ بلا عَشية فليتحوَّل من ذُلِّ المَعصية إلى عزِّ الطاعة " أبى الله إلا أن يُذِلّ مَن عصاه. وقال الحسنُ: مَن خاف اللهّ أخاف اللهّ منه كل شيء ومن خاف الناسَ أخافه الله من كل شيء. وقال بعضُهم: من عَمِلَ لأخرته كَفَاه الله أمرَ دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح اللهّ ما بينه وبين الناس ومَن أخلص سريرتَه أخلص الله علانيَته. قال العُتْبيّ: اجتمعت العربُ والعجم على أربع كلمات: قالوا: لا تَحْملنّ على قلبك مالا يُطِيق ولا تعملنَّ عملاَ ليس لك فيه مَنْفعة ولا تَثِقْ بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثُر. وقال أبو بكر الصدِّيق لعُمَر بن الخطّاب رضي الله عنهما عند مَوته حين استخلْفه: أُوصيك بتقوى الله إن لله عملاً بالليل لا يَقْبَلُه بالنهار وعملا بالنهار لا يَقْبَله بالليل وإنه لا يقبل نافلة حتى تُؤَدَّى الفرائض وإنما ثَقُلَتْ موِازين مَن ثقُلت موازينهم يومَ القيامة باتباعهم الحقّ وثقَلِه عليهم وحُقّ لميزانٍ لا يُوضعِ فيه إلا الحقُّ أن يكون ثقيلا وإنما خَفّت موازينُ من خَفّت موازينهم يومَ القيامة باْتباعهم الباطل في الدُّنيا وخِفّته عليهمِ وحُقِّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً وإن الله ذَكَر أهلَ الجنَّة فَذكَرهم بأحسن أعمالهم وتجاوَزَ عن سيئاتهم فإذا سمعتَ بهم قُلْت: إني أخاف أن لا أكون من هؤلاء وذكرَ أهل النار بأقبح أعمالهم وأمسك عن حَسَناتهم فإذا سمعتَ بهم قلتَ: أنا خيرٌ من هؤلاء وذكر آية الرّحمة مع آية العذاب ليكونَ العبدُ راغباً راهباً لا يتمنى على الله غيرَ الحق. فإذا حفظت وصيَّتي فلا يكون غائبٌ أحبَّ إليك من الموت وهو آتيك وإن ضيّعْت وصيَّتي فلا يكون غائبٌ أكرَه إليك من الموت ولن تُعْجزه. ودخل الحسن بن أبي الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه فرآه يُصَوِّب بصره في صُندوق في بيته وُيصَعِّده ثم قال: أبا سَعِيد ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أُؤَدِّ منها زكاةً ولم أصِل منها رَحِماً قال: ثَكِلَتْكَ أُمك ولمن كنتَ تَجْمعها قال: لرَوْعة الزِمان وجَفْوة السلطان ومُكاثرة العَشيرة. قال: ثم مات فشَهده الحسنُ فلما فَرَغ من دَفْنِه قال: انظروا إلى هذا المِسكين أتاه شيطانُه فحذّره رَوْعة زَمانه وجفوة سُلطانه ومُكاثرة عشيرته عما رزقه اللهّ إياه وغَمره فيه انظروا كيف خرج منها مَسْلوباً محروباً. ثم التفتَ إلى الوارث فقال: أيها الوارث لا تُخْدَعَنّ كما خُدِعَ صوَيْحبك بالأمس أَتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالا أتاك عفواً صفواً ممن كان له جمُوعا مَنُوعا من باطل جَمَعه ومن حقً مَنَعه قطع فيه لُجَجَ البِحار ومفاوِزَ القِفار لم تَكْدح فيه بِيَمين ولم يَعْرَق لك فيه جَبين. إِنّ يوم القيامة يوم ذو حَسَرَات وإن من أعظم الحسرات غداً أن ترى مالك في ميزان غيرك فيالها عَثَرة لا تُقال وتوبة لا تُنال. ووعظَ حكيم قوماً فقال: يا قوم استَبْدِلوا العَوَارِيَ بالهِبات تَحْمَدوا العُقْبَى واستقْبِلوا المصائب بالصَبْر تستحِقُّوا النُّعْمَى واستَدِيموا الكَرَامة بالشُّكر تَسْتَوْجبوا الزِّيادة واعرفوا فَضْل البَقاء في النِّعمة والغِنَى في السلامة قبل الفِتْنَة الفاحِشةِ والمَثُلة البينة وانتقال العَمَل وحُلول الأجَل فإنما أنتم في الدُّنيا أَغراض المَنايا وأَوطان البلايا ولن تنالوا نِعْمَة إلا بِفِراق أُخرى ولا يَسْتقبل مُعَمَّر مِنكم يوماً من عُمره إلا بانتقاص آخرَ من أجله ولا يَحيا له أَثر إلا مات له أَثر. فأنتم أعوان الحُتُوف على أنفسكم وفي معايشكم أسبابُ مَنَاياكم لا يَمنعكم شيء منها ولا يَشْغَلكم شيء عنها. فأنتم الأخْلاف بعد الأسلاف وستكونون أَسلافاً بعد الأخلاف. بكل سبيل منكمِ صَرِيعٌٍ مُنْعَفر وقائم يَنْتظر فمن أيّ وجه تَطْلُبون البَقَاء وهذان الليلُ والنهِارُ لم يرْفعا شيئا قَطّ إلا أسرَعا الكرَّة في هَدْمه ولا عقدا أَمراً قطُّ إلاَّ رَجَعا في نقضه. وقال أبو الدَّرْداء: يا أَهل دمَشق مالكم تَبْنون مالا تسكنون وتأمُلون ما لا تُدرِكون وتَجمعون ما لا تأكلون هذه عادٌ وثمود قد مَلَئُوا ما بين بُصْرَى وعَدَن أموالاً وأولاداً فمن يَشْتري مني ما تركوا بدرهمين وقال ابن شُبْرُمَة: إذا كان البَدَن سقيماً لم يَنجع فيه الطعام ولا الشراب وإذا كان القلب مُغْرَماً بِحُبّ الدنيا لم تَنْجِع فيه الموعظة. وقال الرًبيع بن خُثَيم: أَقْلِل الِكلام إلا من تِسع: تكبيرِ وتهليل وتسْبيح وتَحْمِيد وسؤالِكَ الخير وتَعَوّذِك من الشرّ وأمرِكَ بالمعروف ونهْيِكَ عن المُنْكر وقراءتك