أعطني منها، فقلت: لا والله ولا بضعة واحدة؛ ألست الذي دققت في رقبتي! فانطلق غضبان حتى أتى الأسود؛ فأخبره بما لقي مني وقلت له. فلما فرغت أتيت الأسود أمشي إليه، فسمعت الرجل وهو يشكوني إليه، فقال له الأسود: أما والله لأذبحنه ذبحًا! فقت له: إني قد فرغت مما أمرتني به، وقسمته بين الناس. قال: قد أحسنت فانصرف. فانصرفت، فبعثنا إلى امرأة الملك: إنا نريد قتل الأسود؛ فكيف لنا! فأرسلت إلى: أن هلم. فأتيتها، وجعلت الجارية على الباب لتؤذننا إذا جاء؛ ودخلت أنا وهي البيت الآخر، فحفرنا حتى نقبنا نقبًا، ثم خرجنا إلى البيت، فأرسلنا الستر، فقلت: إنا نقتله الليلة، فقالت: فتعالوا؛ فما شعرت بشيء حتى إذا الأسود قد دخل البيت؛ وإذا هو معنا؛ فأخذته غيرة شديدة، فجعل يدق في رقبتي، وكفكفته عني، وخرجت فأتيت أصحابي بالذي صنعت، وأيقنت بانقطاع الحيلة عنا فيه؛ إذ جاءنا رسول المرأة؛ ألا يكسرن عليكم أمركم ما رأيتم؛ فإني قد قلت له بعد ما خرجت: ألستم تزعمون أنكم أقوام أحرار لكم أحساب! قال: بلى، فقلت: جاءني أخي يسلم على ويكرمني، فوقعت عليه تدق في رقبته؛ حتى أخرجته، فكانت هذه كرامتك إياه! فم أزل ألومه حتى لام نفسه، وقال: أهو أخوك؟ فقلت: نعم، فقال: ما شعرت؛ فأقبلوا الليلة لما أردتم. قال الديلمي: فاطمأنت أنفسنا، واجتمع لنا أمرنا؛ فأقبلنا من الليل أنا وداذويه وقيس حتى ندخل البيت الأقصى من النقب الذي نقبنا، فقلت: يا قيس، أنت فارس العرب، ادخل فاقتل الرجل، قال: إني تأخذني رعدة شديدة عند البأس، فأخاف أن أضرب الرجل ضربة لا تغنى شيئًا؛ ولكن ادخل أنت يا فيروز، فإنك أشبنا وأقوانا، قال: فوضعت سيفي عند القوم، ودخلت لأنظر أين رأس الرجل! فإذا السراج يزهر؛ وإذا هو راقد على فرش قد غاب فيها لا أدري أين رأسه من رجليه! وإذا المرأة جالسة عنده كانت تطعمه رمانًا حتى رقد، فأشرت إليها: أين رأسه؟ فأشارت إليه، فأقبلت أمشي حتى قمت عند رأسه لأنظر، فما أدري أنظرت في وجهه أم لا! فإذا هو قد فتح عينيه؛ فنظر إلي، فقلت: إن رجعت إلى سيفي خفت أن يفوتني ويأخذ عدة يمتنع بها مني؛ وإذا شيطانه قد أنذره بمكاني وقد أيقظه، فلما أبطأ كلمني على لسانه؛ وإنه لينظر ويغط، فأضرب بيدي إلى رأسه، فأخذت رأسه بيد ولحيته بيد؛ ثم ألوي عنقه فدققتها؛ ثم أقبلت إلى أصحابي، فأخذت المرأة بثوبي، فقالت: أختكم نصيحتكم! قلت: قد والله قتلته وأرحتك منه. قال: فدخلت على صاحبي فأخبرتهما، قالا: فارجع فاحتز رأسه وائتنا به، فدخلت فبربر فألجمته فحززت رأسه، فأتيتهما به، ثم خرجنا حتى أتينا منزلنا؛ وعندنا وبر بن يحنس الأزدي، فقام معنا حتى ارتقينا على حصن مرتفع من تلك الحصون؛ فأذن وبر بن يحنس بالصلاة، ثم قلنا: ألا إن الله عز وجل قد قتل الأسود الكذاب، فاجتمع الناس إلينا فرمينا برأسه، فلما رأى القوم الذين كانوا معه أسرجوا خيولهم؛ ثم جعل كل واحد منهم يأخذ غلامًا من أبنائنا معه من أهل البيت الذي كان نازلا فيهم؛ فأبصرتهم في الغلس مردفي الغلمان، فناديت أخي وهو أسفل مني مع الناس: أن تعلقوا بمن استطعتم منهم؛ ألا ترون ما يصنعون بالأبناء! فتعلقوا بهم؛ فحبسنا منهم سبعين رجلًا، وذهبوا منا بثلاثين غلامًا، فلما برزوا إذا هم يفقدون سبعين رجلا حين تفقدوا أصحابهم، فأتونا فقالوا: أرسلوا إلينا أصحابنا، فقلنا لهم: أرسلوا إلينا أبناءنا، فأرسلوا إلينا الأبناء، وأرسلنا إليهم أصحابهم.
قال: وقال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لأصحابه: إن الله قد قتل الأسود الكذاب العنسي، قتله بيد رجل من إخوانكم، وقوم أسلموا وصدقوا؛ فكنا كأنا على الأمر الذي كان قبل قدوم الأسود علينا وأمن الأمراء وتراجعوا، واعتذر الناس وكانوا حديثي عهد بالجاهلية.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا عمي، قال: أخبرنا سيف - وحدثنى السري، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف - عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر، قال: كان أول أمره إلى آخره ثلاثة أشهر.
وحدثني السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف - وحدثنا عبيد الله قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف - عن جابر بن يزيد، عن عروة ابن غزية، عن الضحاك بن فيروز، قال: كان ما بين خروجه بكهف خبان ومقتله نحوًا من أربعة أشهر؛ وقد كان قبل ذلك مستسرًا بأمره. حتى بادى بعد.
حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن محمد، عن أبي معشر ويزيد بن عياض بن جعدبة وغسان بن عبد الحميد وجويرية بن أسماء، عن مشيختهم، قالوا: أمضي أبو بكر جيش أسامة بن زيد في آخر ربيع الأول، وأتى مقتل العنسي في آخر ربيع الأول بعد مخرج أسامة؛ وكان ذلك أول فتح أتى أبا بكر وهو بالمدينة.
حوادث متفرقة
وقال الواقدي: في هذه السنة - أعني سنة إحدى عشرة - قدم وفد النخع في النصف من المحرم على رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، رأسهم زرارة بن عمرو، وهم آخر من قدم من الوفود.
وفيها: ماتت فاطمة ابنة رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png في ليلة الثلاثاء، لثلاث خلون من شهر رمضان؛ وهي يومئذ ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها. وذكر أن أبا بكر بن عبد الله، حدثه عن إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح بذلك. وزعم أن ابن جريج حدثه عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، قال: توفيت فاطمة عليها السلام بعد النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بثلاثة أشهر.
قال: وحدثنا ابن جريج، عن الزهري، عن عروة، قال: توفيت فاطمة بعد النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بستة أشهر.
قال الواقدي: وهو أثبت عندنا.
قال: وغسلها علي عليه السلام وأسماء بنت عميس.
قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة ابنة عبد الرحمن قالت: صلى عليها العباس بن عبد المطلب.
وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا علي، عن أبي معشر، قال: دخل قبرها العباس وعلي والفضل بن العباس.
قال: وفيها توفي عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة، وكان أصابه بالطائف سهم مع النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، رماه أبو محجن، ودمل الجرح حتى انتقض به في شوال؛ فمات.
وحدثني أبو زيد، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو معشر ومحمد ابن إسحاق وجويرية بن أسماء بإسناده الذي ذكرت قبل، قالوا: في العام الذي بويع فيه أبو بكر ملك أهل فارس عليهم يزد جرد.
قال أبو جعفر: وفيها كان لقاء أبي بكر رحمه الله خارجة بن حصن الفزارى. حدثني أبو زيد، قال: حدثنا علي بن محمد بإسناده الذي ذكرت قبل، قالوا: أقام أبو بكر بالمدينة بعد وفاة رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وتوجيهه أسامة في جيشه إلى حيث قتل أبوه زيد بن حارثة من أرض الشأم؛ وهو الموضع الذي كان رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أمره بالمسير إليه؛ لم يحدث شيئًا، وقد جاءته وفود العرب مرتدين يقرون بالصلاة، ويمنعون الزكاة. فلم يقبل ذلك منهم وردهم، وأقام حتى قدم أسامة بن زيد بن حارثة بعد أربعين يومًا من شخوصه - ويقال: بعد سبعين يومًا - فلما قدم أسامة بن زيد استخلفه أبو بكر على المدينة وشخص - ويقال استخلف سنانًا الضمري على المدينة - فسار ونزل بذي القصة في جمادى الأولى؛ ويقال في جمادى الآخرة؛ وكان نوفل بن معاوية الديلي بعثه رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فلقيه خارجة بن حصن بالشربة؛ فأخذ ما في يديه؛ فرده على بني فزارة؛ فرجع نوفل إلى أبي بكر بالمدينة قبل قدوم أسامة على أبي بكر. فأول حرب كانت في الردة بعد وفاة النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حرب العنسي؛ وقد كانت حرب العنسي باليمن؛ ثم حرب خارجة بن حصن ومنظور بن زبان بن سيار في غطفان، والمسلمون غارون، فانحاز أبو بكر إلى أجمة فاستتر بها، ثم هزم الله المشركين.
وحدثني عبيد الله، قال: حدثنا عمي، قال: أخبرنا سيف - وحدثني السري، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف - عن المجالد ابن سعيد، قال: لما فضل أسامة كفرت الأرض وتضرمت، وارتدت من كل قبيلة عامة أو خاصة إلا قريشًا وثقيفًا.