وأما هشام بن الكلبي؛ فإنه زعم أن أبا بكر لما رجع إليه أسامة ومن كان معه من الجيش؛ جد في حرب أهل الردة، وخرج بالناس وهو فيهم حتى نزل بذي القصة؛ منزلا من المدينة على بريد من نحو مجد؛ فعبى هنالك جنوده، ثم بعث خالد بن الوليد على الناس، وجعل ثابت بن قيس على الأنصار، وأمره إلى خالد، وأمره أن يصمد لطليحة وعيينة بن حصن، وهما على بزاخة؛ ماء من مياه بني أسد؛ وأظهر أني ألاقيك بمن معي من نحو خيبر، مكيدة؛ وقد أوعب مع خالد الناس؛ ولكنه أراد أن يبلغ ذلك عدوه فيرعبهم. ثم رجع إلى المدينة، وسار خالد بن الوليد؛ حتى إذا دنا من القوم بعث عكاشة بن محصن، وثابت بن أقرم - أحد بني العجلان حليفًا للأنصار - طليعة؛ حتى إذا دنوا من القوم خرج طليحة وأخوه سلمة، ينظران ويسألان: فأما سلمة فلم يمهل ثابتًا أن قتله، ونادى طليحة أخاه حين رأى أن قد فرغ من صاحبه أن أعني على الرجل؛ فإنه آكل؛ فاعتونا عليه، فقتلاه ثم رجعا، وأقبل خالد بالناس حتى مروا بثابت بن أقرم قتيلًا، فلم يفطنوا له حتى وطئته المطئ بأخفافها، فكبر ذلك على المسلمين، ثم نظروا فإذا هم بعكاشة بن محصن صريعًا؛ فجزع لذلك المسلمون، وقالوا: قتل سيدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم؛ فانصرف خالد نحو طيئ.
قال هشام: قال أبو مخنف: فحدثني سعد بن مجاهد، عن المحل ابن خليفة، عن عدي بن حاتم، قال: بعثت إلى خالد بن الوليد أن سر إلى فأقم عندي أيامًا حتى أبعث إلى قبائل طيئ، فأجمع لك منهم أكثر ممن معك، ثم أصحبك إلى عدوك. قال: فسار إلى.
قال هشام: قال أبو مخنف: حدثنا عبد السلام بن سويد أن بعض الأنصار حدثه أن خالدًا لما رأى ما بأصحابه من الجزع عند مقتل ثابت وعكاشة، قال لهم: هل لكم إلى أميل بكم إلى حي من أحياء العرب؛ كثير عددهم، شديدة شوكتهم، لم يرتد منهم عن الإسلام أحد! فقال له الناس: ومن هذا الحي الذي تعني؟ فنعم والله الحي هو! قال لهم: طيئ؛ فقالوا: وفقك الله، نعم الرأى رأيت! فانصرف بهم حتى نزل بالجيش في طيئ.
قال هشام: حدثني جديل بن خباب النبهاني من بني عمرو بن أبي، أن خالدًا جاء حتى نزل على أرك؛ مدينة سلمى.
قال هشام: قال أبو مخنف: حدثني إسحاق أنه نزل بأجأ، ثم تعبى لحربه، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر على سادتهم وقادتهم قريبًا يستمعون ويتربصون على من تكون الدبرة.
قال هشام عن أبي مخنف: حدثني سعد بن مجاهد، أنه سمع أشياخًا من قومه يقولون: سألنا خالدًا أن نكفيه قيسًا فإن بني أسد حلفاؤنا، فقال: والله ما قيس بأوهن الشوكتين، اصمدوا إلى أي القبلتين أحببتم؛ فقال عدي: لو ترك هذا الدين أسرتي الأدنى فالأدنى من قومي لجاهدتهم عليه، فأنا أمتنع من جهاد بني أسد لجلفهم! لا لعمر الله لا أفعل! فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جميعًا جهاد؛ لا تخالف رأى أصحابك، امض إلى أحد الفريقين، وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط.
قال هشام، عن أبي مخنف: فحدثني عبد السلام بن سويد، أن خيل طيئ كانت تلقي خيل بني أسد وفزارة قبل قدوم خالد عليهم فيتشامون ولا يقتتلون، فتقول أسد وفزارة: لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبدًا. فتقول لهم خيل طيئ: أشهد ليقاتلنكم حتى تكنوه أبا الفحل الأكبر!
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: حدثت أن الناس لما اقتتلوا، قاتل عيينة مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة قتالا شديدًا، وطليحة متلفف في كساء له بفناء بيت له من شعر، يتنبأ لهم، والناس يقتتلون، فلما هزت عيينة الحرب، وضرس القتال، كر على طليحة، فقال: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: لا، قال: فرجع فقاتل حتى إذا ضرس القتال وهزته الحرب كر عليه فقال: لا أبا لك! أجاءك جبريل بعد؟ قال: لا والله، قال: يقول عيينة حلفًا: حتى متى! قد والله بلغ منا! قال: ثم رجع فقاتل، حتى إذا بلغ كر عليه، فقال: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: نعم، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: (( إن لك رحًا كرحاه، وحديثًا لا تنساه ))، قال: يقول عيينة: أظن أن قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه؛ يا بني فزارة هكذا؛ فانصرفوا؛ فهذا والله كذاب. فانصرفوا وانهزم الناس فغشوا طليحة يقولون: ماذا تأمرنا؟ وقد كان أعد فرسه عنده، وهيأ بعيرًا لامرأته النوار، فلما أن غشوه يقولون: ماذا تأمرنا؟ قام فوثب على فرسه، وحمل امرأته ثم نجا بها، وقال: من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل؛ ثم سلك الحوشية حتى لحق بالشأم وارفض جمعه؛ وقتل الله من قتل منهم، وبنو عامر قريبًا منهم على قادتهم وسادتهم؛ وتلك القبائل من سليم وهوازن على تلك الحال؛ فلما أوقع الله بطليحة وفزارة ما أوقع، أقبل أولئك يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله ورسوله، ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا.
قال أبو جعفر: وكان سبب ارتداد عيينة وغطفان ومن ارتد من طيئ ما حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرني عمي، قال: أخبرني سيف - وحدثني السري قال: حدثنا شعيب عن سيف - عن طلحة بن الأعلم عن حبيب ابن ربيعة الأسدي، عن عمارة بن فلان الأسدي، قال: ارتد طليحة في حياة رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فادعى النبوة، فوجه النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ضرار بن الأزور إلى عماله على بني أسد في ذلك؛ وأمرهم بالقيام في ذلك على كل من ارتد، فأشجوا طليحة وأخافوا، ونزل المسلمون بواردات، ونزل المشركون بسميراء، فما زال المسلمون في نماء والمشركون في نقصان؛ حتى هم ضرار بالمسير إلى طليحة، فلم يبق أحد إلا أخذه سلمًا، إلا ضربة كان ضربها بالجراز، فنباعنه، فشاعت في الناس. فأتى المسلمون وهم على ذلك بخير موت نبيهم
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، وقال ناس من الناس لتلك الضربة: إن السلاح لا يحيك في طليحة؛ فما أمسى المسلمون من ذلك اليوم حتى عرفوا النقصان، وارفض الناس إلى طليحة واستطار أمره، وأقبل ذو الخمارين عوف الجذمي حتى نزل بإزائنا، وأرسل إليه ثمامة بن أوس بن لأم الطائي: إن معي من جديلة خمسمائة، فإن دهمكم أمر فنحن بالقردودة والأنسر دوين الرمل. وأرسل إليه مهلهل بن زيد: إن معي حد الغوث؛ فإن دهمكم أمر فنحن بالأكناف بحيال فيد. وإنما تحدبت طي على ذي الخمارين عوف؛ أنه كان بين أسد وغطفان وطيئ حلف في الجاهلية، فلما كان قبل مبعث النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png اجتمعت غطفان وأسد على طيئ، فأزاحوها عن دارها في الجاهلية: غوثها وجديلتها، فكره ذلك عوف؛ فقطع ما بينه وبين غطفان، وتتابع الحيان على الجلاء، وأرسل عوف إلى الحيين من طيئ، فأعاد حلفهم، وقام بنصرتهم، فرجعوا إلى دورهم، واشتد ذلك على غطفان؛ فلما مات رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قام عيينة بن حصن في غطفان، فقال: ما أعرف حدود غطفان منذ انقطع ما بيننا وبين بني أسد؛ وإني لمجدد الحلف الذي كان بيننا في القديم ومتابع طليحة؛ والله لأن نتبع نبيًا من الحليفين أحب إلينا من أن نتبع نبيًا من قريش؛ وقد مات محمد، وبقي طليحة. فطابقوه على رأيه، ففعل وفعلوا.