العقد الفريد/الجزء الثاني/9
ومنه: لا يُرْسل الساقَ إلا مُمْسكاً ساقاً. سوء الجوار - منه قولهم: لا يَنْفعُك من جار سَوءٍ تَوَقٍّ. والجارُ السُّوء قِطعة من نار. ومنه: هذا أحقُ منزل بتَرْك. " ومنه قولهم: الجارَ قبل الدار. الرفيقَ قبل الطريق. ومنه قولهم: بعتُ جاري ولم أبع داري. يقول: كنتُ راغبا في الدار إلا أني بعتُها بسبب الجار السوء ". سوء المرافقة - أنت تَئِقٌ وأنا مَئِق فمتى نَتَّفِق. التَئِق: السريع الشرّ. والمَئِق: السريع البُكاء ويقال: الممتلىء من الغضب والتّئِق والمَئِق مهموزان. وقولهم: ما يجمع بين الأرْوَى والنعام يريد أن مَسْكن الأروى الجبلُ ومَسكنَ النعام الرَّمل - الأرِوى: جمع أرْوّية - ومنه: لا يَجْتمع السِّيْفان في غِمد. ومنه: لا يَلتاط هذا بصَفري أي لا يَلْصق بقَلْبي. العادة - قالوا: العادةُ أملكُ منِ الأدب. وقالوا: عادةُ السَّوء شرٌ من المَغْرَم. وقالوا: أَعْطِ العبدَ ذِراعاً يَطْلُبْ باعاَ. ومنه قوله تعالى: " أئِنَّا لَمَرْدودُونَ فِي الْحافِرَة ". ومنه: رجع فلان على قَرْوَائه. ومنه الحديث: لا تَرْجع هذه الأمة عن قَرْوَائها. اشتغال الرجل بما يعنيه - منه: كلُّ امرئ في شأنه ساع. وقولهم: هَمُّك ما أهَمَّك. همك ما أدْأبك. وقولهم: ولي حارَها من تَوَلّى قارَّها. قلة الاكثراثٍ - منه قولهم: ما أبالِيه بالة. وسئل ابن عبّاس عن الوضوء من اللبن فقال: ما أبالِيه بالة. وقولهم: اسمَحْ يُسْمَح لك. وقولُهم: الكلابَ على البقر. يقول: خلِّ الكلابَ وبقرَ الوِحْش. قلة اهتمام الرجل بصاحبه - هان على الأَمْلس ما لاقَى الدَبِر. ما يلقى الشجي منِ الْخَليّ. قال أبو زيد: الشجي مخفف والخلىّ مشدد: ومنه قول العامّة: هان علىَ الصحيح أن يَقول لِلْمَريض: لا بأس عليك. الجشع والطمعِ - منه قولهم تُقَطِّع أعناقَ الرِّجال المطامعُ ومنه قولهم: غَثُّك خيرٌ لك من سمِين غيرك. وقولهم: المَسئلة خُموش في وجه صاحبها. وقال أبو الأسْوَد في رجل دنيء: إذا سُئِل أَرَز وإذا دُعى انتهز. ومنه قولُ عَوْن بن عبد الله: إذا سأل أَلْحَف وإذا الشره المطعام - منه قولهم: وَحْمَى ولا حَبَل أي لا يذكر له شيء إلا اشتهاه كشَهْوَة الحُبْلى وهي الوَحْمَى. ومنه: المرء تَوَّاق إلى ما لمِ يَنَل. وقولهم: يَبْعَث الكلابَ عن مَرَابضها أي يَطْرُدها طَمَعاً أن يَجدَ شيئاً يأكله من تَحْتها. ومنه قولهم: أَراد أن يأكل بيَدَيْن. ومنه الحديثُ المرفوع: الرَّغْبة شُؤْم. الغلط في القياس - منه قولُهم: ليس قَطاً مثلَ قُطَيّ. وقال ابن الأسْلت: ليس قطاً مثل قُطَيّ ولا ال مَرْعِيُّ في الأقوام كالرَّاعي ومنه قولهم: مُذَكِّيةٌ تقاس بالْجذَاَع. يُضرب لمن يَقيس الكَبِير بالصغير. والمُذَكِّية هي المُسِنَّة من الخيل. وضع الشيء في غير موضعه - منه: كمُسْتَبْضع التَّمر إلى هَجَر. وهجر: معدن التمر. قال الشاعر: فإنّا وَمَنْ يَهْدِي القَصائدَ نَحْوَنا كمُسْتَبْضع تمراً إلى أَهْل خَيْبرَا ومنه قولهم: كمُعَلِّمة أُمّها الرضاع. ومنه الحديث المرفوع: رُب حامِل فِقْهٍ إلى مَن هو أفقه منه. وفيمن وَضع الشيء في غير موضعه " قولهم ": ظَلَمَ مَن اسْترعى الذئبَ الغَنَم. وقال ابن هَرْمة: كتاركةٍ بيضها بالعَرَاء ومًلحِفة بيضَ أُخرى جَناحَا كفران النعمة - منه: سَمِّنْ كلبَك يأكُلك. أحشّك وتَرُوثني! قاله في مخاطبة فرسه أي أعْلفك الحشيشَ وتروث عليّ ومنه قولُ الآخر: أُعلَمه الرِّمايةَ كلَّ يومٍ فلمَّا اشتدَ ساعدُه رَمَاني التدبر - منه قولهم: لا ماءكِ أَبقَيْتِ ولا دَرَنك أنْقيت. وقولهم: لا أبوك نُشرِ ولا التراب نَفِد. أصل هذا المثل لرجل قال: ليتني أعرف قبرَ أبي حتى آخذ من تُرابه على رأسي. التهمة - منه قولهم: عسى الغوَير أَبْؤُساً. والأبؤس: جمع بأس. قال ابن الكَلْبي: الغوَير: ماء معروف لكَلْب. وهذا مثل تكلَّمت به الزباء وذلك أنها وجَّهت قَصِيراَ اللَخْميّ بالعِير ليَجْلِب لها من بَزّ العراق وكان يَطلبها بدم جَذيمة الأبرش فجعل الأحمال صناديق وجعل في كل صُندوق رجلاً معه السلاح ثم تنكّب بهم الطريقَ وأخذ على الغُوَير فسألْت عن خَبره فأُخبرَت بذلك فقالت: عسى الغُوَير أَبْؤُساً. تقول: عسى أن يأتي الغُوَير بشرّ واستنكرت أخذَه على غير الطريق. ومنه: سَقَطت به النصيحةُ على الظِّنَّة أي نصحتَه فاتهمك. ومنه: لا تَنْقُش الشوكةَ بمثلها " فإنّ ضَلْعها معها ". يقول: لا تَستَعِن في حاجتك بمَن هو ومنه: إذا غاب منها كَوْكبٌ لاحَ كَوكب وقولهم: رأسٌ برأسٍ وزيادةِ خَسمائة. قالها الفرزدق في رجل كان في جيش فقال " صاحبُ الجيش ": مَن جاء برأس فله للمطلوب منه الحاجة أَنْصح " منه لك ". تأخير الشيء وقت الحاجة إليه - منه: لا عطْر بعد عَروس. وأصل هذا أَنّ عَروساً أُهديت فوجدها الرجلُ تَفِلة فقال لها: أين الطَّيب قالت: ادَخَرتُه قال: لا عطر بعد عَروس. وقولهم: لا بَقاء للحمِيَّة بعد الحُرْمة. يقول: إنّما يَحْمى الإنسانُ حريمه فإذا ذهبت فلا حَميَّة له. الإساءة قبل الإحسان - منه: يسبق دِرَّتَه غِرارُه. الغرار: قلة اللبن. والدِّرَّة: كثرته. ويسبق سيلَه مَطرُه. البخل - ما عنده خَيْر ولا مَيْر سواء هو والعَدَم. والعَدَم والعُدْم لغتان. ما بضّ حجره. والبَضّ: أقلِّ السيلان. ما تَبُلّ إحدى يديه الأخرى. الجبن - إنّ الجبان حَتْفه من فَوْقه . " ومثله " في القرآن: " يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ". ومنه: كلُّ أَزَب نَفُور. وَقَفّ شَعَره واقشعرَّت ذُؤَابته. معناه: قام شعرُه من الفَزع
العقد الفريد/الجزء الثاني/10
المغبون في تجارته - منه قولهم: صَفْقة لم يَشْهدها حاطب. وأصله أنّ بعض أهل حاطب باع بَيْعَة غُبن فيها. ومنه قولهم: أعطاه الَّلفَاءَ غير الوفاء. سرعة الملامة - منه: ليس من العَدْل سرعة العَذْل. ومنه رُبَّ مَلُوم لا ذنبَ له. وقولهم: الشَعيرُ يُؤكل ويُذمّ. وقولُ العامة: أكلاً وذمًّا. وقولُ الحجاج: قُبِّح والله منا الحسن الكريم يهتضمه اللئيم - لو ذاتُ سِوَار لَطَمَتْني. ومنه: ذًلّ لو أَجِد ناصراً. الانتصار من الظالم - هذه بتلك والبادي أَظْلم. ومنه: مَنْ لم يَذُد عن حوضه يهدَّم. الظلم ترجع عاقبته على صاحبه - قالوا: مَن حفر مُغوّاة وَقع فيها. والمغوّاة: البئر تُحْفَر للذِّئاب ويُجعل فيها جَدْيٌ فيسقط الذئبُ فيها لِيَصِيدَه فَيُصاد. ومنه: يَعْدو على كل آمرىء ما يَأْتمر. ومنه: عاد الرَّمْي على النَزَعَة. وهم الرّماة يَرْجع عليهم رَمْيهُم. وتقول العامة: كالباحِث عن مُدْية. ومنه قولهم: رُمي بحَجَره وقُتِلَ بسلاحه. المضطر إلى القتال - مُكْرَه أخوك لا بطل. قد يَحْمِلُ العير من ذعر على الأسد المأخوذ بذنب غيره - جانِيكَ مَن يَجْني عليك. ومنه: ": كَذِي العُرّ يُكْوي غَيرُه وهو راتِع ومنه: كالثوْر يُضْرب لما عَافَت البَقَر يعني عافت الماء. وقال أنَس بن مُدْرك: يعني ثَور الماء وهو الطحلُبُ يقال: ثار الطّحلب ثَوْراً وثَوَرانا. ومنه قولهم: كلُّ شاةٍ بِرِجْلها تُناط. يُريد: لا يُؤْخذ رجلٌ بغير ذَنْبه. المتبرىء من الشيء - ما هو من ليلي ولا سَمَرِه. ما هو من بَزِّي ولا مِن عِطْري. مالي فيه ناقة ولا جَمَل. ومنه قولهمَ: بَرِئْت منه إلى الله. ومنة: لستُ منكَ ولستَ منّي. وما أنا من دَدٍ ولا دَدٌ مني. سوء معاشرة الناس - قالوا: الناس شَجرة بَغْى. لا سَبِيل إلى السّلامة من أَلْسنة العامة. وقولهم: رِضىَ الناس غايةٌ لا تدرك. ومنه الحديثُ المرفوع: النّاس كإِبلٍ مائةٍ لا تكاد تَجد فيها راحِلة " واحدة ". ومنه قولهم: الناس يُعيِّرون ولا يَغْفرون والله يغَفر ولا يُعيِّر. وقال مالكُ بن دينار: مَن عرف نفسَه لمِ يَضِرْه قولُ الناس فيه. وقول أبي الدَّرداء: إنْ قارضْتَ الناسَ قارضُوك إنْ تركتهم لم يَزكوك. الجبان وما يذم من أخلاقه - منه قولهم: إنّ الجبانَ حَتْفه من فَوْقه. وهو من قول عمرو بن أمامة: لقد وَجدتُ الموتَ قبلَ ذَوْقه إنّ الجَبان حَتْفه من فَوْقه قال أبو عُبيد: أحسبه أراد " أن " حَذَره وتَوقَيه ليس بدافع عنه المَنيّة. " قال أبو عمرِ ": وهذا غَلط من أبي عُبيد عندي والمَعنى فيه أنه وَصف نفسَه بالجُبن وأنه وَجد الموت قبل أن يَذُوقه وهذا من الْجُبن ثم قال: إنّ الجبان حتفُه من فوقه يريد أنه نظر إلى منيّته كأنما تحوم على رأسه كما قال الله تبارك وتعالى في المنافقين " إذ وصفهم بالجبن ": " يَحْسَبون كل صَيْحَةٍ عليهم همُ العَدُوّ ". وكما قال جرير للأخطل يُعيّره " إيقاعِ قَيْس بهم ": حَملتْ عليك رجالُ قَيْسٍ خَيْلَهَا شعْثاً عوابسَ تَحْمِلُ الأبطالا مازِلْتَ تَحْسِب كل شيء بعدَهم خيلاً تكر عليكمُ ورجالا ولو كان الأمر كما ذهب إليه أبو عُبيد ما كان معناه يَدخل في هذا الباب لأنه باب الجبان وما يُذَم من أخلاقه وليس أخذ الحَذَر من الجبن في شيء لأن أخْذ الحَذَر محمود وقد أمر الله تعالى به فقال: " خُذوا حِذْرَكم " والجبن مَذْموم من كل وجه. ومنه الشعر تمثل به سعد بن مُعاذ يوم الخنْدق: لَبِّث قليلا يُدْرِك الهيْجا حَمَل ما أحسنَ الموتَ إذا حان الأجَلْ ومنه قولُهم: كلّ أزَبّ نَفور وإنما يقال في الأزبّ من الإبل لكثرة شره ويكون ذلك في عَيْنيه فكلّما رآه ظن أنه شَخْص " يطلبه " فَيَنْفِر من أجله. ومنه قولُهم: بَصْبَصْنَ إذ حُدِين بالأذْناب. ومنه قولُهم: وقولُهم: حال الجَريض دونَ القَرِيض. وهذا المثل لعَبِيد بن الأبرص قاله للنعمان بن المنذر بن ماء السماء حين أراد قتْلَه فقال له: أنْشِدني شِعْرَك: أقفر من أهْله مَلْحُوب فقال عَبِيد: حال الْجَرِيضُ دون القَرِيض. ومنه: قَفّ شَعَره واقشعرت ذُؤابتُه. " معناه: قام شعره " من الفَزَع. إفلات الجبان بعد اشفائه - منه قولُهم: أفلت وانْحص الذَّنَب ومنه: أفْلَت وله حُصَاص. وُيروى في الحديث: إن الشّيطان إذا سَمع الأذَان أدْبر وله حُصَاص. ومنه: أفلتنى جُرَيعَة الذَّقن إذا كان منه قرِيباً كقُرب الجَرْعة من الذَقن ثم أفلته. ومنه قول العامة: إن يُفلت العَيْرُ فقد ذرَق. وقولُهم: أفلتني وقد بَلَ النيْفق الذي تُسَمِّيه العامة النِّيفَق الجبان يتهدد غيره - منه قولُهم: جاء فلان يَنفَض مِذرَوَيه أي يتوعّد ويتهدّد. والمِذْرَوَان: فَرْعا الأليَتين. ولا يكاد يُقال هذا إلا لمن يتهدّد بلا حقيقة. ومنه: أبْرق لمن لا يَعْرفك. واقْصِد بذَرْعك. ولا تبْق إلا على نفسك. تصرف الدهر - منه: مَن يَجْتمع تَتقَعْقَع عُمُدُه: أي إن الاجتماع داعية الافتراق. ومنه: كل ذات بَعْل ستَئِيم. ومنه البيت السائر: ومنه: لم يَفُتْ مَن لم يَمُت. الاستدلال بالنظر على الضمير - منه قولُهم: شاهد البُغْض اللَّحْظ. وجَلًى محبٌّ نَظَرَه. قال زُهَير: فإنْ تَكُ في صَديق
العقد الفريد/الجزء الثاني/11
مواعظ الحكماء
قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وَجْهَه: أُوصيكمِ بخَمس لو ضرَبتم عليها آباط الإبل لكان قليلاً: لا يَرْجًوَن أحدكم إلا ربّه ولا يخافنَ إلا ذنبه ولا يستحي إذا سُئل عما لا يَعلم أن يقول: لا أعلم. وإذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قُطع الرأس ذهب الجسد. وقال أيضاً: من أراد الغِنَى بغير مال والكثرةَ بلا عَشية فليتحوَّل من ذُلِّ المَعصية إلى عزِّ الطاعة " أبى الله إلا أن يُذِلّ مَن عصاه. وقال الحسنُ: مَن خاف اللهّ أخاف اللهّ منه كل شيء ومن خاف الناسَ أخافه الله من كل شيء. وقال بعضُهم: من عَمِلَ لأخرته كَفَاه الله أمرَ دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح اللهّ ما بينه وبين الناس ومَن أخلص سريرتَه أخلص الله علانيَته. قال العُتْبيّ: اجتمعت العربُ والعجم على أربع كلمات: قالوا: لا تَحْملنّ على قلبك مالا يُطِيق ولا تعملنَّ عملاَ ليس لك فيه مَنْفعة ولا تَثِقْ بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثُر. وقال أبو بكر الصدِّيق لعُمَر بن الخطّاب رضي الله عنهما عند مَوته حين استخلْفه: أُوصيك بتقوى الله إن لله عملاً بالليل لا يَقْبَلُه بالنهار وعملا بالنهار لا يَقْبَله بالليل وإنه لا يقبل نافلة حتى تُؤَدَّى الفرائض وإنما ثَقُلَتْ موِازين مَن ثقُلت موازينهم يومَ القيامة باتباعهم الحقّ وثقَلِه عليهم وحُقّ لميزانٍ لا يُوضعِ فيه إلا الحقُّ أن يكون ثقيلا وإنما خَفّت موازينُ من خَفّت موازينهم يومَ القيامة باْتباعهم الباطل في الدُّنيا وخِفّته عليهمِ وحُقِّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً وإن الله ذَكَر أهلَ الجنَّة فَذكَرهم بأحسن أعمالهم وتجاوَزَ عن سيئاتهم فإذا سمعتَ بهم قُلْت: إني أخاف أن لا أكون من هؤلاء وذكرَ أهل النار بأقبح أعمالهم وأمسك عن حَسَناتهم فإذا سمعتَ بهم قلتَ: أنا خيرٌ من هؤلاء وذكر آية الرّحمة مع آية العذاب ليكونَ العبدُ راغباً راهباً لا يتمنى على الله غيرَ الحق. فإذا حفظت وصيَّتي فلا يكون غائبٌ أحبَّ إليك من الموت وهو آتيك وإن ضيّعْت وصيَّتي فلا يكون غائبٌ أكرَه إليك من الموت ولن تُعْجزه. ودخل الحسن بن أبي الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه فرآه يُصَوِّب بصره في صُندوق في بيته وُيصَعِّده ثم قال: أبا سَعِيد ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أُؤَدِّ منها زكاةً ولم أصِل منها رَحِماً قال: ثَكِلَتْكَ أُمك ولمن كنتَ تَجْمعها قال: لرَوْعة الزِمان وجَفْوة السلطان ومُكاثرة العَشيرة. قال: ثم مات فشَهده الحسنُ فلما فَرَغ من دَفْنِه قال: انظروا إلى هذا المِسكين أتاه شيطانُه فحذّره رَوْعة زَمانه وجفوة سُلطانه ومُكاثرة عشيرته عما رزقه اللهّ إياه وغَمره فيه انظروا كيف خرج منها مَسْلوباً محروباً. ثم التفتَ إلى الوارث فقال: أيها الوارث لا تُخْدَعَنّ كما خُدِعَ صوَيْحبك بالأمس أَتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالا أتاك عفواً صفواً ممن كان له جمُوعا مَنُوعا من باطل جَمَعه ومن حقً مَنَعه قطع فيه لُجَجَ البِحار ومفاوِزَ القِفار لم تَكْدح فيه بِيَمين ولم يَعْرَق لك فيه جَبين. إِنّ يوم القيامة يوم ذو حَسَرَات وإن من أعظم الحسرات غداً أن ترى مالك في ميزان غيرك فيالها عَثَرة لا تُقال وتوبة لا تُنال. ووعظَ حكيم قوماً فقال: يا قوم استَبْدِلوا العَوَارِيَ بالهِبات تَحْمَدوا العُقْبَى واستقْبِلوا المصائب بالصَبْر تستحِقُّوا النُّعْمَى واستَدِيموا الكَرَامة بالشُّكر تَسْتَوْجبوا الزِّيادة واعرفوا فَضْل البَقاء في النِّعمة والغِنَى في السلامة قبل الفِتْنَة الفاحِشةِ والمَثُلة البينة وانتقال العَمَل وحُلول الأجَل فإنما أنتم في الدُّنيا أَغراض المَنايا وأَوطان البلايا ولن تنالوا نِعْمَة إلا بِفِراق أُخرى ولا يَسْتقبل مُعَمَّر مِنكم يوماً من عُمره إلا بانتقاص آخرَ من أجله ولا يَحيا له أَثر إلا مات له أَثر. فأنتم أعوان الحُتُوف على أنفسكم وفي معايشكم أسبابُ مَنَاياكم لا يَمنعكم شيء منها ولا يَشْغَلكم شيء عنها. فأنتم الأخْلاف بعد الأسلاف وستكونون أَسلافاً بعد الأخلاف. بكل سبيل منكمِ صَرِيعٌٍ مُنْعَفر وقائم يَنْتظر فمن أيّ وجه تَطْلُبون البَقَاء وهذان الليلُ والنهِارُ لم يرْفعا شيئا قَطّ إلا أسرَعا الكرَّة في هَدْمه ولا عقدا أَمراً قطُّ إلاَّ رَجَعا في نقضه. وقال أبو الدَّرْداء: يا أَهل دمَشق مالكم تَبْنون مالا تسكنون وتأمُلون ما لا تُدرِكون وتَجمعون ما لا تأكلون هذه عادٌ وثمود قد مَلَئُوا ما بين بُصْرَى وعَدَن أموالاً وأولاداً فمن يَشْتري مني ما تركوا بدرهمين وقال ابن شُبْرُمَة: إذا كان البَدَن سقيماً لم يَنجع فيه الطعام ولا الشراب وإذا كان القلب مُغْرَماً بِحُبّ الدنيا لم تَنْجِع فيه الموعظة. وقال الرًبيع بن خُثَيم: أَقْلِل الِكلام إلا من تِسع: تكبيرِ وتهليل وتسْبيح وتَحْمِيد وسؤالِكَ الخير وتَعَوّذِك من الشرّ وأمرِكَ بالمعروف ونهْيِكَ عن المُنْكر وقراءتك
العقد الفريد/الجزء الثاني/12
باب كلام الزهاد وأخبار العباد
قيل لقوم من العُبَّاد: ما أقامكم في الشَّمس قالوا: طلَب الظِّل. قال علقمةُ لأسودَ بنِ يزيد: كم تُعذِّب هذا الجسدَ الضَّعيف قال: لا تنال الراحة إلا بالتَّعب. وقيل لآخر: لو رفقتَ بنفسك قال: الخيرُ كلُّه فيما أُكْرِهت النفوسُ عليه قال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: حُفّت الجنَّة بالمكاره. وقيل لمَسروق بن الأجْدع: لقد أضررتَ ببدنك قال: كرامتَه أُريد. وقالت له امرأته فَيْروز لما رأتْه لا يُفْطِر من صيام ولا يَفْترً عن صلاة: ويلك يا مسروق! أما يعْبد الله غيرُك أما خُلقت النارُ إلا لك قال لها: وَيحْك يا فيروز! إن طالب الجنة لا يَسأَم وهاربَ النار لا ينام. وشَكت أم الدَرداء إلى أبي الدَّرداء الحاجة فقال لها: تصبَّري فإنّ أمامَنا عَقَبةً كئُوداً لا يجاوزها إلا أخفُّ الناس حِمْلاً. ومر أبو حازم بسُوق الفاكهة فقال: مَوْعدك الجنّة. ومرَّ بالجزًارين فقالوا له: يا أبا حازم هذا لحم سمين فاشتَر قال: ليس عندي ثَمَنُه قالوا: نُؤخرك قال: أنا أُؤخر نفسي. وكان رجل من العُبَّاد يأكل الرُّمان بِقشرْه فقيل له: لم تَفْعل هذا فقال: إنما هو عدوّ فأثْخن فيه ما أمكنك. وكان عليّ بن الحُسين عليهما السلام إذا قام للصلاة أخذتْه رِعْدةٌ فسُئِل عن ذلك فقال: وَيحْكم! أَتَدْرُون إلى من أَقُوم ومَن أُرِيد أن أُناجي وقال رجل ليونس بن عُبيد: هل تَعلم أَحداً يَعمل بِعَمل الحسن قال: لا واللهّ ولا أحداً يقول بقَوْله. وقيل لمحمد بن عليّ بن الحُسين أو لعليّ بن الحُسين عليهم السلام: ما أقلَّ وَلَدَ أبيك قال: العجبُ كيف وُلدْتُ له! وكان يصلّي في اليوم والليلة ألفَ ركعة فمتى كان يَتَفَرع للنساء وحَجَّ خمسة وعشرين حِجَّة راجلا. ولما ضُرِب سعيدُ بن المُسَيِّب وأُقيم للناس قالت له امرأة: " يا شيخ " لقد أُقمت مُقام خزْية فقال: من مُقام الخزية فررتُ. وشكا الناسُ إلى مالك ابن دينار القحطَ فقال: أنتم تستبطئون المَطر وأنا أستبطئ الحِجارة. وشكا أهل الكوفة إلى الفُضيل بن عِيَاض القحطَ فقال: أمُدَ بِّراً غيرَ الله تريدون. وذكر أبو حنيفة أيوبَ السِّخْتيانيّ فقال: رحمه الله تعالى ثلاثاً لقد قَدمَ المدينة مرة وأنا بها فقلت: لأقعدنّ إليه لعلي أتعلَّق منه بسقْطة فقام بين يدي القبر مَقاماً ما ذكرتُه إلا اقشعرَّ له جِلْدِي. وقيل لأهل مكة: كيف كان عَطاءُ بن أبي رَبَاح فيكم قالوا: كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فضلُها حتى تُفْقد. وكان عطاء أفْطَس أشَلّ أعرج ثم عَمِي وأمه سَوداء تسمَّى بَرَكة. وكان الأوقص المَخْزُوميّ قاضياً بمكة فما رًئى مثلُه في عَفافه وزُهْده فقال يوماً لِجُلسائه: قالت لي أُمي: يا بني إنك خُلقت خِلْقة لا تصلح معها لمَجَامع الفِتْيان عند القيان " إنك لا تكون مع أحدِ إلا تَخَطتْك إليه العيون " فعليك بالدِّينِ فإنَّ الله يَرْفَع به الخَسِيسة وُيتمُّ به النَّقيصة. فنفعني اللهّ تعالى بكلامها وأطعتها فوليتُ القضاء. الفُضَيل بن عِياض قال: اجتمع محمد بن واسع ومالكُ بن دينار في مجلس بالبصرة فقال مالكُ بن دينار: ما هو إلا طاعة اللهّ أو النار. فقال محمد بن واسع: ما هو كما تقول ليس إلا عَفْو الله أو النار. قال مالك: صدقتَ. ثم قال مالك: إنه يُعجبني أن يكون للرجل مَعِيشة على قدر ما يَقوته. قال محمد بن واسع: ولا هو كما تقول ولكن يُعْجبني أن يُصبح الرجل وليس له غَدَاء وُيمسى وليس له عَشَاء وهو مع ذلك راضٍ عن الله. قال مالك: ما أحْوَجني إلى أن يُعَلّمني مثلك. جعفر بن سُليمان قال: سمعتُ عبد الرحمن بن مهَديّ يقول: ما رأيتُ أحداً أقْشَف من شعبَة ولا أعبدَ من سُفيان الثوري ولا أحفظَ من ابن المُبارك وما أُحِبُّ أن ألْقَى الله بصحيفة أحد إلا بصحيفة بِشر بنِ مَنصور مات ولم يَدَع قليلاً ولا كثيراً. عبد الأعلى بن حمَّاد قال: دخلت على بِشر بن مَنصور وهو في الموت فإذا به من السرور في أمر عظيم فقلت له: ما هذا السّرور قال: سُبحان اللهّ! أخرجُ من بين الظالمين والباغين والحاسدين والمُغْتابين وأَقْدَم على حَجَّ هارون الرَّشيد فَبلغه عن عابدٍ بمكة مُجاب الدَّعوة مُعْتزل في جِبَال تِهامة فاتاه هارون الرشيدُ فسأله عن حاله ثم قال له: أوْصِني ومُرْني بَما شِئتَ فوالله لا عَصَيتك. فَسكت عنه ولم يَرُدَّ عليه جواباً. فخرج عنه هارون فقال له أصحابُه: ما مَنعك إذ سألك أن تَأْمرَه بما شِئْتَ - وقد حَلَف أن لا يَعْصيك - أن تأمرَه بتقوِى الله والإحسان إلى رعيّته فَخَطَّ لهم في الرَّمل: إنيّ أعظمتُ الله أن يكونَ يَأمره فيَعْصِيه وآمرُه أنا فيطيعني. عليّ بن حمزة ابن " أُخت " سُفيان الثوري قال: لما مَرِض سُفيان مَرَضه الذي مات فيه ذهبتُ ببَوْله إلى دَيْرانيّ فأرَيتُه إياه فقال: ما هذا ببول حَنِيفيّ قلت: بلى والله من خِيارهم. قال: فأنا أذهب معك إليه. قال: فدخل عليه وجَسَّ عِرْقه فقال: هذا رجُلٌ قطَع الحُزن كَبِده. مُؤرِّق العِجْليّ قال: ما رأيتُ أحداً أفقه في وَرعه ولا أورَعَ لا فِقْهِه من محمد بن سيرين ولقد قال يوماً: ما غَشِيتُ امرأةً قط في نوم ولا يقظة إلا امرأتي أم عبد الله فإني أرى المرأة في النوم فاعلم أنها لا تَحِلّ لي فأصْرف بَصري عنها. الأصمعي عن ابن عَوْن قال: رأيت ثلاثة لم أَرَ مثلَهم: محمدَ بن سيرين بالعراق والقاسمَ بن محمد بالحجاز ورجاءَ بن حَيْوة بالشام. العُتْبيّ قال: سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزُّهْد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبد القيس والحسن بن أبي الحسنٍ البَصْرِيّ وهَرِم بن حيّان وأبي كيف يكون الزهد العُتْبيّ يرفعه قال: قيل لرسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: ما الزًّهد في الدنيا قال: أما إنه ما هو بتَحْريم الحَلال ولا إضاعة المال ولكنّ الزهدَ في الدنيا أن تكون بما في يد اللهّ أغنى منك عما في يدك. وقيل للزُّهريّ: ما الزُّهْد قال: أما إنه ليس تَشْعِيثَ الِّلمَّة ولا قَشْفَ الهيْئَة ولكنّه صرْف
العقد الفريد/الجزء الثاني/13
المبادرة بالعمل الصالح
قال الله عزّ وجلّ: " وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وجَنة " وقال تعالى: " والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أُولئك المُقرًبًون ". وقال الحسن: بادروا بالعمل الصالح قبل حُلول الأجل فإنّ لكم ما أَمضيتم لا ما أَبْقَيتم. وقالوا: ثلاثة لا أناة فيهن: المُبادرة بالعمل الصالح ودفْن الميّت وإنكاح الكُفء. وقال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: ابن آدم اْغتنم خمَساً قبل خَمْس: شبابك قبل هَرَمك وصِحَّتك قبل سَقَمك وفَراغك قبل شُغلك وحياتَك قبل مَوْتِك وغِناك قبل فَقْرِك. وقال الحسن: " ابن آدم " صُمْ قبل أن لا تَقْدر على يومٍ تَصُومه كأنك إذا ظَمِئْت لمَ تَكُن رَوِيت وكأنك إذا رَوِيتْ لم تكن ظَمِئت. وكان يزيد الرَّقاشيّ يقول: يا يزيدُ مَن يَصُوم عنك أو يُصَلِّي لك أو يَتَرَضىَّ لك ربك إذا مِتّ وكان خالدُ بن مَعْدان يقول: إذا أنتَ لم تَزْرَع وأَبصرْتَ حاصداً نَدِمْتَ عَلَى التَّفْريط في زَمن البَذْرِ وقال ابن المُبارك: رَكِبْتُ مع محمد بن النَّضْر في سفينة فقلتُ: بأي شيء أَسْتَخْرِج منه الكلامَ فقلتُ له: ما تقول في الصَّوم في السفر فقال: إنما هي المبادرة يا بن أخي. فجاءني والله بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشعبي. ومن قولنا في هذا المعنى: بادرْ إلى التَّوْبِة الخَلْصَاء مُجْتهداً والموتُ وَيْحك لم يَمْدًد إليك يَدَا وأرقبْ من الله وَعْداً لَيْسَ يُخْلِفُه لا بُدَّ لله من إنجاز ما وَعَدَا وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه: فيم أنتم قالوا: نَرْجُو ونَخاف قال: مَن رجا شيئاً طَلَبَه ومن خافَ شيئاً هَرَب منه. تَرْجُو النَّجَاةَ وَلم تَسْلُك مَسَالكها إنّ السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبس وقال آخر: اعمل وأنتَ من الدُنيا على حَذَر وآعلم بأنكَ بعد المَوْت مَبْعُوثُ واعلم بأنك ما قَدَمْت من عَمَل يُحْصىَ عَليك وما خَلَّفْتَ مَوْرُوث وقَدَّمَت عائشةُ رضي الله عنها إلى النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png صَحْفَة فيها خُبز شَعِير وقطعة من كَرش وقالت: يا رسولَ الله ذَبَحْنا اليوم شاةً فما أَمسكنا منها غيرَ هذا فقال: بل كلًّها أمسكتم غير هذا. العجز عن العمل قال رجلٌ لمُؤرِّق العِجْلي: أشكُو إليك نفسي إنها لا تُريد الصلاة ولا تَسْتَطيع الصبرَ على الصّيام قال: بئس الثناء أثنيت به على نفسك فإذا ضعًفَت عن الخير فاضْعُف عن الشرّ فإنّ الشاعر قال: احْزَنْ عَلى أَنكَ لا تَحْزَنُ ولا تُسئ إن كُنْتَ لا تُحْسِنُ واضعُفْ عن الشر كما تدَعى ضَعْفاً عن الخير وقد يُمْكِنُ وقال بكرُ بن عبد الله: اجتهدوا في العملِ فإن قَصرًّ بكمِ ضْعْفٌ فأمسكوا عن المعاصي. وقال الحسنُ رحمه الله: من كان قوياً فَلْيعتمد على قُوته في طاعة الله ومَن كان ضعيفاً فلْيَكُفّ عن معاصي الله. وقال عليُ " بن أبي طالب عليه السلام ": لا تَكُنْ كمن يَعْجِزُ عن شُكر ما أُوِتي ويَبْتَغي الزيادة فيما بَقى وينْهَى الناسَ ولا ينتهي. وكان الحسنُ إذا وَعظ يقول: يا لها موعظةً لو صادفت من القلوب حياةً أَسْمَع حَسِيساً ولا أَرَى أنيساً ما لهم تَفاقدوا عقولَهم فَرَاش نار وذُباب طَمَع. وكان ابن السمّاك إذا فَرَغ من مَوْعظته يقول: أَلْسِنَة تَصِف وقلوب تَعْرف وأعمال تخالِف. وقال: الحسنة نورٌ في القَلْب وقُوَّة وقال بعض الحُكماءِ: يا أيُّها المشيَخَة الذين لم يَتْرًكوا الذنوب حتى تَرَكتْهُم الذُّنوب ثمّ ظَنُّوا أنّ تَرْكها لهم توبة وليتهم إذ ذهبتْ عنهم لم يَتَمَنَوا عَوْدَها إليهم. وكان مالكُ بن دينار يقول: ما أشدَّ فِطَامَ الكبير ويُنشد: وتَرُوض عِرْسَك بعدما هَرِمَت ومن العَناء رياضة الهَرِم ومن حديث محمد بن وَضّاح قال: إذا بلغَ الرجلُ أربعين سنة ولم يَتُب مَسح إبليسُ بيده على وجهه وقال: بِأَبي وَجْهٌ لا أفْلَح أبداً. قال الشاعر: فإذا رأى إبليسُ غُرَّةَ وَجْهِه حَيا وقال فَديتُ من لا يُفْلِحُ وقال رجل للحسن: أبا سعيد أردتُ أن أُصَلِّي فلم أستطع قال: قَيَّدَتْكَ ذنوبك. قولهم في الموت قال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لعمر بن الخطّاب رضوانُ الله عليه: ما عندك من ذِكر الموت أبا حَفْص قال: أُمْسي فما أرى أنّي أُصْبح وأُصبحِ فما أَرَى أني أُمْسي قال: الأمر أَوْشك من ذلك أبا حَفْص أما إنّه يَخرُج عنّي نفسي فما أَرَى أنه يعود إليّ. وقال عبد بن شَدَّاد: أرى داعي الموت لا يُقْلِع و " أرى " مَن مَضى لا يَرْجع ومن بَقي فإليه يَنْزع. وقال الحسن: ابن آدم إنما أنت عَدَد فإذَا مضى يومُك فقد مَضى بعضُك. وقال أبو العتاهية: الناس في غَفَلاتهمِ ورَحى المَنية تَطْحَنُ وقال عمر بن عبد العزيز: مَن أكثر من ذِكر الموت اكتفي باليسير ومَنْ عَلِم أَنّ الكلام عمل قلِّ كلامُه إلاّ فيما يَنفع. وكان أبو الدَّرداء إذا رأى جِنَازة قال: اغدي فإنا رائحون أو روحي فإنا غادون. وقال رجل للحسن: مات فلانٌ فجأة فقال: لو لم يَمُتْ فجأةً لَمَرِض فجأة ثم مات. وقال يعقوب صلواتُ الله عليه للبَشِير الذي أتاه بقمِيص يوسف: ما أَدْرِي ما أُثيبك به ولكن هوَن الله عليك سكراتِ الموت. وقال أبو عمرو بن العلاء: لقد جَلستُ إلى جَرِير وهو يُملي على كاتبه: وَدِّعْ أُمَامَةَ حَان منك رَحِيلُ ثم طلعت جِنَازَةٌ فَأمْسك وقال: شَيَّبَتْني هذه الجنائز قلت: فَلِم تَسُبّ الناسَ قال: يَبْدَءوني ثم لا أعفو وأَعْتدي ولا أَبْتَدي. ثم أنشد يقول: تُرَوِّعنا الجنائزُ مُقْبِلات فَنَلْهُو حين تذْهبُ مُدْبراتِ كَرَوْعَة هَجْمَةٍ لمُغار سَبْعِ فلما غابَ عادتْ راتعات وقالوا: مَن جعل الموتَ بين عَيْنيه لَهَا عما في يَدَيه. وقالوا: اتخذ نوحٌ بيتاً من خُصّ فقيل له: لو بَنيتَ ما هو أحسن من هذا قال: هذا كثيرٌ لمَن يموت. وأحكم بيتٍ قالْته العربُ في وَصْف الموت بيتُ أُمية بن أبي الصَّلت حيث يقول: يُوشِك مَنْ فَر مِنْ مِنيَّته في بَعْض غِراته يُوَافِقُهَا مَنْ لم يمُتْ غَبْطَةً يَمُت هَرَماً للموت كأسٌ والمرء ذائقها وقال إصْبَغ بن الفَرَج: كان بنَجْران عابد يَصِيح في كلِّ يوم صَيحتين بهذه الأبيات: قَطَعَ البقاء مَطالعُ الشمسِ
العقد الفريد/الجزء الثاني/14
===الدعاء === قال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: الدُّعاء سِلاحُ المُؤمن والدُعاء يَرُدّ القَدر والبرُّ يزيد في العُمر. وقالوا: الدُّعاء بي الأذان والإقامة لا يُرد. وقال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: استقبلوا البلاءَ بالدُّعاء. وقال اللهّ تعالى: " ادْعُوني أسْتَجبْ لَكُم ". وقال تعالى: " فَلَوْلا إذْ جاءَهُم بَأسُنَا تَضَرّعُوا ولكِنْ قَسَتْ قُلُوبهم له. وقال عبد الله بن عباس: إذا دعوتَ الله فاجعل في دُعاثك الصلاةَ على النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فإن الصلاة عليه مَقْبولة والله أكْرم من أن يَقْبل بعضَ دُعائك ويَرُد بعضاً. وقال سعيدُ بن المسيب: كنت جالساً بين القَبْر والمِنْبر فسمعت قائلاً يقول: اللهم إني أسألك عملاً باراً ورِزْقاً دارًّاً وعَيْشاً قارًا. فالتفتًّ فلم أرَ أحداً. هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت نائمةً مع رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ليلةَ النًصف! من شَعبان فلما ألْصِق جِلْدِي بجلده أغفيتُ ثم انتبهتُ فإذا رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ليس عندي فأدركني ما يُدرك النِّساء من الغَيْرة فلَفَفْت مِرْطي أما والله ما كان خَزًّا ولا قَزًا ولا دِيباجاً ولا قُطناً ولا كَتَاناً قيل: فما كان يا أمّ المؤمنين قالت: كان سَدَاه ومن شَعر ولُحْمته من أوبار الإبل. قالت: فنَحَوْتُ إليه أطلبُه حتى ألفيته كالثًوب الساقط على وَجهه في الأرض وهو ساجدٌ يقول في سُجوده: سَجد لك خَيالي وسوادي وآمَن بك فُؤادي هذه يَدي وما جَنَيْتُ بها على نفسي " يا مَن " تُرَجَّى لكل عَظيم فاغفر لي الذنب العَظيم. فقلتُ: بأبي أنت وأمي يا رسول اللهّ إنّك لفي شأن وإني لفي شأن. فرَفع رأسَه ثم عاد ساجداً فقال: أعوذ بوَجْهك الذي أضاءت له السمواتُ السَّبع والأرضون السبع من فجْاة نِقْمتك وتحوّل عافيتك ومن شرِّ كتاب قد سَبق وأعوذ برِضاك من سُخْطك وبعَفْوك من عُقوبتك وبك مِنْك لا أحْصى ثناءً عليك أنت كما أثْنيت على نفسك. فلما انصرف من صَلاته تَقَدَّمتُ أمامه حتى دخلتُ البيت ولي نَفَس عال فقال: مالك يا عائشة فأخبرتهُ الخَبر فقال: وَيْح هاتين الرُّكبتين ما لَقِيتا في هذه اللَيلة! وَمَسح عليهما. ثم قال: أتدْرين أيّ ليلة هذه يا عائشة فقلتُ: الله ورسولُه أعلم فقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: هذه الليلةُ ليلةُ النِّصف من شعبان فيها تُؤَقَّت الآجال وتُثَبًت الأعمال. العُتبيّ عن أبيه قال: خرجتُ مع عُمَر بن ذرّ إلى مكة فكان إذا لَبَّى لم يُلَبِّ أحدٌ من حُسن صوته فلما جاء الحَرَم قال: يا رب ما زِلْنا نَهْبط وَهْدةً ونَصْعد أكمة ونَعْلو نَشَزاً وَيَبْدُو لنا عَلَم حتى جِئْناك بها نَقِبَةً أخفافها دبرة ظُهورُها ذا بلةً أسْنِمَتُهَا وليس أعظمُ المَؤونة علينا إِتعابَ أبداننا ولكن أعظم المؤونة علينا أن تَرْجِعَنا خائبين من رحمتك يا خيرَ من نَزَل به وكان آخَرُ يدعو بعَرفات: يا رب لم أعْصِك إذ عصيتُك جَهْلاً مني بحقك ولا استخفافاً بعقوبتك ولكن الثقة بعَفْوك والاغترار بِسَتْرِك المُرْخَى علي مع الشَقْوة الغالِبة والقَدَر السابق فالآن مِن عذابك مَنِ يَسْتَنقذني وبِحَبْل مَن أعْتَصِم إن قطعْت حَبْلك عَني فيا أسفي على الوُقوف غداَ بين يدَيْك إذا قِيل للمُخِفَين جُوزوا وللمُذْنِبين حُطّوا. أبو الحسن قال: كان عروة بن الزُّبير يقول في مُناجاته بعد أن قُطِعت رِجْلُه ومات ابنه: كانوا أربعةً - يعنِي بنيه - فأخذتَ واحداً وأبقيتَ ثلاثة وكُنَّ أربعاً - يعنِي يدَيْه ورِجليه - فأخذتَ واحدةَ وأبقيتَ ثلاثاً فلئن ابتليتَ لطالما عافيتَ ولئن عاقبت لطالما أنعمتَ. وكان داود إذا دَعا في جَوْف الليل يقول: نامت العيون وغارت النجومُ وأنت حَيٌّ قَيوم اغفر لي ذَنبي العظيم فإنه لا يَغْفر الذنبَ العظيم إلا العظيم إليك رفعت رأسي نَظَر العَبْدِ الذليل إلى سيّده الجليل. وكان من دُعاء يوسف: يا عُدّتي عند كُرْبتي ويا صاحبيِ في غُربتي ويا غَايَتي عند شِدّتي ويا رَجائي إذا انقطعت حِيلتى اجعل لي فَرَجاَ وَمَخْرجاً. وكان عبدُ الله بن ثعلبة البَصْريّ يقول: اللهم أنت من حِلْمك تُعْصىَ وكأنك لا تَرى وأنت من جًودك وفَضْلك تُعطِي وكأنك لا تُعْطِيِ وأيّ زمان لم يَعْصك فيه سُكان أرْضك فكُنتَ عليهم بالعفو عوَاداً وبالفَضْل جَوَاداًَ. وكان من دُعاء علي بن الحُسين رضي اللهّ عنه: اللهم إني أعوذ بك أن تُحَسِّن في مَرأى العُيون عَلانِيَتي وتقَبِّح في خَفيات القُلوب سَرِيرتي اللهم وكما أسأتُ فأحسنتَ إليّ إذا عُدْتُ فعُدْ عليّ وارزقني مُواساة مَن قترَّت عليه ما وسَّعتَ عليَّ. الشيبانيّ قال: أصاب الناسَ ببغداد ريحٌ مُظْلمة فانتهيتُ إلى رجل في المسجد وهو ساجد يقول في سُجوده: اللهم احفظ محمداً في أمته ولا تُشمِت بنا أعداءنا من الأمم فإن كنتَ أخذتَ العوام بذنبي فهذه ناصِيتي بين يديك. وكان الفضيل بن عِيَاض يقول: إلهي لو عَذَبتَني بالنار لم يَخْرُج حُبُّك من قَلبي ولم أنسَ أياديكَ عندي في دار الدنيا وقال عبد الله بنُ مسعود: اللهم وَسِّع علي في الدنيا وزَهِّدني فيها ولا تُزْوِها عَني وتُرَغبني فيها. مَرَّ أبو الدَّرداء برجل يقول في سُجوده: اللهم إنيٍ سائلٌ فقير فأغْنِني من سِعَة
العقد الفريد/الجزء الثاني/15
===البكاء على الميت === الشَّعبي عن إبراهيم قال: لا يكون البُكاء إلا من فَضْلٍ " قُوة " فإذا اشتد الحُزن ذَهَبَ البكاء. فلئن بَكَيْناهُ لَحُقّ لنا ولئن تَرَكْنا ذاك للصَّبرِ فَلِمِثْله جَرَت العُيونُ دماً ولمثله جَمَدت ولم تَجْرِ مر الأحنف بامرأة تبكي مَيتاً ورجل ينهاها فقال: دَعْها فإنها تَنْدُب عَهْداً قريباً وسَفراً بعيداً. قالوا: لما توُفَي إبراهيم بن محمد http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بكى عليه. فسُئِل عن ذلك فقال: تدمع العينان ويحزن القلب ولا نَقُول ما يُسْخِط الرب. ومَر النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بنِسْوة من الأنصار يَبْكين مَيِّتاً فزَجَرهنَّ عمر فقال له النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: دَعْهن يا عُمر فإن النفسَ مُصابة والعينَ دامِعة والعهدَ قريب. ولما بكت نساء أهل المدينة على قَتْلى أُحد قال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: لكنَّ حمزةَ لا باكيةَ له. فسَمِع ذلك أهلُ المدينة فلم يَقُمْ لهم مأتم " أبعدها " إلى اليوم إلا ابتدأ " النّساء " فيه بالبكاء على حمزة قالت النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: لولا أن يُشَقّ على صَفيَّة ما دفنتهُ حتى يُحْشرً من حواصل الطير وبُطون السِّباع. ولما نُعي النًّعمان بن مُقَرَّن إلى عمر بن الخطاب وضع يدَه على رأسه وصاح يا أسفي على النعمان. ولما استُشهد زيد بن الخطاب باليمامة وكا صَحبه رجلٌ من بني عَدِيّ بن كعب فرَجع إلى المدينة فلما رآه عمرِ دَمَعَت عيناه وقال: وقال عمرُ بنُ الخطاب " رضي الله عنه ": ما هَبت الصَّبا إلا وجدتُ نَسيم زيد. وكان إذا أصابته مصيبة قال: قد فقدتُ زَيداً فصبرتُ. ولما تُوفي خالدُ بن الوليد أيام عمرَ بن الخطاب وكان بينهما هجرة فامتنع النساء من البكاء عليه. فلما انتهى ذلك إلى عمر قال: وما على نساء بني المغيرة أن يُرِقْنَ من دمعهن على أبي سُليمان ما لم يكن لَغْواً ولا لَقْلَقة. وقال معاوية وذُكر عنده النساء: ما مَرَّض المَرضى ولا نَدَب الموْتى مِثْلهنَّ. وقال أبو بكر بن عيّاش: نزلت بي مصيبة أوْجعتني فذكرتُ قولَ ذي الرُّمة: لعل انحدار الدَّمع يُعْقِبُ راحةً من الوَجْد أو يَشْفي شَجِيّ البَلاَبِل فَخَلوتُ فبكيتُ فسلوتُ. وقال الفرزدق في هذا المعنى: ألم تَرَ أنّي يومَ جَوِّ سُوَيْقة بَكيتُ فنادَتني هُنَيْدَةُ ماليَا فقُلتُ لها إنَّ البُكاء لراحةٌ به يَشْتَفي من ظَنً أن لا تلاقيَا قعيدَ كما الله الذي أنتما له ألم تَسْمعا بالبِيضَتين المُنَاديا حَبِيبٌ دعا والرمل بَيني وبينه فأسمعنى سَقْياً لذلك داعِياً يقال: قعيدك الله وقِعْدَك اللهّ معناه: سألتك الله. قال بعضُهم: خرجنا مع زَيْد بن عليّ نُريد الحجَّ فلما بلغنا النِّبَاج وصرنا إلى مقابرها التفتَ إلينا فقال: لكُلِّ أًناس مَقْبَر بِفنائهم فهم يَنْقُصُون والقُبور تَزيدُ فما إنْ تَزالُ دارُ حَيٍّ قد اخْرِبَتْ وقَبْرٌ بأَفْنَاءِ البُيوت جديد هُمُ جِيرَةُ الأحياء أما مَزارُهم فدانٍ وأما المُلتقى فبَعِيد وقال: مررتُ بيزيد الرَّقاشيّ وهو جالسٌ بين المدينة والمقبرة فقلت له: ما أجْلسك ها هنا قال: أَنْظُر إلى هذين العَسْكرين فعسكرٌ يَقْذِف الأحياء وعسكرٌ يلْتقم الموتى ثمِ نادى بأعلى صوته: يأهلَ القُبور المُوحِشَةَ قد نطق بالخَرَاب فَناؤُها ومُهِّدَ بالتُّرَاب بِناؤُها فمحلُّها مُقْترَب وساكنها مغْتَرب لا يتواصلون تواصلَ الإخوان ولا يتزاورون تَزاور الجيران قد طَحَنهم بكَلْكَله البِلَى وأكلتهم الجنادل والثّرى. وكان عليُّ بن أبي طالب كرم الله وجهه إذا دخل المَقبرة قال: أما المنازل فقد سُكِنت وأما الأموال فقد قُسِّمت وأما الأزواج فقد نُكِحت فهذا خبر ما عندنا فليْتَ شِعْري ما عندكم ثم قال: والذي نفسي بِيده لو أذِن لهم في الكلام لقالوا: إن خير الزَّاد التَّقوى. وكان عليُّ بن أبي طالب إذا دخل المقبرة قال: السلامُ عليكم يأهل الدِّيار المُوحِشة والمَحالَ المقفرة من المؤمنين والمُؤمنات اللهم اغفرِ لنا ولهم وتجاوَز بعفوك عنّا وعنهم. ثم يقول: الحمد لله الذي جعل لنا الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً والحمد للهّ الذي منها خَلَقنا و " جعل " إليها مَعَادنا وعليها محشرنا طوبى لمن ذكر المَعاد وعمل الحسنات وقَنع بالكفاف ورَضي عن الله عزّ وجلِّ. وكان النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png إذا دَخل المَقْبرة قال: السلامُ عليكم دارَ قوم مُؤمنين وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحقون. وكان الحَسَن البَصريّ إذا دخل المقبرة قال: اللهم رَبّ هذه الأجساد البالية والعِظامٍ النّخرة التي خَرَجت من الدُّنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليها رَوحاً منك وسَلاماً منَّا. وكان عليُّ ابن الفَضْل إذا دَخل المقبرة يقول: اللهم اجعل وَفَاتهم نجاةً لهم مما يَكْرَهون واجعل حِسابهم زيادة لهم فيما يُحبون. الوقوفْ على القبور وتأبين الموتى وقف أعرابيٌ على قَبْر رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فقال: قُلتَ فَقَبِلْنا وأمرتَ فحَفظنا وبلَغت عن ربك فسَمِعْنا. " ولَو أنهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوك فاستَغْفرُوا الله واسْتَغْفر لهم الرَّسًولُ لَوَجَدُوا الله تواباً رَحيَماً ". وقد ظَلمنا أنفسنا وجِئْناك فاستَغفر لنا. فما بَقِيت عينٌ إلا سالَتْ. وقفت فاطمةُ عليهما السلام على قبر أبيها http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فقالت: فليتَ قَبْلَكَ كان الموتُ صادَفَنا لما نُعِيتَ وحالتْ دونك الكُتُبُ حمّاد بن سَلَمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: لما فَرغنا من دَفن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أقبلَتْ عليَّ فاطمةُ فقالت: يا أنس كيف طابَتْ أنفسكم أن تَحْثُوا على وجه رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png الترابَ ثم بَكت ونادت: يا أبتاه! أجاب ربًّا دعاه يا أبتاه! مِن ربِّه ما أدناه يا أبتاه! مَن ربُّه ناداه يا أبتاه! إلى جبربل نَنْعاه يا أبتاه! جَنَّة الفرْدَوْس مأواه. قال: ثم سَكَتتْ فما زادت شيئاً. ولما دُفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقْبل عبدُ الله بن مَسعود وقد فاتَتْه الصلاةُ عليه فوَقَفَ على قَبره يبكي ويَطْرح رِداءه ثم قال: والله لئن فاتَتْني الصلاةُ عليك لا فاتَني حُسْنُ الثّناء أما واللهّ لقد كنتَ سَخيا بالحقّ بخيلاً بالباطل تَرضى حين الرِّضا وتَسْخَط حين السُّخْط ما كنتَ عَياباً ولا مَدِّاحاً فجزاك الله عن الإسلام خَيْراً. ووقف عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه على قَبْر خَبّاب فقال: رَحم اللهّ خَبِّابا لقد أسْلم رَاغِباً وجاهد طائعاً وعاش زاهداً وآبتُلي في جسمه فَصَبر ولن يُضيِّعَ اللهّ أجرَ من أحسن عملاً. ولما توُفي عليّ بن أبي طالب رضوان اللهّ عليه قام الحسنُ بن علي رضي اللهّ عنهما فقال: أيها الناس إنه قُبِض فيكم الليلة رَجُلٌ لم يسبقه الأولون ولم يُدْركه