وجاعل الشمس مصرالاخفاء لها ** بين النهار وبين الليل قد فصلا
وأما الطول. فيجيء في قولنا عرض البلد كذا وطوله كذا وهو من ألفاظ المنجمين. وفسروه فقالوا معنى قولنا طوله أي بعده عن أقصى العمارة سوى اخذه في معدل النهار أو في خط الاستواء الموازي لهما وذلك لتشابه بينهما يقيم أحدهما مقام الاخر ولأن ما يستعمل من هذه الصناعة إنما هو مستنبط من اراء اليونانيين وهم ابتدؤا العمارة من أقرب نهاية العمارة إليهم وهي الغربية فطول البلد على ذا هو بعده عن المغرب. إلا أن في هذه النهاية بينهم اختلافا فإن بعضهم يبتدىء بالطول من ساحل بحر أوقيانوس الغربي وهو البحر المحيط وبعضهم يبتدى به من سمت الجزائر الواغلة في البحر المحيط قريبا من مائتي فرسخ تسمى جزائر السعادات والجزائر الخالدات وهي بحيال بلاد المغرب ولهذا ربما يوجد للبلد الواحد في الكتب نوعان من الطول بينهما عشر درج فيحتاج في تميز ذلك إلى فطنة ودربة. هذا كله عن أبي الريحان.
وأما العرض. فان عرض البلد مقابل لطوله الذي ذكر قبل، ومعناه عند المنجمين هو بعده الأقصى عن خط الاستواء نحو الشمال لأن البلد والعمارة في هذه الناحية وتحاذيه من السماء قوس عظيمة شبيهة به واقفة بين سمت الراس وبين معدل النهار ويساويه ارتفاع القطب الشمالي فلذلك يعبر عنه به وانحطاط القطب الجنوبي وان ساواه أيضا فانه خفي لا يشعر به، وهذا كلام صاحب التفهيم.
وأما الدرجة والدقيقة، في أيضا من نصيب المنجمين يجيء ذكرها في هذا الكتاب في تحديد الطول والعرض. وقالوا الدرجة قدر ما تقطعه الشمس في يوم وليلة من الفلك وفي مساحة الأرض خمسة وعشرون فرسخا وتنقسم الدرجة إلى ستين دقيقة والدقيقة إلى ستين ثانية والثانية إلى ثالثة وترقى كذلك.
وأما الصلح. فيجيء في قولنا فتح بلد كذا صلحا أو عنوة ومعنى الصلح من الصلاح وهو ضد الفساد والصلح في هذه المواضع ضد الخلف. ومعناه أن المسلمين كانوا إذا نزلوا على حصن أو مدينة وخافهم اهله فخرجوا إلى المسلمين وبذلوا لهم عن ناحيتهم مالا أو خراجا أو وظيفة يوظفونها عليهم ويؤدونها في كل عام على رؤوسهم وأرضهم أو مالا يعجلونه لهم أي أنها لم تفتح عن غلبة كما كان العنوة بمعنى الغلبة.
وأما السلم. في قوله تعالى: ادخلوا في السلم كافة البقرة: 208، فقالوا أعني به الإسلام وشرائعه والسلم الصلح. والسلم بالتحريك الاستسلام والقاء المقادة إلى إرادة المسلمين فكأنه والصلح متقاربان. وعندي انه من السلامة أي أنه إذا اتفق الفريقان واصطلحا سلم بعضهم من بعض الله أعلم.
وأما العنوة. فيجيء في قولنا فتح بلد كذا عنوة وهو ضد الصلح. قالوا العنوة أخذ الشيء بالغلبة. قالوا وقد يكون عن تسليم وطاعة مما يوخذ منه الشيء وأنشد الفراء:
فما أخذوها عنوة عن مودة ** ولكن بحد المشرفي استقالها
قالوا وهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. قلت وهذا تأويل في هذا البيت على أن العنوة بمعنى الطاعة ويمكن أن يؤول تأويلا يخرجه عن أن يكون بمعنى الغصب والغلبة فيقال ان معناه فما أخذوها غلبة و هناك مودة القتال أخذها عنوة كما تقول ما أساء إليك زيد عن محبة أي بغضة كما تقول ما صدر هذا الفعل عن قلب صاف وهناك قلب صاف أي كدر ويكون قريبا في المعنى من فوله تعالى: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم المائدة: 18، ويصلح أن يجعل قوله أخذوها دليلا على الغلبة والقهر ولولا ذلك لقال فما سلموها فان قائلا لو قال أخذ الأمير حصن كذا لسبق الوهم وكان مفهومه أنه أخذوه قهرا ولو قال أن أهل حصن كذا سلموه لكان مفهومه أنهم أذعنوا به عن إرادة واختيار وهذا ظاهر والإجماع أن العنوة الغلبة ومنه العاني وهو الأسير يقال أخذته عنوة أي قسرا وقهرا وفتحت هذه المدينة عنوة أي بالقتال قوتل أهلها حتى غلبوا عليها أو عجزوا عن حفظها فتركوها وجلوا من غير أن يجري بينهم وبين المسلمين فيها عقد صلح.
وأما الخراج. فان الخراج والخرج بمعنى واحد وهو أن يؤدي العبد إليك خراجه أي غلته. والرعية تؤدي الخراج إلى الولاة وأصله عن قوله تعالى: أم تسألهم خرجا المؤمنون: 172 وقرىء خراجا معناه أم تسألهم أجرا على ما جئت به فأجر ربك وثوابه خير. وأما الخراج الذي وظفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على السواد فأراضي الفىء فانه معناه الغلة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان قالوا هو غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زمانا ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع ولم يطلعه عليه فله رد العبد على البائع والرجوع عليه بجميع الثمن والغلة التي استغلها المشتري من العبد طيبة له لأنه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله وكان عمر رضي الله عنه أمر بمسح السواد ودفعه إلى الفلاحين الذين كانوا فيه على غلة كل سنة ولذلك سمي خراجا ثم بعد ذلك قيل للبلاد التي فتحت صلحا ووظف ما صولحوا عليه على أرضهم خراجية لأن تلك الوظيفة أشبهت الخراج الذي لزم الفلاحين وهو الغلة لأن جملة معنى الخراج الغلة، وفي الحديث أن أبا طيبة لما حجم النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أمر له بصاعين من طعام وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه أي من غلته.
وأما الفيء والغنيمة، فان أصل الفيء في اللغة الرجوع ومنه الفيء وهو عقيب الظل الذي للشجرة وغيرها بالغداة والفيء بالعشي كما قال حميد بن ثور:
فلا الظل من بردالضحى تستطيعه ** ولا الفيء من برد العشي تذوق
وقال أبو عبيدة كلما كانت الثممس عليه وزالت فهو فيء وظل وما لم تكن الشمس عليه فهو ظل ومنه قوله تعالى في قتال أهل البغي حتى تفيء إلى أمر الله الحجرات: 9، الآية أي ترجع وسمى هذا المال فيئا لأنه رجع الى المسلمين من أملاك الكفار. وقال أبو منصور الأزهري في قوله تعالى: إما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الحشر: 7، الاية أي ما رد الله على أهل دينه من أموال من خالف أهل ملته بلا قتال أما أن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رؤوسهبم أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم فهذا المال هو الفيء في كتاب الله قال الله تعالى: أوما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا