حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وقد احتمل ناسٌ من المسلمين قتلاهم إلى المدينة، فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله
ص عن ذلك، وقال: ادفنوهم حيث صرعوا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن أشياخ من بني سلمة، أن رسول الله
ص قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى: انظروا عمرو بين الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام. فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، فاجعلوهما في قبر واحد. قال: فلما احتفر معاوية القناة أخرجا وهما يثنيان كأنما دفنا بالأمس.
قال: ثم انصرف رسول الله
ص راجعًا إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش - كما ذكر لي - فنعى لها أخوها عبد الله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له؛ ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت، فقال رسول الله
ص: إن زوج المرأة منها لبمكان؛ لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.
قال: ومر رسول الله
ص بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله
ص فبكى ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له! فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمر نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله
ص.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: مر رسول الله
ص بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله
ص بأحد؛ فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله
ص؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان؛ هو بحمد الله كما تحبين؛ قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جللٌ! قال أبو جعفر: فلما انتهى رسول الله
ص إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية، وناولها عليٌ عليه السلام سيفه، وقال: وهذا فاغسلي عنه؛ فوالله لقد صدقني اليوم. فقال رسول الله
ص: لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف، وأبو دجانة سماك بن خرشة. وزعموا أن علي بن أبي طالب حين أعطى فاطمة عليهما السلام سيفه قال:
أقاطم هاك السيف غير ذميم ** فلست برعديدٍ ولا بمليم
لعمري لقد قاتلت في حب أحمدٍ ** وطاعة ربٍ بالعباد رحيم
وسيفي بكفي كالشهاب أهزه ** أجذ به من عاتقٍ وصميم
فما زلت حتى فض ربي جموعهم ** وحتى شفينا نفس كل حليم
وقال أبو دجانة حين أخذ السيف من يد رسول الله
ص فقاتل به قتالًا شديدًا - وكان يقول: رأيت إنسانًا يخمش الناس خمشًا شديدًا فصمدت له، فلما حملت عليه بالسيف ولولت؛ فإذا امرأة؛ فأكرمت سيف رسول الله
ص أن أضرب به امرأة - وقال أبو دجانة:
أن الذي عاهدني خليلي ** ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول ** أضرب بسيف الله والرسول
غزوة حمراء الأسد
وكان رجوع رسول الله
ص إلى المدينة يوم السبت؛ وذلك يوم الوقعة بأحد؛ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، قال: كان يوم أحد يوم السبت؛ للنصف من شوال؛ فلما كان الغد من يوم أحد - وذلك يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال - أذن مؤذن رسول الله
ص في الناس بطلب العدو؛ وأذن مؤذنه: ألا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، فقال: يا رسول الله، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع، وقال لي: يا بني؛ إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله
ص على نفسي؛ فتخلف على أخواتك. فتخلفت عليهن. فأذن له رسول الله
ص، فخرج معه، وإنما خرج رسول الله
ص مرهبًا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم؛ ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان، أن رجلًا من أصحاب رسول الله
ص من بني عبد الأشهل كان شهد أحدًا، قال: شهدت رسول الله
ص أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين؛ فلما أذن مؤذن رسول الله
صص بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله
ص؛ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل؛ فخرجنا مع رسول الله
ص - وكنت أيسر جرحًا منه - فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة؛ حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج رسول الله
ص، حتى انتهى إلى حمراء الأسد؛ وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثًا: الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة.
وقد مر به - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - معبدٌ الخزاعي، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله
ص بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عليه شيئًا كان بها - ومعبد يومئذ مشرك - فقال: يا محمد؛ أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك؛ ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم! ثم خرج من عند رسول الله
ص بحمراء الأسد؛ حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله
ص وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم؛ لنكرن على بقيتهم؛ فلفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدًا، قال ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمعٍ لم أر مثله قط يتحرمون عليكم تحرمًا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول! قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتًا من شعر، قال: وماذا قلت؟ قال: قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتي ** إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسدٍ كرام لا تنابلةٍ ** عند اللقاء ولا خرقٍ معازيل
فظلت عدوًا أظن الأرض مائلةً ** لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل ابن حربٍ من لقائكم ** إذا تغطمطت البطحاء بالجيل!
إني نذيرٌ لأهل البسل ضاحيةً ** لكل ذي إربةٍ منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخشٍ قنابله ** وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر به ركبٌ من عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة، قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدًا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم إبلكم هذه غدًا زبيبًا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: فإذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه، لنستأصل بقيتهم. فمر الركب برسول الله
ص وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال رسول الله
ص وأصحابه: حسبنا الله ونعم الوكيل! قال أبو جعفر: ثم انصرف رسول الله
ص إلى المدينة بعد الثالثة؛ فزعم بعض أهل الأخبار أن رسول الله
ص ظفر في وجهه إلى حمراء الأسد بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص، وأبي عزة الجمحي؛ وكان رسول الله
ص خلف على المدينة حين خرج إلى حمراء الأسد ابن أم مكتوم.
وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث من الهجرة - ولد الحسن بن علي بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان.
وفيها علقت فاطمة بالحسين صلوات الله عليهما. وقيل: لم يكن بين ولادتها الحسن وحملها بالحسين إلا خمسون ليلة.
وفيها حملت - فيما قيل - جميلة بنت عبد الله بن أبي بعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر في شوال.