العقد الفريد/الجزء الثاني/27
قولهم في الإعراب الأصمعي قال: قلت لأعرابي أتَهْمِز إسرائيل قال: إنّي إذاً لرجلُ سَوْء قلت له: أفتجرّ فِلسْطين قال: إنّي إذاً لقويّ. وسَمع أعرابيّ إماماً يقرأ: وَلاَ تَنْكِحوا المُشرْكين حتَى يُؤمِنُوا. قال: ولا إن آمنوا أيضاً لن نَنْكحهم فقيل له: إنه يَلْحَن وليس هكذا يُقرأ فقال: أخرًوه قَبٌحَه الله لا تَجْعَلوه إماماً فإنه يُحِلُّ ما حرَّم الله. وسمع أعرابيّ أبا المكْنُون النَحْوِيّ وهو يقول في دُعائه يَسْتَسْقي: اللهم ربنا وإلهنا وسيدنا ومولانا فصلِّ على محمد نبيّنا ومَن أراد بنا سوءاً فأحِطْ ذلك السوء به كإحاطة القلائد بأعناق الوَلائد ثم أرسِخْه على هامته كرُسوخ السجًيل على هام أصحاب الفيل اللهم اسْقِنا غَيْثاً مريئاً مريعاً مُجَلْجِلاً مُسْحَنْفِراً هَزِجاً سَحًّا سَفُوحاً طَبَقاً غَدَقا مُثْعَنْجِرا صَخِباً نافعاً لعامّتنا وغيرَ ضارّ بخاصّتنا. فقال الأعرابي: يا خليفة نُوح هذا الطُّوفان وربِّ الكعبة دَعني حتّى آوىَ إلى جَبلِ يَعْصِمني من الماء. الأصمعي قال: أصابت الأرضَ مجاعة فلقيتُ رجلاً منهم خارجاً من الصَحراء كأنه جِذْع مُحْترق فقلت له: أتقرأ مني كتاب اللهّ شيئاً قال: لا قلتُ: فأعلمك قال: ما شئتَ قلت: اقرأ: " قُل يَا أيها الكافِرُون " قال: كُلْ يا أيها الكافرون قلتُ: " قُلْ يا أيها الكافرون " كما أقول لك قال: ما أجد لساني يَنْطلق بذلك. قال: ورأيتُ أعرابياً ومعه بُنيّ له صَغير مُمْسِك بفَم قِرْبة وقد خاف أن تَغْلِبه القِرْبةُ فصاح: يا أبتِ أدْرِك فاها غَلبَني فوها لا طاقة لي بفيها. قولهم في الدين قال أعرابي: الدَّيْن ذلٌ بالنهار وهَمّ بالليل. وقال أعرابيّ في غُرَماء له يَطْلبونه بدَيْن: جاءوا إليَّ غِضاباً يَلْغَطون معاً فقلت موعد كم ابن هبار وما أوَاعدُهم إلا لأدْرَأهم عني فيحرجني نقضي وإمراري وما جَلبتُ إليهم غَيرَ راحلة تَخْدِي بِرَحْلى وسيفٍ جَفنُه عارِي إنّ القضاء سَيأتي دًونه زمن فاطْوِ الصَّحيفة واحفظها من النًار الأصمعي قال: كان لرجل مِنْ يَحْصًب على رجل من باهِلَة دَيْن فلما حًلَ دَيْنُه هَرَب الأعرابيّ وأنشأ يقول: ذا حًلّ دَين اليَحْصُبيّ فَقُلْ له تَزوَدْ بزادٍ واستَعِنْ بدلِيل سَيُصْبِحُ فَوقي أقتُم الريش واقعاً بقالي قَلَا أو من وراء دَبيل الأصمعي قال: فأخبرني رجلٌ أنه رآه مَقْتُولاً بقالي قَلا وعليه نَسْر أقْتم الرِّيش. الأصمعي قال: اختصمَ أعرابياًن إلى بعض الوُلاة في دَيْن لأحدهما على صاحبه فجعل المًدَّعَى عليه يحلف بالطّلاق والعِتاق فقال له المدَعِي: دَعني من هذه الأيمان واحْلف بما أقول لك: لا تَرك الله لك خُفّا يتبع خُفّا ولا ظِلْفا يتبع ظِلفا وحَتّك من أهلك حَتّ الوَرَقَ من الشّجر إن لم يكن لي هذا الحقّ قِبلك. فأعطاه حَقَه ولم يَحْلِف له. الهَيْثَم بن عَدِيّ قال: يَمين لا يَحْلِف بها أَعرابيّ أبداً: لا أَوْرد الله لك صادرة ولا أَصْدَر لك واردة ولا حَطَطْتَ رَحْلك ولا خَلَعتَ نَعْلَك. قولهم في النوادر والملح الشيباني قال: خَرَجِ أبو العبّاس أميرُ المؤمنين مُتَنَزِّها بالأنبار فأَمْعن في نُزْهَته وانتبذ من أصحابه فوافى خِبَاءً لأعرابيّ فقال له الأعرابي: ممَّن الرَّجل قال: من كِنانة قال: من أيّ كِنانة قال: مِنْ أبغض كِنانة إلى كِنانة قال: فأنتَ إذاً من قُريش قال: نعم قال: فمن أي قُرَيش قال: مِن أبغض قُريش إلى قُريش قال: فأنت إذاً من ولد عبد المطلب قال نعم قال: فمن أي ولد عبد المطلب قال: من أبغض ولد عبد المطلب إلى عبد المُطلب قال: فأنت إذاً أمير المؤمنين وَوَثب إليه فاستحسن ما رأَى منه وأَمر له بجائزة. الشِّيبانيّ قال: خرج الحجَّاج مُتَصيِّداً بالمدينة فوقف على أَعرابيّ يرعى إبلًا له فقال له: يا أعرابيّ كيف. رأيتَ سِيرَة أَميركم الحجَّاج قال له الأعرابيّ: غَشوم ظَلُوم لا حيّاه الله فقال: فَلِم لا شَكَوْتموه إلى أمير المًؤمنين عبد الملك قال: فأظْلم وأغشم. فبينما هو كذلك إذ أحاطت به الخيل فأومأ الحجّاج إلى الأعرابي فأخذ وحُمِلَ فلما صار معهم قال: مَن هذا قالوا له: الحجاج فحرَّك دابته حتى صار أعرابي قال: السرّ الذي بيني وبينك أحِبُّ أن يكون مكتوماً قال: فَضَحك الحجًاج وأمر بتَخْلِية سَبيلِه: الأصمعي قال: وَلى يُوسُف بن عُمَر صاحبُ العِرَاق أعرابياً على عمل له فأصاب عليه خِيَانةً فعَزَلَه فلما قَدِمَ عليه قال له: يا عدوً اللهّ أكلتَ مال الله قال الأعرابيّ: فمالَ مَنْ آكُلْ إذا لم آكل مال اللهّ لقد راودتُ إبليس أن يُعطيني فَلْساً واحداً فما فَعل. فَضحِك منه وخلِّى سبيله. الشّيْبَانيِّ قال: نزل عبدُ اللهّ بن جعفر إلى خيمة أعرابيّة ولها دَجاجة وقد دَجَنت عندها فَذَبحتها وجاءتها بها إليه فقالت: يا أبا جعفر هذه دَجاجة لي كنت أدْجنها وأعْلِفها من قُوتي وألمَسها في آناء الليل فكأنما ألمَس بِنْتى زَلَّت عن كَبِدي فَنَذرتُ لله أن أدفنها في أكرم بُقعة تكون فلم أجد تلك البُقعة المباركة إلا بَطنك فأرَدت أن أدْفنها فيه. فَضَحِك عبدُ اللهّ بن جعفر وأمر لها بخمسمائة دِرْهم. ونظر أعرابيّ إلى قَوْم يلتمسون هِلالَ شهر رَمضان فقال: واللهّ لئنِ أريتموه لتُمْسِكُن منه بذِناب عَيْش أغبر. الأصمعي قال: رأيتُ أعرابياً واقفاً على رَكيّة مِلْحة فقلتُ: كيف هذا الماء يا أَعرابيّ قال: يُخْطِيءُ القلبَ ويُصيب الأستَ. ونظر أَعرابيّ إلى رجل سَمِين فقال: أرى عليك قطيفةً من نَسْج أضرْاسك. قال: وسمعت أعرابياً يقول: اللهم إنّي أسألك مِيتة كمِيتة أبي خارجة أكل بَذَجاً وشَرِبَ مُعَسَّلا ونام في الشَمس فمات دَفيئاً شبْعان رَيّان. محمد بن وَضّاح يرفعه إلى أبي هُريرة رضي الله عنه. قال: دخلِ أعرابيّ المسجد والنبي جالسٌ فقام يُصلّي فلما فرغ قال: اللهم ارْحَمني ومحمداً ولا تَرْحَم معنا أحداً فقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: لقد حجرْت واسعاً يا أعرابيّ. قال: وسمعت أعرابياً وهو يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي فقلتُ له: مالك لا تَذْكر أباك فقال أبي رجلٌ يَحتال لنفسه وأما أُمي فبائسة ضعيفة. أبو حاتم عن أبي زَيد قال: رأيتُ أعرابياً كأنّ أنفَه كُوز من