العقد الفريد/الجزء الثاني/22
ومن بني أدد بن زَيد بن يَشْجب بن عَريب بن زَيْد بن كَهْلان بن سَبأ بن يَشْجب بن يَعْرب بن قَحْطان: مالك بن أُدد وهو مَذْحج وطَيء ابن أُدد والأشْعر بن أُدد. وقال ابن الكلبيّ: إن مَذْحج بن أُدد هو ذو الأنعام وله ثلاثةُ نَفر: مالك بن مَذْحج وطيء بن مَذحج والأشْعر بن مَذحج. فمن قبائل مَذحج: سَعْد العَشِيرة بن مالك بن أدَد وولده الحَكَم بن سَعد العِشيرة وهو قَبيل كَبِير منهم: الجَرّاح بن عبد الله الحَكَمي قَتله الترك أيامَ عمر بن عبد العزيز وهم موالي أبي نُواس. وفي بَعْضهم يَقول: يا شَقِيقَ النَّفس من حَكَم نِمْتَ عن لَيْلَى ولم أَنَم وإنّما سُمِّي سعدَ العشيرة لأنه لم يَمتْ حتى رَكِب معه من وَلده وَوَلد ولده ثلثُمائة رجل. ومنهم: عُمَير بن بِشر ومنهم: بُنْدُقة بن مَظَة. ومن بطون سَعد العشيرة: جُعف بن سَعد العشيرة بن مالك بن أُدد وصَعْب بن سَعد العَشيرة دَخل في جُعْف وجَزْء بن سعد العشيرة. فمَن وَلد جَزْء بن سعد: العَدْل والحَمْد وكان العدل على شُرْطَة تبع وكان إذا أَراد قَتْل رجل قال: يُجْعل على يَدي عَدْل وهو قولُ النّاس فلان على يَدَيّ عَدْل إذا كان مُشْرفاً على الهَلاك. ومن أَشْراف جُعف: أبو سَبْرة وهو يَزيد بن مالك كان وَفَد إلى النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فَدَعا له ومنهم: شَراحيل بن الأصْهب كان أبعدَ العَرب غارةً كان يَغْزو من حَضْرَموت إلى أَرَحْنَا مَعدَّاً مِن شَراحيَل بعدما أراها مع الصُّبح الكَواكب مَظْهَرا وعَلْقَمَة الحَرَّاب أَدْرك رَكْضُنا بذي الرمْث إذا صام النهارُ وهجا وعَلْقمة الحرَّاب كان رأس بني جُعْف بعد شراحيل ومن بني جُعْف: زَحْر بن قَيْس صاحب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. ومنهم: الأشعْر بن أبي حُمْران الذي يقول: أريد دِمَاء بني مازن وراقَ المُعَلّي بَيَاضُ اللَّبنْ خَلِيلان مُخْتلف بيننا أرِيد العَلاَء ويَبْغي السِّمن ومنهم: عبيد الله بن مالك الفاتك الجُعْفي. ومن بني سَعْد العَشيرة: أَوْد وزبيد واسمه مُنبّه وهما أيضاً صَعْب بن سَعْد العَشيرة وزُبيد الأصغر وهو منبِّه الأصغر بن ربيعة بن سَلَمة بن مازن بن ربيعة بن زُبيْد بن صَعْب بن سَعْد العشيرة ومنهم: أبو المَغْراء الشاعر ومنهم: الزَعافر وهو عامر بن حَرْب ابن سعد بن مُنبَّه بن أود ومنهم: عبد اللهّ بن إدريس الفقيه ومنهم: الأفْوَه الشاعر واسمه صَلاءة بن عمرو ومنهم: بنو رَمّان بن كعب بن أود من وَلده: عافِيةُ بن يزيد القاضي وبنو قَرْن لهم مَسْجد بالكوفة. زُبيد بن صَعْب بن سعد العشيرة واسمه مُنبه وهو زُبيد الأكبر من ولده: زُبيد الأصغر وهو زُبيد بن رَبيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن زبيد ابن صَعْب. ومن بني زُبيد الأصغر عمرو بن مَعْدِ يكرب وعاصِم بن الأصْقَع الشاعر ومُعاوية بن قَيْس بن سَلَمة وهو الأفكل وكان شريفاً وإنما سمّي الأفكل لأنه كان إذا غضب أرعد ويقال: الأفَكل من بني زُبيد الأكبر ومنهم: الحارث بن عمرو بن عبد اللّة بن قَيْس بن أبي عمرو بن رَبيعة ابن عاصم بن عمرو بن زُبيد الأصغر. فهذه سعدُ العَشيرة. ومن مَذْحج جَنْب وصُدَاء ورُهاء فمن بني جَنْب مُنبّه والحارث والغَليّ وشَيْحان وشِمْران وهِفّان. فهؤلاء الستة - وهم جَنْب - بنو يَزيد بن حَرْب بن عًلَة بن جَلْد بن مالك بن أُدد وإنما قيل لهم جَنْب لأنهم جانَبوا أخاهم صُداء وحالفوا سَعْدَ العَشِيرة وحالفت صُداء بني الحارث بن كَعْب. فمن جَنْب: أبو ظَبْيان الجَنْبيّ الفَقيه ومنهم: مُعاوية الخَيْر بن عَمْرو بن مُعاوية صاحب لواء مَذْحج وهو الذي أجار مُهلهِلَ بن ربيعة التَّغلبي على بكر بن وائل فتزوَّج ابنة مهلهل وفي ذلك يقول مُهلَهل بن رَبيعة أخو كُلَيب وائل: هانَ على تَغْلب بما لَقِيَتْ أُختُ بني الأكْرمين من جُشَم أَنْكَحها فَقْدُها الأرَاقَم في جَنْب وكان الحِبَاء من أَدَم لو بأَبانيَنْ جاء يَخْطُبها رُمِّل ما أَنفُ خاطبِ بِدَم قوله: وكان الحباء من أدم أي أنه ساق إليها في مَهْرها قُبًة من أدَم. صُدَاء بن يزيد بن حَرْب بن عُلَة بن جَلْد بن مالك بن أُدد وهم حُلفاء بني الحارث بن كعب بن مَذْحج رُهاء بن
العقد الفريد/الجزء الثاني/23
وكانت العرِب تقول: لا يَزال الناسُ بخير ما تَباينوا فإذا تَساوَوْا هَلَكوا. وتقول: لا يَزالون بخيْر ما كان فيهم أشْراف وأخْيار فإذا جُمّلوا كلهم جملة واحدة هَلَكوا. وإذا ذَمَّت العربُ قوماً قالوا: سَواسية كأسْنان الحِمار. وكَيف يَستوي الناسُ في فَضَائلهم والرجلُ الواحد لا تَسْتوي في نَفسه أعضاؤه ولا تَتكافأ مَفاصِله ولكنْ لبعضها الفضلُ على بعض وللرأس الفضل على جميع البَدَن بالعَقْل والحواس الخمس. وقالوا: القلبُ أمير الجَسَد ومن الأعضاء خادمُه ومنها مَخْدومه. قال ابن قُتيبة: ومن أعظم ما ادّعت الشّعوبية فَخْرُهم على العَرب بآدم عليه السلام وبقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا تفُضلوني عليه فإنما أنا حَسنة من حَسناته ثم فَخْرُهم بالأنبياء أجمعين وأنهم من العَجم غيرَ أربعة: هُود وصالح وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام واحتجّوا بقول الله عزّ وجلّ: " إنَّ الله اصطفي آدم ونُوحاً وآل إبْراهيمَ وآلَ عِمْران على العَاَلمين. ذُرّيَةً بَعضُها مِنْ بَعْض والله سَمِيعٌ عَليم ". ثم فَخَروا بإسحاق بن إبراهيم وأنه لِسَارة وأن إسماعيل لأمَة تُسمَى هاجَر. وقال شاعرهم: في بَلدة لم تَصل عُكْلٌ بها طُنُباً ولا خِبَاء ولا عَكّ وهمْدانُ ولا لجَرِم ولا بَهراء من وَطَن لكنّها لِبَني الأحرار أوطان أرضٌ يُبني بها كِسْرى مسَاكِنَه فما بها من بَني اللَّخْناء إِنْسان فَبنو الأحرار عندهم العَجم وبنو اللخناء عندهم العَرب لأنهم من وَلد هاجَر وهي أمة. وقد غَلطوا في هذا التأويل وليس كل أمة يقال لها اللخناء إنما اللخناء من الإماء المُمْتَهنة في رَعْي الإبل وسَقْيها وجمع الحَطب. وإنما أخذ من اللَّخَن وهو نَتن الرِّيح يُقال: لَخنُ السقاء إذا تَغيّر ريحُه. فأما مِثْلُ التي طَهّرها الله من كل دَنس وارتضاها للخليل فِرَاشا وللطِّيبَينْ إسماعيل ومحمدٍ أمّاً وجَعلهما لها سُلالة فهل يجوز لِمُلحد فضلاً عن مُسلم أن يُسمِّيها لَخْناء. رد الشعوبية على ابن قتيبة قال بعضُ مَن يَرى رَأْيَ الشعوبية فيما يَرُد به على ابن قتيبة في تَبايُنِ الناس وتفاضلهم والسّيد منهم والمَسود: إننا نحن لا نُنكر تَباين الناس ولا تَفاضلهم ولا السيد منهم ولا المسود ولا الشَّريف ولا المَشرْوف ولكنا نزْعم أن تَفاضل الناس فيما بَينهم ليس بآبائهم ولا بأحْسابهم ولكنه بأفْعالهم وأخلاقهم وشرَف أنْفسهم وبُعْد هِمَمهم ألا تَرى أنّه من كان دنيء الهمَّة ساقِطَ المرُوءة لم يَشْرُف وإنْ كان مِن بني هاشم في ذُؤَابتها ومن أمية في أرُومتها ومن قَيْس في أشْرف بَطْن منها إنَّما الكَرِيم مَن كَرُمت أفعالُه والشَّريف مَن شَرُفت همَّته وهو مَعْنى حديثِ النبيّ عليه الصلاة والسلام: إذا أتاكم كَرِيمُ قَوْم فأكْرموه وقوله في قيس بن عاصم: هذا سيّد أهْل الوَبَر. إنما قال فيه هذا لسُؤدَده في قَوْمه بالذبّ عن حَرِيمهم وَبَذْلِه رِفْدهُ لهم ألا تَرى أن عامر بن الطُّفيل وكان في أشْرف بَطْن في قيس يقول: فما سَوَّدتني عامرٌ عن وراثةٍ أبىَ الله أنْ أسْمُو بأمِّ ولا أب ولكنّني أحمي حِمَاها وَأتَّقي أَذاها وأرمي مَن رَماها بِمنْكب وقال آخر: إِنّا وإنّ كرُمت أوائلنا لَسْنَا على الأحْسَاب نَتَّكِلُ نبْني كما كانت أوائلُنا تَبْني ونَفْعل مثلَ مافَعَلُوا وقال قَيْس بن ساعدة: لأقْضين بين العَرب بقضيَّة لم يَقْض بها أحدٌ قَبلي ولاَ يردّها أحدٌ بعدي أيُّما رجلٍ رَمَى رجلاً بِمَلأمة دُونها كَرم فلا لُؤم عليه وأيّما رجل أدّعي كَرماً دونه لُؤم فلا كرم له. ومثله قولُ عائشة أم المؤمنين: كُل كَرم دُونه لُؤم فاللُّؤم أولى به وكُل لُؤم دونه كرم فالكرمُ أوْلى به تَعني بقولها: أن أوْلى الأشياء بالإنسان طَبائعُ نَفْسه وخِصالُها فإذا كَرُمت فلا يَضُرُّه لؤم أوَّليته وإذا لَؤُمت فلا يَنْفعه كرم أوليَّته. وقال الشاعر: نَفس عِصَامٍ سوَّدت عِصَامَا وعَلَّمته الكرَّ والإقْدَامَا وصَيَّرتْه مَلِكاً هُمامَا وقال آخر: ما ليَ عَقْلي وهِمَّتي حَسَبي ما أنا مَوْلًى ولا أنا عرَبي وتكلَّم رجلٌ عندي عبد الملك بن مَرْوان بكلام ذَهب فيه كل مَذْهب فأعجب عبدَ الملك ما سمع منه فقال: ابن مَن أنت يا غلام قال: ابن نَفْسي يا أميرَ المؤمنين التي نِلت بها هذا المَقعد منك قال: صدقتَ. وقال النبي عليه الصلاةُ والسلام: حَسَب الرجل مالُه وكَرمُه دِينه. وقال عُمر بن الخطَّاب: إن كان لك مالٌ فلك حَسَب وإِن كان لك دِين فلك كَرَم. وما رأيتُ أعجبَ من ابن قُتيبة في كتاب تَفْضِيل العَرِب إنه ذَهب فيه كُلّ مَذهب من فَضائل العرب ثم ختم كتابه بمَذْهب الشُّعوبية فنقَض في آخره كل ما بَنى في أوًله فقال آخر كلامه: وأعدلُ القول عندي إنَّ الناس كلّهم لأب وأمّ خُلِقوا من تُراب وأعيدوا إلى التراب وجَرَوْا في مَجْرى البَوْل وطُوُوا على الأقْذاء فهذا نَسبهُم الأعلى الذي يُردْع به أهلُ العُقول عن التّعظم والكِبْرياء والفَخر بالآباء ثم إلى الله مَرْجعهم فَتَنْقطع الأنساب وتَبْطًل الأحْساب إلاّ من كان حَسبُه التَّقوى أو كانت ماتّتة طاعةَ الله قالت الشُعوبية: إنما
العقد الفريد/الجزء الثاني/24
قال طاووس: ثم اختفى في الناس فألفيتُه بعَرفات قائماً على قَدَميه وهو يقول: اللهِم إن كنتَ لم تَقْبل حَجِّي ونَصَبي وتَعبي فلا تَحْرِمنيِ أجر المُصاب على مُصيبته فلا اعلم مصيبةً أَعْظَمَ ممّن وَرَد حَوْضك وانصرف مَحْروماً من سَعة رَحمتك الأصمعي قال: رأيتُ أعرابياً يَطُوف بالكَعبة وهو يقول: إلهي عَجّت إليك الأصواتُ بضروب من اللُّغات يَسْألونك الحاجات وحاجَتي إليك إلهي أنْ تَذْكرني على طُول البلاء إذ نَسِيَني أهلُ الدنيا. اللهم هَب لي حَقّك وأَرْض عنّي خَلْقك. للهم لا تُعْيني بطَلب ما لم تقُدّره لي وما قَدَرْته لي فَيَسِّرِه لي. قال: وَدَعَتْ أعرابية لابن وَجّهته إلى حاجة فقالت: كان الله صاحبَك في أمرك وخَلِيفَتك في أهلك ووليَّ نُجْح طَلِبتك امْض مُصاحَباً مَكْلًوءاً لا أشْمت اللهّ بك عَدوّا ولا أرى مُحبّيك فيك سُوءاً قال: ومات ابنٌ لأعرابي فقال: اللهم إني وهبتُ له ما قَصّر فيه مِن بِرّى فَهب له ما قَمرّ فيه من طاعتك فإنك أجْود وأكرم. قولهم في الرقائق العُتْبيّ قال: ذَكر أعرابيّ مُصيبةً فقال: مُصيبةٌ والله تركتْ سُود الرؤوس بيضاً بيضَ الوجوه سُوداً وهَوَّنت المصائبَ بعدها أخذ هذا المعنى بعضً الشعراء فقال يرْثي آلَ أبي سًفيان: رَمَى الحِدْثانُ نِسْوةَ آل حَرْب بِمقْدار سَمَدْنَ له سُمُودا فَرَدّ شُعورهن السُّود بيضاً ورَدَّ وُجوههن البيضَ سُودا بكيت بكاء مُوجَعة بحُزْن أصاب الدَّهْرُ واحدَها الفريدا قال: وقِيل لأعرابيّة أُصيبت بابنها: ما أحسن عَزاءَك قالت: إن فقدي إياه أمنني كل فقد سواه وإن مَصيبتي به هَونت علي المصائبَ بعده ثم أنشأت تَقول: مَن شاء بَعدك فَلْيمُت فَعَليك كنتُ أُحاذرُ أكُنْتَ السوادَ لمُقلتي فعليك يَبْكي الناظِر ليتَ المنازلَ والدِّيا رَ حَفائرٌ ومَقابر وقيل لأعرابيّ: كيف حُزنك على وَلدك قال: ما ترك هَمُّ الغَداة والعِشاء لي حُزْناً. وقيل لأعرابي: ما أذْهب شبابَك قال: مَن طال أمدًه وكثُر ولدُه وذَهب جَلَده ذَهَب شبابُه. وقيل لأعرابيّ: ما أنحل جِسْمَك قال: سُوء الغِذاء وجُدوبة المَرْعى واعتلاجُ الهُموم في صَدْري ثم أنشأ يقول: الهمُّ ما لم تُمْضه لسبيله داءٌ تَضَمَّنُه الضُّلوعُ عَظِيمُ ولربما استيأستُ ثم أقول لا إنّ الذي ضَمِن النجاحَ كريمُ وقيل لأعرابي قد أخذته السنُّ: كيف أصبحْتَ قال: أصبحتُ تُقيّدني الشِّعرة وأعثًر في البعرة قد أقام الدَّهرُ صَعَري بعد أن أقمتُ صَعَره. وقال أعرابيّ: لقد كنتُ أُنكر البَيضاء فصرتً أُنْكر السوداء فيا خيرَ مَبْدول ويا شَرَّ بَدل. وقال أعرابيّ: إذا الرجالُ ولدتْ أولادُها وَجعلت أسْقامُها تَعْتادَها واضطربت من كِبَرِ أعضادها فهي زُروع قد دَنا حَصادها وذَكر أعرابيّ قَطِيعة بعض إخوانه فقال: صَفِرت عِيَاب الوُدّ بعد امتلائها واكفهرّت وجوهٌ كانت بمائها فأدبر ما كان مُقْبلاً وأقْبل ما كان مُدْبراً. وذكرَ أعرابيّ منزلًا بادَ أهلَه فقال: منزل والله رَحلَتْ عنه رَبّات الخُدُور وأقامت فيه أثافيّ القُدر وقد اكْتَسى بالنَّبات كأنه أُلْبس الحُلَل. وكان أهْلُه يَعْفون فيه آثار الرِّياح فأصبحت الرِّيح تَعْفو أثارهم فالعَهد قريب والمُلتقى بَعِيد. وذَكر أعرابي قوماً تغيرت أحوالهم فقال أعينٌ والله كُحِلَت بالعَبْرَة بعد الحَبْرة وأنفُسٌ لَبِسَت الحُزْن بعد السرور. وذكر أعرابيّ قوماً تغيَّرت حالُهم فقال: كانوا والله في عَيْشِ رَقيق الحَوَاشي فطَوَاه الدَّهرُ بعد سَعَة حتى يَبِست أبدانُهم من القُرّ ولم أرَ صاحباً أغرَّ من الدنيا ولا ظالماً أغشمَ من المَوت ومَن عَصَف به الليلُ والنهارُ أرْدَياه ومن وُكِّل به الموتُ أفناه. وقَف إعرابيٌّ على دار قد بادَ أهلُها فقال: دارٌ والله مُعْتَصِرة للدّموع حَطَت بها السحابُ أثقالها وجرّت بها الرِّياح أذيالَها. وذكر أعرابيّ رجلاً تغيرت حالُه فقال: طُوِيت صحيفتُه وذهب رِزْقُه فالبَلاء مُسْرعٌ إليه والعَيش عنه قابضٌ كَفيه. وذكر أعرابيّ رجلاً ضاق عيشُه بعد سَعة فقال: كان والله في ظِلّ عيش مَمْدُود فَقَدحت عليه من الدَّهر يدٌ غير كابية الزَّند. الأصمعي قال: أَنشدَني العُقيْلي لأعرابيّة ترْثي ابنها: خَتلتْه المَنونُ بعد اختيال بين صَفّين مِن قناَ ونصَال في رداء من الصفيح صَقِيل وقميص من الحديد مُذَال كُنت أَخْبؤك لاعتداء يَد الدَّهر ولم تَخْطُر المَنون ببالي وقال أعرابيّ يَرِثي ابنه عند دَفْنه: دَفنت بكفِّي بعض نَفْسي فأَصْبحتْ وللنفس منها دَافِن وَدَفِينُ وقال أعرابيّ: إنّ الدُّنيا تَنطق بغير لسان فتُخبر عما يكون بما قد كان. خرج أعرابيّ هارباً من طافَ يَبْغِي نَجْوَةً من هلاكٍ فَهَلَكْ والمَنايا رَصَدٌ للفتى حيثُ سَلَك كُلّ شيء قاتلٌ حينَ تَلْقَى أجلَك وذَكَر أعرابي بلداً فقال: بلد كالتُّرس ما تمشي فيه الرِّياح إلّا عابراتِ سَبِيل ولا يمر فيها السَّفْر إلّا بأَدَلّ دليل. قولهم في الإستطعام قَدِمَ أعرابيّ من بني كِنانة على مَعْن بن زائدة وهو باليمن فقال: إني والله ما أعرف سبباً بعد الإسلام والرّحم أقْوى من رِحْلة مِثْلِى من أهل السِّنّ والحَسَب إليك مِن بلاده بلا سَبب ولا وَسِيلة إلّا دُعاءَك إِلى المكارم ورَغْبَتك في المَعْروف فإنْ رأَيْتَ أَنْ تَضَعَني مِن نَفْسِك بحيثُ وضعتُ نفْسي من رَجائك فافعل. فَوَصله
العقد الفريد/الجزء الثاني/25
وقيل لأعرابي: من أحَقُّ الناس بالرحمة قال: الكريمُ يُسَلّط عليه اللئيم والعاقلُ يُسلط عليه الجاهل. وقيل له: أيّ الداعِين أحقّ بالإجابة قال: المَظلوم الذي لا ناصرَ له إلا الله قيل له: فأيّ الناس أَغْنَى عن الناس قال: مَن أفرد الله بحاجته. ونَظر عُثمان إلى أعرابي في شَمْلة غائر العَيْنين مُشْرف الحاجبين ناتيء الجَبْهة فقال له: يا أعرابي. أين ربُّك قال: بالمرصاد. الأصمعي قال: سمعتُ أعرابياً يقول: إذا أَشْكل عليك أمْران فانظر أيّهما أقربً مِن هواك فخالِفْه فإنَّ أَكثر ما يكونُ الخطأ عليك مع مُتابعة الهوى. قال: وِسمعتُ أعرابياً يقول: منِ نَتَجِ الخير أنْتَج له فِرَاخاً تَطِير بأجْنِحَة السُّرُور ومَن غرَس الشر أنْبت له نَبَاتاً مُرّاً مَذاقه قُضْبَانه الغَيْظ وثَمرته النَّدَم. وقال أعرابيّ: الهَوَى عاجلُه لذيذ وأجلُه وَخيم. وقيل لأعرابيّ: إنك لَحَسن الشَّارة قال: ذلك عُنوان نِعمة الله عندي. قال الأصمعي: ورأيتُ أعرابياً أمامه شاءٌ فقلت له لمن هذا الشاء قال: هي لله عندي. وقيل لأعْرابيّ: كيف أنت في دِينك قال: أخرقه بالمَعاصي وأرقَعه بالاستغفار. وقال أعرابيّ: مَن كَساه الحياءُ ثوبَه خَفِيَ على الناس عَيْبُه. وقال: بِئْس الزادُ التعدِّي على العِباد. وقال: التلطف بالحِيلة أنْفَع من الوَسيلة. وقال: مَنْ ثَقُل على صديقه خَفَّ على عَدوّه ومَن أسرع إلى الناس بما يَكْرهون قالوا فيه بما لا يَعْلَمون. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول لابنه وهو يُعاتبه: لا تَتَوهمنَّ على مَن يَستدلّى على غائب الأمور يشاهدها الغَفْلَة عن أمُور يُعاينها فَتكونَ بنفسك بدأت وحظًك أخطأتَ. ونَظر أعرابي إلى رجُلٍ حَسَن الوَجْه بَضّه فقال: إنّي أرَى وجهاً ما عَلقَه بَرْد وضُوء السحر ولا هو بالذي قال فيه الشاعر: مِنْ كلِّ مًجتهدٍ يَرَى أَوْصالَه صَوْمُ النَّهَارِ وسَجْدة الأسْحَارِ الأصمعي قال: سمعتً أعرابياً يُنْشد: وإذا أظْهَرْت أمراً حَسَناً فَليَكُنْ أَحْسَنَ منه ما تسِرّ فَمُسرُ الخَيْر مَوْسُوم به ومُسِرُّ الشَّرّ مَرسُوم بِشرّ وقَوْل الَأعرابيّ هذا علىِ ما جاء في حديث رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ما أسر امرؤ سريرةً إلا ألبسه اللهّ رداءَها إنْ خيراً فخير وإن شراً فشر قال: وأنشدني أعرابيِّ: فإنّكَ لا تَدْرِي بأيِّة بلدةٍ تَمُوتُ ولا ما يُحْدِثُ الله في غَد يقولون لا تَبْعَد ومَنْ يَكُ مُسْدَلاًَ على وَجْهه سِتْرٌ من الأرض يَبْعُد وقال أعرابي: أعجز الناس مَنْ قَصَرَ في طلب الإخوان وأعجز منه مَنْ ضَيع مَنْ ظفرِ به منهم. وقال أعرابي لإبنه: لا يَسُرّك أن تَغلب بالشرّ فإن الغالب بالشرّ هو المغلوب. وقال أعرابي لأخ له: لقد نَهيتُكَ أن تُرِيق ماءَ وجهك عند من لا ماء في وَجْهه فإنّ حَظَّكَ من عَطِيَّته السؤال. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: إنّ حُبَّ الخيْر خير وإن عجزتْ عنه المَقْدِرة وبُغْضَ الشرِّ خير وإن فعلتَ أكثرَه. وشهد أعرابي عند سَوَّار القاضي بشهادة فقال له: يا أعرِابي: إِنّ ميْداننا لا يَجْري من العِتاق فيه إلا الجياد قال: لئن كشفتَ عني لتجدَني عَثوراً فسأل عنه سَوار فأخْبر بفضل وصَلاح فَقال له: يا أعرابي إنك ممنْ يَجري في ميْداننا قال: ذلك بستْر الله. وقال أعرابي: والله لولا أن المُرُوءَة ثَقِيل مَحْمَلها شديدة مؤونتها ما تَرك اللئام للكِرام شيئاً. احتُضر أعرابي فقال له بَنوه: عِظْنا يا أبانا فقال: عاشِرُوا الناس مُعاشرة إن غِبْتم حنُّوا إليك وِإن مُتُّم بَكَوْا عليكم. ودخل أعرابي على بعض الملوك في شَمْلة شَعَر فلما رآه أعرض عنه فقال له: إن الشَّملة لا تُكلِّمك هانما يُكلِّمك مَنْ هو فيها. ومرَّ أعرابي بقوم يَدْفِنون جاريةً فقال: نِعم الصِّهْرُ ما صاهرتم وأنشد: وقال أعرابي: رُبَّ رَجل سِرّه مَنْشور على لسانه وآخرً قد التَحَف عليه قَلبَه التحافَ الْجَنَاح على الخَوَافي. ومرَّ أعرابيان برجل صَلَبه بعضُ الخُلفاء فقال أحدُهما: أنْبَتته الطاعةُ وحَصَدتَه المَعْصِية. وقال الآخرً: من طلَّق الدُّنيا فالآخرًةُ صاحبته ومَن فارق الحقّ فالْجذْع راحلتُه. العُتْبيُّ عَن زَيد بن عُمارة قال: سمعت أعرابياً يقول لأخيه وهو يَبْتني منزلًا: يا أخي أنتَ في دار شَتَاتٍ فتأهَّبْ لِشَتاتِكْ واجعل الدُّنيا كَيَومْ صمته عن شَهَوَاتك واطْلُب الفَوزَ بِعَيْش الزُّ هْد من طُول حَياتك ثم أطرق حيناً ورَفع رأسَه وهو يقول: قائِدُ الغَفْلة الأمَلْ والهَوَى قائدُ الزَللْ قَتَلَ الجَهْل أهْلَه ونَجَا كل مَنْ عَقَل فاغْتنِم دَولة السَّلا مة واسْتَانِف العمَل أيُّها المُبْتَني القُصوِرَ وقد شابَ وَاكْتَهَلْ أخبر الشيب عَنْك أن ك في آخرً الأجَل فَعَلامَ الوُقُوفُ في عَرْصة العَجْز والكَسَل مَنزلٌ لم يزَلْ يَضِي قُ وَينْبو بِمَنْ نَزَل فتأهَّب لِرِحْلةٍ ليس يَسْعَى بها جمل رِحْلةٍ لم تَزل على الدّهْر مَكْرُوهةَ القَفَل وقيل لأعرابي: كيف كِتْمانك للسر قال: ما جَوْفي له إلا قَبْر. وقال أعرابيِّ: إذا أردتَ أنْ تَعْرف وَفاءَ الرَّجل ودَوَام عَهْدِه فانظُر إلى حَنِينه إلى أوْطانِه وشَوْقه إلى إخوانه وبُكائه على ما مضى من زَمانه. وقال أعرابيّ: إذا كان الرأي عند مَن لا يُقْبَل منه والسِّلاح عند من لا يَسْتعمله والمالُ عند مَن لا يُنفِقه ضاعت الأمور. وسُئل أعرابي عن القَدَر فقال: الناظرُ في قَدَر الله كالناظر في عَيْن الشّمس يَعْرِف ضَوْءها ولا يَقِف على حدُودها. وسُئل آخرً عن القَدر فقال: عِلْم اختصمت فيه العُقول وتَقاوَل فيه المُخْتلفون وحق علينا أن نَرُدما التَبس علينا من حُكْمِه إلى ما سَبَق من عِلمه. وقال أعرابيّ: تَكْوير اللَيل والنَّهار لا تَبْقى عليه الأعمار ولا لأحَد فيه الخِيار. أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَرج الَحَجّاج ذات يوم فأصحر وحَضَر غَداؤه فقال: اطلُبوا من يَتَغدَّى مَعَنا فَطلبوا فلم يَجدُوا إلا أعرابياً في شَمْلة فأتَوْه به فقال له: هَلُمّ قال له: قد دعاني من هو أكرمُ مَنك فأجَبتُه قال: ومَن هو قال: الله تبارك وتعالى دعاني
العقد الفريد/الجزء الثاني/26
وذَكر أعرابيّ رجلاً. فقال: إنْ حَدثته سابقك إلى ذلك الحَدِيث وإن سَكَتّ عنه أخذ في التُرهات. وذكرَ أعرابي أميراً فقال: يَصِل النَّشْوَة ويَقْضي بالعَشْوَة ويَقْبَل الرِّشْوةَ. وذكر أعرابيّ رجلاً راكباً هواه فقال: لهو واللهّ أسْرع إلى ما يهوَاه من الأسَن إلى راكد المياه أفقره ذلك أو أغنَاه. وقال أعرابيّ: ليتَ فلاناً أقَالَني من حُسْن ظَنِّي به فأخْتِمَ بصَوَاب إذ بدأتُ بخطأ ولكنْ من لم تُحْكِمْهُ التَجَارب أسْرَع بالمَدْح إلى مَنْ يَسْتوجب الذّم وبالذّم إلى مَن يَسْتوجب المَدْح. وقال أعرابيّ لرجل: هل أنتَ إلا أنتَ لم تتغيّر ولو كُنت من حدِيد ووُضعتَ في أتُون مَحْمِيّ لم تَذُب. وسمعتُ أعرابياً يقول لأخيه: قد كنتُ نَهيتُكَ أن تُدَنِّس عِرْضك بعِرْض فلان وأعلمتُك أقْبَل أعْراب! إلى سَوَار فلم يصَادف عنده ما أحب فقال فيه: رأيتُ لي رُؤيا وعَبَّرْتُها وكنتُ للأحْلام عبّارَا بأنني أخبِطَ في لَيْلَتي كَلبًا فكان الكَلْبُ سَوَّارا وقال أعرابي في ابن عم له يُسَمَّى زِيَاداً: مَنْ يُقَادِرْ مَن يُطَافِس مَن يُناذل بِزِياد مَن يُبادلني قريباً ببعيد مِن إيَادِ وقال سَعِيد بن سَلْم الباهليّ: مدَحَني أعرابي فاسْتَبطأ الثواب فقال: لكلِّ أخِي مَدْحٍ ثوابٌ يعده وليسِ لِمَدْح الباهلي ثَوَابُ مَدَحْتُ سَعِيداً والمَدِيحُ مهَزَةٌ فكان كَصَفْوَانٍ عليه ترَابُ وقاد أيضاً: وإنّ مِن غايةِ حِرْص الفَتَى طِلاَبُه المَعْروفَ في باهِلَهْ كبِيرُهم وَغد وَمَوْلودهم تَلْعَنُه من قُبْحِه القابِلَه وقال أيضاً: سَبَكْنَاهُ ونَحْسَبه لُجَيْنًا فأبْدَى الكير عن خبَثِ الحديدِ لما رَآنا فَرَّ بوَّابُه وانسَد َمن غير يَدٍ بابُه وعِنْده مِن مَقْته حاجب يَحْجُبه إن غاب حُجَّابُه دَخَل أعرابيّ على المُساور بن هِنْد وهو على الري فلم يُعْطِه شيئاً فخرج وهو يقول: أتيتُ المُساوِرَ في حاجَةٍ ما زَالَ يَسْعُل حتى ضَرَطْ وَحَكً قَفَاه بِكًرْ سُوعِه ومسحَ عُثْنُونه وامْتَخَط فأمْسكتُ عن حاجَتي خِيفة لأخرى تُقَطّعُ شَرْجَ السَّفَط فأقسم لوعُدْت في حاجَتي للطَّخ بالسًلْح وَشي النَّمَط وقال غَلِطْنَا حِسَاب الخَرَاج فقلتُ من الضّرْط جاء الغَلَط وكان كلما ركب صاح الصِّبيان: من الضّرْط جاء الغلط حتى هَرَب من غير عَزْل إلى بلاد أَصْبهان. أبو حاتِم عن أبي زَيْد قال: أنشدنا أعرابيّ في رجل قَصِير: يَكاد خَلِيلي من تَقارُب شَخْصِه يَعَضُ القُرَادُ باسْته وهو قائمُ وذَكَر أعرابيّ امرأة قَبيحة فقال: تُرْخِى ذَيْلها على عُرْقوبي نَعامة وتَسْدِل العُتْبي قال: سَمعتُ أعرابياً يقول: لا تَرك اللهّ مخًّا في سُلامَى ناقة حَمَلتْني إليك والدَّاعي عليها أحقُّ بالدَعاء عَليك إذ كلَّفها المسيرَ إليك وقال أعرابي لابن الزبير بوركت ناقة حملتني إليك. قال: إنّ وصاحبها. قوله: إن يُريد: نعم. قال ابن قيس الرقيّات: ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا ك وقد كَبِرْتَ فقلتَ إنَّه يريد: نعم. وذَكر أعرابيّ رجلاً فقال: لا يُؤْنِسُ جارًا ولا يُؤهل دارا ولا يُثْقِب نارا. وسأل أعرابيّ رجلاً فَحَرمه فقال له أخوه: نزلتَ واللهّ بوادٍ غير مَمطور وبرجُل غير مَبْرورِ فارتحِل بنَدَم أو أقِمْ بعَدَم. ودخلت أعرابية على حَمدونة بنت المهديّ فلما خرجت سُئلت عنها فقالت: والله لقد رأيتُها فما رأيتُ طائلا كأنَّ بطنها قِرْبة وكأنَّ ثَدْيها دَبّة وكأن استها رقعة وكأن وَجْهها وَجْه ديك قد نفَش عِفْرِيَتَه يُقاتل ديكا. وصاحَبَ أعرابي امرأة فقال لها: والله إنك لمُشْرفة الأذنين جاحظة العَيْنين ذات خَلْق مُتضائل يُعْجبكِ الباطل إنْ شَبِعتِ بَطِرْت وإن جُعْت صَخِبْت وإن رأيتِ حَسنًا دَفَنْته وإن رأيتِ سَيِّئا أذعْتِه تُكْرمين من حَقَرك وتُحَمّرين مَن أكْرَمكِ. وهَجَا أعرابيّ امرأته فقال: يا بِكْرَ حَوَّاء من الأولاد وأمَ آلافٍ مِنَ العِبَادِ عُمْرك مَمْدُود إلى التَّنادي فحدِّثينا بحديث عاد إني من شخصك في جهاده وقال أعرابيّ في امرأة تَزَوَّجها وذُكِر له أنها شابة طريّة ودَسوا إليه عَجوزاً: عَجوز تُرَجِّى أن تكون فَتِيّة وقد نَحَل الجَنْبَان واحدودب الظَّهْر تَدُسىّ إلى العطّارِ سِلعة أهلها وهل يُصْلِح العطار ما أفْسَدَ الدهر تَزوّجتها قبل المِحَاق بلَيْلةٍ فكان مَحاقاً كلُه ذلك الشَهر وما غرَّني إلاخِضَابٌ بكفِّها وكُحْل بعَيْنَيْها وأثْوَابُها الصُفْر وقال فيها: ولا تستطيع الكُحْلَ من ضِيق عَيْنها فإن عالَجتْه صار َفوق المحَاجِر وفي حاجبَيها حَزَّة كغِرارة فإن حُلِقا كانت ثلاثُ غَرَائر وثَدْيان أما واحدٌ فهو مِزْوَد وآخرً فيه
العقد الفريد/الجزء الثاني/27
قولهم في الإعراب الأصمعي قال: قلت لأعرابي أتَهْمِز إسرائيل قال: إنّي إذاً لرجلُ سَوْء قلت له: أفتجرّ فِلسْطين قال: إنّي إذاً لقويّ. وسَمع أعرابيّ إماماً يقرأ: وَلاَ تَنْكِحوا المُشرْكين حتَى يُؤمِنُوا. قال: ولا إن آمنوا أيضاً لن نَنْكحهم فقيل له: إنه يَلْحَن وليس هكذا يُقرأ فقال: أخرًوه قَبٌحَه الله لا تَجْعَلوه إماماً فإنه يُحِلُّ ما حرَّم الله. وسمع أعرابيّ أبا المكْنُون النَحْوِيّ وهو يقول في دُعائه يَسْتَسْقي: اللهم ربنا وإلهنا وسيدنا ومولانا فصلِّ على محمد نبيّنا ومَن أراد بنا سوءاً فأحِطْ ذلك السوء به كإحاطة القلائد بأعناق الوَلائد ثم أرسِخْه على هامته كرُسوخ السجًيل على هام أصحاب الفيل اللهم اسْقِنا غَيْثاً مريئاً مريعاً مُجَلْجِلاً مُسْحَنْفِراً هَزِجاً سَحًّا سَفُوحاً طَبَقاً غَدَقا مُثْعَنْجِرا صَخِباً نافعاً لعامّتنا وغيرَ ضارّ بخاصّتنا. فقال الأعرابي: يا خليفة نُوح هذا الطُّوفان وربِّ الكعبة دَعني حتّى آوىَ إلى جَبلِ يَعْصِمني من الماء. الأصمعي قال: أصابت الأرضَ مجاعة فلقيتُ رجلاً منهم خارجاً من الصَحراء كأنه جِذْع مُحْترق فقلت له: أتقرأ مني كتاب اللهّ شيئاً قال: لا قلتُ: فأعلمك قال: ما شئتَ قلت: اقرأ: " قُل يَا أيها الكافِرُون " قال: كُلْ يا أيها الكافرون قلتُ: " قُلْ يا أيها الكافرون " كما أقول لك قال: ما أجد لساني يَنْطلق بذلك. قال: ورأيتُ أعرابياً ومعه بُنيّ له صَغير مُمْسِك بفَم قِرْبة وقد خاف أن تَغْلِبه القِرْبةُ فصاح: يا أبتِ أدْرِك فاها غَلبَني فوها لا طاقة لي بفيها. قولهم في الدين قال أعرابي: الدَّيْن ذلٌ بالنهار وهَمّ بالليل. وقال أعرابيّ في غُرَماء له يَطْلبونه بدَيْن: جاءوا إليَّ غِضاباً يَلْغَطون معاً فقلت موعد كم ابن هبار وما أوَاعدُهم إلا لأدْرَأهم عني فيحرجني نقضي وإمراري وما جَلبتُ إليهم غَيرَ راحلة تَخْدِي بِرَحْلى وسيفٍ جَفنُه عارِي إنّ القضاء سَيأتي دًونه زمن فاطْوِ الصَّحيفة واحفظها من النًار الأصمعي قال: كان لرجل مِنْ يَحْصًب على رجل من باهِلَة دَيْن فلما حًلَ دَيْنُه هَرَب الأعرابيّ وأنشأ يقول: ذا حًلّ دَين اليَحْصُبيّ فَقُلْ له تَزوَدْ بزادٍ واستَعِنْ بدلِيل سَيُصْبِحُ فَوقي أقتُم الريش واقعاً بقالي قَلَا أو من وراء دَبيل الأصمعي قال: فأخبرني رجلٌ أنه رآه مَقْتُولاً بقالي قَلا وعليه نَسْر أقْتم الرِّيش. الأصمعي قال: اختصمَ أعرابياًن إلى بعض الوُلاة في دَيْن لأحدهما على صاحبه فجعل المًدَّعَى عليه يحلف بالطّلاق والعِتاق فقال له المدَعِي: دَعني من هذه الأيمان واحْلف بما أقول لك: لا تَرك الله لك خُفّا يتبع خُفّا ولا ظِلْفا يتبع ظِلفا وحَتّك من أهلك حَتّ الوَرَقَ من الشّجر إن لم يكن لي هذا الحقّ قِبلك. فأعطاه حَقَه ولم يَحْلِف له. الهَيْثَم بن عَدِيّ قال: يَمين لا يَحْلِف بها أَعرابيّ أبداً: لا أَوْرد الله لك صادرة ولا أَصْدَر لك واردة ولا حَطَطْتَ رَحْلك ولا خَلَعتَ نَعْلَك. قولهم في النوادر والملح الشيباني قال: خَرَجِ أبو العبّاس أميرُ المؤمنين مُتَنَزِّها بالأنبار فأَمْعن في نُزْهَته وانتبذ من أصحابه فوافى خِبَاءً لأعرابيّ فقال له الأعرابي: ممَّن الرَّجل قال: من كِنانة قال: من أيّ كِنانة قال: مِنْ أبغض كِنانة إلى كِنانة قال: فأنتَ إذاً من قُريش قال: نعم قال: فمن أي قُرَيش قال: مِن أبغض قُريش إلى قُريش قال: فأنت إذاً من ولد عبد المطلب قال نعم قال: فمن أي ولد عبد المطلب قال: من أبغض ولد عبد المطلب إلى عبد المُطلب قال: فأنت إذاً أمير المؤمنين وَوَثب إليه فاستحسن ما رأَى منه وأَمر له بجائزة. الشِّيبانيّ قال: خرج الحجَّاج مُتَصيِّداً بالمدينة فوقف على أَعرابيّ يرعى إبلًا له فقال له: يا أعرابيّ كيف. رأيتَ سِيرَة أَميركم الحجَّاج قال له الأعرابيّ: غَشوم ظَلُوم لا حيّاه الله فقال: فَلِم لا شَكَوْتموه إلى أمير المًؤمنين عبد الملك قال: فأظْلم وأغشم. فبينما هو كذلك إذ أحاطت به الخيل فأومأ الحجّاج إلى الأعرابي فأخذ وحُمِلَ فلما صار معهم قال: مَن هذا قالوا له: الحجاج فحرَّك دابته حتى صار أعرابي قال: السرّ الذي بيني وبينك أحِبُّ أن يكون مكتوماً قال: فَضَحك الحجًاج وأمر بتَخْلِية سَبيلِه: الأصمعي قال: وَلى يُوسُف بن عُمَر صاحبُ العِرَاق أعرابياً على عمل له فأصاب عليه خِيَانةً فعَزَلَه فلما قَدِمَ عليه قال له: يا عدوً اللهّ أكلتَ مال الله قال الأعرابيّ: فمالَ مَنْ آكُلْ إذا لم آكل مال اللهّ لقد راودتُ إبليس أن يُعطيني فَلْساً واحداً فما فَعل. فَضحِك منه وخلِّى سبيله. الشّيْبَانيِّ قال: نزل عبدُ اللهّ بن جعفر إلى خيمة أعرابيّة ولها دَجاجة وقد دَجَنت عندها فَذَبحتها وجاءتها بها إليه فقالت: يا أبا جعفر هذه دَجاجة لي كنت أدْجنها وأعْلِفها من قُوتي وألمَسها في آناء الليل فكأنما ألمَس بِنْتى زَلَّت عن كَبِدي فَنَذرتُ لله أن أدفنها في أكرم بُقعة تكون فلم أجد تلك البُقعة المباركة إلا بَطنك فأرَدت أن أدْفنها فيه. فَضَحِك عبدُ اللهّ بن جعفر وأمر لها بخمسمائة دِرْهم. ونظر أعرابيّ إلى قَوْم يلتمسون هِلالَ شهر رَمضان فقال: واللهّ لئنِ أريتموه لتُمْسِكُن منه بذِناب عَيْش أغبر. الأصمعي قال: رأيتُ أعرابياً واقفاً على رَكيّة مِلْحة فقلتُ: كيف هذا الماء يا أَعرابيّ قال: يُخْطِيءُ القلبَ ويُصيب الأستَ. ونظر أَعرابيّ إلى رجل سَمِين فقال: أرى عليك قطيفةً من نَسْج أضرْاسك. قال: وسمعت أعرابياً يقول: اللهم إنّي أسألك مِيتة كمِيتة أبي خارجة أكل بَذَجاً وشَرِبَ مُعَسَّلا ونام في الشَمس فمات دَفيئاً شبْعان رَيّان. محمد بن وَضّاح يرفعه إلى أبي هُريرة رضي الله عنه. قال: دخلِ أعرابيّ المسجد والنبي جالسٌ فقام يُصلّي فلما فرغ قال: اللهم ارْحَمني ومحمداً ولا تَرْحَم معنا أحداً فقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: لقد حجرْت واسعاً يا أعرابيّ. قال: وسمعت أعرابياً وهو يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي فقلتُ له: مالك لا تَذْكر أباك فقال أبي رجلٌ يَحتال لنفسه وأما أُمي فبائسة ضعيفة. أبو حاتم عن أبي زَيد قال: رأيتُ أعرابياً كأنّ أنفَه كُوز من
العقد الفريد/الجزء الثاني/28
فجعل يَقْفِزِ صُلْبه ويهزُ كَتِفيه ثم التَبط بالأرض فقلتُ: مَعْتوه وربِّ الكعبة ثم ما بَرح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي. ثم أرسلت إلينا النساء أن أمْتعونا من لَهْوكم فبَعثوا بهم إليهنَّ وبقيتْ الأصواتُ تَدور في آذاننا. وكان مَعنا في البيت شابّ لا آبه له فعَلَت الأصوات له بالدُّعاء فخرج فجاء بِخَشبة في يده عينُها في صَدْرها فيها خُيُوط أربعة فاستخرج من جوانبها عُوداً فوضَعه على آذنه ثم زَمّ الخيوط الظاهرة فلما أحْكمها عرَك أذنها فنطق فُوها فإذا هي أحسن قَيْنة رأيتُها قط فاستخفَّني حتى قُمتُ - من مجلسي فجلستُ إليه فقلتُ: بأبي أنتَ وأمّي ما هذه الدَّابة قال: يا أعرابيّ هذا البَرْبط قلت: ما هذه الخُيُوط قال: أما الأسفل فزير والذي يَليه مثنى والذي يليه مثلث والذي يليه بَمّ فقلتُ: آمنت باللهّ. وقال أعرابيّ: تَمْرنا خُرس فُطْس يغيب فيهنَ الضِّرْس كأنّ فاها ألسن الطَّير تقع التمرة منها في فيك فتجد حَلَاوَتها في كَعْبِك. وحضر أعرابيّ سُفْرة سُليمان بن عبد الملك فلما أتي بالفالوذج جَعَل يُسْرع فيه فقال سليمان: أتَدْري ما تأكْل يا أعرابي فقال: بلى يا أمير المؤمنين إني لأجد رِيقاً هنيئاً ومُزْدَرَداً ليناً وأظنه الصراطَ المُستقيم الذي ذَكره الله في كتابه. قال: فَضَحك سليمان وقال: أريدك منه يا أعرابي فإنهم يذكرون أنّه يزيد في الدَماغ قال: كذَبوك يا أمير المؤمنين لو كان كذلك لكان رأسك مثلَ رأس البَغْل. قال: ومررت بأعرابي يأكل في رَمضان فقلت له: ألا تَصُوم يا أعرابي فقال: وصائمٍ هب يَلْحَاني فقلتُ له أعْمِد لِصَوْمِك واتْرُكْني وإفطاري واظمأ فإني سأرْوى ثم سوف تَرى من ذا يصير إذا مِتْنا إلى النار وحَضر سُفْرةَ سليمان أعرابيّ فنظر إلى شَعرة في لُقْمة الأعرابي فقال: أرى شعرة في لُقْمتك يا أعرابي قال: وإنك لَتُراعيني مُرَاعاة من يُبْصِرُ الشَّعرة في لُقمتي واللهّ لا واكلتُك أبداً فقال اسْترها عليٌ يا أعرابي فإنها زلّة ولا أعود إلى مثلها أبداً. ===أخبار أبي مهدية الأعرابي === أبو عثمان المازني قال: قال أبو مَهْدئة: بلغنيِ أن الأعراب والأعزاب هجاؤها واحد قلت: نعم قال: فاقرأ الأعزاب أشدّ كُفْراً ونفاقاً ولا تقرأ: الأعراب ولا يَغُرُّك العَزَب وإن صام وصلَّى. وتُوفّي بُني لأبي مهدية صغير فقيل له: أبشر أبا مَهدية فإنا نرجو أن يكون شَفِيع صِدْق يومَ القيامة قال: لا وَكلنا الله إلى شَفاعته إذاً والله يَكون أعيانا لساناً وأضعَفَنا حُجة ليته المِسْكينَ كَفَانا نَفْسه. وقيل لأبي مهديّة: أكُنتم تتوضئون بالبادية قال: نعم والله لقد كُنا نتوضّأ فتكفي التَوْضئة الرجل منّا الثلاثة الأيام والأربعة حتى دخلتْ علينا هذه الحمراء - يعني الموالي - فجعلت تُليق أستاهها كما تُلاق الدَّواة. وقيل لأبي مَهديّة: أتقرأ من كتاب اللهّ تعالى شيئاً قال: نعمِ ثم افتتح يقرأ: " والضُّحَى واللَيْل إذا سَجَى " حتى انتهى إلى " وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهَدَى " فالتفت إلى صاحب له فقال: إنَ هؤلاء العُلوج يقولون: وَوَجدك ضَالاً فهدى والله لا أقولها أبداً. ولما أسَن أبو مهديّة وَلي جانباً من اليمامة وكان به قَوْمٌ من اليهود أهلُ عَطاء وجِدَة فأرسل إليهم فقال: مَا عندكم في المَسِيح قالوا: قَتلناه وصَلَبْناه قال: فهل غَرِمْتُم دِيَته قالوا: لا قال: إذاً واللهّ لا تَبْرحوا حتى تَغْرموا دِيتَه فأرْضوه حتى كَف عنهم. وقيل لأبي مهدية ما أصْبَرَكم معشرَ العرب على البَدْو قال: كيف لا يَصْبر على البدو مَن طعامُه الشمس وشرابه الرٌيح. ونظر أبو مَهْديّة إلى رجل يسْتَنجي ويُكثر من الماء فقال له: إلى كم تَغْسلها ويحك! أتريد أن تَشرَب فيها سَويقاً. ومات طفل لأبي مهدية فقيل له: اصبر يا أبا مهديّة فإنه فَرَط افترطته وخير قدَمته وذُخْر أحْرزته فقال: بل وَلد دفنته وثُكل تُعجِّلته والله لئن لمِ أجْزع للنَّقص لا أفْرَح بالمَزيد. قال أبو عُبيدة: سمع أبو مَهْدِيَّة رجلاً يقول بالفارسيَّة: ذود ذود فقال: ما يقول هذا فقيل له: يقول عَجِّل عَجِّل فقال: أفلا يقول: حَيّهَلاَ خبر أبي الزهراء المُعلى بن المُثَنَّى الشّيبانيّ قال: حَدّثنا سُويد بن مَنْجوف قال: أقبل أعرابيّ من بنى تميم حتى دخل الكوفة من ناحية جَيّانة السُّبيع تحته أتان له تَخُبّ وعليه ذلاذل وأطمار من سَحْق صُوف وقد اعتمّ بما يًشْبه ذلك من أشْوه الناس مَنْظراً وأقْبحهم شَكلاً وهو يَهْدر كما يَهْدر البعيرُ وهو يقوله: ألا سَبَد ألا لَبَد ألا مُؤْوٍ ألا سَعْديّ ألا يَربوعي ألا دارمي هَيهات هَيهات وما يُغْنى أصْلُ حَوْض
العقد الفريد/الجزء الثاني/29
وقال له مُعاوية يوما: والله إنّ فيكم لَخَصلة ما تُعْجِبني يا بني هاشِم قال: وما هي قال: لِينٌ فيكم قال: لِينُ ماذا قال: هو ذاك قال: إيانا تُعير يا مُعاوية! أجل والله إن فينا لَلِيناً من غير ضَعْف وعِزًا من غير جَبَروت وأما أنتم يا بني أمية فإنّ لِينكم غَدْر وعِزَكم كُفْر قال مُعاوية: ما كُلَّ هذا أردنا يا أبا يزيد. قال عقيل: لذى اللُبّ قَبْلَ اليوم ما تُقْرَع العَصَا وما عُلَم الإنسانُ إلا لِيَعلَما وإنّ سِفاه الشَيخ لا حلمَ بعده وإنِ الفَتَى بعد السَّفاهة يَحْلَمُ وقال مُعاوية لعَقيل بن أبي طالب: لم جَفوْتمونا يا أبا يزيد فأنشأ يقول: إني امرؤ منّي التكرّمُ شِيمةٌ إذا صاحبي يوماً على الهُون أضْمَرَا ثم قال: وايم الله يا مُعاوية لئن كانت الدُنيا مَهَّدتك مِهادَها وأظَلَّتْك بحذافيرها ومَدَت عليك أطْناب سُلْطانها ما ذاك بالذي يَزيدك مِنيٍ رغبة ولا تخشُّعاً لرهبة. قال مُعاوية: لقد نَعتها أبا يزيد نَعْتاً هش له قلبيٍ وإني لأرْجو أن يكون الله تبارك وتعالى ما رَدّاني برداء مُلْكها وحَبَاني بِفَضيلة عَيْشها إلا لكرامة ادّخرها لي وقد كان داودُ خليفةً وسُليمانُ مَلِكاً وإنما هوِ لمِثال يُحْتذى عليه والأمور أشباه وايم الله يا أبا يزيد لقد أصبحت علينا كريماَ وإلينا حَبيبا وما أصبحتُ أضمر لك إساءة. ويقال إنّ امرأة عَقيل وهي بنت عُتبة بن رَبيعة خالةُ معاوية قالت لعَقيل: يا بَنِي هاشم لا يُحبكم قَلْبي أبداً أين أبي أين أخي أين عمّي كأن أعناقهم أباريقُ فِضَّة. قال عقيل: إذا دخلتِ جهنم فخُذي على شمالك. جواب ابن عبّاس لمعاوية رضي الله عنهما لمعاوية وأصحابه اجتمعت قُريشُ الشام والحجاز عند مُعاوية وفيهم عبدُ اللهّ بن عبّاس وكان جريئاً على معاوية حَقّاراً له فبَلغه عنه بعضُ ما غَمَّه فقال مُعاوية: رحم اللهّ أبا سُفيان والعبّاس كانا صَفِيَّينْ دون الناس فَحَفِظتُ الميتَ في الحيّ والحيَّ في الميّت استعملك عليٌّ يا بن عبّاس على البصرة واستعمل أخاك عًبيدَ الله على اليمن واستعمل أخاك تماما على المدينة فلما كان من الأمر ما كان هَنأتكم بما في أيديكم ولم أكْشفكم عمّا وَعَتْ غَرائرُكم وقلت: أخذ اليومَ وأعْطى غداً مثلَه وعلمتُ أنّ بدء اللؤم يَضُر بعاقبة الكَرَم ولو شِئْتُ لأخذتُ بحلاقيمكم وقَيَّأتكم ما أكلتم ولا يزال يبلغنِي عنكم مَا تَبْرُك به الإبل وذُنوبكم إلينا أكثرُ من ذنوبنا إليكم: خَذلْتم عُثمان بالمدينة وقَتلتمٍ أنصارَه يومَ الجمل وحاربتموني بصفين ولَعَمري لبنو تَيْم وعَدي أعظمُ ذُنوبا منا إليكم إذ صَرَفوا عنكم هذا الأمْر وسَنُّوا فيكم هذه السنّة فحتى متى أُغضي الجُفون على القَذَى وأسْحب الذُيول على الأذى وأقول: لعل الله وعَسى! ما تقول يا بن عباس قال: فتكلم ابنُ عباس فقال: رحم اللهّ أبانا وأباك كانا صَفِيَّين مُتقارضين لم يكن لأبي من مال إلاّ ما فَضل أباك وكان أبوك كذلك لأبي ولكن من هَنأ أباك بإخاء أبي أكثرُ من هنّأ أبي بإخاء أبيك نَصر أبي أباك في الجاهليّة وحَقَن دَمَه في الإسْلام وأما استعمالُ علي إيانْا فَلِنَفْسه دون هَواه وقد استعملتَ أنت رِجالاً لهواك لا لِنَفْسك منهم ابن الحَضْرمي على البصرة فقُتل وابنُ بِشرْ بن أرْطأة على اليمن فخان وحبيب بن مُرَّة على الحجاز فَرُد والضحّاك بن قيس الفِهْري على الكُوفة فحُصِب ولو طَلبت ما عندنا وَقَيْنا أعراضنا وليس الذي يبلغك عنّا بأعْظم من الذي يَبْلغنا عنك ولو وُضع أصغرُ ذُنوبكم إلينا على مائة حَسنة لَمَحقَها ولو وُضع أدنىَ عُذْرنا إليكم على مائة سيئة لَحَسّنها وأما خَذْلُنا عثمان فلو لَزِمنا نصره لنصرناه وأمّا قَتْلنا أنصارَه يوم الجمل فعلى خُروجهم مما دَخلوا فيه وأما حَرْبُنا إياك بصِفِّين فَعلى تركك الحقَّ وأدعائك الباطلَ وأمّا إغراؤُك إيّانا بِتَيْم وعَدِيّ فلو أرَدْناها ما غَلَبونا عليها وسَكَت. فقال في ذلك ابنُ أبي لَهب: كان ابنُ حَرْب عَظيمَ القَدْر في الناس حتى رَماه بما فيه ابنُ عبّاس ما زال يُهْبِطه طَوْراً ويُصعِده حتى استقاد وما بالحق من باس لم يَتْرًكَنْ خُطّةً ممّا يُذلِّله إلا كَواه بها في فَرْوةِ الرّأس وقال ابنُ أبي مُليكة: ما رأيتُ مِثلَ ابنِ عبَّاس! إذا رأيتُ أصحَّ الناس وإذا تكلم فأعْربُ الناس وإذا أفْتى فأفْقه الناس ما رأيتُ أكثرَ صوابا ولا أَحْضر جواباً من ابن عباس. ابن الكَلْبيّ قال: أقبل معاويةُ يوماً على ابن عبّاس فقال: لو وَليتمونا ما أتيتُم إلينا ما أتينا إليكم من التَّرحيب والتَقْريب وإعطائكم الجزيل وإكرامكم على القليل وصَبْري على ما صبرتُ عليه منكم وإني لا أريد أمراً إلا أظْمأتم صَدَرَه ولا آتِي مَعْروفاً إلا صَغَّرتم خَطَره وأعْطِيكم العطيّة فيها قَضاءُ حُقوقكم فتأخذونها مُتكارهين عليها تقولون: قد نَقَص الحقَّ دون الأَمل فأيّ أملٍ بعد ألف ألف أعطيها الرجلَ منكم ثم أكُون أسَر بإعطائها منه بأخْذها. والله لئن انخدعتُ لكم في مالي وذَلَلتُ لكم في عِرْضي أرى انخداعي كَرما وذُلِّي حلما. ول وَليتُمونا رَضينا منكم بالانتصاف ولا نَسألكم