والرابع تركيب الثقب، ويسمى القرطبي. وقال الحكماء: إنه ينشب في حبه وفي غيره سواء وافق أو لم يوافق وهو يستعمل في جميع الأشجار، المتنافرة والمتجانسة. وقال بعضهم إنما يستعمل في أشياء مخصوصة من الأشجار وهي العنب ينشب بالثقب في جنسه وفي عيون البقر والصفصاف والتفاح، والجوز في جنسه، وفي الفستق والبطم والتين والتوت والأترج في التفاح فيثمران معا وذلك من شهر تشرين الثاني إلى شباط. والخوخ ينشب في الصفصاف فيثمر خوخا بلا نوى، وفي اللوز والتفاح لذلك والتين ينبت في الفرصاد والقراصيا وذلك طوال أيام السنة باستثناء الشتاء ويكون في ذلك الأصل واحد والثمر مختلف، والرمان يضاف إلى غيره من الشجر حتى يلتصق وكذا قيل في السفرجل والورد ينشب في لحاء التفاح فيزهر عند حمله وفي اللوز كذلك. وطريقة انتساب في عيون البقر والصفصاف والآس ونحو ذلك، أن يعمد إليها إذا كانت قريبة فيؤخذ قضيب من العنب وهو على أصله غير مقطوع منه فيحفر من عند جذر الكرمة إلى جذر تلك الشجرة جورة في الأرض بعمق شبرين أو أكثر وبسط ذلك القضيب فيها حتى يصل إلى تلك الشجرة، ويثقب في أصلها ثقب بقدر غلظه، ويدخل طرفه فيها ويخرج من الجهة الأخرى ويجذب برفق حتى يبلغ موضعا غلظا من القضيب يقف عنده. ويطين ذلك الثقب بطين طيب لزج، ثم يرد التراب على الثقب ويتعهد بالسقي وحذار الأضرار بالقضيب أثناء العملية، ولا يمضي وقت طويل حتى يلتحم ذلك الثقب وبعد أن ينمو القضيب ويغلظ يقطع م جهة أصله، فإنه يثمر عنبا. وإن أريد أن ينشب في ساقها فيثقب فيه على قدر غلظ القضيب وبدخل طرف القضيب في ذلك الثقب ويجذب حتى يقف، ويطين من ترابي أبيض حلو، وتلف حوله الخرق، ويشد بالخيوط ويملأ بالتراب، ويبقى كذلكم من عامين إلى ثلاث حتى يغور القضيب في ساق الشجرة، فيقطع من جهة أصله ويمسح بالحديد القاطع فيسوى مع ساق الشجرة كأنه غرس فيها، عامين إلى ثلاثة حتى يغور القضيب في ساق الشجرة، كأنه غرسه فيها، أو يقطع أعلى الشجرة من فوق، ويوضع الأنشاب ويطعم كما كان يطعهم اولا، وترجع قوة الشجرة إلى ذلك القضيب. وإذا أنشب العنب في عيون البقر، يبقى على حلاوته ويبكر بالإطعام. وفي الصفصاف تنقص حلاوته، ويتغير طعمه وهو فيه أنجب من عيون البقر في الآس ويكتسب من طعمه ورائحته. أنشاب الجوز في الحور فبالثقب وفي شجرتين متجاورتين تجذب إحداهما إلى الأخرى فيعلقان. وينشب الجوز في الفستق والبطم إذا قربت إحدى الشجرتين من الأخرى وتجذب شجرة الجوز إلى الفستق إذا كانت رطبة. وأما أنشاب الخوخ في الصفصاف فيقوس أولا، وذلك بأن يدفن طرفه الأعلى تحت الأرض أو يجمع طرفاه عند غراسه فإذا علقت زرعت نواة خوخة أو نواتين أو شتلة من أي شجرة كانت تحت ذلك القوس، فإذا وصلت إلى التقويس شق في وسطه شق طويل بحيث يدخل منه غصن شتلة الخوخ حتى تخرج من أعلها ويجذب برفق حتى يستقيم ويشد عليها شد القوس بخيط صوف ونحوه، ويطين ويشد على الطين بالخرق ويربط. فإذا أتى العام الثاني والشتلة قد استغنت عن أصلها، فأقطعها، والنتيجة أثمار خوخ بلا نوى.
وللأنشاب طريقة أخرى وذلك بأن يشق الصفصاف في الربيع مما يقرب من شجرة الخوخ ويدخل في كل غصن قضيب من الخوخ، ثم يعصب على الشق بخيط قنب بإحكام ثم يطين فيشمر خوخا بلا نوى وطريقة أخرى في أنشاب أغصان من شجرة إلى أخرى تجاورها من الخوخ إلى اللوز أو التفاح فيكون أصلها واحدا والثمر مختلفا. وينشب كذلك الكمثري في التفاح والسفرجل، والتين في التوت والفرصاد، ويثمر الشجر ثمرتين والأصل واحد. ويمكن إنشاب قضبان مختلفة في كرمة واحدة، فتكون عناقيد الكرمة أصنافا وألونا.
النوع الخامس من أنواع التركيب تلقيح النوى والحبوب في أنواع المنابت كالفرصاد والعنصل والعوسج والخطمي والتين والسوسن والنخل وشبهها. فمن ذلك أن تقصد أصلا منها قوي النبات فيكشف التراب عن أصله ويؤخذ حب البطيخ والخيار والقثاء ويدخل منها في الشق حبة بعد نقعها في الماء العذب ليلة، ويرد التراب الطيب الناعم إلى أصل الشجرة ويغطى به موضع الحب بسماكة إصبعين ويزبل ان تيسر. ويركب القرع في العنصل بأن يقلع من بصله وتقطع من أعلى البصلة نحو ثلثها وتشق على شكل صليب ويدخل في حاشية كل شق منها حبة قرع بعد نقعها في الماء ليلة، ويكون طرف الحبة الرقيق إلى فوق ويجعل فوقها رمل وتراب بمقدار ثلاثة أصابع ويصب الماء بقربها لا عليها فينبت القرع فيها ويثمر قرعا كبيرا ثقيلا مائلا إلى الخضرة طيبا لا طعم للعنصل فيه البتة، وهو مجرب ويستغنى عن كثرة السقي آنذاك وحين زراعة حبه. ويركب القرع أيضا كما تقدم في القطن، وكذلك يركب الباذنجان في القطن. ويركب في أصول القرع البطيخ، ويركب بزره كذلك في العوسج والخطمي والتين والتوت كما ذكر. ويركب الياسمين الأبيض في الأصفر، ويركب في الخيزران ويركب في الرند، ويركب الدردار في الأزادرخت، ووقت ووقت هذا التركيب بالنسبة لأكثر الأشجار من منتصف شباط إلى عشرة أيام من آذار، وقيل إلى نصفه، وقيل إلى جري الماء في العود من الشجرة المقصودة، وذلك فيما يسقط ورقه من الأشجار. وأما التي لا يسقط فتركيبها من منتصف آذار حتى آخر أبار. وإن أردت أن تنبت القرع والقثاء بغير ماء فاعمد إلى أرض فيها جذور قديمة أو أصول من النبات المسمى بالجناح، وهو اسم الشوك العاقول أو الباقول، فاحفر عند أصله حفرة واسعة بعمق ثلاثة أذرع، ثم شق الأصل بعود طرفا شقا غير نافذ بقدر ما يسع حبتين من قرع أو قثاء، واجعلهما فيه، فإذا لعقا فيه فضع في أسفل الحفرة ترابا مبتلا حتى يصل إلى ذلك الموضع، ورد على موضع الحب تراب وجه الأرض الناعم حتى يرتفع ثلاثة أصابع، وكلما كبرت الحبتان شبرا زاد في التراب حتى تستوي الحفرة بالأرض فيصير أصلا ويطعم بغير ماء، ويعمل على السروج فيكون ما ينبت منوّما وعلى قثاء الحمار فيكون شديد المرارة مسهلا. ومن هذا التركيب يعمل نوى التمر في أصول القلقاس فيثمر موزا، وكذلك البطيخ يعمل في العوسج الخطمي والتين والسوس فيثمر. وكذلك يركب في التوت ويصب على الأصل ماء حار شديد الحرارة، فيحمل حملا كثيرا طيبا. وفي التوت يخرج بطيخا لذيذا أحلى من كل البطيخ بعيدا عن الآفات والتغيرات، وعلى السوسن يخرج بطيخا كبيرا حلوا، والذي على الخطمي يأتي له طعم طيب عجيب والذي على التين يخرج منه لا يقوى أحد على أكله فكأنه ثوم أو خردل، وإذا ركب الشجر المطعم في الشجر المطعم يكبر حمله ويزيد إنتاجه وإذا ركب في المطعم غير المطعم فإنه يحمل كثيرا، ولا يركب في شجرة ضعيفة ولا في شجرة هرمة، ولا يركب إلا في الفتية السالمة من الآفات.
ووقت التركيب يكون على العموم عند اشتداد الحر بعد آيار، ومثل هذا التركيب يعجل بالفائدة والمنفعة أكثر من الغراس فهو أسرع ثمرة وأكثر حملا وأكبر حجما. وينبغي أن يكون التركيب من شيء في شيء يناسبه ويجانسه ويشاكله في أكثر وجوهه، وكلما تشابه كان أجود. وقد قسموا الأشجار أربعة أقسام: ذوات الأدهان، كالزيتون والسرو والكتم والحبة الخضراء وشبهها، وذوات الصموغ كالخوخ والمشمش والأجاص واللوز والقراصيا والفستق وشبهها، وذوات المياه الخفاف وهي الأشجار التي يسقط ورقها في البرد كالتفاح والسفرجل والكمثري والعنب والرمان وشبهها، وذوات المياه الثقال وهي الأشجار التي لا يسقط ورقها كالزيتون والرند والآس والسرو والأترج ونحوها. وهذه الأربعة هي أمهات الأجناس.