قد علمت جارية عطبول ** لها وشاح ولها حجول
أتى بنصل السيف خنشليل
فحمل عليه عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وهو يقول:
إن تك بالسّيف كما تقول ** فاثبت لقرن ماجد يصول
بمشرفي حدّه مصقول
فضربه عبد الله فقتله، وحمل رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي على مروان بن الحكم، فضربه فصرعه، فنزل عنه وهو يرى أنه قتله؛ وجرح عبد الله بن الزبير جراحات، وانهزم القوم حتى لجئوا إلى القصر، فاعتصموا ببابه، فاقتتلوا عليه قتالًا شديدًا، فقتل في المعركة على الباب زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان، فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو ابن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن عفان، ثمّ نادى الناس فأقبلوا عليه من داره، فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا، وخلّى لهم عن باب الدار؛ فخرجوا هرّابًا في طرق المدينة؛ وبقي عثمان في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه؛ وقتل عثمان رضي الله عنه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا معتمر بن سليمان التيمي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري، قال: أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه ذات يوم، فقال: السلام عليكم، قال: فما سمع أحدًا من الناس ردّ عليه إلّا أن يردّ رجل في نفسه، فقال: أنشدكم بالله هل علمتم أني اشتريت رومة من مالي يستعذب بها، فجعلت رشائي منها كرشاء رجل من المسلمين! قال: قيل: نعم. قال: فما يمنعني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر! قال: أنشدكم الله هل علمتم أنّي اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد؟ قيل: نعم، قال: فهل علمتم أحدًا من الناس منع أن يصلّي فيه قبلي! قال: أنشدكم الله، هل سمعتم نبي الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يذكر كذا وكذا؛ أشياء في شأنه، وذكر الله إياه أيضًا في كتابه المفصّل. قال: ففشا النهى.
قال: فجعل الناس يقولون: مهلًا عن أمير المؤمنين، قال: وفشا النهي. قال: وقام الأشتر - قال: ولا أدري يومئذ أو في يوم آخر - فقال: لعله قد مكر به وبكم! قال: فوطئه الناس، حتى لقي كذا وكذا، قال: فرأيته أشرف عليهم مرّة أخرى، فوعظهم وذكّرهم، فلم تأخذ فيهم الموعظة. وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أوّل ما يسمعونها؛ فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم. قال: ثم إنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه. قال: وذاك أنه رأى من الليل أنّ نبي الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يقول: " أفطر عندنا الليلة ".
قال أبو المعتمر: فحدثنا الحسن: أنّ محمد بن أبي بكر دخل عليه فأخذ بلحيته. قال: فقال له: قد أخذت منّا مأخذًا، وقعدت مني مقعدًا ما كان أبو بكر ليقعده أو ليأخذه. قال: فخرج وتركه. قال: ودخل عليه رجل يقال له الموت الأسود. قال: فخنقه تم خفقه. قال: ثم خرج فقال: والله ما رأيت شيئًا قطّ ألين من حلقه؛ والله لقد خنقته حتى رأيت نفسه يتردّد في جسده كنفس الجانّ. قال: فخرج.
قال في حديث أبي سعيد: دخل على عثمان رجل، فقال: بيني وبينك كتاب الله - قال: والمصحف بين يديه - قال: فيهوي له بالسيف، فاتّقاه بيده، فقطعها، فقال: لا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها. قال: فقال: أما والله إنها لأوّل كفّ خطّت المفصّل. وقال في غير حديث أبي سعيد: فدخل عليه التجيبي، فأشعره مشقصًا فانتضح الدم على هذه الآية: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ". قال: فإنها في المصحف ما حكّت.
قال: وأخذت ابنة الفرافصة - في حديث أبي سعيد - حليها فوضعته في حجرها، وذلك قبل أن يقتل، قال: فلما أشعر - أو قال: قتل - ناحت عليه. قال: فقال بعضهم: قاتلها الله! ما أعظم عجيزتها! قال: فعلمت أن عدوّ الله لم يرد إلّا الدنيا.
وأما سيف، فإنه قال - فيما كتب إلى السري، عن شعيب، عنه: ذُكر عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إنّ الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إنّ الدنيا تفنى، والآخرة تبقى؛ فلا تبطرنّكم الفانية، ولا تشغلنّكم عن الباقية؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإن الدنيا منقطعة؛ وإنّ المصير إلى الله. اتقوا الله جلّ وعزّ، فإنّ تقواه جنّة من بأسه، ووسيلة عنده؛ واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم، لا تصيروا أحزابًا، " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا ".
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته وعزم وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله، قال: اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب، وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني. وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدّة: أن ادنوا. فاجتمعوا فأشرف عليهم، فقال: يأيّها الناس؛ اجلسوا، فجلسوا جميعًا؛ المحارب الطارىء، والمسالم المقيم، فقال: يا أهل المدينة؛ إنّي أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي؛ وإنّي والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاءهه؛ ولأدعنّ هؤلاء وما وراء بابي غير معطيهم شيئًا يتّخذونه عليكم دخلا في دين الله أو دنيا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحبّ. وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلّا الحسن ومحمدًا وابن الزبير وأشباهًا لهم؛ فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم؛ وثاب إليهم ناس كثير، ولزم عثمان الدار.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة، قالوا: كان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين، فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة، قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيّأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشأم، ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة؛ فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان؛ ومنعوه كلّ شيء حتى الماء؛ وقد كان يدخل علي بالشيء مما يريد. وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم علّة، فعثروا في داره بالحجارة ليرموا؛ فيقولوا: قوتلنا - وذلك ليلًا - فناداهم: ألا تتّقون الله! ألا تعلمون أنّ في الدار غيري! قالوا: لا والله ما رميناك. قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله، قال: كذبتم؛ إنّ الله عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئوننا. وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه؛ فسرّح ابنًا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئًا من الماء فافعلوا. وإلى طلحة وإلى الزبير، وإلى عائشة رضي الله عنها وأزواج النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png؛ فكان أوّلهم إنجادًا له علي وأمّ حبيبة؛ جاء علي في الغلس، فقال: يأيّها الناس؛ إنّ الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين؛ لا تقطعوا عن هذا الرجل المادّة؛ فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي؛ وما تعرّض لكم هذا الرجل؛ فبم تستحلّون حصره وقتله! قالوا: لا والله ولا نعمة عين؛ لا نتركه يأكل ولا يشرب؛ فرمى بعمامته في الدار بأنّي قد نهضت فيما أنهضتني؛ فرجع. وجءات أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملةً على إداوة، فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة، فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إنّ وصايا بني أميّة إلى هذا الرجل، فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل. قالوا: كاذبة، وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فندّت بأمّ حبيبة، فتلقّاها الناس، وقد مالت رحالتها، فتعلّقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل، فذهبوا بها إلى بيتها. وتجهزّت عائشة خارجة إلى الحجّ هاربة، واستتبعت أخاها، فأبى؛ فقالت: أما والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلنّ.
وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن أبي بكر، فقال: يا محمد، تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها، وتدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحلّ فتتبعهم! فقال: ما أنت وذاك يا بن التميمّية! فقال: يا بن الخثعميّة؛ إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف، وانصرف وهو يقول:
عجبت لما يخوض الناس فيه ** يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم ** ولاقوا بعدها ذلًّا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى ** سواء كلّهم ضلّوا السبيلا
ولحق بالكوفة. وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظًا على أهل مصر، وجاءها مروان بن الحكم فقال: يا أمّ المؤمنين؛ لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل، فقالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأمّ حبيبة، ثم لا أجد من يمنعني! لا والله ولا أعيّر ولا أدري إلام يسلم أمر هؤلاء! وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة، فلزموا بيوتهم، وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات، عليهم الرقباء، فأشرف عثمان على الناس، فقال: يا عبد الله بن عباس - فدعى له - فقال: اذهب فأنت على الموسم - وكان ممّن لزم الباب - فقال: والله يا أمير المؤمنين لجهاد هؤلاء أحبّ إلي من الحج؛ فأقسم عليه لينطلقنّ. فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة؛ ورمى عثمان إلى الزبير بوصيّته، فانصرف بها - وفي الزبير اختلاف: أأدرك مقتله أو خرج قبله - وقال عثمان: " يا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح.. " الآية، اللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون كما فعل بأشياعهم من قبل.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، قال: بعثت ليلى ابنة عميس إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، فقالت: إنّ المصباح يأكل نفسه، ويضيء للناس؛ فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيكما؛ فإنّ هذا الأمر الذي تحاولون اليوم لغيركم غدًا، فاتّقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم؛ فلجّا وخرجا مغضبين يقولان: لا ننسى ما صنع بنا عثمان؛ وتقول: ما صنع بكما! ألّا ألزمكما الله! فلقيهما سعيد بن العاص، وقد كان بين محمد بن أبي بكر وبينه شيء، فأنكره حين لقيه خارجًا من عند ليلى، فتمثل له في تلك الحال بيتًا:
استبق ودّك للصّديق ولا تكن ** فيئًا يعضّ بخاذل ملجاجا
فأجابه سعيد متمثلًا: