وباب آخر وهو التجنيس. ومعنى ذلك: أن تأتي بكلمتين متجانستين: فمنه ما تكون الكلمة تجانس الاخرى في تأليف حروفها [ ومعناها ]. وإليه ذهب الخليل.
ومنهم من زعم أن المجانسة أن تشترك اللفظتان على جهة الاشتقاق.
كقوله عز وجل: { فأقم وجهك للدين القيم }.
وكقوله: { وأسلمت مع سليمان }.
وكقوله: { يا أسفا على يوسف }
وكقوله: { الذين آمنوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون }.
وكقوله: { وهم ينهون عنه وينأون عنه }.
وكقول النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله، [ وتجيبٌ أجابت الله ورسوله ]".
وكقوله: "الظلم ظلمات يوم القيامة".
وقوله: "لا يكون ذو الوجهين وجيها عند الله".
وكتب بعض الكتاب: "العذر مع التعذر واجب، فرأيك فيه".
وقال معاوية لابن عباس: ما لكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم؟ فقال: كما تصابون في بصائركم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "هاجروا ولا تهَجَّروا".
[57]
ومن ذلك قول قيس بن عاصم:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة * كسته نجيعا من دم الجوف أشكلا
[58]
وقال آخر: * أمل عليها بالبلى الملوان *
[59]
وقال الآخر:
وذاكم أن ذل الجار حالفكم * وأن أنفكم لا تعرف الأنفا
وكتب إلي بعض مشايخنا، قال: أنشدنا الاخفش عن المبرد، عن التوزي:.
وقالوا حمامات فَحُمّ لقاؤها * وطَلحٌ فَزِيرَت والمطيُّ طُلوحُ
عُقابٌ بأعقاب من النأي بعد ما * جرت نية تنسي المحبَّ طَروح
وقال صحابي: هدهدٌ فوق بانةٍ * هُدًى وبيانٌ بالنجاح يلوح
وقالوا: دَمٌ دامت مواثيق عهده * ودام لنا حسن الصفاء صريح
وقال آخر: * أقبلن من مصر يبارين البُرَى *
[60]
وقال القطامي:
ولما ردها في الشول شالت * بذيال يكون لها لِفاعا
[61]
وقد يكون التجنيس بزيادة حرف [ أو بنقصان حرف ] أو ما يقارب ذلك، كقول البحتري:
هل لما فات من تلاقٍ تلافِ * أم لشاكٍ من الصبابة شافِ
وقال ابن مقبل:
يمشين هيل النقا مالت جوانبه * ينهال حينا وينهاه الثرى حينا
[62]
وقال زهير:
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا * لا ينكلون إذا ما استحلموا وحموا
[63]
ومن ذلك قول أبي تمام:
يمدون من أيد عواص عواصم * تصول بأسياف قواض قواضب
وأبو نواس يقصد في مصراعي مقدمات شعره هذا الباب، كقوله:
ألا دارها بالماء حتى تلينها * فلن تكرم الصهباء حتى تهينها
وكذلك قوله:
ديار نوار ما ديار نوار * كسونك شجوا هن منه عوار
وكقول ابن المعتز:
سأثني على عهد المطيرة والقصر * وأدعو لها بالساكنين وبالقطر
وكقوله أيضا:
هي الدار إلا أنها منهمُ قفرُ * وأنى بها ثاوٍ وأنهمُ سَفْرُ
وكقوله:
للأماني حديث [ قد ] يقر * ويسوء الدهر من قد يسر
وكقول
المتنبي:
وقد أراني الشباب الروح في بدني * وقد أراني المشيب الروح في بدلي
[64]
وقد قيل: إن من هذا القبيل قوله عز وجل: { خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون }، وقوله: { قل الله أعبدُ مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه }.
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ts_ver.svg.png
ويعدون من البديع المقابلة، وهي أن يوفق بين معان ونظائرها والمضاد بضده، وذلك مثل قول
النابغة الجعدي:
فتى تم فيه ما يسر صديقَه * على أن فيه ما يسوء الأعاديا
وقال
تأبط شرا:
أهزُّ به في ندوة الحي عِطفَه * كما هز عِطفي بالهجان الأوارِكِ
[65]
وكقول الآخر:
وإذا حديث ساءني لم أكتئب * وإذا حديث سرني لم أشرر
[66]
وكقول الآخر:
وذي إخوة قَطَّعْتُ أرحامَ بينهم * كما تركوني واحدا لا أخا ليا
ونظيره من القرآن: { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون }.
[ ومن هذا الجنس قول هند بنت النعمان للمغيرة بن شعبة، وقد أحسن إليها: بَرَّتكَ يدٌ نالتها خَصاصة بعد ثروة، وأغناك الله عن يد نالت ثروة بعد فاقة ].
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ts_ver.svg.png
ويعدون من البديع الموازنة، وذلك كقول بعضهم: اصبر على حر اللقاء، ومضض النزال، وشدة المصاع.
[67]
وكقول امرئ القيس:
سليم الشظا عبل الشوى شنج النسا * [ له حجبات مشرفات على الفال ]
[68]
ونظيره من القرآن: { والسماء ذات البروج. واليوم الموعود وشاهد ومشهود }.
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ts_ver.svg.png
ويعدون من البديع المساواة، وهي أن يكون اللفظ مساويا للمعنى، لا يزيد عليه ولا ينقص عنه. وذلك يعد من البلاغة، وذلك كقول زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وكقول
جرير:
فلو شاء قومي كان حلمي فيهم * وكان على جهال أعدائهم جهلي
وكقول الآخر:
إذا أنت لم تقصر عن الجهل والخنا * أصبت حليما أو أصابك جاهل
وكقول الهذلي:
فلا تجز عن من سنة أنت سرتها * وأول راض سنة من يسيرها
وكقول الآخر:
فإن هم طاوعوكِ فطاوعيهم * وإن عاصوك فاعصي من عصاكِ
ونظير ذلك في القرآن كثير.
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ts_ver.svg.png
ومما يعدونه من البديع " الإشارة " وهو اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة.
وقال بعضهم في وصف البلاغة: [ البلاغة ] لمحة دالة.
ومن ذلك قول طرفة:
فظل لنا يوم لذيذ بنعمة * فقل في مقيل نحسه متغيب
وكقول زيد الخيل:
فخيبة من يخيب على غنى * وباهلة بن أعصر والرباب
[69]
ونظيره من القرآن: { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا }. ومواضع كثيرة.
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ts_ver.svg.png