صفة الكتاب
قال إبراهيم بن محمد الشَيباني: من صِفة الكاتب اعتدالُ القامة وصِغَر الهامة وخِفَّة اللَهازم وكَثَافة اللِّحية وصِدْق الحِسّ ولُطْف المَذْهب وحًلاوة الشمائل وحُسْن الإشارة ومَلَاحة الزِّي حتى قال بعضُ المَهالبة لولده: تَزَيَّوا بزِيّ الكُتِّاب فإن فيهم أدبَ الملوك وتواضعَ السُّوقة. وقال إبراهيم بن محمد الكاتب: من كمال آل الكِتابة أن يكون الكتاب: نَقِيّ المَلْبس نَظيف المَجْلس ظاهر المُروءة عَطِر الرّائحة دَقيق الذِّهب صادق الحِسّ حَسَن البيان رَقيق حواشي اللسان حُلْو الإشارة مَليح الاستعارة لطيفَ المسالك مُسْتَقِرّ التّركيب ولا يكون مع ذلك فَضفَاض الجثّة مُتفاوت الأجزاء طويل اللِّحية عظيم الهامة فإنهم زَعموا أنّ هذه الصورة لا يليق بصاحبها الذَّكاءُ والفِطْنة. وأنشد سعيد بن حُميد في إبراهيم بن العباس: رأيتُ لهازمَ الكُتّاب خَفَّت ولهزْمتاك شأنُهما الفَدَامة وكُتّاب الملوك لهم بَيانٌ كمِثْل الدُّر قد رَصَفوا نِظَامَ وأنت إذا نطقتَ كأنّ عَيْراً يَلُوك بما يَفُوه به لِجامه وقال آخر: عليكَ بكَاتب لَبِقٍ رَشِيقٍ زَكِيِّ في شَمائله حرارَه تُناجِيه بطَرْفًك مِن بَعيد فيفهمُ رَجْع لَحْظك بالإشارة ونظر أحمد بن الخَصِيب إلى رجل من الكتاب: فَدْم المنظر مُضْطرر الخَلْق طويل العُثْنون فقال: لأن يكون هذا فِنْطاسٌ مُرَكب أشبهَ من أن يكون كاتباً. فإذا اجتمعت للكاتب هذه الخلال وانتظمت فيه هذه الخِصال فهو الكافِ البليغ والأديب النِّحْرِير وإن قَصَّرت به آلة من هذه الآلات وقَعدت به أداةٌ كل هذه الأدوات فهو مَنقوص
ما ينبغي للكاتب أن يأخذ به نفسه
قال إبراهيم الشِّيباني: أولَ ذلك حُسْن الخط الذي هو لِسان اليد وبَهجة الضَّمير وسِفير العقل ووَحْي الفِكْرة وسِلاح المَعْرفة وأنس الإخوان عند الفرقة ومحادثتهم على بُعد المسافة ومُسْتودَع السرّ وديوان الأمور. ولستُ أجد لحُسن الحظ حدًا أقف عليه أكثرَ من قول عليّ بن رَبَن النصراني الكاتب فإني سألته واستوصفتُه الخَطّ فقال: أعلّمك الخطِّ في كلمة واحدة فقلت له: تَفَضَل بذلك فقال: لا تكتبْ حَرْفاً حتى تَسْتَفرغَ مجهودَك في كتابة الحَرْف وتَجْعَل في نفسك إنك تَكْتب غيرَه حتى تَعْجِزَ عنه ثم تنتقل إلى ما بعده. وإياك والنَقْط والشَّكْل في كتابك إلا أن تمر بالحَرْف المُعضِل الذي تعلم أنّ المكتوبَ إليه يَعْجِز عن استخراجه فإني سمعتُ سعيدَ بن حُميد بن عبد الحميد الكاتب يقول: لأن يُشْكِل الحرفُ عن القارىء أحبُّ إليَ من أن يُعابَ الكتاب بالشَكل. وكان المأمونُ يقول: إيَّاكم والشُّونِيز في كُتبكم - يعني النَّقْط والإعجام. ومن ذلك أن يُصْلِحَ الكاتبُ آلتَه التي لا بُدَّ منها وأداتَه التي لا تَتم صناعتُه إلا بها مثلِ دَواته فلْيُنْعِمْ ربَّها وإصلاحَها ولْيتخيَّر من أنابيب القَصب أقلَّه عُقداً وأكثرَه لَحْماً وأصلَبه قِشْراً وأعدلَه استواء ويجعلَ لقِرْطاسه سِكِّينَاً حاداً لتكون عَوْناً له على بَرْي أقلامه ويَبريها من ناحية قال العتّابيّ: سألني الأصمعي يوماً في دار الرّشيد: أيُّ الأنابيب للكتابة أصلَح وعليها أصْبر فقلتُ له: ما نشِفَ بالهَجير ماؤه وسَتره عن تلويحه غشاؤه من التِّبْريّة القُشور الدّرّية الظًّهور الفِضَية الكُسور. قال: فأيّ نوع من البَرْي أصْوبُ وأكْتب فقلت: البَرْية المُستوية القَطَّة التي عن يمين سِنّها قُرْنة تأمن معها المَجَّة عند المَدة والمَطّة للهواء في شَقّها فَتُيق والرِّيح في جَوْفها خَريق والمدادُ في خُرطُومها رقيق. قال العتّابي: فبقي الأصمعي شاخصاً إليّ ضاحكاً لا يُحير مسألةً ولا جواباً. ولا يكون الكاتب كاتباً حتى لا يَسْتطيع أحدٌ تأخيرَ أوّل كتابه وتقديمَ آخره. وأفضل الكُتّاب ما كان في أوَّل كِتابته دليلٌ على حاجته كما أنّ أفضلَ الأبيات ما دلَّ أولً البيت على قافيته. فلا تُطيلنّ صَدْرَ كِتابك إطالةً تُخرجه عن حدّه ولا تُقَصِّر به دون حدِّه فإنَّهم قد كَرِهوا في الجُمْلة أن تَزيدَ صًدور كُتب المُلوك على سَطْرين أو ثلاثة أو ما قارب ذلك. وقيل للشَّعْبيّ: أيّ شيء تَعرف به عقلَ الرجُل قال: إذا كَتب فأجاد. وقال الحسنُ