عَرَصاتها خراطيمُ أقلام تَخُط وتُعْجِمُ ومثلُه قول عديّ بن الرِّقاع في ولد البقرة: تُزْجى أغنَ كأن إبرة رَوْقه قلم أصاب من الدَّواة مِدادَها ومن قولنا: يَخرُجْن من فُرجات النّقع داميةً كأنّ آذانها أطرافُ أقلام ومنه قول المأمون: كأنما قابلَ القرطاسُ إذ مُشقت منها ثلاثةَ أقلام على قلم ومثله قولنا إذا أدارت بنانُه قَلماً لم تَدْر للشِّبْه أيّها القلمُ ومن قولنا في الأقلام: ومَعشر تنطق أقلامُهم بحكمة تَلقنها الأعينُ تَلفِظَها في الصكّ أفلامُهم كأنما أقلامهم ألسنُ ومن قوِلنا في الأقلام: يا كاتباً نقشت أناملُ كفّه سحرَ البيان بلا لسانٍ يَنْطِقُ فإذا تكلّم رغبةً أو رَهْبَةً في مَغرب أصغَى إليه المَشرْق يَجرى بريقةِ أريه أو شَرْيه يَبكي ويَضحك من سُراه المُهرق ولعبد اللهّ بن المعتز كلامٌ يصف فيه القلم: القلم يَخدُم الإرادةَ ولا يملّ الأستزادة يسكت واقفاً وينطق ساكتاً على أرض بياضها مظلم وسوادها مضيء. وقال سليمان بنُ وَهْب وزير المهديّ: كل قلم تطيل جِلْفته فإن الخط يخرج به أوقص. وكتب جعفر بن يحيى إلى محمد بن الليث يستوصفه الخط فكتب إليه: أما بعد فليكن قلمك بحْرياً لا سمينا ولا رقيقاً ما بين الرقّة والغِلَظ ضيّق النًقْب. فابرِه بَرْيا مُستوِيا كمِنْقار الحمامة اعطِف قطّته ورقّق شَفْرته. وليكن مدادُك صافيا خفيفاً إذا استمددت منه فانقعه ليلة ثم صفه في الدواة. وليكن قِرْطاسك رقيقاً مستوي النَسج تخرج السِّحاة مُستوية من أحد الطرفين إلى الآخر فليست تستقيم السطور إلا فمِما كان كذلك. وليكن أكثر تَمْطيطك في طرف القرطاس الذي في يَسارك وأقلًّه في الوسط ولا تمط في الطرف الآخر ولا تمطّ كلمة ثلاثة أحرف ولا أربعة ولا تترك الأخرى بغير مطّ فإنك إذا فرّقت القليل كان قبيحاً وإذا جمعتَ الكثير كان سَمِجا. ثم ابتدىء الألف برأس القلم كله وإخطُطه بعوضه واختمه بأسفله. وأكتب الباء والتاء والسين والشين والمطًّة العليا من الصاد والضاد والطاء والظاء والكاف والعين والغين ورأس كلِّ مُرسل برأس القلم. واكتُب الجيم والحاء والخاء والدال والذال والراء والمطَّة السفلى من الصاد والضاد والطاء والظاء والكاف والعين والغين بالسنّ السّفلى من القلم وامطُط بعرض القلم. والمطّ نِصف الخط ولا يقوى عليه إلا العاقل ولا أحسب العاقل يقوى عليه أيضاً إلا بالنَظر إلى اليد في استعمالها الحركة والسلام. وقال ابنُ طاهر لكاتبه: ألقِ دَوَاتك وأطل سِنّ قلمك وفَرج بين السطور وقَرْمط بين الحروف. وقال إبراهيم بن جَبلة: مَرّ بي عبدُ الحميد وأنا أخط خطا رديئاً فقال لي: أتحب أن يجود خطّك قلت: بلى. قالت: أطِل جِلْفة القلم وأسمِنها وحَرف قَطًتك وأيمنها. ففعلت فجاد خطي: وقال العتِّابي: ببُكاء القلم تبتسم الكُتب. وقال بعض الحكماء: أمرُ الدّيِن والدنيا تحت شباة السيف والقلم. وقال حبيب الطائي: لولا مُناشدةُ القربى لغادركم حَصائدَ المُرْهَفَين: السيفِ والقلم وقال أرسطاطاليس: عقول الرجال تحت سنِّ أقلامهم وقال أبو حَكِيمة: كنتُ أكتب المصاحف فمر بي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال: أجلل قلمك. فقصمتُ من قلمي قُصمة. فقال: هكذا نوًره كما نَوًره الله. وكان ابن سيرين يكره أن يُكتب القرآن مَشْقا وقال: أجود الخط أبينه. وقال سليمان بن وهب: زينوا خطوطكم بإسبال ذوائبها. وقال عمرو بن مسعدة: الخط صورة ضئيلة لها معان جليلة وربما ضاق على العيون وقد ملأ أقطار الظنون. وذكر على بن عُبيدة القلم فقال: أصم يسمع النَّجوى أعيا من باقل وأبلغ من سَحبان وائل يُجهل الشاهد ويخبر الغائب ويجعل الكتب بين الإخوان ألسُنا ناطقة وأعيُنا لاحظة وربما ضَمّنها من ودائع القلوب ما لا تَبوح به الألسن عند المشاهدة. وقال أحمد بن يوسف الكاتب: ما عبراتُ الغواني في خُدودهنّ بأحسن من عبرات الأقلام في خُدود الكتب. وقال العتّابي: الأقلام مطايا الفِطن. وتَخاير غلامان في بعض الدواوين فقاما إلى أستاذهما يَعْرضان عليه خُطوطهما فكَره أن يُفضَل أحدهما على الآخرً فقال لأحدهما: أما خطُّك أنت فَوَشي مَحوك. وقال للآخرً: وأما خطّك أنت فذَهب مَسْبوك تكافيتُما في غاية وتوافيتما في نهاية. وقال آخرً: دخلتُ الديوان فنظرت إلى غلام بيده قلم كأنه قضيبُ عِقْيان وعليه مكتوب: وا بأبي وا بأبي من كفّ من يكتب بِي وقال أبو هِفّان يصف القلم: وإذا أمرّ على المَهارق كفّه بأنامل يحملن شَخْتاً مُرْهفَا ومقصِّراً ومُطولاً ومقطعاً ومُوصِّلا ومشتتا ومؤَلِّفا يهفو بها قلمٌ يمُجّ لُعابَه فيعود سيفاً صارماً ومُثففا وقال آخر في وصف الدواة: ومُسودّة الأرجاء قد خُضت حالَها وروَيت من قَعرٍ لها غير مُنْبَط خميصَ الحشي يَرْوَى على كل شرب أميناً على سرّ الأمين المُسلَط وقال بعض الكتّاب: وما رَوض الربيع وقد زهاه ندَى الأسحار يَأرَج بالغَداةِ بأضْوعَ أو بأسطعَ من نسيمٍ تؤديه الأفاوه من دواة وقال آخرً في وصف محبرة: ولُجّةِ بحرِ أجَم العبا ب بادٍ وأمواجُه تَزْخَرُ إذا غاص فيَه أخو غَوْصة سريعُ السباحة ما يَفْتر فأنفِس بذلك من غائص بديعُ الكلام له جَوهر وأكْرم ببحرٍ له لجة جواهرُها حكَمٌ تُنثر وقال ثُمامةُ بن أشرس: ما أثْرته الأقلام لم تَطمع في دَرْسه الأيام. ونظر المأمون إلى جارية من أصمُ سميع ساكنٌ متحرّك ينال جَسيمات المُنى وهو