يتاناغون فيه و بقي من آثار ذلك في البراري بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك و رأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه و حاوله موجودة بالمسحور و أمثال تلك المعاني من أسماء و صفات في التأليف و التفريق. ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء و يعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد و اللزام و أخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة بالعزم. و لتلك البنية و الأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة يريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة و يقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر. و شاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر و عمله من يشير إلى كساء أو جلد و يتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع متخرق. و يشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض. و سمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه و يقع ميتا و ينقلب عن قلبه فلا يوجد في حشاه و يشير إلى الرمانة و تفتح فلا يوجد من حبوبها شيء. و كذلك سمعنا أن بأرض السودان و أرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة. و كذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة و هي ر ك ر ف د أحد العددين مائتان و عشرون و الآخر مائتان و أربعة و ثمانون و معنى المتحابة أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف و ثلث و ربع و سدس و خمس و أمثالها إذا جمع كان متساويا للعدد الآخر صاحبه فتسمى لأجل ذلك المتحابة. و نقل أصحاب الطلسمات أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين و اجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة و هي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة و قبول و يجعل طالع الثاني سابع الأول و يضع على أحد التمثالين أحد العددين و الآخر على الآخر. و يقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التألف العظيم بين المتحابين مالا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر. قاله صاحب الغاية و غيره من أئمة هذا الشأن و شهدت له التجربة. و كذا طابع الأسد و يسمى أيضا طابع الحصى و هو أن يرسم في قالب هند إصبع صورة أسد سائلا ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصفين و بين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها فيه و على ظهره صورة عقرب تدب. و يتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين و سلامتهما من النحوس. فإذا وجد ذلك و عثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب و غمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد و رفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم و خدمتهم و تسخيرهم له مالا يعبر عنه. و كذلك للسلاطين فيه من القوة و العز على من تحت أيديهم. ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشأن في الغاية و غيرها و شهدت له التجربة. و كذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه. يوضع عند حلول الشمس في شرفها و سلامتها من النحوس و سلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة و قبول و يصلح فيه ما يكون من مواليد الملوك من الأدلة الشريفة و يرفع في خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب. فزعموا أن له أثرا في صحابة الملوك و خدمتهم و معاشرتهم. و أمثال ذلك كثير. و كتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدونة هذه الصناعة و فيه استيفاؤها و كمال مسائلها و ذكر لنا أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك و سماه بالسر المكتوم و أنه بالمشرق يتداوله أهله و نحن لم نقف عليه. و الإمام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن و لعل الأمر بخلاف ذلك. و بالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين و هم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق و يشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فتنبعج. و يسمى أحدهم لهذا العهد باسم البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها و هم مستترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام، لقيت منهم جماعة و شاهدت من أفعالهم هذه بذلك و أخبروني أن لهم وجهة و رياضة خاصة بدعوات كفرية و إشراك لروحانيات الجن و الكواكب، شطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها و أنهم بهذه الرياضة و الوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم و أن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع و الحيوان و الرفيق و يعبرون عن ذلك يقولهم إنما نفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي ما يملك و يباع و يشترى من سائر المتملكات هذا ما زعموه. و سألت بعضهم فأخبرني به و أما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها و عاينتها من غير ريبة في ذلك. هذا شأن السحر والطلسمات و أثارهما في العالم فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر و الطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية و استدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبيعي و أسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح و السرور و من جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم. فإن الماشي على حرف حائط أو حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك. و لهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك بالدربة عليه حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط و الحبل المنتصب و لا يخافون السقوط. فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية و تصورها للسقوط من أجل الوهم. و إذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن و لا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام. و أما التفرقة عندهم بين السحر و الطلسمات فهو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين و صاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب و أسرار الأعداد و خواص الموجودات و أوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقول المنجمون و يقولون: السحر اتحاد روح بروح و الطلسم اتحاد روح يجسم و معناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية، و الطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب و لذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة. و الساحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير. و الفرق عندهم بين المعجزة و السحر أن المعجزة قوة إلهية تبعث على النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك. و الساحر إنما يفعل ذلك من لدن نفسه و بقوته النفسانية و بإمداد الشياطين في بعض الأحوال فبينهما الفرق في المعقولية و الحقيقة و الذات في نفس الأمر و إنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة و هي وجود المعجزة لصاحب الخير و في مقاصد الخير و للنفوس المتمحصة للخير و التحدي بها على دعوى النبؤة. و السحر إنما يوجد لصاحب الشر و في أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين و ضرر الأعداء و أمثال ذلك. و للنفوس المتمحصة للشر. هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين: و قد يوجد لبعض المتصوفة و أصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم و ليس معدودا من جنس السحر و إنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم و نحلتهم من آثار النبؤة و توابعها و لهم في المدد، الإلهي حفظ على قدر حالهم و إيمانهم و تمسكهم بكلمة الله و إذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر لا يأتيها لأنة متقيد فيما يأتيه بذرة للأمر الإلهي. فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه و من أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق و ربما سلب حاله. و لما كانت المعجزة بإمداد روح الله و القوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر. و انظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا به يأفكون و ذهب سحرهم و اضمحل كأن لم يكن. و كذلك لما أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم في المعوذتين و من شر النفاثات في العقد. قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرأها على عقد في من العقد التي سحر فيها إلا انحلت. فالسحر لا يثبت مع اسم الله و ذكره بالهمة الإيمانية و قد نقل المؤرخون أن زركش