إنّ معي من نجدة ذراعي
قال عامر ومسلمة: قتل مع حكيم ابنة الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا المثنّى بن عبد الله، عن عوف الأعرابي، مقال: جاء رجل إلى طلحة والزّبير وهما في المسجد بالبصرة، فقال: نشدتكما مبالله في مسيركما! أعهد إليكما فيه رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png شيئًا! فقام طلحة ولم يجبه، فناشد الزبير فقال: لا، ولكن بلغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا سليمان بن أرقم، عن قتادة، عن أبي عمرة ملوى الزبير، قال: لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة، قال الزبير: إلا ألف فارس أسير بهم إلى علي، فإما بيّتّه وإما صبّحته، لعلّي أقتله قبل أن يصل إليها! فلم يجبه أحد، فقال: إنّ هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها؛ فقال له مولاه: أتسميّها فتنة وتقاتل فيها! قال: ويحك! إنا نبصّر ولا نبصر، ما كان أمر قطّ إلّا علمت موضع قدمي فيه، غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر! حدثني أحمد بن منصور، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثنا هشام بن يوسف، قاضي صنعاء، عن عبد الله بن مصعب بن ثابت ابن عبد الله بن الزبير، عن موسى بن عقبة، عن علقمة بن وقّاص الليثي، قال: لما خرج طلحة والزّبير وعائشة رضي الله عنه رأيت طلحة وأحبّ المجالس إليه أخلاها، وأنت ضارب بلحيتك على زورك؛ إن كرهت شيئًا فاجلس. قال: فقال لي: يا علقمة بن وقّاص، بينا نحن يد واحدة على من سوانا، إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضًا، إنه كان منّي مفي عثمان شيء ليس توبتي إلّا أن يسفك دمي في طلب دمه. قال: قلت: فردّ محمد ابن طلحة فإنّ لك ضيعة وعيالًا؛ فإن يك شيء يخلفك؛ فقال: ما أحبّ أن مأرى أحدًا يخفّ في هذا الأمر فأمنعه. قال: فأتيت محمد بن طلحة فقلت له: لو أقمت، فإن حدث به حدث كنت تخلفه في عياله وضيعته، قال: ما أحبّ أن أسأل الرجال عن أمره.
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن مجالد بن سعيد، قال: لما قدمت عائشة رضي الله عنه البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان: من عائشة ابنة أبي بكر أمّ المؤمنين حبيبة رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أمّا بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم؛ فانصرنا على أمرنا هذا، فإن لم تفعل فخذّل الناس عن علي.
فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصدّيق حبيبة رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، أمّا بعد: فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلى بيتك، وإلّا فأنا أوّل من نابذك. قال زيد ابن صوحان: رحم الله أمّ المؤمنين! أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل، فتركت ما أمرت به وأمرتنا به، وصنعت ما أمرنا ونهتنا عنه!
ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة
مما كتب به إلي السري، أن شعيبًا حدثه، قال: حدثنا سيف، عن عبيدة بن معتّب، عن يزيد الضخم، قال: لما أتي عليًّا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزّبير أنهم قد توجّهوا نحن العراق، خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردّهم، فلما انتهى إلى الربذة أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا، فأقام بالرّبذة أيامًا، وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة، فسرّي بذلك عنه، وقال: إنّ أهل الكوفة أشدّ إلي حبًّا، وفيهم رءوس العرب وأعلامهم. فكتب إليهم: إنّي قد اخترتكم على الأمصار وإنّي بالأثرة.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: كتب علي إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني اخترتكم والنزول بين أظهركم لما أعرف من مودّتكم وحبكم لله عز وجل ولرسوله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحقّ وقضى الذي عليه.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن. قال: حدثنا حبّان بن موسى، عن طلحة بن الأعلم موبشر بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه قال: بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمّد بن عون، فجاء الناس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج، فقال أبو موسى: أمّا سبيل الآخر فأن تقيموا، وأمّا سبيل الدنيا فأن تخرجوا، وأنتم أعلم. وبلغ المحمّدين قول أبي موسى، فبايناه وأغلظا له، فقال: أما والله إنّ بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما، إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان. وخر ج علي من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، فقالت أخت علي بن عدي من بني عبد العزّى ابن عبد شمس:
لاهم مفاعقر بعلي جمله ** ولا تبارك في بعير حمله
ألا علي بن عدي ليس له
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي مخنف، عن نمير ابن وعلة، عن الشعبي؛ قال: لمّا نزل عليٌّ بالرّبذة أتته جماعة من طيّىء، فقيل لعلي: هذه جماعة من طيّء قد أتتك، منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك؛ قال: جزى الله كلّا خيرًا وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا. ثمّ دخلوا عليه فقال علي: ما شهدتمونا به؟ قالوا: شهدناك بكلّ ما تحبّ، قال: جزاكم الله خيرًا! فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين. فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ من الناس من يعبّر لسانه عما في قلبه، وإني والله ما كلّ ما أجد في قلبي يعبّر عنه لساني وسأجهد وبالله التوفيق، أمّا أنا فسأنصح لك في السرّ والعلانية وأقاتل عدوّك في كلّ موطن وأرى لك من الحقّ ما لا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك. قال: رحمك الله! قد أدّى لسانك عما يجنّ ضميرك. فقتل معه بصفّين رحمه الله.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما قدم علي الربذة أقام بها وسرّح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر؛ وكتب إليهم: إني اخترتكم معلى الأمصار وفزعتت إليكم لما حدث، فكونوا لدين الله أعوانًا وأنصارًا، وأيّدونا وانهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد، لتعود الأمة إخوانًا، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحقّ وآثره، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وغمصه.
فمضى الرجلان وبقى علي بالرّبذة يتهيّأ، وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد ما دابّة وسلاح، وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم؛ وقال: إنّ الله عز وجل أعزّنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانًا بعد ذلّة وقلّة وتباغض وتباعد؛ فجرى الناس على ذلك ما شاء الله؛ الإسلام دينهم والحقّ فيهم والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا إنّ هذه الأمّة لا بدّ مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم، فنعوذ بالله من شرّ ما هو كائن. ثمّ عاد ثانية، فقال: إنه لا بدّ مما هو كائن أن يكون، ألا وأنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ شرّها فرقة تنتحلى ولا تعمل بعملي، فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيّكم
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، وأتّبعوا سنته، واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردّوه، وارضوا بالله جلّ وعزّ ربّا وبالإسلام دينًا وبمحمد
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png نبيًّا، وبالقرآن حكمًا وإمامًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما أردا علي الخروج من الربذة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع، فقال: يا أمير المؤمنين، أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال: أمّا الذي نريد وننوي فالإصلاح؛ إن قبلوا منّا وأجابونا إليه، قال: فإن لم يجيبوا إليه؟ قال: ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحقّ ونصبر؛ قال: فإن لم يرضوا؟ قال ندعهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتعنا منهم، قال: فنعم إذًا. وقام الحجّاج بن غزّية الأنصاري فقال: لأرضينّك بالفعل كما أرضيتني بالقول. وقال:
دراكها دراكها قبل الفوت ** وانفر بنا واسم بنا نحو الصوت
لا وألت نفسي إن هبت الموت والله لأنصرنّ الله عز وجلّ كما سمّانًا أنصارًا. فخرج أمير المؤمنين وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجرّاح، والرّاية مع محمّد بن الحنفيّة، وعلى الميمنة عبد الله بن عباس، وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد، وخرج علي وهو في سبعمائة وستين؛ وراجز علي يرجز به:
سيروا أبابيل وحثّوا السيرا ** إذ عزم السير وقولوا خيرا
حتّى يلاقوا وتلاقوا خيرا ** نغزو بها طلحة والزّبيرا
وهو أمام أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين علي على ناقة له حمراء يقود فرسًا كميتًا. فتلقّاهم بفيد غلام من بني سعد بن ثعلبة بن عامر يدعى مرّة، فقال: من هؤلاء؟ فقيل: أمير المؤمنين، فقال: سفرة فانية فيها دماء من نفوس فانية، فسمعها علي فدعاه، فقال: ما اسمك؟ قال: مرّة، قال: أمرّ الله عيشك، كاهن سائر اليوم؟ قال: بل عائف؛ فلما نزل بفيد أتته أسد وطيّيء فعرضوا عليه أنفسهم، فقال: الزموا قراركم، في المهاجرين كفاية. وقدم رجل من أهل الكوفة فيد قبل خروج علي فقال: من الرجل؟ قال: عامر بن مطر، قال: الليثي؟ قال الشيباني: قال: أخبرني عما وراءك، قال: فأخبره حتى سأله عن أبي موسى، مفقال: إن أردت الصلح مفأبو موسى صاحب ذلك، وإن أردت القتال فأبو موسى ليس بصاحب ذلك، قال: والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يردّ علينا، قال: قد أخبرتك لخبر، وسكت وسكت علي.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي محمد، عن عبد الله بن عمير، معن محمد بن الحنفيّة. قال: قدم عثمان بن حنيف على علي بالرّبذة وقد نتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، فقال: يا أمير المؤمنين، يعثتني ذا لحية وجئتك أمرد، قال: أصبت أجرًا وخيرًا، إنّ الناس وليهم قبلي رجلان، فعملا بالكتاب، ثمّ وليهم ثالث، فقالوا وفعلوا، ثم بايعوني، وبايعني طلحة والزّبير، ثمّ نكثًا بيعتي وألبّا الناس علي، ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي، والله إنهما ليعلمان أني لست بدون رجل ممن قد مضى، اللهم فاحلل ما عقدا، ولا تبرم ما قد أحكما في أنفسهما وأرهما المساءة فيما قد عملًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولمّا نزل علي الثعلبيّة أتاه الّذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه فقام وأخبر القوم الخبر، وقال: اللهمّ عافني مما ابتليت به طلحة والزّبير من قتل المسلمين، وسلّمنا منهم أجمعين. ولما انتهى إلى الإساد أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: الله أكبر، ما ينجيني من طلحة والزّبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما! وقرأ: " ما أصاب من مصيبة في الأرض مولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها ". وقال:
دعا حكيم دعوة الزماع ** حلّ بها منزلة النزاع