قال الواقدي: وفي هذه السنة قدم وفد سلامان في شوال على رسول الله
ص، وهم سبعة نفر؛ رأسهم حبيب السلاماني.
وفيها قدم وفد غسان في رمضان.
وفيها قدم وفد غامد في رمضان.
قدوم وفد الأزد
وفيها قدم وفد الأزد، رأسهم صرد بن عبد الله في بضعة عشر. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png صرد ابن عبد الله الأزدي فأسلم فحسن إسلامه، في وفد من الأزد، فأمره رسول الله على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من أهل بيته المشركين من قبائل اليمن، فخرج صرد بن عبد الله يسير بأمر رسول الله في جيش حتى نزل بجرش؛ وهي يومئذ مدينة مغلقة، وفيها قبائل اليمن، وقد ضوت إليهم خثعم، فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين، فحاصروهم بها قريبًا من شهر، وامتنعوا منهم فيها. ثم إنه رجع عنهم قافلًا؛ حتى إذا كان إلى جبل يقال له كشر ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزمًا؛ فخرجوا في طلبه؛ حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلًا؛ وقد كان أهل جرش قد بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله
ص وهو بالمدينة يرتادان وينظران؛ فبيناهما عند رسول الله عشية بعد العصر، إذ قال رسول الله
ص: بأي بلاد الله شكر؟ فقام الجرشيان فقالا: يا رسول الله؛ ببلادنا جبل يقال له جبل كثر؛ وكذلك تسميه أهل جرش، فقال: إنه ليس بكشر؛ ولكنه شكر قالا: فما له يا رسول الله؟ قال: إن بدن الله لتنحر عنده الآن. قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر وإلى عثمان، فقال لهما: ويحكما! إن رسول الله الآن لينعي لكما قومكما، فقوما إلى رسول الله فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما، فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال: اللهم ارفع عنهم؛ فخرجا من عند رسول الله راجعين إلى قومهما، فوجدا قومهما أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله
ص ما قال؛ وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر؛ فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله
ص فأسلموا، وحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، وللراحلة، وللمثيرة تثير الحرث؛ فمن رعاها من الناس سوى ذلك فما له سحت، فقال رجل من الأزد في تلك الغزوة - وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية وكانوا يغزون في الشهر الحرام:
يا غزوة ما غزونا غير خائبة ** فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حميرًا في مصانعها ** وجمع خثعم قد ساغت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحمله ** فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا!
سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن
قال: وفيها وجه رسول الله
ص علي بن أبي طالب في سرية إلى اليمن في رمضان. فحدثنا أبو كريب ومحمد بن عمرو بن هياج، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأزجي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: بعث رسول الله
ص خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فكنت فيمن سار معه؛ فأقام عليه ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء، فبعث النبي
ص علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالدًا ومن معه، فإن أراد أحد ممن كان مع خالد بن الوليد أن يعقب معه تركه.
قال البراء: فكنت فيمن عقب معه؛ فلما انتهينا إلى أوائل اليمن، بلغ الفوم الخبر، فجمعوا له، فصلى بنا على الفجر، فلما فرغ صفنا صفًا واحدًا، ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله
ص، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول اله
ص، فلما قرأ كتابه خر ساجدًا، ثم جلس، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان! ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام.
قدوم وفد زبيد
قال أبو جعفر: وفيها قدم وفد زُبيد على النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بإسلامهم. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png عمرو بن معد يكرب في أناس من بني زبيد، فأسلم، وكان عمرو بن معد يكرب قد قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: يا قيس؛ إنك سيد قومك اليوم؛ وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول، إني نبي؛ فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه؛ فإن كان نبيًا كما يقول؛ فإنه لا يخفى عليك. إذا لقيناه اتبعناه؛ وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فأبى عليه ذلك قيس بن مكشوح وسفه رأيه.
فركب عمرو بن معد يكرب حتى قدم على رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فصدقه وآمن به؛ فلما بلغ ذلك قيسًا أوعد عمرًا، وتحفظ عليه، وقال: خالفني وترك رأيي! فقال عمرو في ذلك:
أمرتك يوم ذي صنعا ** ء أمرًا باديًا رشده
أمرتك باتقاء الل ** ه والمعروف تاتعده
خرجت من المنى مثل ال ** حمار أعاره وتده
تمناني على فرس ** عليه جالسًا أسده
على مفاضة كالنه ** ى أخلص ماءه جدده
ترد الرمح مثنى ال ** سنان عوائرًا قصده
فلو لا قيتني لاقي ** ت ليثًا فوقه لبده
تلاقي شنبثًا شثن ال ** براثن ناشزًا كتده
يسامي القرن إن قرن ** تيممه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه ** فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه ** فيخضمه فيزد رده
ظلوم الشرك فيما أحد ** رزت أنيابه ويده
متى ما يغد أو يغدى ** به فقبوله برده
فيخطر مثل خطر الفح ** ل فوق جرانه زبده
فأمسى يعتريه من ال ** بعوض ممنعًا بلده
فلا تتمننى وتمن ** غيري لينًا كتده
وبوئنى له وطنًا ** كثيرًا حوله عدده
قال: فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيد؛ وعليهم فروة ابن مسيك المرادي، فلما توفي رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ارتد عمرو فقال حين ارتد:
وجدنا ملك فروة شر ملك ** حمارًا ساف منخره بقذر
وكنت إذا رأيت أبا عمير ** ترى الحولاء من خبث وغدر
قدوم فروة بن مسيك المرادي
وقد كان قدم على رسول الله في هذه السنة - أعني سنة عشر - قبل قدوم عمرو ابن معد يكرب، فروة بن مسيك المرادي مفارقًا لملوك كنده. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله
ص مفارقًا لملوك كندة، ومعاندًا لهم؛ وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا؛ حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له الرزم؛ وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك، ففضحهم يومئذ، وفي ذلك يقول فروة بن مسيك:
فإن نغلب فغلابون قدمًا ** وإن نهزم فغير مهزمينا
وإن نقتل فلا جبن ولكن ** منايانا وطعمة آخرينا
كذاك الدهر دولته سجال ** تكر صروفه حينًا فحينا
فبيناه يسر به ويرضى ** ولو لبست غضارته سنينا