ماذا أفعل عندما تأتيني دمشق في الأحلام فدمشق تأتيني كل يوم في المنام وتأتيني بزوج من الحمام من بين مآذن الأموي وتأتيني بحفنة من قمح حوران و تحضر لي معها كأسا من مياه الفيجة وسلة قش مليئة بالمشمش يعرش عليها بعض من ياسمين الشام مغطاة بأوراق التين العريضة نائمة عليها قطة شامية بيضاء
تأتي إلي فكل شيء حولي يصبح دمشق وتصبح أحلامي دنيا من أحلام دمشقية تبدأ من قاسيون وتنتهي عند الانهاية فتأتي إلي نسمات شتوية حاملة معها رائحة النارنج والليمون ثم أنزل من قاسيون لألتقي هناك بخرير المياه المنبعث من نوافير البيوت الدمشقية وبعدها تمر من أمامي حمامة بيضاء يتبعها صوت النراجيل من القهوات القديمة.
حلم دمشقي يحملني معه إلى الغوطة حيث وقف الرمان بحلته الصيفية الحمراء شاخصا ببصره إلى الجوز العملاق الذي يقف بكبريائه أميرا لهذه الجنان يراقب التوت و التفاح وقد جلسا بين الزهور وكأنهما عاشقين يحبان بعضهما سرا فجلسا بين الزهور حتى لا يراهما الصفصاف ولكن الصفصاف قد النشغل بمسح دموع الحور الرقيق الذي آلمه موت بردى فالحور كان معتادا على ان يميل على بردى ويلمس بأغصانه الطرية وجه بردى البارد فينشدان معن لحن الغوطة الساحر الذي كان ينتشر في أنحائها حاملا معه قصص الحب والرقة التي ارتوت بإخلاصها ورود الغوطة الجورية وأحيانا يروي قصص البطولة والفداء ودماء الشهداء التي كانت تصبغ بتلات النرجس المخملية فيمضي حلما موشحا بحزن على بردى ولكن سرعان ما تواسيني كروم دوما الممتدة حتى الأفق ثم أنظر إلى تلك الجبال الغربية التي احتضنت دمشق وحنت عليها فأذهب إليها أعانقها وأقبلها فمن هذه الجبال أتيت وإليها أعود فأمر من قاسيون فيبتسم لي ابتسامة الشاب المخضرم والعجوز القوي فقاسيون قديم بقدم دمشق وعريق بعراقتها ثم اودعه وأمضي في طريقي الأخضر الذي رسمه بردى فأصل قرى واديه الرائعة التي انتشرت على ضفتيه كما تنتشر حبات الؤلؤ في العقد الثمين فجديدة الوادي وبسيمة و عين الخضراء كلهم جميلات مددن أرجلهن ليبتردن من بردى وهم ينظرون إلى سيدة تلك القرى تلك القرية التي أعطيت فوق الجمال جمالا وفوق الجلال جلالا إنها حديقة الورد الربيعية الحمراء وجنة الأرض الصيفية الخضراء وهي قصيدة الحزن الخريفية الصفراء و عروس الجبال الشتوية البيضاء إنها وادي الندى و رواية الحب والجمال على طول فصول السنة إنها عين الفيجة
وأصحو بعد ذلك لأجد جسدا خاليا هجرته روحه وذهبت إلى معشوقتها دمشق تتمشى في حاراتها القديمة وتتجول بين أغصان المشمش والتين وتقبل أوراق الزيتون وتهبط كحمامة بيضاء في ساحة الأموي و تنتشر في شذى الياسمين و الزنبق
.... تذهب تاركةً هنا جسدا يكتوي شوقا...
