««صديقة الدرب»»
للحلبيين طقوس خاصة للزواج تبدأ منذ اختيار العروس و تمتد الى ما بعد ليلة الدخلة ، كانت هذه الطقوس معروفة للجميع و من المعيب عدم العمل بها بالنسبة لزمن مطلع القرن العشرين و ماقبله .
لكن للاسف كادت هذه الطقوس تنقرض و تحولت بمجملها الى سر بحاجة لمن يبوح به بعدما دخلت على هذه الطقوس تقاليد و عادات غربية ، بدأت منذ الانتداب الفرنسي و أثرت باستمرار حتى لم يبق منها الا الرموز فقط .
سنستعرض هذه الطقوس التي لم يتناولها أحد بالتفصيل لتوثيقها خوفا من ضياعها و اندثارها نهائيا .
و قد تخلل المقال العديد من الكلمات الحلبية العامية للضرورة حرصا على توثيقها لخصوصيتها .
البحث عن العروس
عندما يقرر الشاب الزواج كان البحث عن العروس يتم بطريقتين :
في العائلات الوجيهة تستعين الامهات بالبائعات المتجولات اللواتي يبعن البضائع النسائية من اقمشة و البسة و حلي و عطورات و غيرها ضمن البيوت ( يسمين دلالات أو خطابات ) لنقل مواصفات الفتاة لأمهات الشبان الراغبين بالزواج .
اما في العائلات العادية كانت النساء يلتقين في الحمامات العامة ( حمام السوق ) و يستطعن التدقيق و التعرف على زوجة ابنهم المستقبلية ،او يقمن بطرق الابواب من حارة لحارة سائلين " في عندكن بنات للخطبة ".
و عندما يزرن بيت العروس لرؤيتها ينقلن وصفها للعريس.
الوصف الايجابي للعروس
يكون بعبارات مثل :
معنّقا ( ذات رقبة طويلة ) وعيونا كحلة ، وتمّا متل الفستقة ( دلالة على صغره ) ، أبوها زنگين ( غني ) ومدلّعى عنده كتير ، شعرا ناعم أشقر طويل وصلان لآخر ضهرا متل قصاقيص الدهب ، كتير كربوجة، زرزة ( عاقلة ) وشكعة( زائدة بالحسن و الجمال ) ودمّاتا خفاف وحكيا حلو، وشفايفا أحلى وأحلى.
هادية وتقيلة ومبربسة ( شديدة العناية بالنظافة )، وبتحكي تركي بلبل،مبيّن عليها خدومة وطبخا شغل استانبول، خصرها اسطمبلي ،شقرا بعيون زرق و سنينا فرق ، بنت بتقول للقمر غيب لأبرك مطرحك رقيب ، بيضا كويسة، يا سلام على غمّازاتا،ضحكتا حلوة وجسما متل الزرنجف ( شديد البياض ) ، اصابيعا عقدن بتنعقد ( دلالة على طول و نحف يديها) ، عليها رمش عيونا بفتنوا العابدين، لو شافا الشيخ بشلح جبتو وبصيح: يا ودود، دق لها بترقص ،شقد مبتّكة ( شديدة الاتقان و الاهتمام بالتفاصيل ) ، بتحط الكعكة براسها بتصير عند قدمها .
الوصف السلبي للفتاة
بنت معجوقة وشايفة حالا أكتر من اللازم، بتلمّ شفافا تيصغر تمّها ( دلالة على كبر فمها و محاولتها اخفاء ذلك )، بنت بتتكحل وبتتبودر وبتتحمر ( تكثر المكياج و هذا عيب ) وبتلبس البدلة المزمّكة ( أي الضيقة )، بنت ولي عليها گرّارة ( ثرثارة ) ومشفترة وصارجيّة ( اي صفراوية ) ، طرنفشة ( أي ضخمة الجسم ) قاصّا شعرا الأسود عالشاليش ( قصيرة الشعر ) وصايرا متل السعدان، بتْطرطر مع امها من قبول لقبول( أي تكثر الزيارات النسائية ).
كان الشاب غالبا ما يتزوج في منزل والديه و تخصص له احدى غرف المنزل و تسمى هذه الغرفة " بيت فلان " و لا يجوز للشاب ان يتزوج زوجة ثانية ولا يمنح لنفسه حق تعدد الزوجات إلا بعد فترة لاحقة من زواجه عندما يتملك عقاراً مستقلاً ، و يسكن خارج منزل أبويه .
غالبا ما كانت الطبقات الفقيرة تحجم عن تعدد الزوجات ، بسبب عدم القدرة على إعالتهن .
الطلبة و التشكر و الخطبة
إذا حققت الفتاة طلبات أهل العريس ، يتم طلب يدها من أمها بزيارة خاصة و اما يرفض الطلب فورا ،او يقبل مبدئيا و يسأل أهل العروس عن العريس ، فإذا كانت النتائج ايجابية ، تحدد جلسة التشكر و الخطبة.
يحضر والد العريس مع لفيف من الاقرباء و الاصدقاء الوجهاء الذكور مع الخاطب و يسميه الحلبيون ( الخطيب ) لمنزل والد العروس ،ليتشكروهم على قبول خطبة ابنهم و ليطلب والد العريس الفتاة من أبيها بحضور عدد من أقارب العروس الذكور الوجهاء و يجيب الاب : والسبع تنعام منكن ، بنتنا خدّامة بمطبخكن.
سميت هذه الجلسة بالاساس بالخطبة لانه كان من واجبات الخطيب طالب الزواج ان يلقي خطبة قصيرة على الحضور ليتبين لاهل العروس فصله بعدما تعرفوا على اصله ( الفصل يعني البراعة في الكلام و البلاغة ).
جرت العادة بعد الخطبة أن تعزم أم العروس اهل العريس لعزيمة غذاء تقوم فيها بتلبيس الخطيبة خاتم الخطبة و تطالب فيها ام العريس ان تغني العروس لتسمع جودة صوتها ، و تبقى ام العريس لتنام مع العروس بفرشة واحدة للتأكد من عدم وجود رائحة فم او رائحة عرق إبط عند العروس عند استيقاظها من النوم ، و تذهب النساء في اليوم التالي لحمام السوق لتتفحص ام العريس جسد الفتاة و تتأكد من خلوه من اي عيب ،تسمى هذه الحالة ( بدها تشوف شلحتا ) .و تقوم اخت العريس بممازحة العروس بشد شعرها و الهدف الحقيقي من الممازحة التأكد من متانته و عدم تساقطه ،كما يضيفنها حبات بندق ليتأكدن من صلابة اسنانها.
فصل الحق ( النقد ) و كتب الكتيب
بعد ايام و دون ان يسمح للخطيبين باللقاء ، و بتمهيد و اتفاق مسبق من نساء الطرفين ، يلتقي الذكور من الطرفين ليحددوا المهر المطلوب دفعه و المصاغ الذهبي الواجب تقديمه ( تسمى هذه الجلسة جلسة فصل الحق او فصل النقد ) ، و العائلات الكريمة لا تدخل في تفاصيل مادية بل تكتفي بمقولة ( البنت بنتكم ) مما يحّمل اهل العريس عبئا اضافيا نتيجة كرم و رفعة اهل العروس فيقدموا المزيد في هذه الحالة تقديرا منهم .
و هناك عائلات تدخل في ادق التفاصيل المادية معتبرة ان هذا الامر حق و يجب توضيحه .
و يجب ان يحدد الطرفين مبلغ من اصل المهر لتشتري به العروس رقائق من الفضة الخالصة تحتفظ بها كطريقة ادخار .
فاذا تم الاتفاق على المهر و المصاغ يحدد موعد لعقد القران مباشرة دون احتفال فيه رقص ( ابرام عقد الزواج يسميه الحلبيون كتب الكتيب ) .
ترسل بطاقة دعوةأنيقة للرجال لحفل عقد القران .
بطاقة دعوة للرجال لحضور عقد القران في عام 1937 في الساعة 2 عربية
، يسأل الشيخ وكيل الزوج ووكيل الزوجة تبادل الالفاظ الشرعية لعقد الزواج و يبدأ والد الزوجة بمقولة : زوجتك بنتي ، ليرد عليه والد الزوج : قبلت تزويجها (لان موافقة البنت هي بداية و اساس العقد ) مع ذكر المهر المتفق عليه علانية ، و يسلم المهر المتفق عليه في محفظة جلدية إلى والد العروس مباشرة عند إتمام عقد الزواج .
و إذا كان أحد الطرفين من نقابة الأشراف بحلب ، يضع نقيب الأشراف ختمه على العقد .
وثيقة عقد نكاح عام 1937 عليها توقيع نقيب الاشراف عبد الرزاق أفندي الصيادي المعجل فيه مائة ليرة عثمانية ذهب و المعجل خمسون ليرة ذهبية
يقرأ الحضور الفاتحة و بعض الايات القرآنية الكريمة و يتلون بعض الادعية ثم يضّيف والد العروس الحضور الراحة بالفستق و مربى الكباد و شراب اللوز ( مؤلف من الحليب و مهروس اللوز ) و هو الشراب الذي تختص به مدينة حلب و في النهاية يشربون القهوة .
تدعو والدة العروس النساء لوليمة غذاء تقوم فيها والدة العريس بإلباس العروس المصاغ المتفق عليه عند فصل الحق .
يحدد بعدها موعد لحفل العرس ، و يدعى الأقارب و المعارف، و ترسل بطاقات الدعوة للنساء ، ، مزينة بشريط لماع .
ُيرسل جميع المدعوين - سواء حضروا الحفل أم لم يحضروه - تهانيهم مع هدايا ، تتراوح بين الأقمشة و اكياس الرز و السكر و تنك السمنة العربية .
موكب جهاز العروس و مده ( مد الجهيز )
عادة ما يشتري والد العروس جهاز العروس ( يسميه الحلبيون الجهيز لانهم يكسرون الالف دوما ) بمبلغ يعادل المبلغ الذي قبضه من العريس ، و يضيف عليه مبلغا اكبر اذا كان ميسورا .
و الجهيز مؤلف عدة أشياء اساسية منه ثياب الزوجة الخارجية و الداخلية و المنزلية ، و يجب ان لا تحتاج الزوجة ان تطلب من زوجها شراء اية ثياب لمدة سنة كاملة على الاقل و الا اعتبر جهيزها معيبا .
يرسل الجهاز بشكل علني و استعراضي إلى منزل العريس ، قبل ثلاثة أيام من حفل العرس ( تسمى المناسبة مد الجهيز ) ، يرافق الموكب جمع من الرجال على صوت الطبل والزمر .
موكب جهاز العروس محملا على الدواب
أمام موكب الجهاز ترقص العبلة على الجمل .
و رقص العبلة هو تقليد اندثر في الخمسينات من القرن العشرين ،كانت تقوم به فتاة ملثمة من الغجر ، راكبة على جمل ترقص بطريقة معينة و لم يكن وجهها معروفا لاحد ، لدرجة ان البعض كانوا يشككون بكونها شاب ملثم .
العبلة ترقص على الجمل
يرافق العبلة مجموعة من الرجال يقودون جملها و تجري خلفهم خلفهم اللعبة التي يسميها الحلبيون لعبة " الحكم " و يقوم بها مبارزي السيف و الترس الاستعراضيين .
خلف هؤلاء يسير الحمالون على رؤسهم صواني نحاسية ملفحة بالحرير و عليها الزهور.
الصينية الاولى عليها زجاجات العطور و مواد التجميل و المكحلة .
مكحلة أثرية نادرة مع مرآة لتستعملها العروس في تزيين نفسها
تليها صينية الكؤوس و الاباريق الزجاجية تليها صينية فناجين القهوة يليها صينية وشاح العروس الوردي اللون الذي يسمى ( اليشمق ) يليها صينية عليها "طشت " و ابريق نحاسي لغسل اليدين بعد الطعام و للوضوء .
الابريق النحاسي الجميل لسكب الماء
يتبع
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
««صديقة الدرب»»
يليها صينية بقجة الحمام و معها طاسة الحمام و اللكن لوضع البيلون فيه .
قماش بقجة الحمام و هي من الجوخ المطرز بخيوط الذهب فيما يسمى فن الصرمة
اللكن النحاسي المزخرف و هو مخصص لنقع البيلون في حمام السوق
يليها صينية عليها القبقاب الشبراوي المطعم بعرق اللولو الذي يرتفع او ينخفض تبعا لطول العروس .
القبقاب الشبراوي المطعم بالصدف
يليها القياس ( يلفظه الحلبيون بكسر الالف قييس ) و هو عبارة عن فرش رقيقة من الدمقس الاحمر معلق عليها لوحات من الفضة الخالصة ( اتفق عليها كجزء من المهر ) توضع على دكة خشبية عالية في غرفة العروس و لا تستعمل الا للعرض .
يليها قطع الاثاث كالمرايا الحجرية الكبيرة البلجيكية المزينة بالريبان و عليها لصقتها لاثبات انها جديدة غير مستعملة و تبقى اللصاقة عليها طوال العمر .
خلفهم اربعة حمالين يحملون خزانة الملابس الخشبية التي يسميها الحلبيون ( السكرتون و اصل الكلمة السكردان من الفارسية ).
تسير ورائهم الدواب مزينة بالخرز والودع والريش و الاجراس، ورؤسها معصّبة بالمناديل الملونة .
الدابة الاولى محملة بالصندوق المصدف المصنوع من خشب السرو ذو الرائحة ، و الدابة الثانية عليها السجاد و الثالثة عليها الفرش الصوف و المخدات و الحرامات و الشراشف .
الصندوق الخشبي المطعم بالصدف يوضع في غرفة العروس و يستعمل لحفظ الملابس
الموكب يسير والدنيا ( قايمة وقاعدة ) والمتفرجين على جانبي الطريق والنساء تتفرجن من شبابيك المنازل المواربة .
يصل الجهاز لغرفة العروس في بيت العريس لتستقبلها نساء الطرفين حيث تُستعرض امام نساء الطرفين مكونات الجهاز من الملابس و تزغرد النساء عند عرض كل قطعة منه اثباتا من اهل العروس انهم انفقوا المهر الذي قبضوه من والد العريس على تجهيز ابنتهم و لم يقصروا بذلك و تعتبر جميع هذه الممتلكات التي تسمى اشياء جهازية ، ملكاً خالصاً للزوجة طوال فترة الزواج .
و ينتهي مد الجهيز بوليمة غذاء تقيمها ام العريس .
يتوجب على العريس تقديم بدلة الزفاف وحذاء العروس و تقال كلمة تورية طريفة بهذه المناسبة ( القندرة على العريس ).
ليلة الحنة
تدعى النساء الى ليلة الحنة تغني فيها الخوجة و هو لقب مطربة ذلك الزمان ، ثم تدخل صواني الحنة على اطرافها بالشموع ، و حاملوا الصواني يرقصون بها لتتمايل معهم اضواء الشموع و تضع العروس الحنة على يديها و قدميها بنقوش خاصة تقوم بها " النقاشة " ثم تلف بقطعة قماش لليوم الثاني حتى تجف الحنة .
ليلة التعليلة
أما الرجال فيقيمون حفلة تجريبية لحفلة العرس تسمى التعليلة يغني فيها المطربون الحلبيون و يرقص فيها الحضور و يسهرون الى جانب نوافير أرض الحوش العربي و لكن لا يرتدي فيها العريس ملابس الزفاف الرسمية .
يوم وليلة العرس بالنسبة للعروس
تختلي ام العروس يوم العرس مع ابنتها لتحكي لها عن اسرار ليلة الدخلة ، ثم تذهب النساء الى حمام السوق لتغسل (قيمة الحمام ) العروس سبع مرات و تضع على شعر رأسها "بيلون الورد " و هو بيلون خاص ذو رائحة عطرية .
بيلون الورد ذو الرائحة العطرية المميزة
و ينظف جسد العروس بعدما يكسى بالكامل بالاعشاب و المستحضرات طيبة الرائحة .
تعود العروس لبيت أهلها لتقوم سيدة مختصة " الماشطة " بتصفيف شعرها و تضميخه بالعطور و تزين وجهها بالكحلة و الحمرة و البودرة و تلبسها مصاغها الذهبي و هي تقول لها عبارات مديح مثل :
(قربان هالوچ، يما يسلم لي هالجبين، يخزي العين عن عيونك، وما شا الله وميت ما شاء الله على حسنك وجمالك، وألله هوّه يحرسك ويحميكي والسعد يخدمك، إيه يا رب يا محبب القلوب ).
لوحة عالمية لسيدة حلبية في حمام السوق
إما ان تكون حفلة عرس النساء في صالة خاصة تسمى القهوة و اشهرها كانت قهوة البرتقال يلفظها (الحلبيون قهوة البرتقان ) لاصحابها من ال بليط او تكون الحفلة في بيت العريس .
تحضر قريبات العريس لمنزل العروس نهاراً بالحناتير ليصحبنها الى منزل العريس ( ان كانت حفلة العرس في منزله )، تصاحبهن الزغاريد، و يجب ان تتم العادة التي تسمى " النشلة " و هي ان تختطف احدى قريبات العريس شيء ثمين ( عادة تكون مزهرية او ما يسميه الحلبيون صمدية )من منزل العروس بدون ان يشعروا او بتغاض منهم لتوضع في بيت العريس بعد عرضها على مرافقاتهن و اعتقد ان هذه العادة لاظهار مدى قيمة الاشياء الموجودة في بيت اهل العروس.
عندما تصل العروس لمدخل بيت عريسها تلزق قطعة عجين على الجدار تسمى ( خميرة النعمة ) في اشارة لالتصاقها الابدي ببيت زوجها و لاحضار الخير و البركة معها .
تجلس العروس في غرفة علوية في منزل العريس على كرسي عال لابسة قبقابها العالي ( الشبراوي ) ، تحيط بها النساء من أهلها ( تسمى الغرفة مربع العروس ) و تسمى جلستها هذه " الصمدة " ، تبدل العروس عدة اثواب سهرة من جهازها لعدة مرات لاستعراض جهازها و في الآخر ترتدي ثوب الزفاف الحريري المطرز بخيوط الذهب ، و تضع العروس حجاباً من الشاش الزهري ، و لا يكون ثوبها ابيض عادة ،على خلاف العادات الحالية ( غالبا ما يكون زهريا )، و لا تشارك العروس في الرقص ، و تطرق رأسها بخجل.
ثوب زفاف زهري اثري مطرز بخيوط الذهب
يوم و ليلة العرس بالنسبة للعريس
يحضر الحلاق الى منزل يختاره اهل العريس و يكون عائدا لقريب لهم ليحلق شعر العريس و يبرم له شواربه و يضع له عرق تمر حنة في لفة رأسه و يلبسه ملابس العرس و يربط له الزنار حول ( الرد ) و هو اللباس الرسمي .
العريس الحلبي مرتديا " الرد" و حول خصره الزنار الحريري
خلال هذه الفترة تغنى أغاني التلبيسة و يطرب و يرقص الحضور ،و لا يجوز لاقرباء العروس حضور هذا الاحتفال .
مسيرة "باسم الله "
يقوم العريس بتقبيل يد أبيه و اعمامه و كبار الحضور و يصافح أصدقائه ثم يبدأ المسير باتجاه بيته الذي تتواجد فيه عروسه و تسمى هذه المسيرة مسيرة " باسم الله " .
و يقوم صديقه المقرب و غالبا ما يكون ابن عمه ( يسميه الحلبيون سخدوج و هو كالاشبين ) بالسير الى جانبه و خلفه شابين مشهرين سيوفهم كحرس له ، و خلفهم ابيه يقرأ اية الكرسي و ينفخ على ابنه طلبا لحمايته من العين ، و حوله اعمامه و اخواله و بقية أصدقائه و يقوم أصدقائه بوخزه بالدبابيس من الخلف .
امام العريس يصطف على صفين بشكل زوجي الشبان يمشون بهدوء على طرفي الطريق يتقدمهم حملة الفوانيس و المشاعل .
ذكر لي القاضي سعد زغلول الكواكبي انه شارك في مسيرة " باسم الله " عام 1938 في عرس المرحوم بكري عارف قباني و شهد الرجل مختص الذي يُطلق عليه لقب "البيشاروش " و يعتبر قائد الموكب يبدأ بالنداء على الشبان على الصفين :و لك يالله سوا جوز جوز وديه .. ، فيجيبه الجميع : صلوا على محمد الزين الزين مكحول العين و اللي يعادينا الله عليه .
و هذا التفسير جديد للاهزوجة التي حار البحاثة في تفسير معناها و ما زال الحلبيون يطلقونها في احتفالاتهم و التي تحرفت و صارت : يالله سوا و دوز دوز و جيه و التي فسرها البعض بأنها كلمات سريانية الاصل .
و عندما يتباطأ الموكب يصيح البشاروش قائلا : باسم الله يا شباب باسم الله .
خلفه يسير منشد ذو صوت شجي قائلا مواويل مختلفة منها :
يا اهل السخا تكرمون الضيف بارضكن وتعاملونا بطيب العيش برضاكن
و يجب ان يبقى العريس ساكتا لا يشارك في هذه الاناشيد .
عندما يصل موكب العريس لأمام قهوة الحارة يقوم القهواتي و بيده دلة القهوة المرة و الفناجين بصب القهوة لابو العريس ثم يكسر الفنجان في اشارة لكسر الشر ثم يقدم القهوة للبقية و يأخذ بخشيشا لقاء ذلك .
أما الحارس الليلي للحارة الذي كان الحلبيون يسمونه ( البكجي ) فيضرب الارض بعصاه و يصرخ : دوس إن الله حق.
عند الاقتراب من البيت تختلط اناشيد الشباب "بزلاغيط " النساء المستقبلات.
يصل العريس مع رفاقه الى مدخل بيته تعلوه مظلة من السيوف المتقاطعة ليمر تحتها داخلا داره ، لتستقبله قريباته " بالزلاغيط " و لا يجوز لقريبات العروس اطلاق" الزلاغيط" ، و تبدأ قريباته باطلاق الهنهونات التي تبدأها الخوجة قائلة مثلا :
يا نجمة الصبح فوق الدار علّيتي
شميتي ريحة الحبايب وجيتي وضوّيتي
ندراً عليّ إذا راحوا على بيتي
لاشعل لهم شحم قلبي إذا خلص زيتي
لتتعالى بعدها "الزلاغيط "
يعلن البيشاروش على الملأ ان صبحية العريس غدا في حمام السوق الفلاني .
ثم يدخل العريس المنزل الى جانبه السخدوج فقط مع والده ، و تقوم النساء المدعوات طلبا للحشمة بتغطية انفسهن بأردية خاصة .
تقود النساء العريس باتجاه الدرج المؤدي إلى غرفة العروس الجالسة في المربع ، و تظهر العروس أعلى الدرج مغطاة وجهها بالشاش الزهري و حتى هذه المرحلة لا تكون العروس قد رأت عريسها .
تتظاهر قريباتها - في تمثيلية طريفة - بإعاقة نزولها، و تسليمها لعريسها ، و تلح قريبات العريس على وجوب نزولها ، و رفضهن الصعود ،يبدو ان أهزوجة ( ما بنزل .. ما بنزل .. إلا بحلق الماس ) كانت تمثل هذه العادة .
أحيانا و في حال أبدت العروس رغبة كبيرة في تدليل عريسها ترتدي قفازين اثنين في يديها و تكون الشموع معلقة و مضاءة على أصابعها العشرة في اشارة الى انها ستوقد أصابيعها العشرة إكراما له .
يصل الطرفان لحل وسطي ، بأن يصعد العريس درجة و تنزل العروس درجة ، حتى يلتقيان في منتصف الدرج ،و تقترب ام العريس لتكسر قرص من السكر يسمى " قرص شراب " فوقهما ، و يقوم والد العريس بجمع و شبك ايديهما ،و يرفع العريس الغطاء عن وجه عروسه و هي المرة الاولى التي يراها بها ، ثم يأخذها العريس إلى مخدع الزوجية و يمشي امامه صبي وسيم تفاؤلا بأن يكون اولادهم مثله .
ليلة الدخلة
في مخدع الزوجية يجب ان تكون هناك طاولة طعام عليها اللحوم و الفواكه لعشاء العروسين و يجب تواجد المكسرات التي يسميها الحلبيون ( آلة الخزانة ) لتسليتهما .
من العبارات المتبادلة المعروفة فيما بينهما ان يقف العريس امام المرآة الحجرية التي جلبتها العروس و يسألها :
بكم اشتريت المرآة ؟ ..لتنظر هي الى صورته المنعكسة على المرآة و تجيبه : اشتريتها بروحي ..
او تسأله العروس عند تناول الطعام : عندك راحة ( تقصد حلوى الراحة بالفستق ) ، فيجيبها : راحة العمر .
تبقى النساء بانتظار خروج العريس ، ليعطي ام العروس الواقفة عند الباب منديلا مصبوغا بالدم لتفتحه امام الناس و ترقص ملوحة به ، و حينها تبدأ قريبات العروس باطلاق " الزلاغيط ".
الصباحية
في الصباح التالي يحضر اصدقاء العريس باكرا لاصطحابه في دعوة على نفقتهم الى حمام السوق و يبقون فيه من الصباح حتى المساء معدين وليمة غذاء فاخرة على نفقة اصدقائه و الهدف من الموضوع ابعاد العريس عن العروس لترتاح قليلا .
اما النساء من اهل العروس فيحضرن اليها و يفطرن في منزل العريس المامونية و الشعيبيات و ترتدي العروس ثوبا خاصا لهذه المناسبة اسمه " الصباحلك " و تبقى النساء يغنين و يرقصن الى ما بعد تناولهن طعام الغداء .
هذه هي الطقوس الحرفية للزواج الحلبي ، تحريت الدقة في جمعها و نقلها ممن عايشوا تلك الفترة، متمنيا من القراء الكرام اغناء الموضوع بتصويباتهم و ما لديهم من تفاصيل تراثية لم ترد في المقال.
المقال القادم سيكون حول طقوس الزواج التي كانت لدى الاخوة المسيحيين في حلب و التي تختلف قليلا عن هذه الطقوس .
الصور : من ارشيفي الخاص و مجموعتي و عدة مجموعات منزلية من الانتيكا الاثرية
المصادر :
- كتابي " تاريخ حلب المصور " يصدر الشهر القادم عن دار شعاع بحلب .
- معلومات مستقاة من مجموعة من الشهود العيان من شيوخ حلب اطال الله في اعمارهم .
- موسوعة حلب المقارنة للاسدي .
- تاريخ حلب الطبيعي للاخوين راسل .
المحامي علاء السيد - عكس السير
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
يعطيك العافية انسة ريماس
ماشاء الله عن جد بتعبي حالك كتير بجلب المواضيع ووضع الصور
والله وبدون حسد
الله يعطيكي الصحة والعافية
««صديقة الدرب»»
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)