بقلم / ممدوح الشيخ
لم يكن محمد عبده مخطئا عندما أطلق صيحته التي جرت مجرى المثل السائر "لعن الله ساس ويسوس وما يشتق منها"، فعلى امتداد التاريخ الإنساني لم تنجح أمة في أن تحترم مقولات: "الشفافية" و"المصارحة" في الممارسة السياسية، والاستثناءات النادرة تؤكد القاعدة ولا تنفيها، فدائما هناك "أسرار" ودائما يختلف ما تحت الطاولة عما فوقها بل أحيانا يتناقضان تناقضا تاما. وقد أدت هذه السمة في ازدياد أهمية الوثائق الرسمية التي اصطلح السياسيون شرقا وغربا على فرض حجاب السرية عليها لفترات متفاوتة تبعا لأهميتها وخطورة الكشف عنها، وبناء على ذلك عرفت البشرية حروب الأرشيفات السرية وتبادلت القصف بالوثائق من تسريب اتفاقية "سايكس بيكو" مرورا بـ "أرشيف ميتروخين" إلى الكشف عن أسرار العملية "جلاديو".
كشف المستور
تسود ثقافة كشف المستور غالبا بين الحلفاء السابقين عندما تتفرق بهم السبل وتنفصم عرى تحالفهم والمثل العربي القائل:
احذر عدوك مرة
واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق
فصار أعلم بالمضرة.
يلخص خبرة إنسانية ربما مرت بكل منا. وما شهدته العلاقات الأمريكية الأوروبية - وبخاصة الأمريكية الفرنسية – مثال مثير في هذا السياق، فبعد أن شارك الأمريكيون بالنصيب الأكبر في عملية "نورماندي" التي حررت فرنسا من الاحتلال النازي وبعد تحالف طويل تحت مظلة حلف الناتو بدأت السبل تتفرق بالحليفين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ثم اتسع البون على نحو كبير بدءا من النصف الثاني من التسعينات. وقد اختار الفرنسيون لتقليص نفوذ الحليف السابق سلاح "كشف المستور" لتصبح الأنشطة السرية المشتركة صفحات سوداء في كتاب السياسة الأمريكية يجب فضحها وتسليط الأضواء عليها.
وقد تحولت معركة كشف المستور فعليا إلى حرب تكسير عظام عندما كشف تقرير رسمي أوروبي صدر عام 1998 عن إحدى لجان الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكة تجسس هي الأكبر من نوعها في التاريخ تديرها الولايات المتحدة في قارات العالم الست خارج إطار حلف الناتو وبالتعاون مع حلفاء ينتمون جميعا للتشكيل الحضاري الإنجلوسكسوني البروتستنتي (بريطانيا – استراليا – نيوزيلندا). وعلى ما يبدو فإن الحرب على العراق قطعت شعرة معاوية بين الطرفين فبدءا يتبادلان القصف ويتسابقان على الكشف عن المستور.
العملية جلاديو
المستور هذه المرة كشف عنه الكاتب الفرنسي تيري ميسان الذي حقق كتابه "الخدعة الرهيبة" حول اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر ضجة كبيرة، والعملية جلاديو رمز يستخدم للإشارة إلى شبكات تدخل خارجي أمريكية كان هدفها مراقبة الديموقراطيات الأوروبية خوفا من وصول الشيوعيين للحكم، أما كيف فهذا ما كشف عنه ميسان وهو رهيب!!.
وهذه الشبكات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية كشف عن وجودها للمرة الأولى عام 1990 قاضيان إيطاليان (فيليس كاسون وكارلو ماستيلوني) كلفا بالتحقيق في سقوط طائرة عسكرية عام 1973 وانفجار سيارة مفخخة في مدينة إيطالية وقد جمعا العديد من الشهادات والمعلومات لإثبات أن ثمة جهاز سري يتحكم في إيطاليا في ظل المؤسسات الرسمية. وبينما هما يستدعيان إلى مكتبهما العديد من الشخصيات السياسية في البلاد، أصدر رئيس الوزراء الإيطالي جوليو أندريوتي وبشكل علني بتاريخ 27 أكتوبر 1990 تصريحا مؤكدا فيه وجود مثل تلك القوى.
وما كشفت عنه التحقيقات أن الخوف من النموذج السوفييتي قياسا بهشاشة القوى التي كانت تتشكل منها منظمة الحلف الأطلنطي إزاء القوى الأخرى التي كانت تقود الدول الأوربية الشرقية إلى التفكير في شكل جديد من أشكال الدفاع غير التقليدي، مؤسسين على أراضيهم شبكة سرية للمقاومة موجهة للعمل في حالة الاحتلال من قبل "الأعداء".
ونتيجة خطورة المعلومات التي كشفت عنها التحقيقات تم تشكيل لجان برلمانية للتحقيق في كل من: إيطاليا، سويسرا، بلجيكا وكانت نتيجة تلك التحقيقات قاسية إلى درجة أن دولا أخرى مثل فرنسا اختارت على حد تعبير تيري ميسان نفسه: "الغوص في التكذيب". أما في ألمانيا فكشفت الصحف الألمانية عام 1952 عن حركات يمينية متطرفة التي تعد لعمليات اغتيال ضد شخصيات يسارية في حالة وقع اجتياح سوفييتي، التي تحضر لعمليات اغتيال ضد شخصيات من اليسار في حالة وقع اجتياح سوفييتي، وكانت هذه الحركات اليمينية مدعومة عسكريا من مكاتب سرية من الحلف الأطلنطي.
حديث الوثائق
وقد تسربت عن هذه الشبكة معلومات قليلة خلال العقود الماضية، فتم ذكرها عام 1976 في تقرير لجنة تحقيقات برلمانية أمريكية حول السي أي آي ترأسها السناتور فرانك شورش ووفق تقريره فإن الشبكة تتكون من ثلاث ملايين متعاون عام 1952، وميزانية سنوية مقدرة بمائتي مليون دولار. ثم نشرت عنها عام 1978 معلومات كشف عنها في سيرته الذاتية وليم كولبي أحد الذين ترأسوا الشبكة ذات يوم. ثم وفي عام 1982 نشر العقيد ألفريد بادوك قائد الفرقة الرابعة للعمل النفسي معلومات أخرى في تحقيق في السي أي آي. أما جون لوفتوس فكشف عن تشغيل ضباط نازيين في جلاديو!!.
والشبكة التي كانت تعرف في إيطاليا باسم "غلاديو" عرفت بأسماء أخرى فهي في النمسا "شبكة شوير"، وفي بلجيكا الدنمرك إسبانيا فرنسا "وردة الرياح" وفي اليونان "تواسون روج" . .
تعددت الأسماء المعنى واحد، أما العبر والدلالات فكثيرة جدا!!!
شكراً حبيب
والله يبعدنا عن السياسة
يا خير من دفنت في الترب أعظمه *** فطاب من طيبهـن القـاع والأكـم
نفسي الـفـداء لـقبـر أنـت ساكـنـه *** فيه العفاف وفيـه الجـود والكـرم
مشكوور استاذ ماهر ...
شرفت يا عمر
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)