منذ نصف قرن تقريبا، استشرف علماء الذكاء الصناعي مستقبلاً يشهد تطوير أجهزة حاسوب ذكية لا تتجاوز الروتين الرياضي للحواسيب التقليدية فحسب، بل وتفكر بطريقة ذكية تشابه أنماط التفكير والاستقراء والاستنباط المستخلصة من أساليب ذكاء الإنسان، وتتعلم وتضيف مزيداً لقاعدتها المعرفية بشكل مطرد.
بل إن بعض هذه الأجهزة مجهز الآن بحيث يستطيع معالجة اللغات الطبيعية (البشرية) فهماً ونطقا، ويمكن تزويده أيضاً بحساسات استشعار ومنظومات إبصار.
هذه هي خلفية مشروع تطوير الجيل الجديد من الحواسيب الذكية التي يحاكي تصميمها شبكات وخلايا الأعصاب ونقاط اشتباكها، والذي يشارك فيه فريق أبحاث معهد العلوم النظرية (IGI) بجامعة غراتس التكنولوجية بالنمسا.
يقوم الباحثون بتنسيق جهود مشروع أبحاث يرعاه الاتحاد الأوروبي، ويسمى “Brain-i-Nets”، أي نماذج التعلم المستلهمة من الدماغ للشبكات العصبية واسعة النطاق، على مدى ثلاث سنوات. وفي هذا السياق، عقدوا مؤخراً اجتماعاً لمدة ثلاثة أيام للباحثين المشاركين من جامعة غراتس.
التكيف وتجديد البرمجة
ويرغب العلماء في تصميم جيل جديد من أجهزة الحاسوب العصبية على أساس مبادئ الحساب وآليات التعلم الموجودة أو المستخدمة في المخ، وفي نفس الوقت، يتم اكتساب معارف جديدة حول آليات التعلم في الدماغ.
ويتكون الدماغ البشري من شبكة عصبية هائلة تضم عدة مليارات من الخلايا العصبية. وهذه الخلايا تلتقي ببعضها البعض عن طريق وصلات مستقلة تسمى نقاط الاشتباك العصبي (المشابك). وهذه الأخيرة بدورها تتغير على امتداد الوقت، وذلك ما يسميه علماء الأعصاب لدونة المشابك، أي قابليتها للتشكل.
هذه المنظومة المعقدة للغاية تمثل الأساس (البنية التحتية) للتفكير المستقل والتعلّم، بيد أنه لا تزال هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة أمام المهتمين والمتابعين بين الباحثين إلى اليوم.
ويقول رئيس معهد العلوم النظرية بجامعة غراتس ولفغانغ ماس، وزميله منسق المشروع روبرت ليغنستاين، إنه على النقيض من الحواسيب المعروفة اليوم، فإن الدماغ لا يقوم بتنفيذ برنامج خطوات متكررة، بل يقوم بشكل دائم بالتكيف مع وظائف جديدة وإعادة برمجتها من جديد، وكثير من هذه الخصائص لم يتم تفسيرها بعد.
الابتكار والرؤية
ويأمل الباحثون المشاركون في هذا المشروع أن يكتسبوا معرفة جديدة، من خلال مخرجاته ونتائجه، حول آليات التعلم في الدماغ البشري، ويريدون استخدام هذه المعارف حول آليات التعلم لتطوير أساليب تعلم جديدة للمنظومات الاصطناعية التي تتناول وتعالج المعلومات.
هدف العلماء بعيد المدى هو تطوير حواسيب قابلة للتكيف والتعلم، وستكون قادرة بدورها على إحداث ثورة في مجتمع المعلومات اليوم.
يذكر أن هذا المشروع البحثي الذي سيمتد لثلاث سنوات يتلقى تمويله من الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج الاتحاد المسمى "التقنيات المستقبلية المستجدة"، والذي يقدم الدعم لما هو مبتكر بشكل خاص، ويعبر عن رؤية ثاقبة، من بين توجهات ومناهج البحث في تكنولوجيا المعلومات.
وكان فريق دولي من الخبراء قد اختار تسعة مقترحات بحثية من أصل 176 مقترحاً، من بينها “Brain-i-Nets”. وتقدر مساهمات الشركاء الأكاديميين في هذه المبادرة البحثية بحوالي 2.6 مليون يورو، وتشمل قائمتهم يونيفرستي كوليج لندن، ومدرسة البوليتكنيك الفدرالية في لوزان (سويسرا)، والمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، وجامعة روبريخت كارلز بهيدلبرغ (ألمانيا)، وجامعة زيورخ بألمانيا.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)