التاريخ والحضارة
دمشق هي تاريخ يمتد خمسة آلاف عام
دمشق... أقدم مدينة في التاريخ لا زالت مأهولة بالسكان
( كما يوصفها الشاعر والاديب العراقي مظفر النواب )غيرة قرطبة، رحلة صنعاء، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم...
1
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة،
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي
ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله خرافي لحضارات شنقت نفسها على
أبوابها.
شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.
بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحتبلاطة في جبال البرينيه.
إنها دمشق التي تحملت الجميع، سفحين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين
ومقيمين، مدمني عضها... مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانيينوشهوانيين....
رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة،
أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها،
ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبهاومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.
إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح
لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيوخها وعلمائهادمشق... هي ابن تيمية، وابن كثير، وابن عساكر، وابن القيم الجوزية...
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي
على شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ
ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في
المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها
دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها ...أو يستطيع فك طلاسمها وأسرارها.
دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب
موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي
رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى علىطريقة دمشق
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركت عشاقها
خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين
ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.
يتبع
التعديل الأخير تم بواسطة رامون ; 11-24-2010 الساعة 10:43 PM
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.القارات الخمس .لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم. من الأزرق ما يكفي لتغرق
ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق الملائكة، ومن المداخن
نحل الكون لرحيقها.ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو
المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط "
يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما
نكازاكي وهيروشيمالديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا
الحروب القادمة.لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل
ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل
الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز،
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين فيالحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشي
التعديل الأخير تم بواسطة رامون ; 11-25-2010 الساعة 10:09 PM
أهلي وزملكاوي ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب
نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّانفدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....
دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية وإذا
أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة وإن أضعت طريق الجامع الأموي ،ستدلك عليه " كنيسة السيدة "
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها
ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو
تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أومتذكراً كل شيء دفعة واحدة.
فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة" الفرس"، وتقولجملة واحدة للجميع (إنها دمشق )
تلك هي دمشق.. مدينة ليست كالمدن...
اتمنى ان تنال اعجابكم
الف شكررررر اخي رامون
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)