احتراما لضيفتنا، تظاهرت بالسرور و أخفيت كل الغضب في داخلي... و شاركت الجميع طعام العشاء الذي أعدته الشقراء و أمها... و كانتا المسؤولتين عن الطهي و شؤون المطبخ... تساعدهما خادمة وظفها وليد منذ فترة...
كانت الشقراء ترتدي بلوزة جميلة عارية الكمين و الكتفين ... و تتزين بعقد ثمين من اللؤلؤ اشترته مؤخرا... و تلون وجهها الأبيض ببعض المساحيق... و تبدو في غاية الجمال و الأناقة... و لا بد أنها أثارت إعجاب ضيفتنا و أبهرتها في كل شيء...
و بعد خروج الضيوف ذهبت هي و بكامل زينتها و مباشرة إلى حيث كان وليد...
أما أنا فصعدت إلى غرفتي لاستبدل ملابسي...
نظرت إلى نفسي عبر المرآة و تخيلت صورتها إلى جواري فشعرت بالحنق و الغيظ... و رغبت في تمزيقها...
لم استطع تجاهل صورتها و هي تعيّرني بأنني أعيش عالة على ثروتها... ولم أتحمّل تخيلها و هي تجلس هكذا قرب وليد...
تملّكتني رغبة ملحة في الذهاب إلى وليد و إخباره عما قالت في الحال... و وضع حد نهائي لحالتي البائسة معها...
فتحت خزانتي و استخرجت جميع المجوهرات التي أنقذتها من حطام بيتنا المحروق... مجوهراتنا أنا و دانة و أمي رحمها الله... و أخذت أتأملها و أشعر بالألم... فهي كل ما تبقى لي...و لم أتصور أنني سأفرط فيها ذات يوم...
جمعتها كلها في علبتين كبيرتين و وضعتهما في كيس بالإضافة إلى البطاقة المصرفية التي منحني إياها وليد و كذلك الهاتف المحمول...
حملت الكيس و خرجت من غرفتي سعيا إلى وليد فوصلني صوت ضحكاته هو و الشقراء... ترن في أنحاء المنزل !!
كدت أصفع الكيس بأحد الجدران و أحطم محتوياته غيظا...
ذهبت إلى غرفة الجلوس ... مصدر الضحكات... و كان الباب مفتوحا و من خلاله رأيت ما زلزني ...
كان وليد شبه مستلق ٍ على المقعد و أروى الحسناء تجلس ملتصقة به... تمد إحدى يديها فوق كتفه و تطعمه المكسرات بيدها الأخرى....
كانا يشاهدان التلفاز ويبدو على وليد المرح و البهجة الشديدين... و هو يمضغ المكسرات... حينما رأياني ابتسم وليد و جلس معتدلا بينما أشاحت هي بوجهها عنّي...
" تعالي رغد "
قال مرحبا ً ... و الدماء الحمراء تتدفق إلى وجهه...
" هذه المسرحية مضحكة جدا ! "
وقفت كالتمثال غير مستوعبة بعد للقطة الحميمة التي رأيتها تجمعهما سوية... أما النار فكانت تتأجج في صدري حتى أحرقته و فحّمته...
لم أتحرّك و لم أتكلّم... و ربما حتى لم أتنفس... فأنا لا أشعر بأي هواء يدخل صدري...
تبادل وليد و أروى النظرات و من ثم نظرا إلى الكيس...
قال وليد :
" أهناك شيء ؟ "
أردت أن أخنق صوته... أقتل ضحكاته... أكسر فكّه الذي يمضغ المكسرات... أن أصفعه... أن أضربه... أن أمزقه بأظافري...
تبا لك يا وليد !
قلت باقتضاب :
" أريد التحدث معك "
قال مباشرة و قد زال المرح و حلت أمارات الجد على وجهه العريض :
" خير؟ تفضلي ؟ "
و الدخيلة لم تتحرك! لا تزال جالسة ملتصقة بوليد تقضم المكسرات...
إنني أوشك على ركلها بقدمي غيظا...
قال وليد :
" ما الأمر ؟ "
تقدّمت نحوه... و الغضب يغلي في داخلي و رميت إليه بالكيس بعنف... و لو لم أتمالك نفسي لربما رميت به على أنفه و هشّمته من جديد...
الكيس استقر تحت قدميه... فنظر إليه بتعجب و سأل :
" ما هذا ؟ "
قلت بانفعال :
" مجوهراتي "
ازداد تعجّب وليد فقلت موضحة :
" أعرف أنها لن تغطّي كل ما أنفقتـَه علي ّ منذ رحيل والدينا... لكن... هذا كل ما أملك "
قبل ثوان كان وليد مسترخ على المقعد و الآن أصبح على أهبة النهوض!
" ماذا تعنين يا رغد ؟ "
قلت بعصبية :
" خذها... حتى لا يعيّرني الآخرون بأنني عالة على ثرواتهم "
و رميت أروى بقنبلة شرر من عيني...و وليت هاربة...
ربما ارتطمت بجدار... أو تعثرت بعتبة... أو انزلقت أرضا... لم أكن أرى الطريق أمامي... لم أكن أرى غير اللقطة الحميمة تجمع بين الحبيبين ...
وليد لحق بي و استوقفني و أنا عند أصعد عتبات الدرج و هو يقول بحدة :
" انتظري يا رغد... افهميني ما الذي تعنينه ؟ "
استدرت إليه فرأيت أروى مقبلة خلفه نظرت إليهما بحدة ثم حملقت في أروى و قلت بعصبية :
" اسألها "
وليد استدار إلى أروى ثم إلي ثم إليها و سأل بحيرة :
" ما الذي حدث؟ افهماني ؟ "
قلت :
" بقي فقط ثمن التذكرة... و سأطلب من خالتي دفعها إليك حالما توصلني إليها... و الآن هل لا أعدتني إلى خالتي ؟ "
زمجر وليد بانزعاج :
" ما الذي تقصدينه يا رغد ؟؟ أنا لم أفهم شيئا... هل لا شرح لي أحد ماذا يحدث ؟ "
و التفت نحو أروى...
أروى قالت :
" أنا لم أعن ِ شيئا مما فهمت ْ "
تقصدني بذلك، فأفلتت أعصابي و صرخت :
" بل تعنين يا أروى... إنك تعيريني لعيشي عالة متطفلة على ابن عمي... لكن اعلمي أنه من أجبرني على الحضور معه... و لو كان لدي أبوان أو أهل أو حتى بيت يؤويني ما اضطرني القدر للمكوث معك ِ أنت ِ تحت سقف واحد "
بدا الذهول طاغيا على الأعين الأربع التي كانت تحدّق بي... ذهول ألجم لسانيهما عن النطق مباشرة...
" لكنهما ماتا... وبيتي احترق... و لم يتبقّ َ لي شيء غير هذه الحلي... خذاها و دعاني أرحل بكرامتي... "
وليد قال منفعلا :
" ماذا أصابك يا رغد ؟ هل جننت ِ ؟ "
قلت بعصبية أكبر :
" أرجوك... أعدني إلى خالتي... إن كانت كرامتي تهمك في شيء "
" أي كرامة و أي جنون...؟؟ "
و التفت إلى أروى بغضب :
" ماذا قلت ِ لها ؟ "
أروى قالت مدافعة مهاجمة في آن معا :
" لاشيء... طلبت منها أن تحترمني... عوضا عن رسمي بتلك الصورة المهينة..."
وليد كرر بغضب و عصبية :
" ماذا قلت لها يا أروى ؟؟ تكلّمي ؟ "
قالت أروى :
" الحقيقة يا وليد... فهي تعيش على ثروتي و عنائك... و لا تقدر و لا تحترم أيا منا "
دار وليد دورة حول نفسه من شدة الغضب و لم يعرف ما يقول... رأيت وجهه يتقد احمرارا و أوداجه تنتفخ و صدره يزفر الهواء بعنف...
ضرب سياج الدرج بقبضته بقوة و صرخ بغضب :
" كيف تفعلين هذا يا أروى ؟ "
قالت أروى بانفلات أعصاب :
" إن كان يرضيك ذلك فأنا لا يرضيني... و إن كنت تتحمّلها لكونها ابنة عمّك فما ذنبي أنا لأتحمّل الإحسان إلى و الإهانة من فتاة ناكرة الجميل ؟ "
هيجتني جملتها أكثر و أكثر و أثارت جنون جنوني... و صرخت بتهوّر :
" أنا لا انتظر الإحسان من أحد... وليد ينفق علي لأنه الوصي علي ّ و المسؤول عن مصروفاتي... و هو من اختار كفالتي بعد عمّي... ألا ترين أنني يتيمة و بلا معيل؟ أنا أهلي لم يتركوا لي إرثا عندما ماتوا جميعا... مثل عمّك... و هذه الثروة التي تعيرينني بها... وليد هو الأحق بها منك ِ أنت ِ و من أي إنسان آخر في هذا الكون "
و توقفت لألتقط بعض أنفاسي ... ثم قلت موجهة خطابي لوليد :
" أخبرها بأنها من حقك أنت "
وليد هتف بانفعال :
" رغد ! "
قلت بإصرار :
" أخبرها "
صرخ وليد :
" يكفي يا رغد "
التفت أنا إلى أروى المذهولة بكلامي و أعلنت دون تردد :
" إنها لن تعوّض ثمن السنوات الثماني التي قضاها في السجن حبيسا مع الأوغاد... بسبب ابن عمّك الحقير الجبان "
" رغد "
انطلقت صرخة من وليد... ربما كان هي المعول الذي كسر السد...
انجرف كلامي كالسيل العارم يأبى الوقوف عند أي شيء...
" و بعد كل الذي سببه الحقير لي... و لابن عمّي... تأتين أنت ِ لتعكري صفو ما تبقى من حياتي... ألا يكفي ما ضاع منها حتى الآن ؟؟ ألا يكفي ما عنيته و أعانيه حتى اليوم؟؟ أنا أكرهك يا أروى ... أكرهك و أتمنى أن تختفي من حياتي... أكرهك ... أكرهك ... ألا تفهمين ؟؟ "
رميت الاثنين بنظرة أخيرة ملؤها الغضب... أروى مستندة إلى الحائط في ذهول رهيب... أشبه بلوحة مذعورة... و وليد عند أسفل عتبات الدرج تتملكه الدهشة و المفاجأة...
" لماذا تجبرني على العيش معها يا وليد ؟؟ لماذا ؟؟... إن كنت تحبّها فأنا أكرهها... و أكرهك أنت أيضا... و لا أريد العيش معكما... أنتما تتعسان حياتي... أكرهكما سوية... أعدني لخالتي... أعدني لخالتي... يا بليـــــــــــــــــد "
فجرت هذه الجملة و انطلقت مسرعة نحو غرفتي
الاحداث عم تصير اكثر اثارة
وتشويق
مشكور
دمعة وتسلم ايدك
دمتي بخير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 40 (0 من الأعضاء و 40 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)