أبِيتُ بأبواب القوافي كأنما * أصادي بها سربا من الوحش نُزَّعا
ومنهم من يُعرف بالبديهة وحدة الخاطر ونفاذ الطبع وسرعة النظم، يرتجل القول ارتجالا ويطبعه عفوا صفوا، فلا يقعد به عن قوم قد تعبوا وكدوا أنفسهم، وجاهدوا خواطرهم.
وكذلك لا [ يمكن أن ] يخفى عليهم الكلام العُلوي، واللفظ الملوكي، كما لا يخفى عليهم الكلام العامي، واللفظ السوقي؛ ثم تراهم ينزلون الكلام تنزيلا، ويعطفونه - كيف تصرف - حقوقه، ويعرفون مراتبه؛ فلا يخفى عليهم ما يختص به كل فاضل تقدم في وجه من وجوه النظم، من الوجه الذي لا يشاركه فيه غيره، ولا يساهمه سواه.
ألا تراهم وصفوا زهيرا بأنه أمدحهم وأشدهم أسرَ شِعر، قاله أبو عبيدة.
وروي أن الفرزدق انتحل بيتا من شعر جرير، وقال: هذا يشبه شعري.
فكان هؤلاء لا يخفى عليهم ما قد نسبناه إليهم من المعرفة بهذا الشأن، وهذا كما يعلم البزاز أن هذا الديباج عمل بتُسْتَرَ، [103] وهذا لم يعمل بتستر، وأن هذا من صنعة فلان دون فلان، ومن نسج فلان دون فلان، حتى لا يخفى عليه، وإن كان قد يخفى على غيره.
ثم إنهم يعلمون أيضا من له سمت بنفسه، ورفت برأسه، ومن يقتدي في الألفاظ أو في المعاني أو فيهما بغيره، ويجعل سواه قدوة له، ومن يلم في الاحوال بمذهب غيره، ويطور في الأحيان [ بجنبات كلامه ].
وهذه أمور ممهدة عند العلماء، وأسباب معروفة عند الأدباء، وكما يقولون: إن البحتري يغير على أبي تمام إغارة، ويأخذ منه صريحا وإشارة، ويستأنس بالأخذ منه بخلاف ما يستأنس بالأخذ من غيره، ويألف اتباعه كما لا يألف اتباع سواه، وكما كان أبو تمام يلم بأبي نواس ومسلم، وكما يعلم أن بعض الشعراء يأخذ من كل أحد ولا يتحاشى، ويؤلف ما يقوله من فرق شتى.
وما الذي نفع المتنبي جحوده الأخذ وإنكاره معرفة الطائيين، وأهل الصنعة يدلون على كل حرف أخذه منهما جهارا، أو ألم بهما فيه سرارا.
وأما ما لم يأخذ عن الغير، ولكن سلك النمط وراعى النهج، فهم يعرفونه، ويقولون: هذا أشبه به من التمر بالتمرة، وأقرب إليه من الماء إلى الماء، وليس بينهما إلا كما بين الليلة والليلة، فإذا تباينا وذهب أحدهما في غير مذهب صاحبه وسلك في غير جانبه، قيل: بينهما ما بين السماء والأرض، وما بين النجم والنون، وما بين المشرق والمغرب.
وإنما أطلت عليك، ووضعت جميعه بين يديك، لتعلم أن أهل الصنعة يعرفون دقيق هذا الشأن وجليله، وغامضه وجليه، وقريبه وبعيده، ومعوجه ومستقيمه. فكيف يخفى عليهم الجنس الذي هو بين الناس متداول، وهو قريب متناول، من أمر يخرج عن أجناس كلامهم، ويبعد عما هو في عرفهم، ويفوت مواقع قدرهم؟
وإذا اشتبه ذلك، فإنما يشتبه على ناقص في الصنعة، أو قاصر عن معرفة طرق الكلام الذي يتصرفون فيه ويديرونه بينهم ولا يتجاوزونه. فلكلامهم سبل مضبوطة، وطرق معروفة محصورة.
وهذا كما يشتبه على من يدعي الشعرَ - من أهل زماننا - والعلمَ بهذا الشأن، فيدعي أنه أشعر من البحتري، ويتوهم أنه أدق مسلكا من أبي نواس، وأحسن طريقا من مسلم! وأنت تعلم أنهما متباعدان، وتتحقق أنهما لا يجتمعان؛ ولعل أحدهما إنما يلحظ غبار صاحبه ويطالع ضياء نجمه ويراعي خفوق جناحه وهو راكد في موضعه، ولا يضر البحتريَّ ظنُّه، ولا يُلحقه بشأوِه وهمُه.
فإن اشتبه على متأدب أو متشاعر أو ناشئ أو مُرمد فصاحةُ القرآن وموقع بلاغته وعجيب براعته، فما عليك منه؛ إنما يخبر عن نقصه، ويدل على عجزه، ويبين عن جهله، ويصرح بسخافة فهمه وركاكة عقله.
وإنما قدمنا ما قدمناه في هذا الفصل، لتعرف أن ما ادعيناه من معرفة البليغ بعلو شأن القرآن وعجيب نظمه وبديع تأليفه، أمر لا يجوز غيره، ولا يحتمل سواه، ولا يشتبه على ذي بصيرة، ولا يخيل عند أخي معرفة، كما يعرف الفصل بين طبائع الشعراء من أهل الجاهلية، وبين المخضرمين، وبين المحدثين، ويميز بين من يجرى على شاكلة طبعه وغريزة نفسه، وبين من يشتغل بالتكلف والتصنع، وبين من يصير التكلف له كالمطبوع، وبين من كان مطبوعه كالمتعمل المصنوع.
هيهات هيهات! هذا أمر - وإن دق - فله قوم يقتلونه علما، وأهل يحيطون به فهما، ويعرّفونه إليك إن شئت، ويصورونه لديك إن أردت، ويجلونه على خواطرك إن أحببت، ويعرفونه لفطنتك إن حاولت، وقد قال القائل:
للحرب والضرب أقوام لها خلقوا * وللدواوين كتاب وحساب
ولكل عمل رجال، ولكل صنعة ناس، وفى كل فرقة الجاهل والعالم والمتوسط، ولكل قد قل من يميز في هذا الفن خاصة، وذهب من يحصل في هذا الشأن، إلا قليلا.
فإن كنت ممن هو بالصفة التي وصفناها - من التناهي في معرفة الفصاحات، والتحقق بمجاري البلاغات - فإنما يكفيك التأمل، ويغنيك التصور.
وإن كنت في الصنعة مُرمِدا وفى المعرفة بها متوسطا، فلا بد لك من التقليد، ولا غنى بك عن التسليم. إن الناقص في هذه الصنعة كالخارج عنها، والشادي فيها كالبائن منها.
فإن أراد أن نقرب عليه أمرا، ونفسح له طريقا، ونفتح له بابا - ليعرف به إعجاز القرآن - فإنا نضع بين يديه الامثلة، ونعرض عليه الأساليب، ونصور له صور كل قبيل من النظم والنثر، ونحضره من كل فن من القول شيئا يتأمله حق تأمله، ويراعيه حق رعايته، فيستدل استدلال العالم، ويستدرك استدراك الناقد، ويقع له الفرق بين الكلام الصادر عن الربوبية، الطالع عن الإلهية، الجامع بين الحكم والحكم، والإخبار عن الغيوب والغائبات، والمتضمن لمصالح الدنيا والدين، والمستوعب لجلية اليقين، والمعاني المخترعة في تأسيس أصل الشريعة وفروعها بالألفاظ الشريفة، على تفننها وتصرفها.
ونعمد إلى شئ من الشعر المجمع عليه، فنبين وجه النقص فيه، وندل على انحطاط رتبته، ووقوع أبواب الخلل فيه. حتى إذا تأمل ذلك، وتأمل ما نذكره من تفصيل إعجاز القرآن وفصاحته وعجيب براعته انكشف له واتضح، وثبت ما وصفناه لديه ووضح، وليعرف حدود البلاغة، ومواقع البيان والبراعة ووجه التقدم في الفصاحة.
وذكر الجاحظ في كتاب البيان والتبيين أن الفارسي سئل فقيل له: ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل من الوصل.
وسئل اليوناني عنها فقال: تصحيح الأقسام، واختيار الكلام.
وسئل الرومي عنها فقال: حسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة.
وسئل الهندي عنها فقال: وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة.
وقال مرةً: التماس حسن الموقع والمعرفة بساعات القول، وقلة الخرق بما التبس من المعاني أو غمض وشرد من اللفظ وتعذر؛ وزينته أن تكون الشمائل موزونة، والألفاظ معدلة، واللهجة نقية؛ وأن لا يكلم سيد الأَمة بكلام الأمة، ويكون في قواه فضل التصرف في كل طبقة؛ ولا يدقق المعاني كل التدقيق، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح، و [ لا ] يصفيها كل التصفية، و [ لا ] يهذبها بغاية التهذيب.
وأما البراعة فهي فيما يذكر أهل اللغة: الحذق بطريقة الكلام وتجويده، وقد يوصف بذلك كل متقدم في قول أو صناعة.
وأما الفصاحة فقد اختلفوا فيها: فمنهم من عبر عن معناها بأنه: ما كان جزل اللفظ، حسن المعنى. وقد قيل: معناها الاقتدار على الإبانة عن المعاني الكامنة في النفوس، على عبارات جلية، ومعان نقية بهية.
والذي يصور عندك ما ضمنا تصويره، ويحصل لديك معرفته - إذا كنت في صنعة الأدب متوسطا، وفى علم العربية متبينا - أن تنظر أولا في نظم القرآن، ثم في شئ من كلام النبي ، فتعرف الفصل بين النظمين، والفرق بين الكلامين. فإن تبين لك الفصل، ووقعت على جلية الأمر وحقيقة الفرق - فقد أدركت الغرض، وصادفت المقصد. وإن لم تفهم الفرق، ولم تقع على الفصل - فلا بد لك من التقليد، وعلمت أنك من جملة العامة، وأن سبيلك سبيل من هو خارج عن أهل اللسان.
خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم
روى طلحة بن عبيد الله قال: سمعت رسول الله يخطب على منبره يقول:
"ألا أيها الناس، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا الأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم - بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية - ترزقوا وتؤجروا وتنصروا.
واعلموا أن الله عز وجل قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في عامي هذا، في شهري هذا، إلى يوم القيامة، حياتي ومن بعد موتي؛ فمن تركها وله إمام فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له في أمره؛ ألا ولا حج له، ألا ولا صوم له، ألا ولا صدقة له، ألا ولا بر له.
ألا ولا يؤم أعرابي مهاجرا، ألا ولا يؤم فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه ولا سوطه". [104]
خطبة له صلى الله عليه وسلم
"أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم.
إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله تعالى قاض عليه فيه.
فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت.
والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار". [105]
خطبة له صلى الله عليه وسلم
" إن الحمد لله، أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. [106]
إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسن الحديث وأبلغه.
أحبوا من أحب الله، وأحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تَقْسُوا عليه قلوبكم، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. اتقوا الله حق تقاته، وصدقوا صالح ما تعملون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، والسلام عليكم ورحمة الله". [107]
خطبة له صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق
قال بعد حمد الله: "أيها الناس، أتدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم؟
قالوا: في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام.
قال: ألا فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه.
ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظالموا، ألا لا تظالموا، ألا لا تظالموا.
ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا؛ ألا لا تظالموا، ألا لا تظالموا، ألا لا تظالموا.
ألا إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه. ألا وإن أول دم وضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب - كان مسترضعا في بني ليث، فقتلته هذيل -.
ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع، ألا وإن الله تعالى قضى أن أول ربا يوضع ربا عمي العباس؛ لكم { رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون }.
ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض [108] { منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم }.
ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. [109]
ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينكم. [110]
اتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، [111] لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقا، ولكم عليهن حق: أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإنما أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
ألا ومن كانت عنده أمانة، فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
ثم بسط يده فقال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أبلغ من سامع". [112]
خطبته صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة
وقف على باب الكعبة، ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
ألا كل مأثرة أو دم أو مال يُدّعى فهو تحت قدمى هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج.
ألا وقتيل الخطإ العمد بالسوط والعصا فيه الدية مغلظة، منها أربعون خَلِفة، [113] في بطونها أولادها. [114]
يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء؛ الناس من آدم، وآدم خلق من تراب. [115] ثم تلا هذه الآية: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }.
يا معشر قريش، أو يا أهل مكة، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ [ كريم. ثم ] قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء". [116]
خطبته صلى الله عليه وسلم بالخيف
وروى زيد بن ثابت: أن النبي خطب بالخيف من مِنًى، فقال:
"نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها؛ فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
ثلاث لا يُغِلُّ [117] عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأولي الأمر، ولزوم الجماعة، إنّ دعوتهم تكون من ورائه. [118]
ومن كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
ومن كان همه الدنيا فرق الله أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له". [119]
خطبة له صلى الله عليه وسلم رواها أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
قال: خطب بعد العصر فقال: "ألا إن الدنيا خَضِرة حُلْوة؛ [120] ألا وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء.
ألا لا يمنعن رجلا مخافةُ الناس أن يقول الحق إذا علمه. [121]
قال: ولم يزل يخطب حتى لم تبق من الشمس إلا حمرة على أطراف السعف، فقال: إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى". [122]
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك فارس
"من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله. وأدعوك بدعاء الله تعالى، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا، ويَحِقَّ القولُ على الكافرين. فأسلم تسلم". [123]
كتاب له صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي
"من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة: سِلمٌ أنت، فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن. وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة، فحملت بعيسى، فحملته من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه. وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني. وإني أدعوك وجنودك إلى الله تعالى، فقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصحي. والسلام على من اتبع الهدى". [124]
نسخة عهد الصلح مع قريش عام الحديبية
"هذا [125] ما صالح عليه محمد بن عبد الله سُهيلَ ابن عمرو: اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله من قريش بغير إذن وليه رده عليهم. ومن جاء قريشا ممن مع رسول الله لم يردوه عليه؛ وأن بيننا عيبة مكفوفة؛ [126] وأنه لا إسلالَ، ولا إغلال؛ [127] وأنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه، وأنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، فإذا كان عاما قابلا خرجنا عنك، فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا، وأن معك سلاح الراكب والسيوف في القرب، [128] فلا تدخلها بغير هذا". [129]
ولا أطولُّ عليك، وأقتصرُ على ما ألقيته إليك، فإن كان لك في الصنعة حظ، أو كان لك في هذا المعنى حس، أو كنت تضرب في الأدب بسهم، أو في العربية بقسط - وإن قل ذلك السهم أو نقص ذلك النصيب - فما أحسب أنه يشتبه عليك الفرق بين براعة القرآن، وبين ما نسخناه لك من كلام الرسول في خطبه ورسائله، وما عساك تسمعه من كلامه، ويتساقط إليك من ألفاظه؛ وأُقدِّرُ أنك ترى بين الكلامين بونا بعيدا، وأمدا مديدا، وميدانا واسعا، ومكانا شاسعا.
فإن قلت: لعله أن يكون تعمل للقرآن وتصنع لنظمه وشبه عليك الشيطان ذلك من خبثه؛ فتثبت في نفسك، وارجع إلى عقلك، واجمع لبك، وتيقن أن الخطب يحتشد لها في المواقف العظام، والمحافل الكبار، والمواسم الضخام، ولا يتجوز فيها، ولا يستهان بها، والرسائل إلى الملوك مما يجمع لها الكاتب جراميزه، [130] ويشمر لها عن جد واجتهاد، فكيف يقع بها الإخلال؟ وكيف تعرض للتفريط؟ فستعلم لا محالة أن نظم القرآن من الأمر الإلهي، وأن كلام النبي من الأمر النبوي.
فإذا أردت زيادة في التبين وتقدما في التعرف وإشرافا على الجلية وفوزا بمحكم القضية، فتأمل - هداك الله - ما ننسخه لك من خطب الصحابة والبلغاء، لتعلم أن نسجها ونسج ما نقلنا من خطب النبي واحد، وسبكها سبك غير مختلف؛ وإنما يقع بين كلامه وكلام غيره ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين وبين شعر الشاعرين، وذلك أمر له مقدار معروف، وحد ينتهى إليه مضبوط.
فإذا عرفت أن جميع كلام الآدمي منهاج ولجملته طريق، وتبينت ما يمكن فيه من التفاوت، نظرت إلى نظم القرآن نظرة أخرى وتأملته مرة ثانية، فتُراعى بُعدَ موقعه وعاليَ محله وموضعه، وحَكَمتَ بواجب من اليقين وثَلَجِ [131] الصدر بأصل الدين.
خطبة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه
قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وسن النبي ، وعلَّمنا فعَلِمنا.
واعلموا أن أكيس الكيس التُّقَى، وأن أحمق الحمق الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق.
أيها الناس، إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زُغت فقوموني".
عهد لأبي بكر الصديق إلى عمر رضي الله عنهما
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله ، آخرَ عهده بالدنيا وأولَ عهده بالآخرة، ساعةَ يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر.
إني استخلفتُ عليكم عمر بن الخطاب، فإن بَرَّ وعَدَلَ: فذاك ظني به ورأيي فيه، وإن جارَ وبدَّل فلا علم لي بالغيب، والخيرَ أردتُ لكم، ولكل امرئ ما اكتسب من الاثم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رحمة الله عليه، قال:
دخلت على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في علته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئا يا خليفة رسول الله، فقال: أما إني - على ذلك - لشديد الوجع، ولَمَا لقيتُ منكم - يا معشر المهاجرين - أشد علي من وجعي.
إني ولَّيتُ أمورَكم خيرَكم في نفسي، فكلُّكم وَرِمَ أنفُه [132] أن يكون له الأمرُ من دونه.
والله لتتخذن نضائد [133] الديباج وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف الأذربي، [134] كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. [135] والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حد، خير له من أن يخوض غمرات الدنيا.
يا هادي الطريق جرت،[136] إنما هو - والله - الفجر أو البجر. [137]
قال: فقلت: خَفِّضْ عليك يا خليفة رسول الله - - فإن هذا يهيضك [138] إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحا مصلحا، لا تأسى على شئ فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك، فما رأيت إلا خيرا.
وله خطب ومقامات مشهورة اقتصرنا منها على ما نقلنا، منها قصة السقيفة.
نسخة كتاب كتبه أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد، فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مُهِمّ، فأصبحت وقد وليت أمر هذه الامة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الصديق والعدو، والشريف والوضيع، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت - يا عمر - عند ذلك، فإنا نحذرك يوما تعنو فيه الوجوه، وتَجِبُ فيه القلوب.
وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الامة يرجع في آخر زمانها: أن يكون إخوانُ العلانية أعداءَ السريرة، وإنا نعوذ بالله أن تنزل كتابنا سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنا إنما كتبنا إليك نصيحة لك، والسلام.
فكتب إليهما:
من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل:
سلام عليكما، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو. [139]
أما بعد، فقد جاءني كتابكما، تزعمان أنه بلغكما أني وليت أمر هذه الامة: أحمرها وأسودها، يجلس بين يدي الصديق والعدو، والشريف والوضيع، وكتبتما أن انظر كيف أنت يا عمر عند ذلك. وإنه لا حول ولا قوة لعمر - عند ذلك - إلا الله.
وكتبتما تحذراني ما حذرت به الأمم قبلنا، وقديما كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس: يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود، حتى يصير الناس إلى منازلهم، من الجنة أو النار، ثم توفى كل نفس بما كسبت، إن الله سريع الحساب.
وكتبتما تزعمان أن أمر هذه الامة يرجع في آخر زمانها: أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بذاك، وليس هذا ذلك الزمان، ولكن زمان ذلك حين تظهر الرغبة والرهبة، فتكون رغبة بعض الناس إلى بعض إصلاح دينهم، ورهبة بعض الناس إصلاح دنياهم.
وكتبتما تعوذانني بالله أن أنزل كتابكما منى سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، وإنما كتبتما نصيحة لي، وقد صدقتكما، فتعهداني منكما بكتاب، ولا غنى بي عنكما.
عهد من عهود عمر رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدِ الله عمرَ بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس: [140] سلام عليك.
أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدليَ إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.
آسِ [141] بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، [142] ولا ييأس ضعيف من عدلك.
البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر.
والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا.
ولا يمنعنَّك قضاء قضيته بالأمس - فراجعت فيه عقلك، وهديت لرشدك - أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
الفهم الفهم، فيما تلجلج في صدرك [143] مما ليس في كتاب ولا سنة؛ ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقِسِ الأمور عند ذلك، واعمِد إلى أشبهها بالحق.
واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة - أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذتَ له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية، فإنه أنفى للشك وأجلى للعَمَى.
المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو نسب. [144] فإن الله تولى منكم السرائر، ودرأ بالأيمان والبينات. [145]
وإياك والغلق [146] والضجر، والتأذى بالخصوم، والتنكر عند الخصومات؛ [147] فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذخر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه، شانه الله. [148] فما ظنك بثواب الله عز وجل في عاجل رزقه، وخزائن رحمته؛ والسلام.
ولعمر رضي الله عنه خطب مشهورة مذكورة في التاريخ، لم ننقلها اختصارا.
ومن كلام عثمان بن عفان رضي الله عنه
خطبة له رضي الله عنه
قال: إن لكل شئ آفة، وإن لكل نعمة عاهة؛ وإن عاهة هذا الدين عيابون ظنانون، يظهرون لكم ما تحبون، ويسرون ما تكرهون، يقولون لكم وتقولون؛ طغام [149] مثل النعام، يتبعون أول ناعق، أحب مواردهم إليهم النازح.
لقد أقررتم لابن الخطاب بأكثر مما نقمتم علي، ولكنه وَقَمَكُم وقَمَعَكم، وزجركم زجر النعام المخزمة. [150] والله إني لأقرب ناصرا، وأعز نفرا، [151] وأقْمَنُ - إن قُلتُ: هَلُمَّ - أن تجاب دعوتي، من عمر.
هل تفقدون من حقوقكم شيئا، فما لي لا أفعل في الحق ما أشاء، إذا فلم كنت إماما.
كتابه إلى علي حين حُصِرَ رضي الله عنهما
أما بعد، فقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين، [152] وطمع فيَّ من لا يدفع عن نفسه. فإذا أتاك كتابي هذا: فأقبل إلى، على كنت أم لي.
فإن كنتُ مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق [153]
ومن كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال: لما قبض أبو بكر رضي الله عنه ارتجت المدينة بالبكاء، كيوم قبض النبي ، وجاء على باكيا مسترجعا، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر، فقال:
رحمك الله أبا بكر، كنتَ إلفَ رسول الله وأُنسَه وثقته وموضع سره، كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله وأعظمهم غناء في دين الله، وأحوطهم على رسول الله، وأثبتهم على الإسلام، وأيمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله [154] سَننًا وهديا ورحمة وفضلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده.
فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله خيرا، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر.
صَدَّقتَ رسول الله حين كذبه الناس، فسماك في تنزيله صديقا، فقال: { والذي جاء بالصدق وصدق به }.
واسيته حين بخلوا، وقمت معه عند المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدائد أكرم الصحبة، ثاني اثنين وصاحبه في الغار، [155] والمنزل عليه السكينة والوقار، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وفى أمته - أحسن الخلافة - حين ارتد الناس، فنهضت حين وهن أصحابك، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، وقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، [156] مضيت بنور إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا.
وكنت أصوبهم منطقا، وأطولهم صمتا، وأبلغهم قولا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم نفسا، وأعرفهم بالأمور، وأشرفهم عملا.
كنت للدين يعسوبا، [157] أولا حين نفر عنه الناس، وآخرا حين قفلوا. [158] وكنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما ضعفوا عنه، ورعيت ما أهملوا، وحفظت ما أضاعوا؛ شمرت إذ خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، وراجعوا رشدهم برأيك فظفروا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.
وكنت كما قال رسول الله أَمَنَّ الناس عليه في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في أعين الناس، كبيرا في أنفسهم.
لم يكن لاحد فيك مغمز، ولا لاحد مطمع، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوى عزيز، حتى تأخذ له بحقه، والقوى العزيز عندك ضعيف ذليل، حتى تأخذ منه الحق، القريب والبعيد عندك سواء، أقرب الناس إليك أطوعهم لله.
شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، فأبلغت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفأتَ النيران، واعتدل بك الدين، وقوي الإيمان، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالخير فوزا عظيما، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الايام فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبدا، فألحقك الله بنبيه، ولا حرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت الناس حتى انقضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم.
خطبة أخرى لعلي رضي الله عنه
أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإن المضمار اليوم، وغدا السباق.
ألا وإنكم في أيام مَهَل، ومن ورائه أجل، فمن أخلص في أيام مهله فقد فاز، ومن قصر في أيام مهله، قبل حضور أجله، فقد خسر عمله، وضره أمله.
ألا فاعملوا لله في الرغبة، كما تعملون له في الرهبة.
ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها.
ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به الهدى يَجُرْ به الضلال.
ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد.
ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل. [159]
وخطب رضي الله عنه، فقال بعد حمد الله:
أيها الناس، اتقوا الله، فما خُلق امرؤ عبثا فيلهو، ولا أُهمل سُدًى فيلغو، ما دنياه التي تحسنت إليه بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر إليه، وما الخسيس الذي ظفر به - من الدنيا - بأعلى همته، كالآخر الذي ذهب من الآخرة من سهمته. [160]
وكتب على رضي الله عنه إلى عبد الله بن عباس رحمة الله عليهما وهو بالبصرة:
أما بعد، فإن المرء يُسَرُّ بدَركِ ما لم يكن ليحرمه، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه؛ فليكن سرورك بما قدمت من أجر أو منطق، وليكن أسفك فيما فرطت فيه من ذلك.
وانظر ما فاتك من الدنيا فلا تكثر عليه جزعا، وما نلته فلا تنعم به فرحا، وليكن همك لِما بعد الموت.
كلام لابن عباس رضي الله عنه
قال عتبة بن أبي سفيان لابن عباس: ما منع أمير المؤمنين أن يبعثك مكان أبي موسى يوم الحكمين؟
قال: منعه - والله - من ذلك حاجز القدر، وقصر المدة، ومحنة الابتلاء.
أما والله لو بعثني مكانه لاعترضت له في مدارج نفسه، ناقضا لما أبرم، ومبرما لما نقض، أُسِفُّ إذا طار، وأطير إذا أسفَّ، ولكن مضى قدرٌ، وبقي أسفٌ، ومع يومنا غد، والآخرة خير لأمير المؤمنين من الأولى.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)