والآيات الأحكاميات التي لا بد فيها من أمر البلاغة، يعتبر فيها من الألفاظ ما يعتبر في غيرها، وقد يمكن فيها، وكل موضع أمكن ذلك فقد وجد في القرآن في بابه ما ليس عليه مزيد في البلاغة وعجيب النظم. ثم في جملة الآيات ما إن لم تراع البديع البليغ في الكلمات الأفراد والألفاظ الآحاد، فقد تجد ذلك مع تركب الكلمتين والثلاث، ويطرد ذلك في الابتداء، والخروج، والفواصل، وما يقع بين الفاتحة والخاتمة من الواسطة، أو باجتماع ذلك أو في بعض ذلك - ما يخلف الإبداع في أفراد الكلمات، وإن كانت الجملة والمعظم على ما سبق الوصف فيه.
وإذا عرف ما يجرى إليه الكلام، وينهى إليه الخطاب، ويقف عليه الاسلوب، ويختص به القبيل - بان عند أهل الصنعة تميز بابه، وانفراد سبيله، ولم يشك البليغ في انتمائه إلى الجهة التي ينتمي إليها، ولم يرتب الأديب البارع في انتسابه إلى ما عرف من نهجه.
وهذا كما يعرف طريقة مترسِّل في رسالته، فهو لا يخفى عليه بناء قاعدته وأساسه، فكأنه يرى أنه يعد عليه مجاري حركاته وأنفاسه.
وكذلك في الشعر واختلاف ضروبه، يعرف المتحقق به طبعَ كل أحد، وسبيلَ كل شاعر.
وفي نظم القرآن أبواب كثيرة لم نستوفها، وتقصيها يطول وعجائبها لا تنقضي، فمنها الكلام [ المغلق ] والإشارات.
وإذا بلغ الكلام من هذا القبيل مبلغا ربما زاد الإفهام به على الإيضاح، أو ساوى مواقع التفسير والشرح، مع استيفائه شرطه - كان النهاية في في معناه.
وذلك كقوله: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير }. فصول هذه الآية وكلماتها على ما شرحنا من قبل البلاغة واللطف في التقدم، وفي تضمن هذا الأمر العظيم والمقام الكريم.
ويتلو هذه قوله: { وآتينا موسى الكتاب، وجعلناه هدًى لبني إسرائيل } هذا خروج لو كان في غير هذا الكلام لتصور في صورة المنقطع، وقد تمثل في هذا النظم لبراعته وعجيب أمره وموقع ما لا ينفك منه القول.
وقد يتبرأ الكلام المتصل بعضه من بعض، ويظهر عليه التثبيج والتباين، للخلل الواقع في النظم.
وقد تصور هذا الفصل للطفه وصلا، ولم يبن عليه تميز الخروج.
ثم انظر كيف أجرى هذا الخطاب إلى ذكر نوح، وكيف أثنى عليه؟ وكيف تليق صفته بالفاصلة ويتم النظم بها، مع خروجها مخرج البروز من الكلام الأول، إلى ذكره، وإجرائه إلى مدحه بشكره، وكونهم من ذريته يوجب عليهم أن يسيروا بسيرته، وأن يستنوا بسنته، في أن يشكروا كشكره، ولا يتخذوا من دون الله وكيلا، وأن يعتقدوا تعظيم تخليصه إياهم من الطوفان، لما حملهم عليه ونجاهم فيه، حين أهلك من عداهم به، وقد عرفهم أنه إنما يؤاخذهم بذنوبهم وفسادهم، فيما سلط عليهم من قبلهم وعاقبهم، ثم عاد عليهم بالإفضال والإحسان، حتى يتذكروا ويعرفوا قدر نعمة الله عليهم وعلى نوح الذي وَلَدهم وهم من ذريته، فلما عادوا إلى جهالتهم، وتمردوا في طغيانهم، عاد عليهم بالتعذيب.
ثم ذكر الله عز وجل في ثلاث آيات بعد ذلك معنى هذه القصة التي كانت لهم، بكلمات قليلة في العدد، كثيرة الفوائد، لا يمكن شرحها إلا بالتفصيل الكثير، والكلام الطويل.
ثم لم يخل تضاعيف الكلام مما ترى من الموعظة، على أعجب تدريج، وأبدع تأريج، [201] بقوله: { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها }.
ولم ينقطع بذلك [ نظام ] الكلام، وأنت ترى الكلام يتبدد مع اتصاله، وينتشر مع انتظامه، فكيف بإلقاء ما ليس منه في أثنائه، وطرح ما يعدوه في أدراجه؟ إلى أن خرج إلى قوله: { عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم عدنا } يعني: إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى العفو.
ثم خرج خروجا آخر إلى ذكر القرآن.
وعلى هذا فقس بحثك عن شرف الكلام، وماله من علو الشان، لا يطلب مطلبا إلا انفتح، ولا يسلك قلبا إلا انشرح، ولا يذهب مذهبا إلا استنار وأضاء، ولا يضرب مضربا إلا بلغ فيه السماء، لا تقع منه على فائدة فقدرت أنها أقصى فوائدها إلا قصرت، ولا تظفر بحكمة فظننت أنها زبدة حكمها إلا وقد أخللت.
إن الذي عارض القرآن بشعر امرئ القيس لأضل من حمار أهله، [202] وأحمق من هبنقة. [203]
لو كان شعره كله كالأبيات المختارة التي قدمناها، لأوجب البراءة منه قوله:
وسِنٍّ كسُنَّيقٍ سناء وسُنَّمًا * ذعَرتُ بمِدِلاج الهجيز نَهُوضِ [204]
قال الأصمعي: لا أدري ما السِّن، ولا السنيق، ولا السُّنَّم؟ وقال بعضهم: السنيق: أكمة.
وقال فيها:
له قُصْرَيَا عَيرٍ وساقَا نَعامةٍ * كفَحلِ الهِجانِ القَيسريّ العَضُوضِ [205]
وقوله:
عَصافيرٌ وذِبّانٌ ودُودٌ * وأَجرَأُ من مُجَلِّحة الذئابِ [206]
وزاد في تقبيح ذلك وقوعه في أبيات فيها:
فقد طوّفتُ في الآفاق حتى * رضيتُ من الغنيمة بالإيابِ
وكل مكارم الأخلاق صارتْ * إليه همتي وبها اكتسابي
وكقوله في قصيدة قالها في نهاية السقوط:
أزْمانَ فُوهَا كلما نبّهتُها * كالمسك فاح وظل في الفدّامِ
أفلا ترى أظعانهن بواكرا * كالنخل من شَوكانَ حينَ صِرام [207]
وكأن شاربها أصاب لسانه * مُومٌ يخالط جسمه بسقامِ [208]
وكقوله:
لم يفعلوا فعل آل حنظلةٍ * إنهم جَيرِ بئسما ائتمروا [209]
لا حِمْيَريّ وفى ولا عُدَسٌ * ولا استُ عَيرٍ يحكُّها الثَّفًرُ [210]
إن بني عوفٍ ابتنوا حسبا * ضيعه الدُّخلَلُون إذ غدروا [211]
وكقوله:
أبلغ شهابا [ بل ] وأبلغ عاصما * [ ومالكا ] هل أتاك الخبرُ مالِ [212]
أنا تركنا منكم قتلى * بخوعَى وسُبِيًّا كالسَّعالي [213]
يمشين بين رحالنا مُعـ * ترفاتٍ بجوع وهزال
ولم يقع مثل ذلك له وحده، فقد قال الأعشى:
فأدخلك الله بَرْدَ الجنا * ن جذلان في مدخل طيب
وقال أيضا:
فرميت غفلة عينه عن شاته * فأصبت حية قلبها وطِحالها
وقال في فرسه:
ويأمر لليحموم كل عشية * بقَتٍّ وتعليق فقد كاد يَسْنَقُ [214]
وقال: * شاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلشُلٌ شَولٌ * [215] وهذه الألفاظ في معنى واحد.
وقد وقع لزهير نحوه كقوله:
فأقسمت جهدا بالمنازل من مِنًى * وما سحفت فيه المقاديم والقمل [216]
كيف يقول هذا في قصيدة يقول فيها:
وهل يُنبِتُ الخَطِّىَّ إلا وشيجُه * وتُغرَسُ إلا في منابتها النخلُ [217]
وكقول الطِّرماح:
سوف تدنيك من لَمِيسَ سَبَنتا * ةٌ أمارَتْ بالبول ماءَ الكِراضِ [218]
السبنتاة: الناقة الصُّلبة. والكِراض: ماء الفحل، أسالت ماء الفحل مع البول، فلم تعقد عليه، ولم تحمل، فتضعفَ. والمائر: السائل.
فإن قال قائل: أجدك تحاملت على امرئ القيس، ورأيت أن شعره يتفاوت بين اللين والشراسة، وبين اللطف والشكاسة، وبين التوحش والاستئناس، والتفاوت والتباعد، ورأيت الكلام الأعدل أفضل، والنظام المستوثق أكمل؛ وأنت تجد البحتري يسبق في هذا الميدان، ويفوت الغاية في هذا الشأن؛ وأنت ترى الكتاب يفضلون كلامه على كل كلام، ويقدمون رأيه في البلاغة على كل رأي، وكذلك تجد لأبي نواس من بهجة اللفظ ودقيق المعنى ما يتحير فيه أهل الفضل، ويقدمه الشطار والظراف على كل شاعر، ويرون لنظمه روعة لا يرون لنظم غيره، وزبرجا لا يتفق لسواه، فكيف يعرف فضل ما سواه عليه؟
فالجواب: أن الكلام في أن الشعر لا يجوز أن يوازن به القرآن قد تقدم.
وإذ كنا قد بينا أن شعر امرئ القيس - وهو كبيرهم الذي يقرون بتقدمه، وشيخهم الذي يعترفون بفضله، وقائدهم الذي يأتمون به، وإمامهم الذي يرجعون إليه - كيف سبيله، وكيف طريق [ سقوط ] منزلته عن منزلة نظم القرآن، وأنه لا يلحظ بشعره غبار ذلك، وهو إذا لحظ ذلك كان كما قال:
فأصبحتُ من ليلى الغداة كناظر * مع الصبح في أعجاز نجم مُغرِّبِ
وكما قال أيضا:
راحت مشرقة ورحت مُغرّبا * فمتى التقاء مُشرِّقٍ ومُغَرِّبِ
وإذا كنا قد أبنا في القاعدة ما علمت، وفصلنا لك في شعره ما عرفت، لم نحتج إلى أن نتكلم على شعر [ كل ] شاعر، وكلام بليغ، والقليل يدل على الكثير.
وقد بينا - في الجملة - مباينة أسلوب نظم القرآن جميع الأساليب، ومزيته عليها في النظم والترتيب، وتقدمه عليها في كل حكمة وبراعة، ثم تكلمنا على التفصيل - على ما شاهدت - فلا يبقى علينا بعد ذلك سؤال.
ثم نقول: أنت تعلم أن من يقول بتقدم البحتري في الصنعة، به من الشغل في تفضيله على ابن الرومي أو تسوية ما بينهما ما لا يطمع معه في تقديمه على امرئ القيس ومن طبقته.
كذلك أبو نُوَاس، إنما يعدل شعره بشعر أشكاله، ويقابل كلامه بكلام أضرابه من أهل عصره، وإنما يقع بينهم التباين اليسير، والتفاوت القليل.
فأما أن يظن ظان أو يتوهم متوهم أن جنس الشعر معارض لنظم القرآن { فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق }.
وإنما هي خواطر يُغِير بعضها على بعض، ويقتدي فيها بعض ببعض، والغرض الذي يرمى إليه، ويصح التوافي عليه، في الجملة، فهو قبيل متداول، وجنس متنازع، وشريعة مورودة، وطريقة مسلوكة.
ألا ترى ما روى عن الحسين بن الضحاك، قال: أنشدت أبا نواس قصيدتي التي فيها:
وشاطرى اللسان مختلق التكـ * ريه شاب المجون بالنسك
كأنه - نصب كأسه - قمر * يكرع في بعض أنجم الفلك
قال: فأنشدني أبو نواس بعد أيام قصيدته التي يقول فيها:
أعاذلَ أعتبتُ الإمامَ وأعتبا * وأعربت عما في الضمير وأعربا
وقلت لساقيها: أجِزها فلم أكن * ليأبى أميرُ المؤمينن وأشربا
فجوّزها عني عقارا ترى لها * إلى الشرف الأعلى شعاعا مطنبا
إذا عَبَّ فيها شارب القوم خلته * يقبل في داج من الليل كوكبا
قال: فقلت له: يا أبا علي، هذه مُصالتة. [219] فقال: أتظن أنه يروى لك معنى وأنا حي؟
فتأمل هذا الأخذ، وهذا الوضع، وهذا الاتباع. [220]
أما الخليعُ فقد رأى الإبداع في المعنى، فأما العبارات فإنها ليست على ما ظنه، لأن قوله: "يكرع" ليس بصحيح، وفيه ثقل بيّن وتفاوت، وفيه إحالة، لأن القمر لا يصح تَصَوُّرًا أن يكرع في نجم.
وأما قول أبي نواس، "إذا عب فيها"، فكلمة قد قصد فيها المتانة، وكان سبيله أن يختار سواها من ألفاظ الشرب، ولو فعل ذلك كان أملح.
وقوله: "شارب القوم"، فيه ضرب من التكلف الذي لا بد له منه أو من مثله، لإقامة الوزن.
ثم قوله: "خلته يقبل في داج من الليل كوكبا"، تشبيه بحالة واحدة من أحواله، وهي أن يشرب حيث لا ضوء هناك، وإنما يتناوله ليلا، فليس بتشبيه مستوفًى، على ما فيه من الوقوع والملاحة [ والصنعة ].
وقد قال ابن الرومي ما هو أوقع منه وأملح وأبدع:
ومُهَفهَفٍ تمتْ محاسنه * حتى تجاوز مُنيةَ النفسِ
تصبو الكئوس إلى مَراشِفه * وتحِنُّ في يده إلى الحبس
أبصرته والكأس بين فم * منه وبين أنامل خمسِ
وكأنها وكأن شاربها * قمر يقبّل عارِض الشمس
ولا شك في أن تشبيه ابن الرومي أحسن وأعجب، إلا أنه [ لم ] يتمكن من إيراده [ إلا ] في بيتين، وهما - مع سبقهما إلى المعنى - أتيا به في بيت واحد.
وإنما أردت بهذا أن أعرفك أن هذه أمور متقاربة، يقع فيها التنافس والتعارض؛ والأطماع تتعلق بها، والهمم تسمو إليها، وهي إلفُ طباعنا، وطوعُ مداركنا، ومجانسٌ لكلامنا.
وإعجاب قوم بنحو هذا وما يجري مجراه، وإيثار أقوام لشعر البحتري على أبي تمام وعبد الصمد وابن الرومي، وتقديم قوم كلَّ هؤلاء أو بعضهم عليه، وذهاب قوم عن المعرفة - ليس بأمر يضر بنا ولا سبب يعترض على أفهامنا.
ونحن نعمد إلى بعض قصائد البحتري فنتكلم عليها، كما تكلمنا على قصيدة امرئ القيس، ليزداد الناظر في كتابنا بصيرة، ويستخلص من سر المعرفة سريرة، ويعلم كيف تكون الموازنة، وكيف تقع المشابهة والمقاربة.
ونجعل تلك القصيدة التي نذكرها أجود شعره.
سمعت الصاحب إسماعيل بن عباد يقول: سمعت أبا الفضل بن العميد يقول: سمعت أبا مسلم الرستمي يقول: سمعت البحتري يذكر أن أجود شعر قاله: * أهلا بذلكم الخيال المقبل *
قال: وسمعت أبا الفضل بن العميد يقول: أجود شعره هو قوله: * في الشيب زجر له لو كان ينزجر * [221]
قال: وسئلت عن ذلك؟ فقلت: البحتري أعرف بشعر نفسه من غيره.
فنحن الآن نقول في هذه القصيدة ما يصلح في مثل هذا:
قوله: [222]
أهلا بذلكم الخَيَالِ المُقبِلِ * فَعَلَ الذي نهواه أو لم يفعلِ
بَرقٌ سَرَى في بطن وَجْرةَ فاهتدتْ * بِسَناهُ أعناقُ الرِّكاب الضُّلَّلِ
البيت الأول، في قوله: "ذلكم الخيال"، ثقل روح، وتطويل وحشو، وغيره أصلح له. وأخف منه قول الصنوبري:
أهلا بذاك الزَّورِ من زَورِ * شمسٌ بدت في فلكِ الدورِ
وعذوبة الشعر تذهب بزيادة حرف أو نقصان حرف، فيصير إلى الكَزازة، وتعود ملاحته بذلك مُلوحة، وفصاحته عِيًّا، وبراعته تكلفا، وسلاسته تعسفا، وملاسته تلويا وتعقدا. فهذا فصل.
وفيه شئ آخر، وهو أن هذا الخطاب إنما يستقيم مهما خوطب به الخيال حال إقباله، فأما أن يحكي الحال التي كانت وسلفت على هذه العيادة ففيه عهدة، وفي تركيب الكلام عن هذا المعنى عقدة، وهو - لبراعته وحذقه في هذه الصنعة - يَعلَق نحو هذا الكلام، ولا ينظر في عواقبه، لأن ملاحة قوله تغطي على عيون الناظرين فيه نحو هذه الأمور.
ثم قوله: "فعل الذي نهواه أو لم يفعل" ليست بكلمة رشيقة، ولا لفظة ظريفة، وإن كانت كسائر الكلام.
فأما بيته الثاني، فهو عظيم الموقع في البهجة، وبديع المأخذ، حسن الرواء أنيق المنظر والمسمع، يملا القلب والفهم، ويفرح الخاطر، وتسري بشاشته في العروق.
وكان البحتري يسمى نحو هذه الأبيات: "عروق الذهب" وفي نحوه ما يدل على براعته في الصناعة، وحذقه في البلاغة.
ومع هذا كله فيه ما نشرحه من الخلل، مع الديباجة الحسنة، والرونق المليح.
وذلك: أنه جعل الخيال كالبرق لإشراقه في مسراه، كما يقال: إنه يسري كنسيم الصبا، فيطيب ما مر به، كذلك يضئ ما مر حوله، وينور ما مر به. وهذا غلو في الصنعة، إلا أن ذكره "بطن وجرة" حشو، وفي ذكره خلل، لأن النور القليل يؤثر في بطون الأرض وما اطمأن منها، بخلاف ما يؤثر في غيرها، فلم يكن من سبيله أن يربط ذلك ببطن وجرة.
وتحديده المكان - على الحشو - أحمدُ من تحديد امرئ القيس من ذكر "سقط اللوى بين الدخول فحومل، فتوضح فالمقراة"، لم يقنع بذكر حد، حتى حده بأربعة حدود، كأنه يريد بيع المنزل فيخشى - إن أخل بحد - أن يكون بيعه فاسدا أو شرطه باطلا! فهذا باب.
ثم إنما يذكر الخيال بخفاء الأثر، ودقة المطلب، ولطف المسلك، وهذا الذي ذكر يضاد هذا الوجه، ويخالف ما وضع عليه أصل الباب.
ولا يجوز أن يقدر مقدر أن البحتري قطع الكلام الأول وابتدأ بذكر برق لمع من ناحية حبيبه من جهة بطن وجرة، لأن هذا القطع إن كان فعله كان خارجا به عن النظم المحمود، ولم يكن مبدعا، ثم كان لا تكون فيه فائدة، لأن كل برق شَعَل وتكرر وقع الاهتداء به في الظلام، وكان لا يكون بما نظمه مفيدا ولا متقدما.
وهو على ما كان من مقصده فهو ذو لفظ محمود، ومعنى مستجلب غير مقصود، ويعلم بمثله أنه طلب العبارات، وتعليق القول بالإشارات.
وهذا من الشعر الحسن، الذي يحلو لفظه، وتقل فوائده، كقول القائل:
ولما قضينا من مِنًى كل حاجة * ومسح بالأركان من هو ماسحُ
وشُدَّت على حُدْب المَهارَى رِحالُنا * ولا ينظرُ الغادي الذي هو رائحُ [223]
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا * وسالتْ بأعناقِ المَطِيّ الأباطِحُ [224]
هذه ألفاظ بديعة المطالع والمقاطع، حلوة المجاني والمواقع، قليلة المعاني والفوائد. [225]
فأما قول البحتري بعد ذلك:
من غادة مُنِعَتْ وتَمْنَعُ نَيلَها * فلو أنها بُذِلت لنا لم تَبْذُلِ
كالبدر غير مخيلٍ، والغُصن غيـ * ر مميل، والدِّعص غير مهيَّلِ [226]
فالبيت الأول - على ما تكلف فيه من المطابقة، وتجشم الصنعة - ألفاظه أوفر من معانيه، وكلماته أكثر من فوائده، وتعلم أن القصد وضع العبارات في مثله! ولو قال: هي ممنوعة مانعة، كان ينوب عن تطويله، وتكثيره الكلام وتهويله. ثم هو معنى متداول مكرر على كل لسان.
وأما البيت الثاني، فأنت تعلم أن التشبيه بالبدر والغصن والدعص، أمر منقول متداول، ولا فضيلة في التشبيه بنحو ذلك.
وإنما يبقى تشبيهه ثلاثة أشياء في البيت، وهذا أيضا قريب، لأن المعنى مكرر.
ويبقى له بعد ذلك شئ آخر، وهو تعمّله للترصيع في البيت كله، إلا أن هذه الاستثناءات فيها ضرب من التكلف، لأن التشبيه بالغصن كاف، فإذا زاد فقال: كالغصن غير معوج، كان ذلك من باب التكلف خللا، وكان ذلك زيادة يستغنى عنها.
وكذلك قوله: "كالدعص غير مهيل"، لأنه إذا انهال خرج عن أن يكون مطلق التشبيه مصروفا إليه، فلا يكون لتقييده معنى.
وأما قوله:
ما الحُسنُ عندك يا سُعادُ بمُحْسِنٍ * فيما أتاه ولا الجَمَال بمُجْمِلِ
عُذِلَ المَشُوقُ وإنَّ مِن سيما الهوَى * في حيث يجهلُه لَجاج العُذَّلِ
قوله في البيت الأول: "عندك" حشو، وليس بواقع ولا بديع، وفيه كلفة. والمعنى الذي قصده، أنت تعلم أنه متكرر على لسان الشعراء.
وفيه شئ آخر، لأنه يذكر أن حسنها لم يحسن في تهييج وجده وتهييم قلبه، وضد هذا المعنى هو الذي يميل إليه أهل الهوى والحب.
وبَيتُ كُشاجِم [227] أسلمُ من هذا، وأبعد من الخلل، وهو قوله:
بحياة حُسنِكِ أحسني، وبحق من * جعل الجمالَ عليكِ وقفا أجملي
وأما البيت الثاني فإن قوله: "في حيث"، حشا بقوله في كلامه، ووقع ذلك مستنكرا وحشيا، نافرا عن طبعه، جافيا في وضعه، فهو كرقعة من جلد في ديباج حسن! فهو يمحو حسنه، ويأتي على جماله.
ثم في المعنى شئ، لأن لَجَاج العُذَّل لا يدل على هوى مجهول، ولو كان مجهولا لم يهتدوا للعذل عليه. فعلم أن المقصد استجلاب العبارات دون المعاني.
ثم لو سلم من هذا الخلل لم يكن في البيت معنى بديع، ولا شئ يفوت قول الشعراء في العذل، فإن ذلك جَمَلُهم الذَّلول، وقولهم المكرر [ المَقول ]
وأما قوله:
ماذا عليكَ من انتظار مُتَيَّمٍ * بل ما يضُرُّك وقفةٌ في منزل
إن سِيلَ عَيَّ عن الجواب فلم يُطِقْ * رَجعا، فكيف يكون إن لم يُسأل
لست أنكر حسن البيتين وظرفهما، ورشاقتهما ولطفهما، وماءهما وبهجتهما، إلا أن البيت الأول منقطع عن الكلام المتقدم ضربا من الانقطاع، لأنه لم يجر لمشافهة العاذل ذكر، وإنما جرى ذكر العُذّال على وجه لا يتصل هذا البيت به ولا يلائمه.
ثم الذي ذكره من الانتظار - وإن كان مليحا في اللفظ - فهو في المعنى متكلف، لأن الواقف في الدار لا ينظر أمرا، وإنما يقف تحسرا وتلددا [228] وتحيرا.
والشطر الأخير من البيت واقع، والأول مستجلَب، وفيه تعليق على أمر لم يجر له ذكر، لأن وضع البيت يقتضي تقدم عَذلٍ على الوقوف، ولم يحصل ذلك مذكورا في شعره من قبل.
وأما البيت الثاني، فإنه معلق بالأول، لا يستقل إلا به، وهم يعيبون وقوف البيت على غيره، ويرون أن البيت التام هو المحمود، والمصراع التام بنفسه - بحيث لا يقف على المصراع الآخر - أفضل وأتم وأحسن.
وقوله: "فكيف يكون إن لم يسأل"، مليح جدا، ولا تستمر ملاحة ما قبله عليه، ولا يطرد فيه الماءُ اطراده فيه.
وفيه شئ آخر، لأنه لا يصح أن يكون السؤال سببا لأن يعيا عن الجواب، وظاهر القول يقتضيه.
فأما قوله: لا تَكْلفَنَّ ليَ الدموعَ فإنّ لي * دَمعا يَنُمُّ عليه إن لم يفضُلِ
ولقد سكنتُ إلى الصدود من النوى * والشرْيُ أَرْيٌ عند أكل الحنظل [229]
وكذاك طَرفةٌ حين أوجس ضربة * في الرأس هان عليه فَصدُ الأكحل [230]
فالبيت الأول مخالف لما عليه مذهبهم، في طلب الإسعاد بالدموع، والإسعاف بالبكاء، ومخالف لأول كلامه، لأنه يفيد مخاطبة العذل، وهذا يفيد مخاطبة الرفيق.
وقد بينت لك أن القوم يسلكون حفظ الألفاظ وتصنيعها، دون ضبط المعاني وترتيبها، ولذلك قال الله عز وجل: { والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون } فأخبر سبحانه أنهم يتبعون القول حيث توجه بهم، واللفظ كيف أطاعهم، والمعاني كيف تتبع ألفاظهم. وذلك خلاف ما وضع عليه الإبانة عن المقاصد بالخطاب، ولذلك كان طلب الفصاحة فيه أسهل وأمكن، فصار بهذا أبلغ خطابهم.
ثم لو أن هذا البيت وما يتلوه من البيتين سلم من نحو هذا، لم يكن في ذلك شئ يفوت شعر شاعر، أو كلام متكلم.
وأما قوله: "والشريُ أريٌ"، فإنه وإن كان قد تصنع له من جهة الطباق، ومن جهة التجنيس المقارب، فهي كلمة ثقيلة على اللسان، وهم يذمون نحو هذا، كما عابوا على أبي تمام قوله:
كريم متى أمدحه أمدحه والورى * معي، ومتى مالمته لمته وحدي
ذكر لي الصاحب [ إسماعيل ] بن عباد، أنه جارى أبا الفضل بن العميد في محاسن [ هذه ] القصيدة، حتى انتهى إلى هذا البيت، فذكر له في أن قوله أمدحه أمدحه، معيب، لثقله من جهة تدارك حروف الحلق.
ثم رأيت بعد ذلك المتقدمين قد تكلموا في هذه النكتة، فعلمت أن ذلك شئ عند أهل الصنعة معروف.
ثم إن قوله: "عند أكل الحنظل"، ليس بحسن ولا واقع.
وأما البيت الثالث، فهو أجنبي من كلامه، غريب في طباعه، نافر من جملة شعره، وفيه كَزَازة وفَجَاجة، وإن كان المعنى صالحا.
فأما قوله:
وأَغَرَّ في الزمن البهيم مُحَجَّلٍ * قد رُحتُ منه على أغَرَّ محجلِ
كالهيكل المبنيِّ إلا أنه * في الحسن جاء كصورةٍ في هيكل
فالبيت الأول لم يتفق له فيه خروج حسن، بل هو مقطوع عما سلف من الكلام.
وعامة خروجه نحو هذا، وهو غير بارع في هذا الباب، وهذا مذموم معيب منه، لأن من كان صناعته الشعر وهو يأكل به، وتغافل عما يدفع إليه في كل قصيدة، واستهان بإحكامه وتجويده، مع تتبعه لأن يكون عامة ما به يصدر أشعاره من النسيب عشرة أبيات، وتتبعه للصنعة الكثيرة، وتركيب العبارات، وتنقيح الألفاظ وتزويرها - كان ذلك أدخل في عيبه، وأدل على
تقصيره أو قصوره، وإنما يقع له الخروج الحسن في مواضع يسيرة. وأبو تمام أشد تتبعا لتحسين الخروج منه.
وأما قوله: "وأغر في الزمن البهيم محجل"، فإن ذكر التحجيل في الممدوح قريب، وليس بالجيد، وقد يمكن أن يقال: إنه إذا قرن بالاغر حسن، وجرى مجراه، وانخرط في سلكه، وأهوى إلى مضماره، ولم ينكر لمكانه من جواره. فهذا عذر، والعدول عنه أحسن.
وإنما أراد أن يرد العجز على الصدر، ويأتي بوجه [ في ] التجنيس.
وفيه شئ، لأن ظاهر كلامه يوهم أنه قد صار ممتطيا الأغر الأول ورائحا عليه.
ولو سلم من ذلك لم يكن فيه ما يفوت حدود الشعراء، وأقاويل الناس.
فأما ذكر الهيكل في البيت الثاني، ورده عجز البيت عليه، وظنه أنه قد ظفر بهذه اللفظة وعمل شيئا، حتى كررها، فهي كلمة فيها ثقل، ونحن نجدهم إذا أرادوا أن يصفوا بنحو هذا قالوا: "ما هو إلا صورة"، و "ما هو إلا تمثال"، و "ما هو إلا دُمية"، و "ما هو إلا ظبية"، ونحو ذلك من الكلمات الخفيفة على القلب واللسان.
وقد استدرك هو أيضا على نفسه، فذكر أنه كصورة في هيكل، ولو اقتصر على ذكر الصورة وحذف الهيكل كان أولى وأجمل.
ولو أن هذه الكلمة كررها أصحاب العزائم على الشياطين، لراعوهم بها، وأفزعوهم بذكرها! وذلك من كلامهم، وشبيه بصناعتهم.
وأما قوله:
وافي الضلوع يشُدُّ عَقدَ حِزامِه * يومَ اللقاء على مُعِمٍّ مُخْوِلِ
أخوالُه للرُّستمينِ بفارسٍ * وجُدودُه للتُّبَّعينِ بمَوْكلِ
نُبلُ المَحزَم مما يمدح به الخيل، فهو لم يأت فيه ببديع.
وقوله: "يشد عقد حزامه"، داخل في التكلف والتعسف، لا يقبل من مثله وإن قبلناه من غيره، لأنه يتتبع الألفاظ وينقدها نقدا شديدا، فهلا قال: "يشد حزامه"، أو يأتي بحشو آخر سوى العقد؟ فقد عقّد هذا البيت بذكر العقد.
ثم قوله: "يوم اللقاء"، حشو آخر لا يحتاج إليه.
وأما البيت الثاني فمعناه أصلح من ألفاظه، لأنها غير مجانسة لطباعه، وفيها غلظ ونفار.
وأما قوله:
يَهوي كما تهوي العقاب وقد رأت * صيدا وينتصب انتصاب الأجدل
متوجِّسٌ برقيقتين كأنما * تُرَيانِ من وَرَقٍ عليه مُوَصَّلِ [231]
ما إن يعافُ قَذًى، ولو أوردتَه * يوما خلائقَ حَمدَوَيْهِ الأحولِ
البيت الأول صالح، وقد قاله الناس ولم يسبق إليه، ولم يقل ما لم يقولوه، بل هو منقول. وفي سرعة عدو الفرس تشبيهات ليس هذا بأبدعها، وقد يقولون: "يفوت الطرف"، و "يسبق الريح"، و "يجاري الوهم" و "يكد النظر". ولولا أن الإتيان على محاسن ما قالوه في ذلك يخرج الكلام عن غرض الكتاب، لنقلت لك جملة مما ذهبوا إليه في هذا المعنى. فتتبع تعلم أنه لم يأت فيها بما يجل عن الوصف أو يفوت منتهى الحد.
على أن الهُوِيّ يذكر عند الانقضاض خاصة، وليس للفرس هذه الصفة في الحقيقة، إلا أن يشبه حَدَّه في العدو بحالة انقضاض البازي والعُقاب، وليست تلك الحالة بأسرع أحوال طيرانها.
وأما البيت الثاني فقوله: إن الأذنين كأنهما من ورق موصَّل، وإنما أراد بذلك حدتهما، وسرعة حركتهما، واحساسهما بالصوت، كما يحس الورق بحفيف الريح. وظاهر التشبيه غير واقع، وإذا ضمن ما ذكرنا من المعنى كان المعنى حسنا، ولكن لا يدل عليه اللفظ، وإنما يجرى مجرى المُضَمَّن.
وليس هذا البيت برائق اللفظ، ولا مشاكل فيه لطبعه، غير قوله: "متوجس برقيقتين"، فإن هذا القدر هو حسن.
وأما البيت الثالث، فقد ذكرنا فيما مضى من الكتاب أنه من باب الاستطراد ونقلنا نظائر ذلك من قول أبي تمام وغيره، وقطعة أبي تمام في نهاية الحسن في هذا المعنى.
والذي وقع للبحتري في هذا البيت عندي ليس بجيد في لفظ ولا معنى، وهو بيت وَحِشٌ جدا، قد صار قذًى في عين هذه القصيدة، بل وَخزا فيها ووبالا عليها، قد كدّر صفاءها، وأذهب بهاءها وماءها، وطمس بظلمته سناءها.
وما وجه مدح الفرس بأنه لا يعاف قذًى من المياه إذا وردها؟ كأنه أراد أن يسلك مسلك بشار في قوله: * ولا يشربُ الماءَ إلا بدَمْ *
وإذا كان لهذا الباب مجانبا، وعن هذا السمت بعيدا، فهلا وصفها بعزة الشرب، كما وصفها المتنبي في قوله:
وَصُولٌ إلى المستصَعبات بخيله * فلو كان قرنُ الشمس ماء لأوردا
وهلا سلك فيه مسلك القائل:
وإني للماء الذي شابه القذى * إذا كَثُرَت وُرّادُه لَعَيوفُ
ثم قوله: "ولو أوردته يوما"، حشو بارد!
ثم قوله: "حمدوية الأحول"، وحش جدا، فما أمقت هذا البيت وأبغضه، وما أثقله وأسخفه! وإنما غطّى على عينه عيبه، وزين له إيراده طمعه في الاستطراد، وهلا طمع فيه على وجه لا يغض من بهجة كلامه، ولا معنى ألفاظه؟ فقد كان يمكن ذلك ولا يتعذر.
وأما قوله:
ذَنَبٌ كما سُحِبَ الرداءُ يذُبُّ عن * عُرفٍ وعُرفٍ كالقِناع المُسبَلِ
تتوهمُ الجَوزاءَ في أرساغه * والبدرَ فوق جبينه المتهلل
فالبيت الأول وحش الابتداء، منقطع عما سبق من الكلام. وقد ذكرنا أنه لا يهتدي لوصل الكلام، ونظام بعضه إلى بعضه، وإنما يتصنع لغير هذا الوجه.
وكان يحتاج أن يقول: ذنب كالرداء، فقد حذف، [ و ] الوصل غير متسق ولا مليح، وكان من سبيله أن لا يخفى عليه، ولا يذهب عن مثله.
ثم قوله: "كما سحب الرداء"، قبيح في تحقيق التشبيه، وليس بواقع ولا مستقيم في العبارة، إلا على إضمار أنه ذنب يسحبه كما يسحب الرداء!
وقوله: "يذب عن عرف"، ليس بحسن ولا صادق. والمحمود ما ذكره امرؤ القيس، وهو قوله: * فُوَيقَ الأرضِ ليسَ بأعزلِ * [232]
وأما قوله: "تتوهم الجوزاء في أرساغه"، فهو تشبيه مليح، ولكنه لم يَسبِقْ إليه، ولا انفرد به.
ولو نسخت لك ما قاله الشعراء في تشبيه الغرة بالهلال والبدر والنجم وغير ذلك من الأمور، وتشبيه الحجول، لتعجبت من بدائعَ قد وقعوا عليها، وأمور مليحة قد ذهبوا إليها، وليس ذلك موضع كلامنا، فتتبع ذلك في أشعارهم، تعلم ما وصفتُ لك.
واعلم أنا تركنا بقية كلامه في وصف الفرس، لأنه ذكر عشرين بيتا في ذلك.
والذي ذكرناه في هذا المعنى يدل على ما بعده، ولا يعدو ما تركناه أن يكون [ حسنا مقولا، ولا بديعا منقولا، أو يكون ] متوسطا إلى حد لا يفوت طريقة الشعراء.
ولو تتبعت أقاويل الشعراء في وصف الخيل، علمت أنه وإن جمع فأوعى وحشر فنادى، ففيهم من سبقه في ميدانه، ومنهم من ساواه في شأوه، ومنهم من داناه. فالقبيل واحد، والنسيج متشاكل. ولولا كراهة التطويل لنقلت جملة من أشعارهم في ذلك، لتقف على ما قلت.
فتجاوزنا إلى الكلام على ما قاله في المدح في هذه القصيدة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)