ركز معظم المتحدثين في اجتماع لندن حول ليبيا امس على ضرورة تنحي الزعيم الليبي معمر القذافي عن الحكم والمغادرة الى ملاذ آمن في الخارج، ولكن ما يجري على الارض من معارك بين الثوار المدعومين من حزب الناتو وغطائه الجوي وبين القوات الحكومية الموالية يوحي بعكس ذلك تماما.
الموقف على جبهات القتال يتسم بالغموض، وغالبا تأتي التقارير الاخبارية من جانب واحد، اي وسائل الاعلام الغربية وبعض مراسلي القنوات العربية التلفزيونية، لان الاعلام الليبي الرسمي ضعيف وغير مهني ويفتقد للمصداقية والموضوعية، واقرب الى البروباغاندا الدعائية.
طائرات التحالف تشن غارات يومية على اهداف ليبية رسمية، بعضها استهدف مدينة سبها في اقصى الجنوب، وبعضها الآخر مدينة طرابلس حيث سمعت اصوات انفجارات، ومن الصعب التعرف على طبيعة هذه الاهداف، وما اذا كانت قد تسببت في مقتل مدنيين ابرياء، وهؤلاء ليبيون ايضا في كل الاحوال.
وكالات الانباء الغربية افادت امس بان قوات العقيد القذافي استعادت مدينة بن جواد، ومواقع اخرى قريبة منها استولى عليها الثوار في هجوم معاكس شنته ليلة امس الاول، كما انها، اي قوات كتائب القذافي تواصل دفاعها عن مكاسبها الميدانية في مدينة مصراتة، مما يعني اننا امام صراع طويل ودموي، وان النهاية ليست قريبة مثلما يعتقد بعض المتفائلين برحيل سريع للزعيم الليبي.
وربما هذا هو السبب، اي مواصلة كتائب القذافي المعارك بشراسة، الذي دفع الرئيس الامريكي باراك اوباما الى التأكيد، في خطابه الذي القاه بالامس على خطأ اطاحة نظام الزعيم الليبي بالقوة، والتشديد على ان بلاده لن ترسل قوات برية لتحقيق مثل هذا الهدف.
صحيح ان قرار مجلس الامن الدولي بشأن ليبيا لا يعطي تفويضا صريحا بتغيير النظام الليبي، وازالة زعيمه من السلطة بالقوة، ولكن السر الذي بات معروفا للجميع ان التحالف الغربي المساند للثوار الليبيين يضع هذا الهدف، اي اطاحة النظام، نصب عينيه، ويعمل من اجل تحقيقه بكل الوسائل الممكنة، مضافا الى ذلك ان دولا عديدة بدأت تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي ووحيد لليبيا، وتترجم هذا الاعتراف باقامة علاقات دبلوماسية وفتح سفارات او ممثليات لها في مدينة بنغازي.
ومن اللافت انه بعد 42 يوما من اندلاع الثورة في ليبيا، ما زالت العاصمة الليبية طرابلس في قبضة العقيد معمر القذافي وكتائبه، علاوة على مدن اخرى رئيسية مثل الزاوية وسبها وسرت والجبل الغربي، ومن الملاحظ ايضا اننا لم نسمع في الفترة الاخيرة حدوث اي انشقاقات في معسكر الزعيم الليبي، او لجوء كتائب من الجيش الى الثوار مثلما كان عليه الحال في بداية الثورة، او مثلما يحدث حاليا في يمن الرئيس علي عبدالله صالح.
فمنذ انشقاق شخصيات ليبية بارزة مثل مصطفى عبد الجليل وزير العدل (رئيس المجلس الانتقالي حاليا) وعبد الفتاح يونس وزير الداخلية، وسفراء عديدين بينهم السيد عبدالرحمن شلقم وزير الخارجية السابق، لم نسمع ان وزيرا بارزا انضم الى الثوار، بمن في ذلك عبد العاطي العبيدي ابن قبيلة العبيدات الشهيرة المتمركزة في المنطقة الشرقية، او السادة محمد الزوي، موسى كوسا، عبد المجيد القعود، عبد الفتاح غانم، عبد السلام التريكي، البغدادي المحمودي وغيرهم من الوزراء ورؤساء الوزراء الحاليين والسابقين.
هناك من يبرر عدم حدوث هذه الاستقالات بالقول بانهم قد يكونون محتجزين في قاعدة العزيزية وممنوعا عليهم المغادرة، ولكن بعض هؤلاء غادر ليبيا فعلا في مهام رسمية وعاد الى طرابلس ومارس مهامه، ولو كان يفكر فعلا في الانشقاق لفعل.
نحن نطرح هذه التساؤلات من قبيل البحث عن المعرفة، ومحاولة رسم صورة اقرب الى الدقة عما يحدث في ليبيا في ظل الكم الهائل من المعلومات غير الدقيقة التي تبثها بعض وسائل الاعلام الغربية الامر الذي ادى الى بلبلة القارئ او المشاهد، وفقدان جانب كبير من ثقته بوسائل الاعلام.
العقيد معمر القذافي لن يغادر السلطة بسهولة وفق ما يتمنى خصومه، وهو على اي حال دون اي اصدقاء، كما ان طائرات حلف الناتو وبعد ما يقرب من اسبوعين من القصف لن تجد اهدافا تقصفها في الايام المقبلة، لان امكانيات النظام العسكرية محدودة للغاية، الامر الذي يدفعنا الى القول بان الطريقة الوحيدة لاطاحة نظام القذافي تتمثل في ارسال قوات نظامية ارضية غربية لانجاز هذه المهمة لان تدريب قوات الثوار وتسليحها من قبل الناتو يحتاج الى وقت طويل للوصول الى الجهوزية المطلوبة في هذا الصدد.
اننا وباختصار شديد امام حرب دموية قد تطول لاشهر، ان لم يكن سنوات، وكل المؤشرات المتوفرة حاليا تصب في مصلحة التقسيم، اي ليبيا شرقية واخرى غربية، الاولى غنية تجلس على احتياطات نفطية هائلة، والثانية غربية فقيرة معدمة محاصرة ومنبوذة دوليا، تماما على غرار ما حدث في كوريا.
الغرب يريد النفط، ويبدو انه قد حصل عليه بعد ان نجح في انتزاعه من القذافي بعد طرد قواته من بنغازي وراس لانوف والبريقة، ولا نعتقد انه يرغب في تعريض حياة جنوده من اجل اطاحة نظام القذافي، والارجح انه سيترك حتى يضعف ويسقط مثل الثمرة المتعفنة في نهاية المطاف.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)