تمليك يزدجرد
فاجتمع رستم والفيرزان عند بوران وقالا لها: « اكتبي لنا نساء كسرى وسراريّه. » - ففعلت.
فأرسلوا في طلبهنّ، فلم تبق امرأة إلّا أتوا بها، فأخذوهنّ بالرجال، ووضعوا عليهنّ العذاب يستدلّون على ذكر من أبناء كسرى. فلم يوجد عندهنّ أحد.
فقالت إحداهنّ: « لم يبق إلّا غلام يدعى يزدجرد من ولد شهريار بن أبرويز، وأمّه من أهل بادوريا. »
فأرسلوا إليها، فأخذوها به، وكانت قد أنزلته [ في أيام شيرى ] حين جمعهنّ في القصر الأبيض، وقتل الذكور إلى أخواله وكانت واعدتهم، ثم دلّته إليهم في زبيل. فلما أخذت أمّه به، دلّتهم عليه، فأرسلوا، فجاؤوا به، فملّكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة، واجتمعوا عليه واطمأنّت فارس، واستوسقوا، وتبارى الرؤساء في طاعته ومعونته. فسمّى الجنود لكلّ مسلحة كانت لكسرى أو موضع ثغر. فسمّى جند الحيرة وجند الأنبار والأبلّة والمسالح، وأظهروا الجدّ والنصيحة.
وبلغ ذلك من أمرهم واجتماعهم المثنى والمسلمين، فكتبوا إلى عمر بما ينتظرون منهم. فلم يصل الكتاب إلى عمر، حتى كفر أهل السواد كلهم: من كان له عهد ومن لم يكن له عهد.
فكتب عمر إليهم: « فاخرجوا من بين ظهراني الأعاجم، وتفرّقوا في المياه التي تليهم على حدود أرضهم، ولا تدعوا في ربيعة أحدا ولا مضر ولا حلفاءهم من أهل النجدات، ولا فارسا، إلّا اجتلبتموه، فإن جاء طائعا، وإلّا حشرتموه. احملوا العرب على الجدّ إذا جدّ العجم. » فنزل المثنى بذي قار، ونزل الناس بالحلّ، وبشراف إلى غضيّ - وغضيّ جبل البصرة - فكان في أمواه العرب من أولها إلى آخرها مسالح ينظر بعضهم إلى بعض ويعين بعضهم بعضا إن كان كون. وذلك في ذي العقدة من سنة ثلاث عشرة للهجرة.
وكتب عمر إلى عمّال العرب على الكور والقبائل أن: « لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة إلّا انتخبتموه، ثم وجّهتموهم إليّ، والعجل العجل. » فمضت الرسل، ووافاه هذا الضرب من القبائل، وأخبروه عمّن وراءهم بالحثّ والجدّ.
وخرج عمر في أول يوم من المحرّم سنة أربع عشرة حتى نزل ما يدعى صرارا، فعسكر به ولا يدرى الناس ما يريد. وكان عثمان أجرأ عليه، فقال له: « ما بلغك؟ ما الذي تريد؟ » فنادى: « الصلوة جامعة. » فاجتمع إليه الناس، فأخبرهم الخبر، ثم نظر ما يقول الناس.
فقام العامّة: سر وسر بنا معك! » فدخل معهم في رأيهم، وكره أن يدعه حتى يخرجهم منه في رفق، فقال: « استعدّوا، فانّى سائر، إلّا أن يجيء رأى هو أمثل من ذلك. » ثم جمع أهل الرأي ووجوه أصحاب النبي فقال: « أحضرونى الرأي. » فأجمع ملأهم أن يقيم، ويبعث رجلا من أصحاب رسول الله، ويرميه بالجنود.
فنادى عمر: « الصلوة جامعة. »
فاجتمع إليه الناس. فأرسل إلى عليّ، وكان استخلفه على المدينة، فأتاه، وإلى طلحة، وكان على مقدمته، فرجع إليه، وإلى الزبير وعبد الرحمن بن عوف، وكانا في المجنّبتين.
ثم قام فيهم، فقال:
« إنّ الله جمع على الإسلام أهله، فألّف بين القلوب وجعلهم فيه إخوانا، فالمسلمون فيما بينهم كالجسد، لا يخلو منه شيء مما أصاب غيره، وكذلك يحقّ عليهم أن يكونوا وأمرهم شورى بينهم. فالناس تبع لمن قام لهذا الأمر ما اجتمعوا عليه، ورضوا به، وما رءاه أولوا الرأي لزم الناس، وكانوا له تبعا، فمن قام بهذا الأمر فهو تبع لأولى الرأي. أيّها الناس! إني كنت كرجل منكم، حتى صرفني ذوو الرأي عن الخروج، فقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلا وقد أحضرت هذا الأمر من قدّمت ومن خلّفت. »
فكان طلحة ممن تابع وعبد الرحمن ممن نهاه وقال: « بأبي أنت وأمي... » قال عبد الرحمن: فما فديت أحدا بأبي وأمي بعد النبي غيره، وقلت: «.. اجعل عجزها بي، وأقم، وابعث جندا، فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك فإن يهزم جيشك فليس كهزيمتك، وإنّك إن تقتل أو تهزم في أنف الأمر خشيت على المسلمين. »
قال عمر: « فأشيروا عليّ برجل! » قال عبد الرحمن: « وجدته. » وكان ورد كتاب سعد بن أبي وقاص وهم في تلك الحال، جوابا عن كتاب عمر: « إني قد انتخبت لك ألف فارس كامل كلّهم له نجدة ورأى وصاحب حيطة يحوط حريم قومه ويمنع ذمارهم، إليه انتهت أحسابهم ورأيهم فشأنك بهم. » ووافق كتابه مشورتهم.
وقال عبد الرحمن: « وجدته لك. » قال: « من؟ » قال: « الأسد عاديا، سعد بن مالك. » فأرسل إليه، فقدم، فأمّره على حرب العراق، وأوصاه، وقال: « يا سعد سعد بنى وهيب! لا يغرّنّك من الله أن قيل: خال رسول الله! ليس بينه وبين أحد نسب إلّا طاعته. فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء: الله ربّهم وهم عباده، يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله منذ بعث إلى أن فارقنا - عليه، فالزمه، فإنّه الأمر.
هذه عظتى إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين. » فسار سعد، ومات المثنى من انتقاض جراحته قبل أن يصل إليه سعد. وذاك أنّ جرحه كان ينتقض ويبرأ حتى مات. وقدم سعد، فأغار في ما يليه، ولم يزل كذلك، إلى أن ألحّ يزدجرد على رستم، وقال: « لا بدّ أن تلى حرب العرب بنفسك. » فخرج رستم في العدّة والعديد والخيول والفيول، وراسله سعد بالمغيرة بن شعبة وغيره من دهاة العرب وأصحابه من ذوي الهيئات والآراء، فجرت بينهم مخاطبات، لا تجربة فيها ولا فائدة في المستأنف، فتركنا ذكرها.
إلى أن صافّهم رستم وعبر إليهم. وكان في القلب الذي فيه رستم ثمانية عشر فيلا عليها الصناديق والرجال، وفي المجنّبتين ثمانية وسبعة عليها الصناديق والرجال، وأقام الجالنوس بينه وبين ميمنته، والفيرزان بينه وبين ميسرته، وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين والمشركين.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
تدبيره دبره يزدجرد للإسراع في تسلم أنباء الحرب
وكان يزدجرد وضع بينه وبين رستم رجالا: فأوّلهم على باب إيوانه والآخر على دعوة منه، بحيث يسمعه، والآخر كذلك إلى أن انتظم بينه وبين رستم بالرجال. فلما نزل رستم بساباط قال الرجل الذي بساباط: « نزل! » وقال الذي يليه، ثم الذي يليه، حتى يقوله من يلي الإيوان ويسمعه يزدجرد. فكان كلّما ارتحل، أو نزل، أو حدث أمر، جرى الأمر فيه على ما شرحته، وترك البرد.
وكان ذلك شأنه إلى أن انقضى الحرب.
وكان بسعد حبون وخراجات يومئذ لا يستطيع أن يركب. فإنّما هو على وجهه، في صدره وسادة وهو مكبّ عليها، مشرف على الناس من القصر، يرمى بالرّقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة، وكان الصف إلى جانب القصر.
فشغّب قوم من وجوه الناس على سعد، ولم يرضوا بما صنع خالد. فهمّ بهم سعد وشتمهم. ثم خطبهم، واعتذر إليهم، فرضوا، وأمر الرؤساء حتى خطبوا في من يلونهم، ففعلوا، وتحاضّوا وتواصوا.
فأما الفرس فإنّهم تعاهدوا، وتواصوا، واقترنوا بالسلاسل. فكان المقترنون ثلاثين ألفا، وجملتهم مائة وعشرون ألفا، وثلاثون فيلا عليها المقاتلة، وفيلة عليها الملوك وقوف لا تقاتل.
يوم أرماث
وأمر سعد فقرئ سورة الجهاد. وقال سعد: « إني مكبّر، فإذا سمعتم التكبيرة الأولى فشدّوا شسوع نعالكم، فإذا كبّرت الثانية فتهيّأوا، فإذا كبّرت الثالثة فشدّوا النواجذ على الأضراس واحملوا. » فلمّا فرغ القرّاء، كبّر سعد وكبّر الناس، ثم ثنّى فتهيّأ الناس، ثم ثلّث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال.
وخرج أمثالهم من أهل فارس، فاعتوروا الضرب والطعن. وخرج هرمز إلى غالب بن عبد الله - وكان هرمز من ملوك الباب متوّجا - فأسره غالب أسرا، وجاء به إلى سعد، فأدخل، وانصرف إلى المطاردة. فبينا الناس ينتظرون التكبيرة الرابعة، قام صاحب رجّالة بنى نهد، فقال: « يا بنى نهد، إنّما سمّيتم نهدا لتفعلوا. » فبعث إليه سعد خالد بن عرفطة: « والله لتكفّنّ، أو لأوّلينّ عملك غيرك. » ولما تطاردت الفرسان خرج رجل ينادى: « مرد ومرد ». فانتدب له عمرو بن معدى كرب، فرماه الفارسي بنشّابة، فما أخطأت سئة قوسه - وكان متنكّبها - فحمل عليه عمرو، فاعتنقه، ثم أخذ منطقته فاحتمله فوضعه بين يديه. ثم جاء به حتى إذا دنا منّا كسر عنقه، ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، ثم ألقاه.
ثم قال: « أنا هكذا، فاصنعوا بهم، إنّما الفارسي إذا فقد قوسه تيس! » فقلنا: « يا با ثور من يستطيع أن يصنع كما تصنع؟ » وخرج إلى طليحة عظيم منهم، فبارزه، فما لبّثه طليحة أن قتله. وقام الأشعث بن قيس، فقال: « يا معشر كندة! لله درّ بنى أسد، أيّ فرى يفرون، وأيّ هذّ يهذّون! » وكذلك كانوا، لأنّهم حبسوا الفيلة بالضرب والطعن.
«.. يا معشر كندة! أراكم تنتظرون من يكفيكم الناس. العرب منذ اليوم يقاتلون وأنتم جثاة على الرّكب تنتظرون. » فوثب إليه عدّة، وقالوا: « عثر جدّك إنّك لتؤبّخنا ونحن أحسن الناس موقفا، ها نحن معك. » فنهد ونهدوا فأزالوا من بإزائهم. ولما رأى فارس ما تلقى الفيلة من كتيبة أسد، رموهم بحدّهم كلّه، وبدروا الشدّة على المسلمين عليهم ذو الحاجب والجالنوس والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد. فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم الفيلة قد ثبتوا لهم. وكبّر سعد الرابعة، فزحف إليهم المسلمون ورحى الحرب تدور على أسد، وحملت الفيول على الميمنة والميسرة على الخيول، فكانت الخيول تحجم عنها وتحيد.
فأرسل سعد إلى عاصم بن عمر، فقال: « يا معشر بنى تميم. ألستم أصحاب الإبل والخيل، أما لكم لهذه الفيلة من حيلة؟ » قالوا: « بلى والله. » ثم نادى في رجال من قومه رماة، وآخرين أهل ثقافة، فقال لهم: « يا معشر الرماة، ذبّوا ركبان الفيلة بالنّبل. » وقال: « يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة، فقطعوا وضنها. » وخرج يحميهم والرحى تدور على أسد وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد. وأقدم أصحاب عاصم بن عمرو على الفيلة، فأخذوا بأذنابها وأذناب توابيتها، فقطّعوا وضنها وارتفعت عن ظهورها. فما بقي لهم يومئذ فيل إلّا عرّى وقتل أصحابها، ونفّس عن أسد، فردّوا عنهم فارس إلى مواقفهم، ولم يزالوا يقتتلون حتى غربت الشمس، ثم حتى ذهب هدأة من الليل. ثم رجع هؤلاء ورجع هؤلاء، وأصيب في أسد تلك العشيّة خمسمائة، وكانوا ردءا للناس. وكان عاصم عادية الناس وحاميتهم. فهذا يومها الأوّل وهو يوم أرماث.
يوم أغواث
ولما أصبح القوم على تعبئة من غد وقفوا. ووكّل سعد رجالا بنقل الشهداء إلى العذيب، وإسلام الرثيث إلى النساء، يقمن عليهم، والناس ينتظرون بالجملة نقل الرثيث. فلمّا استقلّت بهم الإبل، وتوجّهت بهم نحو العذيب، طلعت بوادي الخيل من الشام، الذين صرفهم عمر بعد دمشق إلى العراق. وكان أبو عبيدة، لما قدم عليه كتاب عمر: أن يصرف أهل العراق أصحاب خالد بن الوليد ولم يذكر خالدا، ضنّ بخالد، واحتبسه عنده، وسرّح الجيش - وهم ستّة آلاف - وأمّر عليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو. فعجّله أمامه، فانجذب القعقاع وطوى وتعجّل، فتقدّم على الناس يوم أغواث، وقد عهد إلى أصحابه وهم ألف، أن يتقطّعوا أعشارا: فكلما بلغ عشرة مدى البصر، سرّحوا في آثارهم عشرة. فتقدّم القعقاع أصحابه في عشرة، فأتى الناس، فسلّم عليهم، وبشّرهم بالجنود، وقال: « أيها الناس! إني قد جئتكم في قوم والله لو كانوا بمكانكم ثم أحسّوكم، لحسدوكم بحظوتها، وحالوا أن يظفروا بها دونكم. فاصنعوا كما أصنع. » فنادى: « من يبارز؟ » فسكن الناس، وتذاكروا قول أبي بكر فيه: « لا يهزم جيش فيه مثل هذا. » فخرج إليه ذو الحاجب، فقال له القعقاع: « من أنت؟ » قال: « أنا بهمن جاذويه. » فنادى: « يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب الجسر. » ثم اجتلدا، فقتله القعقاع.
وجعلت خيل القعقاع ترد قطعا إلى الليل وينشط الناس، فكأن لم يكن بالأمس مصيبة، وكأنّها استقبلوا قتالهم بقتل الحاجبي وللحاق القطع، وانكسرت الفرس لذلك.
ونادى القعقاع أيضا: « من ينازل؟ » فخرج إليه رجلان أحدهما الفيرزان والآخر البندوان. فانضمّ إلى القعقاع الحارث بن ظبيان، فبادر القعقاع الفيرزان فضربه، فإذا رأسه مطروح، وبادر ابن ظبيان البندوان فضربه، فإذا رأسه كذلك، وتورّدهم فرسان المسلمين، وجعل القعقاع يقول: « يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنّما يحصد الناس بها. » فتواصى الناس واجتلدوا بها حتى المساء. فلم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئا مما يعجبهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل، لأنّ توابيتها تكسّرت بالأمس، فاستأنفوا علاجها حين أصبحوا، فلم ترتفع حتى كان من الغد. وفي هذا اليوم حمل بنو عمّ القعقاع عشرة عشرة من الرجّالة على إبل قد ألبسوها، فهي مجلّلة مبرقعة، وأطافت بهم خيولهم فحموهم، وأمرهم أن يحملوها على خيلهم بين الصفّين يتشبّهون بالفيلة، ففعلوا بهم يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث. فجعلت الإبل لا تصمد لقليل ولا كثير إلّا نفرت خيلهم، وركبتهم سيوف المسلمين. فلمّا رأوا ذلك استنّوا بهم، فلقى أهل فارس من الإبل يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث.
وجعل رجل من بنى تميم يتعرّض للشهادة، فأبطأت عليه حتى تعرّض لرستم يريده، فأصيب دونه.
وخرج رجل من فارس ينادى: « من يبارز؟ » فبرز له علباء، فأسجده ونفحه الفارسي فأمعاه، فلم يستطع القيام، فعالجها، فلم يتأتّ له حتى مرّ به رجل من المسلمين، فقال: « يا هذا أعنّى على بطني. » فأدخله له، فأخذ بصفاقيه، ثم زحف نحو صفّ فارس ما يلتفت على المسلمين، فأدركه الموت على رأس ثلاثين ذراعا من مصرعه إلى صفّ فارس، وقال:
أرجو بها من ربّنا ثوابا ** قد كنت [ ممّن ] أحسن الضّرابا
وخرج رجل من أهل فارس ينادى: « من يبارز؟ » فبرز له الأعرف بن الأعلم العقيلي فقتله، ثم برز له آخر من فارس فقتله، ثم برز آخر فقتله، فأحاطت به فوارس منهم، فصرعوه، وندر سلاحه عنه، فأخذوه، فجعل يغبّر في وجوههم بالتراب حتى رجع إلى أصحابه وقال:
[ و ] إن تأخذوا بزّى، فإني مجرّب ** خروج من الغمّاء، محتضر النّصر
وإني لحام من وراء عشيرتي ** ركوب لآثار الهوى محفل الأمر
وحمل القعقاع يومئذ ثلاثين حملة، كلّما طلعت قطعة من الخيل حمل حملة فيصيب فيها. فقتل في يوم أغواث ثلاثين فارسا، وكان آخرهم بزرجمهر الهمداني، وقال القعقاع فيه:
حبوته جيّاشة بالنّفس ** هدّارة مثل شعاع الشّمس
في يوم أغواث قليل الفرس ** أنخس بالقوم أشدّ النّخس
حتى تفيظ معشرى ونفسي
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
واقتتل الناس صتيتا حتى انتصف الليل. فكانت ليلة أرماث تدعى « الهداة »، وليلة أغواث تدعى « السواد ». ولم يزل المسلمون يرون الظفر يوم أغواث في القادسية، وقتلوا عامّة أعلامهم، وجالت فيهم خيل القلب، وثبت رجلهم، فلو لا أنّ خيلهم كرّت، لأخذ رستم أخذا. وانتمى المسلمون لدن أمسوا. فلمّا أمسى سعد وسمع ذلك نام، وقال لبعض من عنده: « إن تمّ الناس على الانتماء فلا توقظنى، فإنّهم أقوياء على عدوّهم، فإن سكتوا ولم ينتم الآخرون فلا توقظنى، فإنّهم على السواء، وإن سمعتهم ينتمون، فأيقظنى، فإنّ انتماءهم لشرّ. »
قصة أبي محجن مع سلمى وسعد
فلمّا اشتدّ القتال بالسواد، سأل أبو محجن سلمى بنت خصفة، وكان محبوسا مقيّدا في القصر. فقال: « يا ابنة خصفة، هل لك إلى خير؟ » قالت: « وما ذاك؟ » قال: « تخلّين عني وتعيرينني البلقاء. فلله عليّ، إن سلّمني الله أرجع إليك حتى أضع رجليّ في قيدي. »! فقالت: « وما أنا وذاك؟ » فجعل يرسف في قيده وقال:
كفى حزنا أن تردى الخيل بالقنا ** وأترك مشدودا عليّ وثاقيا
إذا قمت عنّانى الحديد وغلّقت ** مصاريع من دوني تصمّ المناديا
قالت سلمى: « إني استخرت الله، ورضيت بعهدك. » فأطلقته وقالت: « أمّا الفرس فلا أعيرها. » فرجعت.
« فاقتادها رويدا، وأخرجها من باب القصر، فركبها. ثم دبّ عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة. ثم حمل على الميسرة ميسرة الفرس، يلعب برمحه وسلاحه بين الصفّين - وقد حكي أنّ الفرس كانت عريا، وحكي أنّها كانت بسرجها - ثم رجع من خلف صفّ المسلمين إلى الميسرة، فكبّر، وحمل على ميمنة القوم، يلعب بين الصّفين برمحه وسلاحه. ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب، فبدر أمام الناس، فحمل على القوم يلعب بين الصفّين برمحه وسلاحه. فكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا، وتعجّب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه بالنهار.
فقال بعض الناس: « هذا من أوائل أصحاب هاشم، أو هاشم نفسه. » وانتبه سعد وهو منكبّ مشرف من فوق القصر، فقال: « والله لولا محبس أبي محجن لقلت إنّه هو وهذه البلقاء. » وقال بعض الناس: « إن كان الخضر يشهد الحروب فهذا الخضر. » وقال بعضهم: « لولا أنّ الملائكة لا تباشر [ القتال ] لقلنا: ملك بيننا! » فلما انتصف الليل حاجز أهل فارس، وتراجع المسلمون، وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر من حيث خرج منه، ووضع عن نفسه وعن دابّته، وأعاد رجليه في قيده، وقال في أبيات:
لقد علمت ثقيف غير فخر ** بأنّا نحن أكرمهم سيوفا
وأكثرهم دروعا سابغات ** وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
وأنّا وفدهم في كلّ يوم ** فإن عميوا فسل بهم عريفا
وليلة قادس لم يشعروا بي ** ولم أشعر بمخرجى الزّحوفا
فإن أحبس فذلكم بلائي ** وإن أترك أذيقهم الحتوفا
وإنّما حبس في أبيات قالها وهي:
إذا متّ، فادفنّي إلى أصل كرمة...............
فلمّا أصبحت سلمى أتت سعدا، وكانت مغاضبة له، وصالحته وأخبرته خبرها مع أبي محجن. فدعا به، وأطلقه، وقال: « اذهب، فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله، حتى تفعله. » قال: « لا جرم والله، لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبدا. »
يوم عماس
أصبح الناس اليوم الثالث على مواقفهم وبينهم كالرّجلة الحمراء ميل في عرض الصفّين، وقد قتل من المسلمين ألفان، ومن المشركين عشرة آلاف، وكان أهل الدين يجمعون القتلى يحملونهم إلى المقابر ويبلّغون الرثيث إلى النساء والصبيان، و [ النساء و ] الصبيان يحرفون القبور في اليومين: يوم أغواث ويوم أرماث. وبات القعقاع ليلته كلها يسرّب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم بالأمس. ثم قال لهم: « إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، كلّما توارت مائة فليتّبعها مائة. فإن جاء هاشم فذاك، وإلّا جدّدتم للناس رجاء وجدّا. » ففعلوا ولا يشعر بذلك أحد.
فأصبح الناس على مواقفهم قد أحرزوا قتلاهم: فأمّا قتلى المشركين فقد أضيعوا، لأنّهم لا يعرضون لأمواتهم، وكان ذلك مما صنع الله للمسلمين مكيدة ليشدّ بها أعضادهم.
فلمّا ذرّ قرن الشمس والقعقاع يلاحظ الخيل طلعت نواصيها. فكبّر، وكبّر الناس وقالوا: « جاء المدد » وقد كان عاصم بن عمرو أمر أن يصنع مثلها. فجاؤوا من قبل خفّان. فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى لهم هاشم في سبعمائة، فأخبروه برأى القعقاع وما صنع في يوميه، فعبّى أصحابه سبعين سبعين.
فلما نجز أصحاب القعقاع خرج هاشم في سبعين معه، فيهم قيس بن هبيرة، حتى إذا خالط القلب كبّروا، وقد أخذ المسلمين الفرح، فكبّروا جميعا وقد أصلح المشركون توابيت الفيلة معها الرجّالة يحمونها أن تقطع وضنها ومع الرجّالة فرسان يحمونهم، إذا رأوا كتيبة دلفوا إليها بفيل واتباعه لينفروا به الخيل.
فلم يكن ذلك منهم كما كان بالأمس، لأنّ الفيل إذا كان وحده ليس معه أحد، كان أوحش وأهول، وإذا طاف به الناس كان آنس. فكان القتال كذلك. وكان يوم عماس من أوّله إلى آخره شديدا، العجم والعرب فيه سواء، ولا يكون بينهم لفظة إلّا تعاورها الرجال حتى تبلغ يزدجرد، فكان يبعث إليهم بأهل النجدات ممن بقي عنده فيقوون بهم، وتجيئهم الأمداد على البرد. فلو لا الذي صنع القعقاع في اليومين، ومجيء هاشم بعقبه كسر ذلك المسلمين، وما كان عامّة جنن المسلمين إلّا براذع الرحال، قد أعرضوا فيها الجريد، ومن لم تكن له وقاية لرأسه، عصّب رأسه بالأنساع. وأبلى يومئذ قيس بن هبيرة بن مكشوح.
وقال عمرو بن معدى كرب: « إني حامل على الفيل بازائهم، فلا تدعوني أكثر من جزر جزور، فإن تأخّرتم فقدتم أبا ثور، وأين لكم مثل أبي ثور، وإن أدركتمونى وجدتمونى وفي يدي السيف. »! فحمل، فما انثنى حتى ضرب فيهم، وستره الغبار. فقال أصحابه: « ما تنتظرون؟ ما أنتم بخلقاء أن تدركوه، وإن فقدتموه فقد المسلمون فارسهم. » فحلموا، فأفرج المشركون عنه بعد ما صرعوه وطعنوه وإنّ سيفه لفي يده يضاربهم به، وقد طعن فرسه. فلمّا انفرج عنه أهل فارس أخذ برجل فرس عليه فارسي، فحرّكه الفارسي، فاضطرب الفرس، فالتفت إلى عمرو، فهمّ به، فغشيه المسلمون. فنزل عنه، وحاضر إلى الفرس، وقال عمرو لأصحابه: « أمكنونى من لجامه. » فأمكنوه منه فركبه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
اتفاق جرى يوم عماس ويحذر أن يقع مثله
ومن الاتفاق الذي جرى في يوم عماس ويحذر أن يقع مثله: أنّ رجلا من الفرس خرج بين الصفّين فهدر وشقشق ودعا إلى البراز.
قال: فبرز رجل منّا يقال له: شبر بن علقمة، وكان قصيرا دميما، وقال: « يا معشر المسلمين! قد أنصفكم الرجل. » فلم يجبه ولم يخرج إليه أحد.
فقال: « أما والله، لولا أن يزدرونى لخرجت إليه. » فلمّا رأى أنّ المسلمين لا يمنعونه أخذ سيفه وحجفته، وتقدّم. فلمّا رآه الفارسي نزل إليه، فاحتمله، وجلس على صدره وأخذ سيفه ليذبحه وقد كان شدّ مقود فرسه بمنطقته. فلمّا سلّ السيف حاص الفرس حيصة، فجذبه المقود، فقلبه عنه. فأقبل عليه وهو يسحب، فافترشه. وجعل أصحابه يصيحون به، فقال: « صيحوا ما بدا لكم، فوالله لا أفارقه حتى أقتله وأسلبه. » فذبحه وسلبه، ثم أتى به سعدا، فقال: « إذا كان حين الظهر فائتني. » فوافاه، فحمد سعد الله، وأثنى عليه، ثم قال: « إني قد رأيت أن أنفّله إيّاه، وكلّ من سلب سلبا فهو له. » فباعه باثنى عشر ألفا.
ما جرى في يوم عماس أيضا
ولما عادت الفيلة لفعلها يوم أرماث تفرّق بين الكتائب، راسل قوما ممن أسلموا من الفرس، فدخلوا عليه، فسألهم عن الفيلة: « هل لها مقاتل؟ » قالوا: « نعم! المشافر والعيون. لا ينتفع بها بعدها. » فأرسل إلى القعقاع وعاصم ابني مذعور: « اكفياني الأبيض. » وذاك أنّ الفيلة كانت تألفه، وكان بإزائهما، وأرسل إلى حمّال والربّيل: « اكفيانى الأجرب» - وكان بازائهما.
فأما القعقاع وعاصم فانّهما أخذا رمحين أصمّين ليّنين، ثم دبّا في خيل ورجل، وقالا: « اكتنفوه لتحيّروه. »
فنظر الفيل يمنة ويسرة وهما يريدان أن يخبط. فحمل القعقاع وعاصم - والفيل متشاغل بمن حوله - فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فقبع، ونفض رأسه، فطرح ساسته، ودلّى مشفره، فبادره القعقاع، فنفحه بالسيف، فرمى به، وأقعى الفيل، فقتلوا من كان عليه.
وأما حمّال والربّيل فانّهما قالا: « يا معشر المسلمين، أيّ الموت أشدّ؟ » قالوا: « أن تشدّا على هذا الفيل. » قال: « فنزّقا فرسيهما حتى إذا قاما على السنابك ضرباهما على الفيل الذي بازائهم. فطعن أحدهما عينه فوطئ الفيل من خلفه، ويضرب الآخر مشفره، فيضربه سائس الفيل ضربة شانئة في وجهه بالطبرزين، فأفلت بها هو والربّيل، فبقى الفيل متلدّدا بين الصفّين كلّما أتى صفّ المسلمين وخزوه، وإذا أتى صفّ المشركين نخسوه، وصاح الفيلان صياحا عظيما. ثم ولّى الأجرب الذي عوّر، فوثب في العتيق فاتّبعته الفيلة فخرقت صفّ الأعاجم، وعبرت العتيق في إثره، فبيّتت المدائن في توابيتها، وهلك من فيها، وخلص المسلمون بأهل فارس، ومال الظلّ، فتزاحفوا، واجتلدوا بالسيوف حتى أمسوا. فلمّا طعنوا في الليل اشتدّ القتال وصبر الفريقان، ولم يسمع إلّا الغماغم من هؤلاء وهؤلاء، فسمّيت « ليلة الهرير » لم يكن بعدها قتال بليل بالقادسيّة.
ثم إنّ سعدا وجّه طليحة وعمرو بن معدى كرب إلى مخاضة كانت أسفل منهم، وخشي أن يؤتى المسلمون منها بعبور الفرس، ووصّاهما أن يقفا هناك، فإن أحسّا بكيد أنذرا المسلمين. فانتهيا إلى هناك، فلم يجدا أحدا. فأمّا طليحة فرأى أن يعبر، وأمّا عمرو فقال: « ما أمرنا بذلك. » فعبر طليحة حتى إذا صار وراء صفّ المشركين كبّر ثلاث تكبيرات، فدهش القوم، وكفّوا عن الحرب لينظروا ما هو، وطلبوه فلم يدروا أين سلك! وسفل حتى غاص، وأقبل إلى العسكر فأتى سعدا خبره، فاشتدّ ذلك على الفرس، وفرح المسلمون. وقال طليحة للفرس: « لا تعدموا أمرا ضعضعكم. » ثم إنّهم عادوا، وجدّدوا تعبئة، وأخذوا في أمر لم يكونوا عليه في الأيام الثلاثة والمسلمون على تعبيتهم، فطاردهم فرسان العرب، فإذا القوم لا يشدّون، ولا يريدون إلّا الزحف فقدّموا صفا له أذنان، وأتبعوا آخر وآخر حتى تمّ صفوفهم ثلاثة عشر صفّا في القلب والمجنّبتين. فرماهم فرسان العسكر فلم يعطفهم ذلك. ثم لحقت بالفرسان الكتائب، فحمل القعقاع على ناحيته التي رمى بها مزدلفا. فقاموا على ساق والناس على راياتهم، بغير إذن سعد.
فقال سعد: « اللهمّ اغفرها له وانصره، وا تميماه سائر الليلة. » ثم قال: « إنّ الرأي ما رءاه القعقاع. فإذا كبّرت ثلاثا فاحملوا. » فلمّا كبّروا واحدة حملت أسد، فقال: اللهمّ اغفرها لهم وانصرهم. وا أسداه سائر الليلة. » ثم حمل الناس وعصوا سعدا. فقام قيس بن المكشوح في من يليه - ولم يشهد شيئا من لياليها إلّا تلك الليلة، لأنّه كان آخر من ورد مع هاشم - فقال: « إنّ عدوّكم قد أبي إلّا المزاحفة، والرأي رأى أميركم، وليس بأن تحمل الخيل ليس معها الرجل. » قال القوم: « إذا زحفوا وطاردهم عدوّهم على الخيل لا رجال معهم عفّروا بهم، ولم يطيقوا أن يقدموا عليهم. تيسّروا للحملة، وانتظروا التكبير. » - وإنّ نشّاب الأعاجم لتجوز صفّ المسلمين. » فتكلّم الرؤساء. فقال دريد بن كعب النخعي - وكان معه لواء النخع -: « إنّ المسلمين قد تهيّئوا للمزاحفة، فاستبقوا المؤمنين الليلة إلى الله والجهاد، نافسوهم الشهادة، وطيبوا نفسا بالموت، فإنّه أنجى من الموت إن كنتم تريدون الحياة، وإلّا فالآخرة ما أردتم. » وتكلّم الأشعث بن قيس، فقال: « لا ينبغي أن يكون هؤلاء أجرأ على الموت منّا، ولا أسخى نفسا عن الدنيا، لا تجزعوا من القتل، فإنّه أمانيّ الكرام، ومنايا الشهداء. » وترجّل وتكلّم طليحة فقال مثل ذلك، وتكلّم غالب وحمّال وأهل النجدات، فقالوا قريبا من ذلك، وفعلوا فعلهم. وقامت حربهم على ساق، حتى الصباح.
فتلك ليلة الهرير.
وحكى أنس بن الحليس، قال: شهدت ليلة الهرير، فكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم حتى الصباح، أفرغ عليهم الصبر إفراغا، وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها، ورأى العرب والعجم أمرا لم يروا مثله قطّ، وانقطعت الأصوات عن رستم وسعد. فبعث سعد نجّارا - وهو غلام - إلى الصفّ لم يجد رسولا، فقال: « أنظر ما ترى من حالهم. » فرجع، فقال: « ما رأيت يا بنيّ؟ » قال: « رأيت قوما يلعبون ويجدّون. » فأوّل شيء سمعه سعد ليلتئذ مما يستدل به على الفتح في نصف الليل الأخير، صوت القعقاع بن عمرو، وهو يقول:
نحن قتلنا معشرا وزائدا ** أربعة وخمسة وواحدا
تحسب فوق اللّبد الأساودا ** حتى إذا ماتوا دعوت شاهدا
الله ربّى واحتردت جاهدا
وأصبحوا ليلة القادسية - وهي ليلة الهرير. سمّيت بليلة القادسية من بين تلك الليالي والأيّام - والناس حسرى لم يغمّضوا ليلتهم كلّها. فسار القعقاع في الناس، فقال: « إنّ الدبرة بعد ساعة لمن بدأ اليوم، فاصبروا فإنّ النصر مع الصبر. » فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء، فصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه.
ولمّا رأت ذلك القبائل قام فيها رجال، فقام قيس بن عبد يغوث المكشوح، والأشعث بن قيس، وعمرو بن معدى كرب، وأشباههم، فحضّوا الناس وحرّضوا.
فكان أوّل من زال حين قام قائم الظهيرة الهرمزان والبندوان، فتأخّرا وثبتا حيث انتهيا. وانفرج القلب، وركد عليهم النقع، وهبّت ريح عاصف، فقلعت طيارة رستم عن سريره، فهوت في العتيق وهي دبور، ومال الغبار عليهم. وانتهى القعقاع وأصحابه إلى السرير، فعبروا به، وقد قام رستم حين طارت الريح بالطيارة إلى بغال قدمت عليه بمال يومئذ فهي واقفة. فاستظلّ في ظلّ بغل وحمله. فقصده هلال بن علّفة، وولّى عنه رستم، فاتبعه هلال، فرماه رستم، فشكّ قدمه في الركاب، وقال بالفارسية: « بباى. » - يقول: « كما أنت ارفق. » فحمل عليه هلال، فضربه ضربة نفحت مسكا. ومضى رستم نحو العتيق، فرمى بنفسه فيه، واقتحمه هلال عليه، فتناوله وقدم عام وهلال قائم. فأخذ رجله، ثم خرج به، وضرب جبينه بالسيف حتى قتله، ثم جاء به حتى رمى به بين يدي رحله وأرجل البغال، وأخذ سلبه، ثم صعد السرير، ونادى: « قتلت رستم وربّ الكعبة، إليّ إليّ! » فأطافوا به، وكبّروا وما يحسون السرير، ولا يرونه، وانهزم المشركون. وقام الجالنوس على الردم ونادى أهل فارس إلى العبور، وأسفر الغبار. فأما المقترنون فإنّهم جشعوا. فتهافتوا في العتيق، فوخزهم المسلمون برماحهم، فما أفلت منهم مخبر وهم ثلاثون ألفا.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)