ذكر الحال في المدينة
وظهر في المدينة أنّ يزيد بن معاوية يشرب الخمر حتى يترك الصلاة، وصحّ عندهم ذلك، وصحّ غيره ممّا يشبهه، فجعلوا يجتمعون لذلك حتى خلعوه، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل، ووثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومن معه من بني أمية ومن يرى رأيهم، فنفوهم وكانوا ألف رجل. فخرجوا حتى نزلوا دار مروان بن الحكم، فحاصرهم الناس حصارا ضعيفا، فتولّى تدبيرهم مروان، لأنّ عثمان بن محمد كان غرّا لا يرجع إلى رأيه.
وكتب مروان إلى يزيد كتابا من جماعة بما جرى عليهم ويطلبون الغوث منه.
قال الرسول: فلما وردت على يزيد، قال: « أما تكون بنو أميّة ومواليهم ألف رجل بالمدينة؟ »
قلت: « بلى. »
قال: « فما استطاعوا أن يقاتلوهم ساعة من نهار؟ »
فقلت: « أجمع الناس كلّهم عليهم، فلم تكن لهم بهم طاقة. »
فكتب إلى عبيد الله بن زياد أن اغز ابن الزبير، فقال: « والله لا أجمعهما للفاسق أبدا: أقتل ابن رسول الله وأغزو البيت؟ »
وندب مسلم بن عقبة المرّى، وهو شيخ كبير مريض، للمدينة، فخرج ونادى أن: « سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا، ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته. » فانتدب له اثنا عشر ألف رجل. ووصّاه يزيد، إذا ظفر، أن ينهب المدينة ثلاثة أيّام، وذلك في سنة ثلاث وستّين.
وكان معاوية وصّى يزيد: « إذا أرابك من أهل المدينة ريب، فارمهم بمسلم بن عقبة. » ولمّا بلغ أهل المدينة خبر مسلم ومن معه، أخذوا على بني أمية المحصورين في دار مروان العهود والمواثيق، ألّا يدلّوا على عورة لهم، ولا يبغونهم غائلة.
وأخرجوهم، فلقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى مع أثقالهم، فسأل مسلم عمرو بن عثمان بن عفّان عن القوم واستشاره، فقال: « عليّ عهد ألّا أدلّ على عورة. »
فانتهزه مسلم وقال: « والله، لو لا أنّك ابن عثمان، لضربت عنقك، والله، لا أقيلها قرشيّا بعدك. »
وبلغ ذلك الناس، فهابوه.
وقال مروان لابنه عبد الملك: « ادخل قبلي إلى مسلم لعلّه يجتزى بك مني. »
فدخل عليه عبد الملك، فقال: « هات ما عندك، أخبرني خبر الناس، وكيف ترى؟ »
ذكر رأي عبد الملك وما ظهر من حزمه
قال:
« نعم، أرى أن تسير بمن معك، فتركب هذا الطريق إلى المدينة، حتى إذا انتهيت إلى أدنى نخل بها نزلت، فاستظلّ الناس بظلّه، وأكلوا من صفوه، حتى إذا كان الليل، أذكيت الحرس الليل كلّه عقبا بين أهل عسكرك، حتى إذا أصبحت وصلّيت الصبح، مضيت بهم، وتركت المدينة ذات اليسار، ثم أدرت بالمدينة، حتى تأتيهم من قبل الحرّة مشرّقا، ثم تستقبل القوم، فإذا استقبلتم، أشرقت الشمس عليهم، وطلعت من أكتاف أصحابك، فلا توذيهم، وتقع في وجوههم فتوذيهم، ويرون ما دمتم مشرّقين ايتلاق بيضكم، وحرابكم، وأسنّة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم، ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغرّبين، ثم قاتلهم، واستعن الله عليهم. »
فقال له مسلم: « لله أبوك، أيّ امرئ ولد إذ ولدك، لقد رأى بك خلفا. »
ثم إنّ مروان لقيه، فقال له: « إيه. »
فقال: « أليس قد لقيك عبد الملك؟ »
قال: « بلى، وأيّ رجل عبد الملك! [ قلّ ] ما كلّمت من رجال قريش شبيها به. »
وقعة الحرة وإباحة المدينة ثلاثا
ثم ارتحل، وعمل برأى عبد الملك، فكانت وقعة الحرّة، وذلك في سنة ثلاث وستّين، وهي من أعظم الوقائع وأشدّها. هزم فيها مسلم بن عقبة مرارا، وأهل المدينة مرارا، وكثر القتلى في الفريقين، ولم يكن في اقتصاص الحديث بأسره فائدة، إلّا أنّ آخره كان قتل عبد الله بن حنظلة الغسيل، وخلق من أهل المدينة وصالحيهم، وانهزم الناس.
فأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال.
بايع أهل المدينة ليزيد بن معاوية على أنهم خول له
وجيء بيزيد بن وهب بن ربيعة - وهو من وجوه قريش - فقال له: « بايع! »
فقال: « أبايع على سنّة أبي بكر وعمر. »
قال: « اقتلوه! »
قال: « فإني أبايع. »
قال: « لا والله! لا أقيلك عثرتك. »
فقام مروان بن الحكم وكلّمه، لصهر كان بينهما، فأمر بمروان، فوجئت عنقه، ثم قال: « بايعوا على أنّكم خول ليزيد بن معاوية. » ثم أمر بقتل يزيد بن وهب.
هذا، وبلغ أهل مكّة ما جرى على أهل المدينة، وما ارتكب منهم. ففتّ ذلك في أعضادهم، وجاءهم منه أمر عظيم، وعرفوا أنّه نازل بهم.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر اتفاق حسن اتفق لمسلم بن عقبة في مسيره إلى أهل المدينة وحيلة لأهل المدينة ما تمت
كان بعث أهل المدينة إلى كلّ ماء بينهم وبين أهل الشام، فصبّوا فيه زقّا من قطران، وعوّر، فأرسل الله عليهم السماء حتى لم يحتاجوا أن يستقوا بدلو، حتى وردوا المدينة.
موت مسلم بن عقبة ورمى الكعبة وإحراقها وابن الزبير محاصر فيها
واستخلف مسلم على المدينة روح بن زنباع متوجّها إلى مكّة، يريد ابن الزبير. فلمّا كان ببعض الطريق هلك، وذلك في آخر المحرّم من سنة أربع وستّين.
ولمّا حضره الموت، دعا الحصين بن نمير السلولي، وقال له: « يا برذعة الحمار، والله، لولا أنّ أمير المؤمنين عهد إليّ - إن حدث بي حدث - أن أستخلفك لما ولّيتك، ولكن انظر وصيتي، وإيّاك والمخالفة! خذ عني أربعا: أسرع السير، وعجّل الوقائع، وعمّ الأخبار، ولا تمكّن قريشا من أذنك. » ومات.
وخرج الحصين بن نمير إلى مكّة، وقد بايع أهل مكّة ابن الزبير، وقدم عليه نجدة بن عامر مع الخوارج يمنعون البيت، فحاصرهم الحصين، وأخرج ابن الزبير إليهم أخاه المنذر بن الزبير. فلما اشتدّ القتال، دعوه إلى المبارزة، فخرج وقتل، وقتل معه عدّة من وجوه أصحاب ابن الزبير، ولم يزل القتال دائما بينهم طول صفر. ولمّا مضت ثلاثة أيّام من شهر ربيع الأوّل، نصبوا المجانيق على البيت، ورموه بالحجارة والنار، وأخذوا يرتجزون ويقولون:
خطّارة مثل الفنيق المزبد ** نرمي بها أعواد هذا المسجد
واحترقت الكعبة، وتصدّع منها ثلاثة أمكنة، واحترق ما كان فيها من خشب، وما عليها من كسوة.
وقد قيل: إنما احترقت، لأنّ أصحاب ابن الزبير كانوا يوقدون حولها، فطارت إليها شرره ليلة ريح، فاحترقت.
خلافة معاوية بن يزيد
ولم يزل الحصار والقتال واقعا على ابن الزبير - وهو يصابر - إلى أن ورد نعى يزيد بعد أربعة وستّين يوما من الحصار، وذلك في جمادى الأولى سنة ثلاث وستّين، ويقال: أربع وستّين، وكانت ولايته ثلاث سنين وكسرا، وبايع الناس معاوية بن يزيد بن معاوية بالشام، وبايعوا عبد الله بن الزبير بالحجاز.
ذكر سوء رأي ابن الزبير وضعف تدبيره ومخالفته من أشار عليه بالصواب حتى فاتته الخلافة
مكث أهل الشام مع الحصين بن نمير يقاتلون ابن الزبير، وليس عندهم خبر وقد ضيّقوا على ابن الزبير، فبلغ ابن الزبير موت يزيد، فصاح:
« إنّ طاغيتكم قد هلك، فمن شاء منكم أن يدخل في ما دخل فيه الناس فليفعل، ومن كره فليلحق بالشام. »
فلم يسمع الناس منه.
فدعا ابن الزبير الحصين بن نمير، وقال: « ادن مني! »
فخرج أحدهما إلى الآخر، فطاوله الحديث، إلى أن دعى الذي أخبر ابن الزبير بالخبر، وكان ديّنا فاضلا، وبينه وبين الحصين صهر، فلما سمع الحصين كلامه، عرف صحة الخبر، فقال لابن الزبير: « إن يك هذا الرجل هلك، فأنت أحقّ من أرى بهذا الأمر، هلمّ فلنبايعك، على أن تخرج معي إلى الشام، فإنّ هذا الجند الذي معي، هم وجوه الناس، وفرسانهم، فو الله، لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك، والتي كانت بيننا وبين أهل الحرّة. » فأبى ابن الزبير أن يخرج إلى الشام، وكان ذلك من جدّ مروان وإقباله، وإدبار ابن الزبير.
وكان من ردّ ابن الزبير على الحصين أن قال: « أنا أهدر تلك الدماء، حتى أقتل بكل رجل عشرة. » فأخذ الحصين يكلّمه سرّا، وهو يجيبه جهرا.
فقال الحصين بن نمير: « قبّح الله من يعدّك بعد هذا داهيا، أو أريبا. قد كنت أظنّ أنّ لك رأيا، ألا، أرانى أكلّمك سرّا وتكلّمنى جهرا، وأدعوك إلى الخلافة، وتوعدني بالقتل، وأبذل لك طاعة في من معي، وتهدّدهم بالهلاك. » ثم خرج من عنده، وصاح في الناس بالرحيل، وخرج إلى المدينة. وقدم ابن الزبير، فأرسل إليه: « أما خروجي إلى الشام، فلا يمكن، فإني أتبرّك بالبيت، ولكن بايعوا لي هناك، فإني بعد ذلك أو منكم، وأقدم عليكم. » فردّ عليه الحصين، وقال: « إن أنت لم تقدم بنفسك، وجدنا من نبايعه هناك. » وأقبل بأصحابه نحو المدينة. فاستقبله عليّ بن الحسين بن عليّ، ، فسلّم عليه، ولم يكد يلتفت إليه أحد، واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشام، وذلّوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلّا أخذ بلجام دابّته، ونكّس عنها. فكانوا يجتمعون في عسكرهم، ولا يتفرّقون.
فاجتمعت إليهم بنو أميّة، وقالوا: « لا نبرح حتى تحملونا. » ففعلوا. فخرج بنو أميّة بنسائهم وعيالاتهم، ومضى ذلك الجيش، حتى دخل الشام.
ولم يلبث معاوية بن يزيد إلّا ثلاثة أشهر، حتى مات. ويقال: بل مكث أربعين يوما، وكان أقرّ عمّال أبيه.
خطبة ابن زياد بالبصرة بعد انتهاء موت يزيد بن معاوية إليها
وبلغ موت يزيد بن معاوية عبيد الله بن زياد بالبصرة، فصعد المنبر، وخطب الناس، وقال:
« يا أهل البصرة! قد علمتم قيامي بأمركم، وجبايتى الأموال، وتفرقتها، وانسبوني، فو الله، تجدوني مهاجرا إليكم، ووالدي ومولدي فيكم ودارى. ولقد ووليتكم، وما أحصى ديوان مقاتلتكم إلّا سبعين ألفا، ولقد أحصى اليوم ثمانين ألفا، وما كان ديوان عيالكم إلّا سبعين ألفا، وقد أحصى اليوم مائة ألف وأربعين ألفا، وما تركت لكم ذا ظنّة أخافه عليكم، إلّا وهو في سجنكم. وقد توفّى أمير المؤمنين يزيد، واختلف أهل الشام، وأنتم اليوم أكثر الناس عددا، وأوسعهم بلادا. فاختاروا رجلا ترضونه [ و ] تجتمعون عليه، إلى أن يجتمع أهل الشام، فإن اختاروا من ترضونه دخلتم في ما دخلوا فيه، وإن كرهتم ذلك، كنتم على جديلتكم، فما بكم إلى أحد من أهل البلدان حاجة، وما يستغنى الناس عنكم. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر طمع عبيد الله في الخلافة وما احتال فيه
وكان عبيد الله قد أنفذ بالليل إلى شقيق بن ثور، ومالك بن مسمع وحصين بن المنذر، وفرّق فيهم مالا كثيرا. فلما خطبهم هذه الخطبة، قام هؤلاء، وهم رؤساء الناس، فقالوا: « ما لنا غيرك، ولا نعرف أحدا هو أقوى على هذا الأمر منك. » وبايعه هؤلاء، وبايعه الناس. فجعل الرجل إذا خرج من عنده، مسح يده على الحائط ويقول: « أظنّ ابن مرجانة أنّا نولّيه أمرنا في الفرقة، كما تولّاه إلى اليوم؟ »
فلم تمض بعبيد الله أيّام حتى جعل سلطانه يضعف. فكان يأمر بالأمر، فلا يمتثل، ويرتأى الرأي، فلا يقبل ويردّ عليه، ويأمر بحبس الظنين، فيحال بين أعوانه وبينه. فبينا هو كذلك، إذ ظهر رجل بالبصرة، يدعو إلى ابن الزبير، وكثر الناس معه. فبلغ ذلك عبيد الله، وأراد أخذه، فامتنع عليه، وكثف جمعه، وقعد الناس عن عبيد الله، وقال في خطبته:
« يا أهل البصرة، قد عرفتم بيعتي في أعناقكم، وحرصي على ضبط أموركم، وقد تقاعد عني من يريد فرقتكم، وأن يضرب بعضكم وجوه بعض آخر بالسيف. وو الله يا أهل البصرة، لقد لبسنا الخزّ واليمنة واللّيّن من الثياب، حتى لقد أجمته جلودنا، فما نبالى أن نلبس الحديد أيّاما. »
فما لبث أن رمى بجماع الناس، فقال لهم:
« أيّها الناس، إنّ هذا المال فيكم، فخذوا أعطياتكم، وأرزاق ذراريّكم. » وأمر الكتّاب بتحصيل الناس، وتخريج الأسماء، واستعجلهم حتى وكّل بهم من يحبسهم في ديوان، وأسرج لهم الشموع، فكانوا يأخذون المال، ويتقاعدون عنه، فكفّ عن إخراج المال، وكان في بيت مال البصرة يومئذ ألف ألف درهم، فنقل ما بقي منها إلى من أودعها عنده.
ودعا عبيد الله محاربة السلطان وأرادهم على القتال. فقال له أخوه عبد الله بن زياد: « قد علمت أنّ الحرب دول، فلعلّها تدول عليك، وقد اتخذنا أموالا بين أظهر هؤلاء القوم، فإن ظفروا بك أهلكونا، ثم أهلكوها، فلم تبق لك باقية. »
وقال له: « والله لئن قاتلت القوم لأعتمدنّ على ظبة سيفي حتى يخرج من صلبي. » فلما رأى عبيد الله ذلك، همّ بالهرب، فاحتال بالليل حتى فرّ مستخفيا إلى مسعود بن عمرو، وكان سيّد الأزد، حتى حصل في داره.
ذكر حيلته في ذلك
وجّه عبيد الله إلى الحارث بن قيس الأزدي، وذكّره بيد له عنده، وسأله أن يحمله إلى منزله، ويكتم أمره، حتى يجتمع الناس.
فقال له الحارث: « إنّ مسعود بن عمرو سيّد الأزد، وإن طلبك عندي لم أقدر على الامتناع منه، ولكن سأحتال لك من قبل امرأته، فإنّها بنت عمّه. »
فقال له ابن زياد: « فخذ معك مالا تطمعها فيه. »
قال: « هات. »
فحمل معه مائة ألف درهم، فخرج بها الحارث حتى أتى بها امرأة مسعود، ومعه عبيد الله، وعبد الله ابنا زياد، فاستأذن عليها، فأذنت له، ودخل. ثم قال لها الحارث: « قد أتيتك بأمر تسودين به نساءك، وتظهرين به فضل قومك، وتتعجّلين الغنى في دنياك، هذه مائة ألف دينار، خذيها وضمّى عبيد الله. »
فقالت: « أخاف ألّا يرضى مسعود. »
فقال الحارث: « ألبسيه ثوبا من ثيابه، وأدخليه بيتك، وخلّي بيننا وبين مسعود. »
فقبضت المال، وفعلت، ودخل الحارث على مسعود، وأخذ يحدّثه بحديث عبيد الله، فقال: « إنّه كان يتعوّد من طارق الشرّ، وإنّك من طوارق الشرّ. »
وقام حتى دخل على ابنة عمّه، وأخذ برأسها ليضربها، فخرج عبيد الله، وقال: « والله لقد أجارتنى ابنة عمّك عليك، وهذا ثوبك عليّ، وطعامك في مذاخرى، وقد التفّ عليّ بيتك. » وشهد له الحارث. ولم يزالا به حتى سكون ورضى.
ثم ركب مسعود من ليلة، ومعه الحارث، وجماعة من قومه، فطاف في الأزد ومجالسهم، وقال: « إن ابن زياد قد فقد، ولا نأمن اضطراب الناس، وأن يلطّخوكم به. » فقد كان أبوه زياد استجاربهم ومنعوه، فأصبحوا في السلاح، فلمّا أصبح الناس، وفقدوا ابن زياد، قالوا: « أين توجّه؟ » فقالت عجوز من بنى عقيل: « أين ترونه توجّه؟ اندحس، والله، في أجمة أبيه. » فقال الناس: « صدقت. ما هو إلّا في الأزد. » ثم اجتمع الناس على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وهو الذي يلقّب ببّة، على أن يقعد لهم، حتى يجتمع أمر الناس، فتولّى الأمر.
واضطرب الناس بالبصرة، ووقعت الفتنة بين الأزد وتميم، وتأدّى إلى الحرب، فبعث مسعود مع ابن زياد مائة من الأزد حتى خرجوا به إلى الشام.
ذكر ما حفظ على ابن زياد في طريقه من الآراء
قال عبيد الله ذات ليلة: « إنّه قد ثقل عليّ ركوب الإبل، فوطّئوا لي على ذي حافر. » قال: فألقيت له قطيفة على حمار، فركبه، وإنّ رجليه لتكاد أن تخدّان في الأرض.
قال بشّار بن شريح اليشكري: فإنّه يسير ويحدّثني، إذ سكت سكتة طويلة، فقلت: والله ما سكت إلّا لشيء في نفسه. فدنوت منه، فقلت: « أنائم أنت؟ » قال: « لا. » قلت: « فما أسكتك؟ » قال: « كنت أحدّث نفسي. » قال، قلت: « أفلا أحدّثك ما كنت تحدّث به نفسك؟ » قال: « هات، فو الله ما أراك تصيب، ولا تكيس. » قلت: « تقول: ليتني لم أكن قتلت حسينا. » قال: « وما ذا؟ » قلت: « تقول: ليتني لم أكن قتلت من قتلت. » قال: « وما ذا؟ » قلت: « تقول: ليتني لم أكن بنيت البيضاء. » قال: « وما ذا؟ » قلت: « تقول: ليتني لم أكن استعملت الدهاقين على العرب. » قال: « وما ذا؟ » قلت: « تقول: ليتني كنت أسخى ممّا كنت. »
فقال لي: « والله، ما نطقت بصواب، ولا سكتّ عن خطأ:
أما الحسين، فإنّه سار إليّ يريد قتلي، فاخترت أن أقتله على أن يقتلني، وأما البيضاء، فإني اشتريتها من عبد الله بن عثمان الثقفي، فأرسل يزيد بألف ألف درهم، فأنفقتها عليها، فإن بقيت فلأهلى، وإن هلكت لم آس على ما لم أغرم عليه، وأما استعمال الدهاقين، فإنّ ابن أبي بكرة وزاذانفروخ رفعا عليّ عند معاوية، حتى ذكرا قشور الأرزّ، وبلّغا خراج العراق مائة ألف ألف يضمنانها، فخيّرنى معاوية بين الضمان والعزل، فكرهت العزل، فكنت إذا استعملت العرب كسروا الخراج، وإن أقدمت على الرجل منهم أوغرت صدور عشيرته، وإن أغرمت قومه أضررت بهم، وإن تركته ضاع لي حقّ وأنا أعرف مكانه، فوجدت الدهاقين أعرف بالجباية، وأوفى بالأمانة، وأهون على المطالبة منكم، مع أنّى قد جعلتكم أمناء عليهم، وأمّا قولك في السخاء، فما كان لي مال أجود به عليكم، ولو شئت لأخذت بعض مالكم، فخصصت به بعضكم دون بعض، فتقولون: ما أسخاه! ولكن عممتكم به، وكان عندي أنفع لكم، ولكني سأخبرك بما حدّثت به نفسي: قلت ليتني قاتلت أهل البصرة، فإنّهم بايعوني طائعين، وايم الله، إني حرصت على ذلك، ولكن إخوتى أتونى، وقالوا: إن قاتلتهم، وظهروا عليك، لم يبقّوا منّا أحدا، وإن تركتهم تغيّب الرجل منّا عند أخواله وأصهاره. فرقّ لهم قلبي. وكنت أقول: ليتني أخرجت أهل السجن، فضربت أعناقهم. وأما إذ فاتتنى هاتان الخصلتان، فليتني أقدم الشام ولم يبرموا أمرا. »
خلافة مروان بن الحكم
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
كان لا يريد الخلافة ولكن ابن زياد أطمعه فيها وقدم عبيد الله بن زياد الشام، وكان قدمها الحصين بن نمير ومن معه، وهمّ مروان بن الحكم أن يسير إلى ابن الزبير فيبايعه، واجتمع الناس على ذلك. فذهب عبيد الله حتى لقي مروان، وقال: « استحييت لك ممّا تريد، أنت كبير قريش وسيّدها تصنع ما تصنع؟ »
فقال: « ما فات شيء بعد. »
واجتمع إليه بنو أميّة ومواليهم، وتجمّع إليه أهل اليمن، وهو يقول: « ما فات شيء بعد. » كالمعتذر إليه.
المروانيون والزبيريون واحتجاجاتهم
وكان الضحّاك بن قيس بدمشق لمّا قدم عبيد الله بن زياد، وكان يهوى هوى ابن الزبير، والنعمان بن بشير بحمص يبايع لابن الزبير، وزفر بن الحارث بقنّسرين يبايع لابن الزبير.
وكان حسّان بن مالك بن بحدل الكلبي يرى الأمر لبني أمية، ويهوى هواهم، لأنّه كان خال خالد بن يزيد بن معاوية، فهو يحبّ أن يبايع له، وكان بالأردن، فجمع الناس وخطبهم، وقال: « أيها الناس، ما شهادتكم على ابن الزبير، وعلى قتلى أهل الحرّة؟ »
قالوا: « نشهد أنّ ابن الزبير منافق، وأنّ قتلى أهل الحرّة في النار. »
قال: « فما شهادتكم على يزيد بن معاوية وقتلاكم بالحرّة؟ »
قالوا: « نشهد أنّ يزيد مؤمن، وأنّ قتلانا في الجنّة. »
قال: « وأنا أشهد - لئن كان دين يزيد بن معاوية حقا يومئذ - إنّه اليوم وشيعته على حقّ، وإن كان ابن الزبير يومئذ وشيعته على باطل، إنّه اليوم وشيعته على باطل. »
قالوا: « صدقت، نحن نبايعك ونقاتل معك من خالفك على أن تجنّبنا عبد الله وخالدا ابني يزيد، فإنّهما غلامان، ونكره أن يأتينا الناس بشيخ ونأتيهم بصبيّ. »
فكتب حسّان بن مالك إلى الضحّاك بن قيس: « إنّك تبايع ابن الزبير، وقد عرفت حقوق بني أمية عليك. »
وعظم عليه الفرقة، ودعاه إلى الجماعة. وكتب جماعة بني أمية بمثل ذلك.
فأبى الضحّاك بن قيس، ومن يرى رأيه.
واجتمعت بنو أميّة ومن يرى رأيهم، فبايعوا مروان لسنّه، وذلك في المحرّم سنة خمس وستين.
وكان مروان لا يحدّث نفسه بذلك، ولا يحلم به، حتى قدم عليه عبيد الله بن زياد من البصرة، فأطمعه، واتّفق ما حكيناه من أمر حسّان، وجواب أهل الشام له.
وكان الحصين بن نمير لقي مروان، فشرط عليه شروطا أجابه مروان إليها، فكان يهوى هواه. فلقى مالك بن هبيرة الحصين بن المنذر، وقال له: « هلمّ نبايع هذا الغلام الذي نحن ولدنا أباه وهو ابن أختنا، فقد عرفت منزلتنا كانت من أبيه وهو غدا يحملنا على رقاب العرب. » يعنى خالد بن يزيد.
فقال حصين: « لا، لعمري ما تأتينا العرب بشيخ فنأتيهم بصبيّ. »
فقال مالك: « هذا، ولمّا نرد تهامة، ولمّا يبلغ الحزام الطّبيين. »
فقال الحصين: « مهلا يا با سليمان! »
فقال له مالك: « اسمع كلامي، والله لئن استخلفت مروان وآل مروان، ليحسدنّك على سوطك، وشراك نعلك، وظلّ شجرة تستظلّ بها. إنّ مروان أبو عشرة، وأخو عشرة، وعمّ عشرة، فإن بايعتموه كنتم عبيدا لهم، ولكن عليكم بابن أختكم خالد. »
فأبى الناس إلّا شيخا، فاجتمعوا على مروان، وقالوا: « مروان خليفتنا، على أن يكون الأمر بعده لخالد بن يزيد. » فلما اجتمع رأى الناس رضى حسّان بن بحدل أيضا، وتمّ الأمر لمروان، وسار إلى الضحّاك، والتقيا بمرج راهط، فاقتتلا قتالا عظيما، وقتل من أهل الشام مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها قطّ، وقتل الضحّاك.
وخرج نعمان بن بشير، لمّا بلغه مقتل الضحّاك، هاربا من حمص ليلا، ومعه امرأته وثقله، فتحيّر ليلته كلّها، وطلبه قوم، فظفر به، وحزّ رأسه، وجيء به إلى مروان.
وأطبق أهل الشام على مروان واستوسقوا له، فجاء إلى مصر، وعليها عبد الرحمن بن جحدر القرشيّ، يدعو إلى ابن الزبير، فقاتله فقتله، وآمن الناس، وبايعه أهلها، فرجع إلى دمشق.
أسماء كتاب يزيد ووزرائه
كتب ليزيد عبيد الله بن أوس الغسّانى كاتب معاوية. وكتب له على ديوان الخراج سرجون بن منصور، وهو الذي أشار عليه، لمّا بلغه مسير الحسين إلى الكوفة بأن يولّى عبيد الله بن زياد، وقد مرّ ذكره، وكتب إليه عن يزيد:
« أما بعد، فإنّ المحبوب مسبوب يوما ما، والمسبوب محبوب يوما ما، وقد انتميت إلى منصب كما قال الأوّل:
رفعت فجاوزت السحاب وفوقه ** فما لك إلّا مرقب الشمس مرقب
وقد ابتلى بالحسين زمانك بين الأزمان، وبلدك بين البلدان. وبليت به من بين العمّال، فإمّا أن تعتق، أو تعود عبدا، والسلام. » وقلّد سلمة بن حريد الأزدي من كتّاب فلسطين الخراج بمصر، وكان يكتب لعبد الله بن الزبير، يقوم بجميع أموره، إلى أن قتل. واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، وفيهم عبد الله بن صفوان بن أميّة بن خلف.
وأمّا عبيد الله بن زياد، فكتب له مهران الترجمان، وقام بأمره كلّه، ولم يزل معه إلى أن مات يزيد، فأخرجه أهل البصرة من بلادهم.
وقلّد يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان، وكان يكتب له اصطفانوس، فأقام بها، إلى أن ظهر ابن الزبير، وتوفّى يزيد. فاستخلف سلم على خراسان عبد الله بن خازم، وانصرف في سنة أربع وستين، وتباطأ في مسيره ليعلم على ما تستقرّ الأمور، فورد البصرة في سنة خمس وستين.
فدعا سلم يوما بإصطفانوس، وسلّم اثنى عشر ألف ألف دينار، وقال له:
« احتفظ به، فما فيه قيمة درهم ظلم فيه مسلم ولا معاهد. » فقال اصطفانوس بالفارسيّة:
« فمن أين هذا كلّه! » فقال:
« من هدايا العمّال وأهل الكور والدهّاقين. » وكان أهل خراسان أحبّوا سلما محبة ما أحبّوها واليا قطّ، وسمّى باسمه أيّام ولايته، أكثر من عشرين ألف مولود، ثم ثاروا به حين بلغهم موت يزيد حتى استخلف عليهم، وخرج، وهلك مروان بن الحكم بعد تسعة أشهر من ولايته، وجعل وليّ عهده ابنه عبد الملك، وبعده سليمان، وكان سبب هلاكه أنّ الناس أشاروا عليه أن يتزوّج أمّ خالد بن يزيد ليغضّ منه، لأنّ الناس كانوا يتشوّفونه، وينتظرون بلوغه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 7 (0 من الأعضاء و 7 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)