ذكر السبب في اشتداد شوكة الخوارج وما كان من أمرهم
لما اشتغل أهل البصرة بالاختلاف الذي كان بين الأزد وربيعة وتميم، بسبب مسعود بن عمرو، وكثرت جموع نافع بن الأزرق، فأقبل حتى دنا من الجسر، فبعث إليه عبد الله بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس في أهل البصرة، فخرج إليه، فأخذ يحوزه عن البصرة ويرفعه عن أرضها، حتى بلغ مكانا من أرض الأهواز يقال له: دولاب. فتهيّأ الناس بعضهم لبعض وتزاحفوا، فجعل مسلم بن عبيس على ميمنته الحجاج بن باب الحميريّ، وعلى ميسرته حارثة بن بدر التميميّ، وجعل ابن الأزرق على ميمنته عبيدة بن هلال اليشكريّ، وعلى ميسرته الزبير بن الماحوز التميميّ، ثم التقوا، فاضطربوا، واقتتل الناس قتالا لم ير قطّ أشدّ منه، فقتل مسلم بن عبيس أمير أهل البصرة، وقتل نافع بن الأزرق رأس الخوارج، وأمّر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب، وأمّرت الأزارقة عليهم عبد الله بن الماحوز، ثم عادوا، فاقتتلوا أشدّ قتال، فقتل الحجاج بن باب أمير أهل البصرة، وقتل عبد الله بن الماحوز أمير الأزارقة. ثم إنّ أهل البصرة أمّروا عليهم ربيعة بن الأحرم التميمي، وأمّرت الأزارقة عليهم عبيد الله بن الماحوز، ثم عادوا فاقتتلوا حتى أمسوا وقد كره بعضهم بعضا وملّوا القتال. فإنّهم لمتواقفون متحاجزون إذ جاءت الخوارج سريّة لهم جامّة لم تكن شهدت القتال، فحملت على الناس، فانهزموا، وقاتل أمير البصرة ربيعة بن الأحرم، فقتل، وأخذ الراية حارثة بن بدر، فقاتل ساعة وقد ذهب عنه الناس، فقاتل من وراء الناس في حماتهم وأهل الصبر منهم. ثم أقبل بالناس حتى نزل بهم منزلا بالأهواز، وبلغ ذلك أهل البصرة، فهالهم، وراعهم، وامتنع نومهم.
وبعث بن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشيّ على تلك الحزّة، فقدم، وعزل عبد الله بن الحارث، فأقبلت الخوارج نحو البصرة ليس دونها كبير مانع.
ذكر اتفاق جيد اتفق لأهل البصرة وهم في تلك الحال
فبينا الناس على حالهم تلك من الخوف والشدّة، إذ قدم المهلّب بن أبي صفرة من قبل عبد الله بن الزبير معه عهده على خراسان.
فقال الأحنف للحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة والناس عامّة:
« أيها الناس، لا والله، ما لهذا الأمر إلّا المهلّب، فاخرجوا بنا إليه نكلّمه. » فخرج ومعه أشراف الناس، فكلّموه في أن يتولّى قتال الخوارج، فقال:
« لا أفعل. هذا عهد أمير المؤمنين معي على خراسان، ولم أكن لأدع وجهى وأقاتل دونكم. » فدعاه ابن أبي ربيعة، فكلّمه في ذلك، فقال له مثل ما قاله للقوم ولم يجبه.
ذكر رأي صحيح وحيلة تمت لأهل البصرة حتى حارب عنهم المهلب
ثم اجتمع الناس، فأداروا بينهم الرأي، فاتّفقوا مع ابن أبي ربيعة، أن يكتبوا على لسان ابن الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم « من عبد الله بن الزبير عبد الله أمير المؤمنين، إلى المهلّب بن أبي صفرة، سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو.
أما بعد، فإنّ الحارث بن عبد الله كتب إليّ يذكر الأزارقة المارقة، وأنهم أصابوا جندا للمسلمين كان عددهم جمّا، وأشرافهم كثيرا، وذكر أنهم قد أقبلوا نحو البصرة، وقد كنت وجّهتك إلى خراسان، وكتبت لك عليها عهدا، وقد رأيت حيث ذكر أمر هذه المارقة أن تخرج إليهم، وتلى قتالهم، ورجوت أن يكون ميمونا طايرك، مباركا على أهل مصرك، والأجر في ذلك أفضل من المسير إلى خراسان، فسر إليهم راشدا، فقاتل عدوّ الله وعدوّك، ودافع عن حقّك وحقوق أهل مصرك، فإنّه لن يفوتك من سلطاننا خراسان، ولا غير خراسان، إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. » فأتى المهلّب بذلك الكتاب فقرأه، فلمّا فهمه، قال:
« فإني والله لا أسير إليهم إلّا أن تجعلوا لي ما غلبت عليه، وتعطوني من بيت المال ما أتقوّى به، ومن معي، وأنتخب من فرسان الناس ووجوههم وذوي الشرف من أحببت. » فقال جميع أهل البصرة:
« ذلك لك. » قال: « فاكتبوا على الأخماس بذلك كتابا. » ففعلوا، إلّا ما كان من مالك بن مسمع، وطائفة من بكر بن وائل، فاضطغنها عليهم المهلّب.
فقال الأحنف وعبيد الله بن زياد بن ظبيان وأشراف أهل البصرة للمهلّب:
« وما عليك أن لا يكتب لك مالك بن مسمع، ولا من تابعه من أصحابه إذا أعطاك الذي أردت جميع أهل البصرة، وهل يستطيع مالك خلاف جماعة الناس، أو له ذلك؟ انكمش أيها الرجل، واعزم على أمرك، وسر إلى عدوّك. » ففعل ذلك المهلّب، وأمّر على الأخماس. فأمّر عبيد الله بن زياد بن ظبيان على خمس بكر بن وائل، وأمّر الحريش بن هلال السعدي على خمس بنى تميم.
وجاءت الخوارج حتى انتهت إلى الجسر الأصغر عليهم عبيد الله بن الماحوز، فخرج إليهم المهلّب في أشراف الناس وفرسانهم ووجوههم، فحاربهم عن الجسر ودفعهم عنه، فكان أوّل شيء دفعهم عنه البصرة، ولم يكن بقي لهم إلّا أن يدخلوها، فارتفعوا إلى الجسر الأكبر. ثم عبّى لهم، فسار في الخيل والرجال، فلما رأوا أن قد أظلّ عليهم وانتهى إليهم ارتفعوا فوق ذلك مرحلة أخرى، فلم يزل يحوزهم مرحلة بعد مرحلة، ومنزلة بعد منزلة، حتى انتهوا إلى منزل من منازل الأهواز يقال له: سلّى وسلّبرى، فأقاموا به.
ولما بلغ حارثة بن بدر الغدانى أنّ المهلّب قد أمّر على قتال الأزارقة، قال لمن اتبعه وبقي معه من الناس:
كرنبوا ودولبوا ** وحيث شئتم فاذهبوا
قد أمّر المهلّب
فأقبل من كان معه نحو البصرة، فصرفهم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة إلى المهلّب. ولما نزل المهلّب بالقوم، خندق عليه، ووضع المسالح، وأذكى العيون، وأقام الأحراس، ولم يزل الجند على مصافّهم والناس على راياتهم وأخماسهم، وأبواب الخنادق عليها رجال موكّلون بها، فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلّب وجدوا أمرا محكما وثيقا شديدا، فرجعوا ولم يقابلهم انسان قطّ كان أشدّ عليهم منه، ولا أغيظ لقلوبهم منه.
فمن ذلك أنهم بعثوا عبيدة بن هلال والزبير بن الماحوز في خيلين عظيمين ليلا إلى معسكر المهلّب، فجاء الزبير من جانبه الأيمن، وعبيدة من جانبه الأيسر، ثم كبّروا وصاحوا بالناس، فوجدوهم على تعبئتهم ومصافّهم حذرين معدّين.
فلما ذهبوا ليرجعوا، ناداهم عبيد الله بن زياد بن ظبيان، فقال:
وجدتمونا وقرا أنجادا ** لا كشفا خورا ولا أوغادا
فردّوا عليه وتشاتموا. فلما أصبح الناس أخرجهم المهلّب على تعبئتهم، وأخماسهم، ومواقفهم، وخرجت الخوارج على مثل ذلك من التعبئة، إلّا أنّهم أحسن عدّة، وأكرم خيولا، وأكثر سلاحا من أهل البصرة، وذلك أنّهم مخروا الأرض وجرّدوها، وأكلوا ما بين كرمان إلى الأهواز، فجاءوا وعليهم مغافر تضرب إلى صدورهم، وعليهم دروع يسحبونها، وسوق من زرد يشدّونها بكلاليب الحديد إلى مناطقهم، والتقى الناس، وقاتلوا كأشدّ القتال، فصبر بعضهم لبعض عامّة النهار.
ثم إنّ الخوارج شدّت على الناس أجمعها شدّة منكرة، فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لا يلوى امرؤ على ولد، حتى بلغ البصرة هزيمة الناس، وخافوا السبي، وأسرع المهلّب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب سنن المنهزمين، ثم نادى الناس:
« إليّ إليّ عباد الله! » فثاب إليه جماعة من قومه، وثاب إليه سارية بن عمان، حتى اجتمع إليه نحو من ثلاثة آلاف رجل. فلما نظر إلى من اجتمع، رضى جماعتهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
« أما بعد، فإنّ الله يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون، وينزل النصر على الجمع اليسير فيظهرون، ولعمري ما بكم الآن من قلّة، إني لجماعتكم لراض، ولأنتم والله أهل الصبر وفرسان أهل المصر، وما أحبّ أنّ أحدا ممن انهزم معكم.
لو كانوا فيكم ما زادوكم إلّا خبالا. عزمت على كلّ امرئ منكم لمّا أخذ عشرة أحجار معه، ثم امشوا بنا نحو معسكرهم، فإنهم الآن آمنون وقد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم، فو الله إني لأرجو ألّا ترجع خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم. » فقبلوا منه وفعلوا ما أمرهم به، ثم أقبل بهم زحفا، فلا والله ما شعرت الخوارج إلّا بالمهلّب يضاربهم في جانب عسكرهم. ثم استقبلوا عبيد الله بن الماحوز وأصحابه وعليهم السلاح والدروع كاملا، فيأخذ الرجل من أصحاب المهلّب يستعرض وجه الرجل بالحجارة فيرميه حتى يثخنه، ثم يطعنه برمحه، ويضاربه بسيفه، فلم يقاتلهم إلّا ساعة حتى قتل عبيد الله بن الماحوز، وضرب الله وجوه أصحابه، وأخذ المهلّب عسكر القوم وما فيه، وقتل الأزارقة قتلا ذريعا، وأقبل من كان في طلب أهل البصرة، منهم راجعا وقد وضع لهم المهلّب خيلا ورجالا في الطريق تختطفهم وتقتلهم. فانكفئوا راجعين مفلولين مغلوبين، فارتفعوا إلى كرمان وجانب أصبهان. وأقام المهلّب بالأهواز، وانصرف الخوارج على تلك الحال من الفلول وقلّة العدد حتى جاءتهم مادّة لهم من قبل البحرين، فخرجوا نحو كرمان وإصبهان، وأقام المهلّب، فلم يزل ذلك مكانه حتى جاء مصعب إلى البصرة، وعزل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عنها، وكتب المهلّب بالفتح كتابا بليغا.
احتيال المختار وهو في المحبس
وفي هذه المدة التي جرى ما حكيناه، كان المختار يحتال من محبسه ويراسل الشيعة، حتى اجتمعوا له، فراسله وجوههم مثل رفاعة بن شدّاد، والمثنى بن محرمة، وسعد بن حذيفة بن اليمان، ويزيد بن أنس، وأحمر بن شميط، وعبد الله بن شدّاد، وقالوا له:
« نحن لك بحيث يسرّك، فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك، فعلنا. » فسرّ المختار باجتماعهم له وقال:
« لا تريدوا هذا، فإني خارج في أيّامى هذه. » قال:
وكان المختار قد بعث غلاما له يدعى رزينا، إلى عبد الله بن عمر يسأله أن يشفع له، فكتب له عبد الله بن عمر كتابا لطيفا إلى عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد يقول فيه:
« قد علمتما ما بيني وبين المختار بن أبي عبيد من الصهر، فأقسمت عليكما بحقّ ما بيني وبينكما لما خلّيتما سبيله. » فلما قرءا كتابه، أرسلا إلى المختار وكفّلاه من قوم، وحلّفاه بالذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة، لا يبغيهما غائلة، ولا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان، فإن هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة ومماليكه كلّهم ذكرهم وأنثاهم أحرار. فحلف لهم بذلك.
فكان المختار بعد ذلك يقول:
« قاتلهم الله، ما أحمقهم حين يرون أنّى أفي لهم باليمين التي حلّفونيها. أمّا يميني لهم بالله، فإنّه ينبغي لي إذا حلفت على يمين، فرأيت ما هو خير منها، أن أدع ما حلفت عليه، وآتى الذي هو خير، وأكفّر عن يميني، وأمّا هذه البدنة فأهون عليّ من بصقة، وما ثمن ألف بدنة مما يهولني، وأما عتق مواليّ، فو الله، لوددت أنه قد استتبّ لي أمري ثم لم أملك مملوكا أبدا. »
ثم اختلفت الشيعة إلى المختار، ولم يزل يبايع له ويقوى أمره حتى عزل ابن الزبير عبد الله بن يزيد، وإبراهيم بن محمد، وبعث عبد الله بن مطيع على عملهما إلى الكوفة، فقدم عبد الله بن مطيع، وطلب المختار، وبعث إليه من يثق به ليأتيه به، فتمارض المختار، وألقى عليه قطيفة وجعل يتقفقف. فأقبل صاحب عبد الله بن مطيع وأخبره بعلّته، فصدّقه، ولهى عنه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
المختار يدعو الشيعة إلى محمد بن الحنفية
وبعث المختار إلى أصحابه، فأخذ يجمعهم في الدور حوله ويواطئ أصحابه على الوثوب بالكوفة في المحرّم ويدعوهم إلى المهديّ محمد بن الحنفيّة، ويزعم أنه وزيره وخليله والشيعة مجتمعة له.
فتلاقى القوم يوما، فاجتمع رؤساؤهم في منزل سعر بن أبي سعر الحنفيّ وفيهم عبد الرحمن بن شريح، وكان عظيم الشرف، وسعيد بن منقذ، والأسود بن جراد، وقدامة بن مالك الجشميّ، وقالوا:
« إنّ المختار يريد أن يخرج بنا وقد بايعناه، ولا ندري: أرسله إلينا محمد بن الحنفيّة أم لا؟ فانهضوا بنا إلى ابن الحنفيّة، فلنخبره بما قدم علينا وما دعانا إليه، فإن رخّص لنا في اتّباعه اتّبعناه، وإن نهانا عنه اجتنبناه. » فخرجوا، فلحقوا بابن الحنفيّة وإمامهم عبد الرحمن بن شريح.
قال الأسود بن جراد: فقلنا لابن الحنفيّة: « إنّ لنا إليك حاجة. » قال: « أفسرّ هي، أم علانية؟ » فقلنا: « لا، بل هي سرّ. »
قال: « فرويدا إذا. » فمكث قليلا، ثم تنحّى عن مجلسه، وانفرد. فدعانا، فقمنا إليه، فبدأ عبد الرحمن بن شريح، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
كلام ابن شريح لابن الحنفية
« أما بعد، فإنكم أهل بيت خصّكم الله بالفضيلة، وشرّفكم بالنبوّة، وعظّم حقّكم على هذه الأمّة، فلا يجهل حقّكم إلّا مغبون الرأي، مبخوس النصيب، وقد أصبتم بالحسين - رحمة الله عليه - فخصّتكم مصيبته وقد عمّت المسلمين. وقدم علينا المختار يزعم أنه قد جاءنا من تلقائكم، ودعانا إلى كتاب الله وسنّة نبيه، وإلى الطلب بدماء أهل البيت، والدفع عن الضعفاء، فبايعناه على ذلك، ثم رأينا أن نأتيك فنذكر لك ما دعانا إليه، فإن أمرتنا باتّباعه اتّبعناه، وإن نهيتنا عنه اجتنبناه. » ثم تكلّمنا واحدا واحدا وهو يستمع، حتى إذا فرغ من الاستماع وفرغنا من الكلام، حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي محمّد ثم قال:
جواب ابن الحنفية
« أما بعد، فإنكم ذكرتم ما خصّنا الله به من فضله، وإنّ الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فله الحمد. أما ما ذكرتم من مصيبتنا بالحسين، فإنّ ذلك كان في الذكر الحكيم، وهي ملحمة كتبت عليه، وكرامة أهداها الله له، رفع الله بما كان منها درجات قوم عنده، ووضع بها آخرين، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وأما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم إلى الطلب بدمائنا، فو الله، لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدوّنا بمن شاء من خلقه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. » قال: فخرجنا من عنده ونحن نقول: قد أذن لنا، ولو كره لقال: لا تفعلوا! قال: فجئنا وقوم من الشيعة ينتظرون مقدمنا ممن كنّا أعلمناه مخرجنا وأطلعناه على ذات أنفسنا ممن كان على رأينا من إخواننا، وقد كان بلغ المختار مخرجنا، فشقّ ذلك عليه، وخشي أن نأتيه بأمر يخذّل الشيعة عنه، وكان قد أرادهم على أن ينهض بهم قبل مقدمنا فلم يتهيّأ له ذلك. فلم يكن إلّا شهرا وزيادة شيء حتى أقبل القوم على رواحلهم، ودخلوا على المختار قبل دخولهم إلى رحالهم، فقال لهم:
« ما وراءكم؟ قد فتنتم وارتبتم؟ » فقالوا له:
« قد أمرنا بنصرتك. » فقال:
« الله أكبر، أنا أبو إسحاق، اجمعوا لي الشيعة. » فجمع له منهم من كان قريبا، فقال:
« يا معشر الشيعة، إنّ نفرا منكم أحبّوا أن يعلموا مصداق ما جئت به، فرحلوا إلى إمام الهدى، والنجيب المرتضى، وابن خير من مشى، حاشى النبي المصطفى، فسألوه عمّا قدمت له عليكم، فنبّأهم أنّى وزيره وظهيره ورسوله وخليله، وأمركم باتّباعى وطاعتي. » فقام عبد الرحمن بن شريح فقال:
« يا معشر الشيعة، إنّا كنّا أحببنا أن نستثبت لأنفسنا خاصّة، ولجميع إخواننا عامّة، فقدمنا على المهديّ بن عليّ، فسألناه عن حربنا، وعمّا دعانا إليه المختار منها، فأمرنا بمظاهرته ومؤازرته، فأقبلنا طيّبة أنفسنا، منشرحة صدورنا، قد أذهب الله منها الشكّ والغلّ والريب، واستقامت لنا بصيرتنا في قتال عدوّنا، فليبلغ هذا شاهدكم غائبكم، واستعدّوا، وتأهّبوا. » ثم جلس وقمنا رجلا رجلا، فتكلّمنا بنحو من كلامه، فاستجمعت له الشيعة، وحدبت عليه.
ذكر رأي سديد أشير به على المختار وما كان من تأتى المختار له حتى تم له كما أحب
قال عامر الشعبي: كنت أنا وأبي أوّل من أجاب المختار، فلمّا تهيّأ أمره ودنا خروجه. قال له أحمر بن شميط، ويزيد بن أنس، وعبد الله بن شدّاد:
« إنّ أشراف أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع، ونحن نضعف عنهم، فلو جاء مع أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا بإذن الله، القوّة على عدوّنا، فإنّه فتى بئيس وابن رجل شريف بعيد الصوت، وله عشيرة ذات عزّ وعدد. »
فقال لهم المختار:
« فالقوه وادعوه وأعلموه ما أمرنا من الطلب بدم الحسين. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
المختار يرسل إلى ابن الأشتر ويدعوه
قال الشعبي: فخرجوا إليه وأنا [ فيهم وأبي وتكلّم ] يزيد بن أنس، فقال له:
« إنّا قد أتيناك في أمر نعرضه عليك وندعوك إليه، فإن قبلته كان خيرا لك، وإن تركته فقد أدّينا إليك النصيحة، ويجب أن تكون عندك مستورا. » فقال له إبراهيم بن الأشتر:
« مثلي لا تخاف غائلته وسعايته، ولا التقرّب إلى السلطان باغتياب الناس، وإنّما أولئك، الصغار الأخطار الدقاق همما. » فقالوا له:
« إنّا ندعوك إلى أمر قد أجمع رأى الملأ من الشيعة، كتاب الله، وسنّة نبيه، والطلب بدماء أهل البيت، والدفع عن الضعفاء. » وتكلّم أحمر بن شميط فقال له:
« إني ناصح ولحظّك محبّ، وإنّ أباك قد هلك وهو سيد الناس، وفيك منه خلف إن رعيت حقّ الله وقد دعوناك إلى أمر إن أجبتنا إليه عادت لك منزلة أبيك في الناس، وأحييت أمرا قد مات. إنّما يكفى مثلك اليسير حتى يبلغ الغاية التي لا مذهب وراءها. » ثم أقبل عليه القوم يدعونه ويرغّبونه.
فقال لهم إبراهيم:
« فإني أجيبكم إلى الطلب بدم الحسين وأهل بيته على أن تولّونى الأمر. » فقالوا:
« أنت لذلك أهل [ ولكن ] ليس إلى ذلك سبيل. هذا المختار قد جاءنا من قبل المهديّ، وهو الرسول والمأمور بالقتال، وقد أمرنا بطاعته. » فسكت عنهم ابن الأشتر ولم يجبهم، وانصرفنا من عنده إلى المختار وأخبرناه، فغبر ثلاثا.
ثم إنّ المختار دعا بضعة عشر رجلا من وجوه أصحابه - قال الشعبي - وأنا وأبي فيهم، فسار بنا، ومضى أمامنا يقدّ بنا بيوت الكوفة قدّا لا ندري أين يريد، حتى وقف بنا على باب إبراهيم بن الأشتر، فاستأذنّا عليه، فأذن لنا، وألقيت لنا وسائد، فجلسنا عليها، وجلس المختار معه على فراشه.
فقال المختار بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمد :
« أما بعد، فإنّ هذا كتاب إليك من المهديّ محمد بن عليّ أمير المؤمنين الرضا، وهو اليوم خير أهل الأرض، وابن خير أهل الأرض كلّها قبل اليوم بعد الأنبياء، وهو يسألك أن تنصرنا وتؤازرنا، فإن فعلت اغتبطت، وإن لم تفعل فهذا الكتاب حجّة عليك، وسيغنى الله المهديّ محمّدا وأولياءه عنك. » قال الشعبي: وكان المختار قد دفع الكتاب إليّ حين خرج من منزله، فلمّا قضى كلامه قال لي:
« ادفع الكتاب إليه. » فدفعته إليه، فدعا بالمصباح، وفضّ خاتمه، ثم قرأ فإذا هو:
« بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد المهديّ إلى إبراهيم بن الأشتر، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو. أما بعد، فإني قد بعثت إليكم بوزيرى وأمينى ونجيبي الذي ارتضيت لنفسي المختار، وقد أمرته لقتال عدوّى والطلب بدماء أهل بيتي، فانهض معه بنفسك وعشيرتك ومن أطاعك، فإن نصرتني وأجبت دعوتي وساعدت وزيرى كانت لك به فضيلة عندي، ولك بذلك أعنّة الخيل، وكلّ جيش غاز، وكل مصر ومنبر وثغر ظهرت عليه في ما بين الكوفة وأقصى بلاد الشام، عليّ بالوفاء به، عهد الله وميثاقه، فإن فعلت نلت به عند الله أفضل الكرامة، وإن أبيت هلكت هلاكا لا تستقيله. والسلام. » فلما قرأ إبراهيم الكتاب، قال:
« قد كتب إليّ محمد بن الحنفيّة وكتبت إليه قبل اليوم، فما كان يكتب إليّ إلّا باسمه واسم أبيه. » قال له المختار:
« إنّ ذلك زمان وهذا زمان. » قال إبراهيم:
« فمن يعلم أنّ هذا كتاب محمّد بن الحنفيّة إليّ؟ » فقال له يزيد بن أنس وأحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وجماعة. » « نشهد كلّنا أنّ هذا كتاب محمّد بن الحنفيّة. »
إبراهيم بن الأشتر يبايع المختار
قال الشعبي: فشهدوا كلّهم إلّا أنا وأبي. قال: فتأخّر عند ذلك إبراهيم عن صدر الفراش، وأجلس المختار عليه، وقال:
« أبسط يدك أبايعك. » فبسط المختار يده، فبايعه. قال الشعبي: ثم دعا لنا بفاكهة، فأصبنا منها، ودعا لنا بشراب من عسل، فشربنا، ثم نهضنا وخرج معنا ابن الأشتر، فركب المختار، وركب معه حتى دخل رحله.
فلما رجع إبراهيم منصرفا أخذ بيدي، فقال لي:
« انصرف بنا يا شعبيّ. » قال: فانصرفت معه، ومضى بي حتى دخل رحله، وقال:
« يا شعبيّ، إني قد حفظت أنّك لم تشهد أنت ولا أبوك. أفترى هؤلاء شهدوا على غير حقّ؟ » قال، فقلت:
« قد شهدوا على ما رأيت، وهم سادة القرّاء، ومشيخة المصر، وفرسان العرب، ولا أرى مثل هؤلاء يقولون إلّا حقّا. » قال:
فو الله، لقد قلت هذه المقالة وأنا لهم متّهم على شهادتهم، غير أنّى يعجبني الخروج وأنا أرى رأى القوم، وأحبّ تمام ذلك الأمر، فلم أطلعه على ما في نفسي من ذلك. فقال لي إبراهيم بن الأشتر:
« اكتب لي أسماءهم، فإني ليس كلّهم أعرف. » ودعا بصحيفة، ودواة، فكتب فيها:
« بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه السائب بن مالك الأشعري، وزيد بن أنس الأسدى، وأحمر بن شميط الأحمسيّ، ومالك بن عوف النهديّ.. (حتى أتى على أسماء القوم، ثم كتب: )
شهدوا أنّ محمد بن عليّ كتب إلى إبراهيم بن الأشتر يأمره بمؤازرة المختار ومظاهرته على قتال المحلّين، والطلب بدماء أهل البيت، وشهد على هؤلاء النفر الذين شهدوا بهذه الشهادة شراحيل بن عبد الله، وهو أبو عامر الشعبيّ الفقيه، وعبد الرحمن بن عبد الله محمد النخعيّ، وعامر بن شراحيل الشعبي. » فقلت:
« ما تصنع بذلك رحمك الله. » فقال:
« دعه يكون. » قال: ودعا إبراهيم عشيرته وإخوانه ومن أطاعه، وأقبل يختلف إلى المختار.
خروج المختار
قال هشام، قال أبو مخنف:
فكان إبراهيم يروح كلّ عشيّة عند المساء إلى المختار، فيمكث عنده حتى تصوّب النجوم، ثم ينصرف. فمكثوا بذلك يدبّرون أمرهم، حتى اجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة ستّ وستين، ووطّن على ذلك شيعتهم ومن أجابهم.
فلما كان عند غروب الشمس، قام إبراهيم بن الأشتر، فأذّن، ثم استقدم، فصلّى بنا المغرب، ثم خرج بنا بعد المغرب حين قلت: أخوك أو الذئب، وهو يريد المختار، فأقبلنا علينا السلاح.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ما كان من قبل عبد الله بن مطيع
وقد كان أتى إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع، فقال له:
« إنّ المختار خارج إحدى الليلتين. » فخرج إياس في الشرطة، وكان إياس أشار على ابن مطيع، فقال له:
« قد بعثت ابني إلى الكناسة، فابعث في كلّ جبّانة عظيمة بالكوفة رجلا من أصحابك في جماعة من أهل الطاعة ليهاب المريب الخروج عليك. » فبعث ابن مطيع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس إلى جبّانة السبيع، وقال:
« اكفنى قومك، ولا أوتينّ من قبلك. » وبعث بجماعة يجرون مجراه إلى الجبابين ووصّاهم أن يكفيه كلّ رجل قومه، وأن يحكم الوجه الذي وجّهه فيه، وبعث شبث بن ربعي إلى السبخة، وقال:
« إذا سمعت صوت القوم توجّه نحوهم. » فكان هؤلاء قد خرجوا يوم الاثنين، فنزلوا الجبابين، وخرج إبراهيم بن الأشتر من رحله بعد المغرب يريد إتيان المختار وقد بلغه أنّ الجبابين قد حشيت رجالا وأنّ الشرط قد أحاطت بالسوق والقصر.
فقال حميد بن مسلم - وكان صديقا لإبراهيم بن الأشتر يصير كلّ ليلة إلى المختار:
خرجت مع إبراهيم من منزله بعد المغرب ليلة الثلاثاء حتى مررنا بدار عمرو بن حريث ونحن مع ابن الأشتر كتيبة نحو مائة، علينا الدروع قد كفّرنا عليها بالأقبية ونحن متقلّدو السيوف ليس معنا سلاح غيره، فقلت لإبراهيم:
« خذ بنا في الأزقّة وتجنّب السوق. »
وأنا أرى أنه يأخذ على ناحية بجيلة ويخرج إلى دار المختار، فلا يلقانا من نكترث له.
وكان إبراهيم فتى حدثا شجاعا فكان لا يكره أن يلقاهم، فقال:
« والله، لآمرّنّ على دار عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط السيوف، فلأرعبنّ عدوّنا ولأرينّهم هوانهم علينا. » قال: فأخذنا على باب الفيل، ثم على دار عمرو بن حريث حتى إذا جاوزناها لقينا إياس بن مضارب في الشرطة مظهرين السلاح، فقال لنا:
« من أنتم؟ » فقال:
« إبراهيم بن الأشتر. » فقال له ابن مضارب:
« ما هذا الجمع الذي معك، وما تريد؟ والله إنّ أمرك لمريب، ولقد بلغني أنك تمرّ كلّ عشيّة هاهنا، وما أنا بتاركك حتى آتى بك الأمير، فيرى فيك رأيه. » فقال إبراهيم:
« لا أبا لغيرك، خلّ سبيلنا. » قال:
« كلّا والله، لا أفعل. » ومع إياس رجل من همدان يقال له: أبو قطن كان يصحب أمراء الشرطة، فهم يكرمونه ويؤثرونه - وكان صديقا لابن الأشتر، فقال ابن الأشتر:
« يا با قطن، أدن مني. » ومع أبي قطن رمح طويل، فدنا أبو قطن منه ومعه الرمح وهو يرى أنّ ابن الأشتر يطلب إليه أن يشفع له إلى ابن مضارب، ليخلّى سبيله. فقال إبراهيم، وتناول الرمح من يده:
« إنّ رمحك هذا لطويل. » ثم حمل به إبراهيم بن الأشتر على ابن مضارب، فطعنه في ثغرة نحره، فصرعه، وقال لرجل من قومه:
« انزل، فاحتزّ رأسه. » فنزل إليه، فاحتزّ رأسه، وتفرّق أصحابه، ورجعوا إلى ابن مطيع. فبعث ابن مطيع ابنه راشدا مكان أبيه على الشرط، وبعث مكان راشد بن إياس سويد بن عبد الرحمن المنقريّ تلك الليلة، وأقبل إبراهيم الأشتر إلى المختار ليلة الثلاثاء، فدخل عليه، فقال له إبراهيم:
« إنّا اتّعدنا للخروج ليلة الخميس وقد حدث أمر لا بدّ من الخروج الليلة. » قال المختار:
« وما هو؟ » قال:
« عرض لي إياس بن مضارب في الطريق ليحبسنى بزعمه، فقتلته وهذا رأسه مع أصحابي على الباب. » فقال المختار:
« فبشّرك الله بخير، فهذا طائر صالح، وهو أوّل الفتح، إن شاء الله. » ثم قال المختار:
« قم يا سعيد بن منقذ، فأشعل النار في الهراديّ، ثم ارفعها للمسلمين، وقم يا عبد الله بن شدّاد، فناد: يا منصور أمت، وقم أنت يا قدامة بن مالك، فناد: يا لثارات الحسين. »
ثم استدعى المختار درعه وسلاحه، فأتى به، فلبسه.
فقال إبراهيم للمختار:
« إنّ هؤلاء الرؤوس الذين وضعهم ابن مطيع في الجبابين، يمنعون إخواننا أن يأتونا ويضيّقون عليهم، فلو أنّى خرجت بمن معي حتى آتى قومي فيأتينى كلّ من بايعنى منهم، ثم سرت بهم في نواحي الكوفة، ودعوت بشعارنا، فخرج إليّ من أراد الخروج إلينا، ومن قدر على إتيانك من الناس، فمن أتاك من الناس حبسته عندك إلى من معك، ولم تفرّقهم، فإن عوجلت وأتيت، كان معك من تمنع به، وأنا لو قد فرغت من هذا الأمر عجلت إليك في الخيل والرجال. » قال له:
« فاعجل، وإياك أن تسير إلى أميرهم تقاتله، ولا تقاتل أحدا وأنت تستطيع ألّا تقاتل، واحفظ ما وصّيتك به، إلّا أن يبدأك أحد بقتال. » فخرج إبراهيم بن الأشتر من عنده في الكتيبة التي أقبل فيها حتى أتى قومه، فاجتمع إليه جلّ من كان بايعه وأجابه. ثم إنّه سار بهم في سكك الكوفة طويلا وهو يتجنّب السكك التي فيها الأمراء حتى انتهى إلى مسجد السّكون. فعجلت إليه خيل لزحر بن قيس، فشدّ عليهم إبراهيم وأصحابه، فكشفوهم حتى انتهوا إلى زحر بن قيس، فانصرف عنهم وركب بعضهم بعضا كلّما لقيهم زقاق دخل فيه منهم طائفة، فانصرفوا يسيرون، ثم خرج إبراهيم يسير حتى انتهى إلى جبّانة أثير، فوقف فيها طويلا ونادى أصحابه بشعارهم. فبلغ سويد بن عبد الرحمن المنقري مكانهم في جبانة أثير، فرجا أن يصيبهم فيحظى بذلك عند ابن مطيع، فلم يشعر ابن الأشتر إلّا وهم معه في الجبّانة.
فلما رأى ذلك ابن الأشتر قال لأصحابه:
« يا شرطة الله انزلوا إلى هؤلاء الفسّاق الذين خاضوا في دماء أهل بيت رسول الله . » فنزلوا، ثم شدّ عليهم إبراهيم فضربهم حتى أخرجهم إلى الصحراء، وولّوا منهزمين يركب بعضهم بعضا وهم يتلاومون، فيقول قائل منهم:
« إنّ هذا لأمر يراد، ما يلقون لنا جماعة إلّا هزمونا. » ولم يزل إبراهيم يهزمهم حتى أدخلهم الكناسة.
وقال أصحاب إبراهيم لإبراهيم:
« اتّبعهم واغتنم ما قد دخلهم من الرعب، فقد علم الله إلى من تدعو وما تطلب، وإلى ما يدعون وما يطلبون. » قال:
« لا، ولكن سيروا بنا إلى صاحبنا حتى يؤمن الله بنا وحشته ويكون من أمره على علم، ويعرف هو أيضا ما كان من غنائنا فيزداد هو وأصحابه قوّة وبصيرة إلى قواهم وبصائرهم، مع أنّى لا آمن أن يكون قد أتى. » فأقبل إبراهيم في أصحابه، فلما أتى دار المختار وجد الأصوات عالية والقوم يقتتلون وقد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة، فعبّى له المختار والناس يقتتلون، وجاء إبراهيم من قبل القصر، فبلغ حجّارا وأصحابه أنّ إبراهيم قد جاءهم من ورائهم. فتفرّقوا قبل أن يأتيهم إبراهيم وذهبوا في الأزقّة والسكك، وحملت طائفة من أصحاب المختار على شبث بن ربعيّ وهو يقاتل يزيد بن أنس، فخلّى لهم الطريق حتى اجتمعوا جميعا. ثم اضطرّ شبث إلى أن ترك لهم السكة.
وأقبل شبث حتى أتى ابن مطيع، فقال له:
« ابعث إلى أمراء الجبابين ليأتوك، فاجمع إليك جميع الناس، ثم انهد إلى هؤلاء القوم فقاتلهم، وابعث إليهم من تثق به فليكفك قتالهم، فإنّ أمر القوم قد قوى وقد ظهر المختار، واجتمع له أمره. » وبلغ ذلك المختار من مشورة شبث على ابن مطيع، فخرج في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة، وخرج أبو عثمان النهدي، فنادى في شاكر وهم مجتمعون في دورهم يخافون أن يظهروا في الميدان لقرب كعب بن أبي كعب منهم. وكان كعب هذا قد أخذ عليهم بأفواه السكك حين بلغه أنهم يخرجون، وسدّ طرقهم. فلما أتاهم أبو عثمان النهدي في عصابة من أصحابه، نادى:
« يا لثارات الحسين، يا منصور أمت، يا أيها الحيّ المهتدون، ألا إنّ أمين آل محمد قد خرج، فنزل دير هند، وبعثني داعيا ومبشّرا، فاخرجوا إليه، رحمكم الله. » فخرج القوم من الدور يتداعون:
« يا لثارات الحسين. » ثم ضاربوا كعب بن أبي كعب حتى خلّى لهم الطريق، فأقبلوا إلى المختار حتى نزلوا معه في عسكره، وخرج عبد الله بن قراد في جماعة من خثعم نحو المائتين، حتى لحق بالمختار، ونزلوا معه في عسكره وقد كان عرض لهم كعب بن أبي كعب، فلما عرفهم ورأى أنهم قومه خلّى عنهم ولم يقاتلهم، وخرجت شبام إليهم فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من جملة اثنى عشر ألفا كانوا بايعوه، فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر، فأصبح وقد فرغ من تعبئته.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)