صفحة 15 من 120 الأولىالأولى ... 513141516172565115 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 57 إلى 60 من 477

الموضوع: رغـد : أنـت لــي (كتـير حلـوة)


  1. #57

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1403
    Array



    الحلقةالثانيةعشرة
    *********








    لقد قضيت اليوم بكامله في المطبخ !
    فبعد وجبة الغذاء العظيمة التي أعددناها صباحا ، الآن نعد وجبة عشاء من أجل وليد و صديقه الذي سيتناول العشاء في منزلنا .
    إنني أشعر بالتعب و أريد أن أنام ! لكن دانة لي بالمرصاد ، و كلما استرخيت قليلا طاردتني بقول :

    " أسرعي يا رغد ! الوقت يداهمنا ! "

    كان سامر يساعدنا و لكنه خرج قبل لحظة ، و الآن أستطيع أن أتحدث عن وليد دون حرج !!

    " أخبريني يا دانة ، ما هو التخصص الذي درسه وليد ؟؟ "

    دانة منهمكة في صف الفطائر في الصينية قبل أن تزج بها داخل الفرن ...

    قالت :

    " أعتقد الإدارة و الاقتصاد ! "

    صمت قليلا ثم قلت :

    " و أي غرفة سنعد له ؟ أظنها غرفة الضيوف ! فالبيت صغير ... ألا توافقينني ؟ "

    قالت :

    " بلى "

    انتظرت بضع ثوان ثم عدت أسأل :

    " ألا يبدو أنه قد نحل كثيرا ؟ ألم يكن أضخم في السابق ؟ "

    قالت :

    " بلى ... كثيرا جدا ! لابد أنه لم يكن يأكل جيدا هناك "

    قلت :

    " أ رأيت كيف التهم البطاطا التي أعددها كلها ؟ لابد أنها أعجبته ! "

    التفتت دانة إلي ببطء و قالت :

    " و كذلك أكل السلطة التي أعددتها ، و الحساء الذي أعدته أمي ، و الدجاج و الرز و العصير و كل شيء ! بربك ! هل تعتقدين أن طبقك المقلي هذا هو طبق مميز ! "

    قلت مستاءة :

    " أنت دائما هكذا ! لا يعجبك شيء أصنعه أنا "

    انصرفت دانة عني لتضع صينية الفطائر داخل الفرن ، و ما أن فرغت حتى بادرتها بالسؤال :

    " ألا يبدو أقرب شبها من أبي ؟ فأنت و سامر تشبهان أمي ! "

    قالت :

    " لا أعرف ! "

    ثم التفتت إلي و قالت :

    " و أنت ِ !؟ من تشبهين ؟؟ "

    صمت قليلا ، ثم قلت :

    " ربما أمي المتوفاة ! "

    لكنها قالت :

    " لا ! تشبهين بل شخصا آخر ! "

    سألت باهتمام :

    " من ؟؟ "

    ابتسمت بخبث و قالت :

    " الببغاء ! فأنت ثرثارة جدا ! "

    رميت بقطعة من العجين ناحيتها فأصابت أنفها ، فأطلقتُ ضحكة كبيرة !
    أما هي فقد اشتعلت غضبا و أقبلت نحوي متأبطة شرا !
    تركت كرة العجين التي كنت ألتها من يدي و ذهبت أركض مبتعدة و هي تلاحقني حتى اقتربت من الباب و كدت أفتحه

    " انتظري ! وليد بالخارج "

    أوقفت يدي قبل أن تدير المقبض و التفت إليها و قلت :

    " صحيح ؟؟ "

    قالت :

    " نعم فهو من طرق الباب قبل لحظة ، دعيني أستوثق من انصرافه أولا "

    تنحيت جانبا ، منتظرة منها أن تفتح الباب ، فأقبلت نحوي و على حين غرة ، و بشكل مفاجئ ، ألصقت قطعة العجين على أنفي و ضحكت بقوة و ركضت مبتعدة قبل أن أتمكن من الفرار منها !
    أنا فتحت الباب بسرعة لأهرب لكن بعد فوات الأوان !
    و تخيلوا من لمحت في الثانية التي فتحت الباب فيها ثم أغلقته بسرعة ؟؟
    لقد كان وليد !
    كم شعرت بالإحراج و الخجل و ابتعدت عن الباب في اضطراب
    لا بد أنه رآني هكذا ... و قطعة العجين ملتصقة بأنفي ! أوه يا للموقف المخجل !
    نزعت العجين و رميت به نحو دانة و أنا أقول :

    " لماذا تقولي لي أن وليد خلف الباب ؟؟ "

    رفعت دانة حاجبيها و قالت :

    " بلى قلت لك ! "

    " ظننتك تمزحين للإيقاع بي ! لقد رآني هكذا ! "

    دانة ابتسمت ابتسامة صغيرة ، ثم قالت :

    " أنت و وليد مشكلة الآن ! يجب ألا تغادري غرفتك بعد اليوم ! "

    قلت :

    " شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! "

    في هذه اللحظة فتح الباب فدخل سامر ...

    نظر مباشرة إلي و قال :

    " ذهب إلى غرفة الضيوف ، إن كنت تودين الخروج "

    نظرت إلى دانة ثم إلى سامر ، و الحمرة تعلو خدّيّ و قلت بمكر :

    " نعم سأذهب ! "

    و انطلقت مسرعة نحو غرفتي ...

    غير آبهة بنداءات دانة المتكررة !
    بعد أن غسلت وجهي و يدي في الحمام المشترك بين غرفتي و غرفة دانة توجهت نحو سريري و استلقيت باسترخاء
    كم كنت متعبة !
    إنني لم أنم البارحة كما ينبغي و عملت كثيرا في المطبخ
    و للعلم ، فإن العمل في المطبخ ليس أحد هواياتي ، فأنا لا أهوى غير الرسم ، لكنني أردت المساعدة ...
    تقلبت على سريري يمينا و يسارا و أنا أفكر ...
    ما الذي سيقوله وليد عني !؟
    فالفتيات البالغات لا يغطين أنوفهن بقطع العجين !
    إلا إذا كانت طريقة جديدة لترطيب البشرة و تغذيتها !
    شعرت بالدماء تصعد إلى وجهي بغزارة ... لابد أن وجهي توهج الآن ... لم لا ألقي نظرة !
    قفزت من السرير و أسرعت نحو المرآة ... و رأيت حمرة قلما أرى لها مثيلا على وجهي هذا !
    أبدو جميلة ! و لابد أنني مع بعض الألوان سأغدو لوحة رائعة !
    نزلت ببصري للأسفل و فتحت أحد الأدراج ، قاصدة استخراج علبة الماكياج بفكرة جنونية لتلوين وجهي هذه اللحظة !
    الشيء الذي وقعت عليه يدي بمجرد أن أدخلتها داخل الدرج كان جسما معدنيا باردا .. أمسكت به و أخرجته دون أن أنظر إليه ثم رفعت به نحو عيني ّ مباشرة ...
    إنها ساعة وليد ...
    نسيت فكرتي السخيفة بوضع المساحيق ، و عدت حاملة الساعة إلى سريري و استلقيت ببطء
    الآن .. الفكرة التي تراودني هي إعادة هذه الساعة لوليد ...
    لابد أنه سيفاجأ حين يراها ... و يعرف أنني ظللت محتفظة بها و أرتديها أيضا خلال السنوات الماضية !
    قمت فجأة عن سريري و ارتديت ردائي و حجابي و طرت مسرعة للخارج
    دعوني أخبركم بأنني قلما أفكر في الشيء مرتين قبل أن أقدم عليه !

    لقد أخبرني سامر أنه في غرفة الضيوف و مع ذلك مررت بغرفة سامر ، ثم غرفة المعيشة ، و بالطبع تجنبت المطبخ ، قبل أن أذهب إلى غرفة الضيوف حاملة ساعة وليد بيدي ...
    حين وصلت عند الباب ، و كان مفتوحا ، استطعت أن أرى من بالداخل ، و لم يكن هناك أحد غيره ...
    وليد كان جالسا على أحد المقاعد ، بالتحديد المقعد المجاور للمنضدة التي تحمل الهاتف و قد كان مثنيا جدعه للأمام و مسندا رأسه إلى يديه ، و مرفقيه إلى ركبتيه في وضع يشعر الناظر بأنه ... حزين
    طرقت الباب طرقا خفيفا ، ألا أنه لم يسمعه
    فأعدت الطرق بشكل أقوى و أقوى ، حتى رفع رأسه ببطء و نظر إلي ...
    و ما أن التقت أنظارنا حتى علت وجهه تعابير غريبة و مخيفة ...
    بدت عيناه حمراوين و جاحظتين و مفتوحتين لحد تكادان معه أن تخرجا من رأسه !
    و لمحت زخات العرق تقطر من جبينه العريض
    حملق وليد بي بشدة أثارت خوفي ... فرجعت خطوة للوراء ... و حالما فعلت ذلك وقف هو فجأة كمن لدغته أفعى !
    أنا ازدردت ريقي بفزع ثم حاولت النطق فجاءت كلماتي متلعثمة :

    " كنت ... أعني ... لدي شيء أود إعطائك إياه ... "

    وليد ظل واقفا في مكانه كالجبل يحدّق بي بحدّة ... ربما أزعجه أن أحضر بمفردي ... أو ربما ... ربما ...

    لم أستطع حتى إتمام أفكاري المبعثرة لأنه تقدم خطوة ، ثم خطوة ، تلو خطو باتجاهي
    لقد كنت أمسك بالساعة في يدي اليمنى ، و لا شعوريا تحركت يدي للخلف و اختبأت بالساعة خلف ظهري ...
    لا أظن أن وليد رآها و لكن ...
    حين صار أمامي مباشرة ، مد يده بسرعة و انقض على يدي اليمنى و سحبها للأمام بعنف
    ارتعدت أطرافي و جفلت !
    وليد قرّب يدي من عينه و أخذ يحدق بها بنظرات مخيفة و قاسية ، فيما يشد بقبضته عليها حتى يكاد يهشم عظامها ...

    نطق لساني بفزع و اضطراب :

    " أنا ... لم ... كنت ... سأعيدها إليك ! "

    وليد ظل قابضا على يدي بقوة ، و يحدّق في عيني بنظرات تكاد تخترق عيني و رأسي و الجدار الذي خلفي ...

    في تلك العيون الحمراء القادحة بالشرر ... رأيت قطرات الدموع تتجمع ... ثم تفيض ... ثم تنسكب ... ثم تشق طريقها على الخد العابس ... ثم تنتهي عند الفك المنقبض ...

    لقد تهت في بحر هذه العيون و غرقت في أعماقها ...

    أخذتني إلى ذكرى قديمة موجعة ... حاولت جهدي أن ألغيها من ذاكرتي ... فرأيت وليد و هو يبكي بمرارة و شدة ذلك اليوم و هو جاث ٍ فوق الرمال قرب السيارة ..
    يمد يده إلي و يقول :

    " تعالي يا رغد "

    " وليد ... "

    نطقت باسمه فإذا به يغمض عينيه بقوة و يعض على أسنانه بشدة .. و يشدد قبضته على يدي و يؤلمني ...

    بعدما فتح عينيه ، ظل يحدق في يدي قليلا ، ثم فجأة انتزع الساعة من بين أصابعي و رمى بها نحو الجدار و زمجر بقوة :

    " انصرفي "

    أنا انتفضت بذعر ... و ارتجفت جميع أطرافي ... فتحركت خطوة للوراء ... ثم انطلقت بأقصى ما أمكنني ... و بأوسع خطى ... و ذهبت إلى غرفتي ... فدخلت و أغلقت الباب بل و أوصدته مرتين ، ثم تهالكت على سريري ...

    كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة و أنفاسي تعصف رئتي بقوة ... و أنظر إلى يدي فأراها ترتعش ... فيما تشع احمرارا أثر قبضة وليد القوية عليها ...

    بعدما هدأت قليلا اقتربت من المرآة فهالني المظهر الذي كساني
    أصبحت مرعبة !
    ألم أكن جميلة قبل قليل ؟؟
    لا أعرف لماذا فعل وليد ذلك ...
    هل غضب لأنني ظهرت من المطبخ و العجين يغطي أنفي ، فب*** كطفلة غبية ؟؟
    أم لأنني لم أكن ارتدي الحجاب وقتها ؟؟
    أم ماذا ؟؟

    و جعلت الأفكار تلعب في رأسي حتى أتعبته ...
    الساعة !
    لقد حطّمها !
    لقد احتفظت بها كل هذه السنين لأعيدها إليه ... لماذا فعل ذلك ؟؟ لماذا ؟؟

    شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني
    بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ...
    لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ...
    لم يعد هذا وليد !
    وليد لم يكن يصرخ في وجهي و يقول :

    " انصرفي "

    كان دائما يبتسم و يقول :

    " تعالي يا رغد !! "




    ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #58

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1403
    Array

    رميت بجسدي المثقل بالهموم على أقرب مقعد للباب .. و أطلقت العنان لشلالات الدموع لأن تعبر عن قسوتها بالقدر الذي تشاء

    لم يكن أمامي شيء يرى ... أو يسمع .. أو يثير أي اهتمام
    لا شيء يستحق أن أعيش لأجله ... بعدما فقدت أهم شيء عشت على أمل العودة إليه حتى هذه اللحظة
    رفعت رأسي إلى السقف و أردت لأنظاري أن تخترقه و تنطلق نحو السماء ...

    يا رب ...

    لقد كانت لدي أحلامي و طموحي منذ الصغر ...
    و أمور ثلاثة كانت تشغل تفكيري أكثر من أي شيء آخر ...
    الحرب ، و ها قد قامت و تدمر ما تدمر ، و لم يعد يجدي القلق بشأن قيامها
    الدراسة ، و ها قد انتهت و ضاعت ... و قضيت أهم سنوات عمري في السجن بدلا من الجامعة ... و انتهى كل شيء و لم يعد يقلقني التفكير فيه ...
    و رغد ...
    رغد ..
    أول و آخر و أهم أحلامي ...
    رغد الحبيبة ... مدللتي التي رعيتها منذ الصغر ...
    و راقبتها و هي تنمو و تكبر ...
    يوما بعد يوم ...
    و قتلت عمار انتقاما لها ...
    و قضيت أسوأ و أفظع سنوات حياتي حتى الآن ... في السجن
    منفيا مبعدا مهجورا معزولا عن الأهل و الدنيا و الحياة ... و نور الشمس ...
    و ذقت الأمرين ... و سهرت الليالي و أنا أتأمل صورتها و أعيش على الأمل الأخير لي ... بالعودة إليها و لو بعد سنين ...
    أعود فأراها مخطوبة لغيري !
    و من ؟؟
    لشقيقي ..؟؟
    يا رب
    رحمتك بي
    فانا لست حملا لكل هذا
    و لم يعد بي ذرة من القوة و الاحتمال ...

    كنت أبكي بحرقة و لا أشعر بشيء من حولي ، حتى أحسست بيد تمسك برأسي و تأخذني إلى حضن لطالما حننت إليه ...

    " ولدي يا عزيزي ما بك ؟ لماذا تبكي يا مهجة فؤادي ؟"

    و أجهشت أمي بكاءا و هي تراني أبكي بحرارة

    حاولت أن أتوقف لكنني لم استطع ...
    لقد تلقيت صدمة لا يمكن لقلب بشر أن يتحملها ...
    رغد !؟
    رغد صغيرتي أنا ... أصبحت زوجة لأخي ؟؟
    إن الأرض تهتز من حولي و جسدي يشتعل نارا و تكاد دموعي تتبخر من شدة الحرارة ...

    لم أجد في جسدي أي قوة حتى لرفع ذراعي و تطويق أمي ... بكيت في حضنها كطفل ضعيف هزيل جريح ... لا يملك من الأمر شيئا ...

    بعد فترة من الزمن لا أستطيع تحديدها ، حضر والدي و حالما رآنا أنا و أمي على هذا الوضع قال :

    " يكفي يا أم وليد ... دعي ابننا يلتقط أنفاسه أما اكتفيت ؟؟ "

    والدتي أخذت تحدق بي بين طوفان الدموع ...
    قلت بلا حول و لا قوة و بصوت أقرب إلى النحيب منه إلى الكلام :

    " أنا متعب ... متعب جدا ... لقد انتهيت ... انتهيت ... "

    و بعد حصة البكاء هذه صعدا بي إلى غرفة سامر ، و جعلاني أضطجع على السرير و هما يقولان :

    " ارتح يا بني ... نم لبعض الوقت "

    ثم غادرا ...

    و أنا مضطجع على الفراش و وجهي ملتف ٌ نحو اليمين ... و دموعي لا تزال تنهمر و تغرق الوسادة ، وقع ناظري على الهاتف ...
    مددت يدي و أخذته و استرجعت بصعوبة رقم هاتف الشقة التي يقيم سيف بها و اتصلت به

    " يجب أن تحضر الليلة "







    بعدها ... جاء سامر يخبرني بأن سيف قد حضر ...
    كان سامر يبتسم ، و إن بدت من نظراته علامات القلق ... خصوصا و هو يرى الوجوم الغريب على وجهي الذي كان مشرقا طوال النهار
    ذهبت معه إلى حيث كان سيف و والدي يجلسان و يتبادلان الأحاديث ...
    لابد أن الجميع قد لاحظ شرودي ... و عدم إقبالي على الطعام ، على عكس وجبة الغذاء التي التهمت حصتي منها كاملة تقريبا

    " ما بك لا تأكل يا وليد ؟ كُلْ حتى تسترد الأرطال التي فقدتها من جسمك ! "

    أجبت ببرود و بلادة :

    " اكتفيت "

    و بعد العشاء جلسنا في غرفة الضيوف نشرب الشاي ، و كانوا هم الثلاثة ، أبي و سامر و سيف ، في قمة السعادة و يتبادلون الأحاديث و الضحك ...
    أما تفكيري أن فكان متوقفا و جامدا عند اللحظة التي قال فيها آخي :

    ( نحن مخطوبان )

    بعد ساعة ، استأذن سيف للانصراف و أخذ يصافح الجميع و حين أقبل نحوي قلت :

    " سأذهب معك "

    أبي و سامر تبادلا النظرات ثم حدقا بي ، كما يفعل سيف ... و قالا سوية و باستغراب :

    " ماذا ؟؟ "

    و أنا لا أزال ممسكا بيد سيف و ناظرا إليه أجبت :

    " إذ لا سرير لي هنا ... "

    و توقفت قليلا ثم تابعت :

    " و لا أريد ترك صديقي وحيدا "

    كان سيف يعتزم السفر بعد يوم آخر ، لينال قسطا أوفر من الراحة بعد مشقة الرحلة الطويلة التي قطعناها ...
    و انتهى الأمر بأن خرجت معه دون أن أودع غير والدي ، و سامر ...

    في السيارة بعد ذلك ، فتحت الخزانة الأمامية و استخرجت علبة السجائر التي كنت قد دسستها بداخلها أثناء تجوالنا
    و فتحت النافذة ، ثم أشعلت السيجارة و التفت إلى سيف و قلت :

    " أتسمح بأن أدخن ؟؟ "

    صديقي سيف لم يكن من المدخنين ، أومأ برأسه إيجابا و فتح نافذته ، و انطلق بالسيارة ...

    بقيت صامتا شاردا طوال المشوار ، و لم يحاول سيف خلخلة صمتي بأي كلام
    بعد فترة ، و نحن نقف عند الإشارة الأخيرة قبل المبنى حيث نسكن ، و فيما أنا في شرودي و دهليز أفكاري اللانهائي ، قال سيف :

    " متى بدأت تدخن ؟؟ "

    لم أجبه مباشرة ، ليس لأنني لم أسمعه أو أستوعب سؤاله ، بل لأن لساني لم يكن يدخر أي كلام ...

    " السجن يعلّم الكثير ... "

    قلت ذلك و ابتسمت ابتسامة ساخرة باهتة شعرت بأن سيف قد رآها رقم تركيزه على الطريق ...
    تذكرت لحظتها تلك الأيام ...
    و أولئك الزملاء في السجن ...
    لماذا أشعر بهم الآن حولي ؟؟
    كأني أشم راحة الزنزانة !
    ربما أثارت رائحة السيجارة تلك الذكريات السوداء !
    و هل يمكن أن أنساها ؟
    و هل يعقل أن تختفي و أنا لم أبتعد عنها غير أيام فقط ...؟؟
    ليتهم ...
    ليتهم قتلوني معك يا نديم ...
    ليتنا تبادلنا الأرواح ...
    فمت ُّ أنا
    و بقيت أنت ... و خرجت لتعود لأهلك و بلدك و أحبابك ...
    أنا ... لا أهل لي و لا بد ...
    و لا أحباب ...

    لمحت الإشارة تضيء اللون الأخضر و أنا أسحق سيجارتي في ( المطفئة)
    ثم انطلق وليد بالسيارة ...
    أنوار كثيرة كانت تسبح في الظلام ...
    مصابيح السيارات القادمة على الطريق المعاكس
    مصابيح المنازل
    مصابيح الشارع ...
    لافتات المحلات الضوئية
    نور على نور على نور ...
    كم هو أمر مزعج ... لم أعد أرغب في رؤية شيء ...
    أتمنى ألا تشرق الشمس يوم الغد ...
    أتمنى ألا يعود الغد ...
    أتمنى ... ألا أذكر رغد ...

    كانت المرة الثانية في حياتي ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تخلق ...

    عندما دخلنا الشقة، و هي مكونة من غرفة نوم و صالة صغيرة و زاوية مطبخ و حمام واحد ... أسرعت الخطى نحو غرفة النوم و دون أن أنير المصباح دخلت و ألقيت بجسدي المخدر أثر صدمة النبأ على أحد السريرين ...

    ثوان ، و إذا بسيف يقبل و يشعل المصباح

    " كلا .. أرجو أطفئه "

    قلت ذلك و أنا أرفع يدي ثم أضعها فوق عيني المغمضتين لأحجب عنهما النور ...
    سيف بادر بإطفاء المصباح و بقي واقفا برهة ... ثم أقلق الباب و أحسست به يتقدم ... ثم يجلس فوق السرير الآخر و الموازي لسريري ...

    ساد السكون لبعض الوقت ، إلا من ضوضاء تعشش في رأسي بسبب الأفكار التي تتعارك في داخله ...

    " ماذا حدث ؟؟ "

    سألني سيف بصوت هادئ منخفض ...
    لم أجبه ... و مرت دقائق أخرى فاعتقدت أنه حسبني قد دخلت عالم النيام ... لكنه عاد يقول :

    " أخبرني ... ، إنك لست على ما يرام "

    بعد ذلك أحسست بحركته على السرير المجاور و بصوته يقترب أكثر ...

    " وليد ؟؟ "

    الآن فتحت عيني قليلا و لدهشتي رأيه يقف عند رأسي و يحدق بي ...
    الظلام كان يطلي الغرفة بسواد تام ، إلا عن إضاءة بسيطة تتسلل بعناد من تحت الباب
    و يبدو إنها كانت كافيه لتعكس بريق الدموع التي أردت مواراتها في السواد .
    لحظة من لحظات الضعف الشديد و الانهيار التام .. توازي لحظة تراقُص الحزام في الهواء ... ثم سكونه النهائي على الرمال ... إلى حيث لا مجال للعودة أو التراجع ... فقد قضي الأمر ...

    جلست ، ليست قوتي الجسدية هي التي ساعدتني على النهوض ، و لا رغبتي الميتة في الحراك ، بل الدموع التي تخللت تجويف أنفي و ورّمت باطنه و سدت المعبر أمام أنفاسي البليدة البطيئة ... و كان لابد من إزاحتها ...

    تناولت منديلا من العلبة الموضوعة فوق المنضدة الفاصلة بين السريرين و جعلت أعصف ما في جوفي و صدري و كياني ... خارجا

    إلى الخارج ...
    يا دموعي و آلامي
    يا أحزاني و ذكرياتي الماضي
    إلى الخارج يا حبي و مهجة قلبي
    إلى الخارج يا بقايا الأمل
    إلى الخارج يا روحي ...
    و كل ما يختزن جسمي من ذرات الحياة ....
    و إلى الخارج ...
    يا اعترافات لم أكن أتوقع أنني سأبوح بها ذات يوم ... لأي إنسان ...

    " هل واجهت مشكلة مع أهلك ؟؟ ... بالأمس كنت ... كنت َ ... "

    و صمت ...

    فتابعت أنا مباشرة :

    " كنت ُ أملك الأمل الأخير ... و قد ضاع و انتهى كل شيء ...
    إنني لم أعد أرغب في العودة إليهم ! سأرحل معك يا سيف "

    قلت ذلك و كانت فكرة وليدة اللحظة ، ألا أنها كبرت فجأة في رأسي و احتلت عقلي برمته ، ففتحت عيني و حملقت في الفراغ الذي خلقت منه هذه الفكرة ثم استدرت نحو سيف و قلت :

    " أنا عائد معك إلى مدينتنا ! "

    طبعا سيف تفاجأ و لم يكن الظلام ليسمح لي برؤية ظاهر ردود فعله أو سبر غورها

    سمعته يقول :

    " ماذا ؟ ! "

    قلت مؤكدا :

    " نعم ! سأذهب معك ... فلم يعد لي مكان أو داع هنا "

    سيف صمت ، و لم يعلق بادئ الأمر ، ثم قال :

    " أما حدث ... كان سيئا لهذا الحد ؟؟ "

    و كأن جملته كان شرارة فجرّت برميل الوقود ...
    ثرت بجنون ، قفزت من سريري مندفعا هائجا صارخا :

    " سيئ ٌ فقط ؟؟ بل أسوأ ما يمكن أن يحدث على الإطلاق ... إنها خيانة ! إنهما خائنان ... خائنان ... خائنان "

    مشيت بتوتر و عصبية أتخبط في طريقي ... أبحث عن أي شيء أفرغ فيه غضبي بلكمة قوية من يدي لكنني لم أجد غير الجدار ...

    و هل يشعر الجدار ؟؟

    آلام شديدة شعرت أنا بها في قبضة يدي أثر اللكمة المجنونة نحو الجدار ، و استدرت بانفعال نحو سيف الذي ظل جالسا على السرير يراقبني بصمت ...

    " لقد سرقوا رغد مني ! "

    لأن شيئا لم يتحرك في سيف استنتجت أنه لم يفهم ما عنيته ... قلت :

    " أعود بعد ثمان سنوات من العذاب و الألم ... و الذل و الهوان الذي عشته في السجن بسبب قتلي لذلك الحقير الذي أذاها ... ثمان سنوات من الجحيم ... و المرارة ... و الشوق ... فقدت فيها كل شيء سوى أملى بالعودة إليها هي ... أعود فأجدها ... "

    و سكت ...
    لأنني لم أقو على النطق بالكلمة التالية ...
    و درت حول نفسي بجنون ، ثم تابعت ، و قد خرجت الكلمة من فمي ممزوجة بالآهة و الصرخة و الحسرة :

    " أجدها مخطوبة ؟؟ "

    هنا وقف سيف ...
    إلا أنني لم أكن قد انتهيت من إفراغ ما لدي

    قلت بصوت صارخ جاد مزمجر :

    " و لمن ؟؟ لأخي ؟؟؟ أخي ؟؟؟ "

    حتى لو كانت الغرفة منارة لم أكن لأستطيع رؤية شيء وسط انفعالي الشديد ساعتها ...
    لذا لا أعرف كيف كانت تعابير وجه سيف ...
    و لكن بإمكاني رؤية خياله واقفا هناك ...
    اندفعت كلماتي مقترنة بدموعي و زفيري القوي و صوتي الأجش المجلل ... و أنا أقول :

    " لو كان ... لو كان شخصا آخر ... أي شخص ... لكنت قتلته و محوته من الوجود ... لكنه أخي ... أخي يا سيف ... أخي ...
    كيف تجرأ على سرقتها مني ؟؟
    كيف فعلوا هذا بي ؟؟
    أهذا ما أستحقه ؟؟
    ليتني لم أخرج من السجن
    ليتني مت هناك
    ليتني أفقد الذاكرة و أنسى أنني عرفتها يوما
    الخائنة ...
    الخائنة ...
    الخائنة ... "

    و انتهيت جاثيا على الأرض في بكاء شديد كالأطفال ...

    " لقد أطعمتك ِ بيدي ... كيف تفعلين هذا بي يا رغد ؟؟ أنا قتلته انتقاما لك ِ أنت ِ ...
    أيتها الخائنة ... أكان هذا حلمك ...؟
    اذهبي بأحلامك إلى الجحيم ... "

    و أدخلت يدي إلى جيبي ، و أخرجت منه الصورتين اللتين رافقتاني و لازمتاني لثمان سنين ، لستين دقيقة من كل ساعة من كل يوم ...
    أخرجتهما و أخرجت معهما القصاصة التي وجدتها تحت باب غرفتي ...
    لم أكن أرى أيا مما أخرجت ، و لكن يدي تحس ... و تدري أيها صورة رغد ... فلطالما أمسكت بالصورة و احتضنتها في يدي لساعات و ساعات ...
    الدموع بللت الصورتين و كذلك الورقة ...

    " أيتها الخائنة ... اذهبي و أحلامك إلى الجحيم ... "

    و قبل أن أتردد أو أدع لعقلي المفقود لحظة للتفكير ...
    مزقت الورقة ... إربا إربا ...
    و رميت بها في الهواء ...
    و مزقت صورة رغد ... قطعة قطعة ... و بعثرتها في الفراغ ... إلى حيث تبعثرت آخر آمالي و أحلامي ...
    و انتهت آخر لحظات حبي الحالم ...
    و تلاشت آخر ذرات غبار الماضي ...
    و لم يبق لي ...
    غير حطام قلب ٍ منفطر ...



  • #59

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1403
    Array



  • #60

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1403
    Array

    الحلقةالثالثةعشر
    ********









    ذهبنا أنا و دانة لرفع الأطباق عن المائدة
    كان الضيف مع أبي و سامر ، و وليد في غرفة الضيوف ، فيما تعد والدتي الشاي في المطبخ .
    لأن سامر يجلس عادة إلى يسار والدي ، فلا بد أن الضيف قد جلس إلى يمنه ، و لابد أن الكرسي المجاور له كان كرسي وليد ...

    " من كان يجلس هنا ؟ "

    سألت ، بشيء من البلاهة المفتعلة ، فأجابتني دانة بسحرية و هي ترفع الأطباق :

    " ما أدراني ؟ أتصدقين ... لم أكن معهم !
    أقصد كنت أجلس على الكرسي المقابل لكنني لم أنتبه لمن كان يجلس أمامي ! "

    قلت :

    " و ما دمت قد كنت جالسة معهم ، فلماذا لا أرى أطباقا أمام مقعدك ؟؟ "


    رفعت دانة نظرها عن السكاكين و الملاعق و الأشواك التي كانت تجمعها ، و هتفت بغضب و حدة :

    " رغد ! "

    و هي تحرك يدها مهددة برميي بالسكاكين !

    قلت بسرعة :

    " حسنا حسنا لن أسأل المزيد "

    و صمتنا للحظة

    ثم عدت أقول :

    " الشخص الذي كان يجلس هنا ... لم يأكل شيئا ! ربما لم يعجب الضيف طعامنا ! "

    كنت أريد منها فقط أن تقول شيئا يرجح استنتاجي بأن وليد كان هو من يجلس على هذا المقعد ...
    جلست على ذلك المقعد ، و أخذت إحدى الفطائر من الطبق الموضوع أمامي و بدأت بقضمها

    التفتت إلى دانة ناظرة باستهجان :

    " ماذا تفعلين ؟؟ !"

    مضغت ما في فمي ببطء شديد ثم ابتلعته ، ثم قلت :

    " أرى ما إذا كانت الفطائر في هذا الطبق غير مستساغة ! لكنها لذيذة ! لم لم تعجبه ؟؟ "

    طبعا كنت أتعمد إثارة غيظها ! فأنا أريدها أن تأمرني بالمغادرة فورا لأنجو من غسل عشرات الأطباق ... فقد تعبت !

    دانة كانت على وشك الصراخ بوجهي ، إلا أن والدتنا أقبلت داخلة الغرفة لتساعدنا في رفع الأطباق و تنظيفها ، فأسرعت بالنهوض و عملت بهمة و نشاط خجلا منها !

    بعد أن انتهيت من درس الغسيل هذا ذهبت إلى غرفتي و أنا متعبة و أتذمر
    كنت قلقة بشأن بشرة يدي التي لا تتحمل الصابون و المنظفات
    أخذت أتلمسها و شعرت بجفافها ، فأسرعت إلى المرطبات و المراهم ، و دفنت جلدي تحت طبقة بعد طبقة بعد طبقة منها !

    قلت في نفسي :

    " رباه ! إنني لا أصلح لشيء كهذا ! كيف سأصبح ربة منزل ذات يوم ؟ لا أريد أن أفقد نضارتي ! "

    و تذكرت حينها موضوع زواجنا الذي كدت أنساه !
    لا أعلم ما إذا كان سامر قد تحدث مع والدي بشأن الزواج أم لا ... فقد شغلنا جميعا حضور وليد عن التفكير بأي شيء آخر ...

    اضطجعت على سريري بعد فترة ، و أنا متوقعة أن أنام بسرعة من شدة الإرهاق ... إلا أن أفكارا كثيرة اتخذت من رأسي ملعبا ليلتها و حرمتني من النوم ... !

    حتى هذه اللحظة لا زلت أشعر بشيء يحرق داخل عيني ...
    إنها نظرة وليد المرعبة الحادة التي أحرقتني ...
    تقلبت على سريري كما تُقلّب السمكة أثناء شويها !
    كنت أشعر بالحرارة في جسدي و فراشي ...
    فنظرت من حولي أتأكد من عدم انبعاث الدخان !

    لماذا حدّق بي وليد بهذا الشكل ؟؟

    تحسست يدي اليمنى باليسرى ، و كأنني لا أزال أشعر بالألم فيها بل و توهمت توهجها و احمرارها ... و حرارتها ...
    إنه طويل جدا ! لا يزال علي ّ رفع رأسي كثيرا لأبلغ عينيه ...
    و رفعت رأسي نحو السقف ، أعتقد أنني رأيت عينيه هناك ! معلقتين فوق رأسي تماما ...

    بسرعة سحبت البطانية و غطيت رأسي كاملا ... و بقيت هكذا حتى نفذت آخر جزيئات الأوكسجين من تحت البطانية فأزحتها جانبا ، و انتقل الهواء البارد المنعش إلى صدري مختالا ، إلا أن حرارتي أحرقته ، فخرج حارا مخذولا !

    عدت أنظر إلى السقف ، و أتخيل عيني وليد ... و أنفه المعقوف !
    و أتخيله يضع نظارة سامر السوداء التي تلازمه كلما خرج من المنزل ، كم ستبدو مناسبة له !

    لا أعرف كم من الوقت مضى و أنا أتفرج على الأفكار السخيفة و هي تلعب بحماس داخل رأسي !
    كنت أريد أن أنام و لكن ...
    نظرت إلى ساعة الجدار و رأيت عقربيها الوامضين يشيران إلى الساعة الواحدة ليلا ...
    ليس من عادتي أو عادة أفراد عائلتي السهر ... لابد أن الجميع يغط الآن في نوم عميق فيما أنا مشغولة بعيني وليد !

    لدى رؤيتي للساعة تذكرت شيئا فجأة ، فجلست بسرعة :

    " الساعة ! "

    و بسرعة خاطفة ، نهضت عن سريري و خرجت من الغرفة و ركضت نحو غرفة الضيوف ...

    لقد وجدت الباب مغلقا ، فوقفت حائرة ...
    ترى هل يوجد أحد بالداخل ؟؟
    و خصوصا من النوع الذي تتعلق عيناه في الأسقف ؟؟

    قربت رأسي و تحديدا أذني من الباب ، قاصدة الإصغاء إلى أي صوت قد يدل على وجود شخص ما ، مع أنني واثقة من أن أذني ليستا خارقتين ما يكفي لسماع صوت تنفس بشر ما يفصلني عنه باب و عدة خطوات !

    لكني على الأقل ، لم أسمع صوت المكيف !

    لمست مقبض الباب الحديدي ، و لأنه لم يكن باردا اعتمدت على هذا كدليل قاطع يثبت أن المكيف غير مشغل ، و بالتالي فإن أحدا ليس بالداخل !

    أعرف !
    أنا أكثر ذكاءا من ذلك ، لكن هذه اللحظة سأعتمد على غبائي !
    فتحت الباب ببطء و حذر ... و تأكدت حينها أنه لم يكن هناك أحد...
    أضأت المصباح و توجهت فورا إلى المكان الذي وقعت فيه الساعة بعد ارتطامها بالحائط ... خلف المعقد الكبير ...

    كانت هناك مسافة لا تتجاوز البوصتين تفصل المقعد الكبير عن الجدار ...
    حاولت النظر من خلال هذا المجال الضيق إلا أنني لم أستطع رؤية شيء

    صحيح أن حجمي صغير إلا أن يدي أكبر من أن تنحشر في هذه المساحة الضيقة محاولة استخراج الساعة !

    " تبا ! ماذا أفعل الآن ؟؟ "

    شمّرت عن ذراعي ، و تأهبت ... ثم أمسكت بالمقعد الكبير و حاولت تحريكه للأمام محاولة مستميتة
    لكن مفاصلي كادت أن تنخلع دون أن يتزحزح هذا الجبل عن مكانه قدر أنملة !

    " أرجوك أيتها الساعة أخرجي من هناك ! "

    ليتها كانت تسمعني ! لماذا لم يصنع الإنسان ساعة تمشي على أرجل حتى يومنا هذا ؟؟

    شعرت بإعياء في عضلاتي فارتميت على ذلك المقعد ...

    رباه !
    ستضطر غاليتي للمبيت بعيدة عني ... مجروحة و حزينة و لا تجد من يواسيها !
    وضعت وسادة المقعد على صدري و أرخيت عضلاتي ...
    لم أشعر بنفسي ...
    و لا حتى بالحر الذي يكوي داخلي قبل خارجي
    و استسلمت للنوم !






    ~ ~ ~ ~ ~ ~


  • صفحة 15 من 120 الأولىالأولى ... 513141516172565115 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 77 (0 من الأعضاء و 77 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. لا تعـوّدني على [ قـربك ] كثـير
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 05:13 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1