صفحة 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 27

الموضوع: مقدمة ابن خلدون - الجزء الثالث


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    مقدمة ابن خلدون - الجزء الثالث

    الفصل الثاني و الثلاثون في اللقب بأمير المؤمنين و إنه من سمات الخلافة و هو محدث منذ عهد الخلفاء

    و ذلك أنه لما بويع أبو بكر رضي الله عنه و كان الصحابة رضي الله عنهم و سائر المسلمين يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يزل الأمر على ذلك إلى أن هلك فلما بويع لعمر بعهده إليه كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كأنهم استثقلوا هذا اللقب بكثرته و طول إضافته و أنه يتزايد فيما بعد دائما إلى أن ينتهي إلى الهجنة و يذهب منه التمييز بتعدد الإضافات و كثرتها فلا يعرف فكانوا يعدلون عن هذا اللقب إلى ما سواه مما يناسبه و يدعى به مثله و كانوا يسمون قواد البعوث باسم الأمير و هو فعيل من الإمارة و قد كان الجاهلية يدعون النبي صلى الله عليه و سلم أمير مكة و أمير الحجاز و كان الصحابة أيضاً يدعون سعد بن أبي و قاص أمير المؤمنين لإمارته على جيش القادسية و هم معظم المسلمين يومئذ و اتفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضي الله عنه يا أمير المؤمنين فاستحسنه الناس و استصوبوه و دعوه به.
    يقال إن أول من دعاه بذلك عبد الله بن جحش و قيل عمرو بن العاصي والمغيرة بن شعبة و قيل بريد جاء بالفتح من بعض البعوث و دخل المدينة و هو يسأل عن عمر و يقول أين أمير المؤمنين و سممها أصحابه فاستحسنوه و قالوا أصبت و الله اسمه إنه و الله أمير المؤمنين حقاً فدعوه بذلك و ذهب لقباً له في الناس وتوارثه الخلفاء من بعده سمةً لا يشاركهم فيها أحد سواهم إلا سائر دولة بني أمية ثم إن الشيعة خصوا علياً باسم الإمام نعتاً له بالإمامة التي هي أخت الخلافة وتعريضاً بمذهبهم في أنه أحق بإمامة الصلاة من أبي بكر لما هو مذهبهم و بدعتهم فخصوه بهذا اللقب و لمن يسوقون إليه منصب الخلافة من بعده فكانوا كلهم يسمون بالإمام ما داموا يدعون لهم في الخلفاء حتى إذا يستولون على الدولة يحولون اللقب فيما بعده إلى أمير المؤمنين كما فعله شيعة بني العباس فإنهم ما زالوا يدعون أئمتهم بالإمام إلى إبراهيم الذي جهروا بالدعاء له و عقدوا الرايات للحرب على أمره فلما هلك دعي أخوة السفاح بأمير المؤمنين.
    و كذا الرافضة بأفريقيا فإنهم ما زالوا يدعون أئمتهم من ولد إسماعيل بالإمام حتى انتهى الأمر إلى عبيد الله المهدي و كانوا أيضاً يدعونه بالإمام و لابنه أبي القاسم من بعده فلما استوثق لهم الأمر دعوا من بعدهما بأمير المؤمنين و كذا الأدارسة بالمغرب كانوا يلقبون إدريس بالإمام و ابنه إدريس الأصغر كذلك وهكذا شأنهم و توارث الخلفاء هذا اللقب بأمير المؤمنين و جعلوه سمة لمن يملك الحجاز و الشام و العراق و المواطن التي هي ديار العرب و مراكز الدولة و أهل الملة و الفتح و ازداد لذلك في عنفوان الدولة و بذخها لقب آخر الخلفاء يتميز به بعضهم عن بعض لما في أمير المؤمنين من الاشتراك بينهم فاستحدث لذلك بنو العباس حجاباً لأسمائهم الأعلام عن امتهانها في ألسنة السوقة و صوناً لها عن الابتذال فتلقبوا بالسفاح و المنصور و المهدي و الهادي و الرشيد إلى آخر الدولة و اقتفى أثرهم في ذلك العبيديون بأفريقية و مصر و تجافى بنو أمية عن ذلك بالمشرق قبلهم مع الغضاضة و السذاجة لأن العروبية و منازعها لم تفارقهم حينئذ و لم يتحول عنهم شعار البداوة إلى شعار الحضارة و أما بالأندلس فتلقبوا كسلفهم مع ما عملوه من أنفسهم من القصور عن ذلك بالقصور عن ملك الحجاز أصل العرب و الملة و البعد عن دار الخلافة التي هي مركز العصبية و أنهم إنما منعوا بإمارة القاصية أنفسهم من مهالك بني العباس حتى إذا جاء عبد الرحمن الداخل الآخر منهم و هو الناصر بن محمد بن الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط لأول المائة الرابعة و اشتهر ما نال الخلافة بالمشرق من الحجر و استبداد الموالي و عيثهم في الخلفاء بالعزل و الاستبدال و القتل و السمل ذهب عبد الرحمن هذا إلى مثل مذاهب الخلفاء بالمشرق و أفريقية و تسمى بأمير المؤمنين و تلقب بالناصر لدين الله. و أخذت من بعده عادة و مذهب لقن عنه و لم يكن لآبائه و سلف قومه.
    و استمر الحال على ذلك إلى أن انقرضت عصبية العرب أجمع و ذهب رسم الخلافة و تغلب الموالي من العجم على بني العباس و الصنائع على العبيديين بالقاهرة و صنهاجة على أمراء أفريقية و زناتة على المغرب و ملوك الطوائف بالأندلس على أمر بني أمية واقتسموه و افترق أمر الإسلام فاختلفت مذاهب الملوك بالمغرب و المشرق في الاختصاص بالألقاب بعد أن تسموا جميعا باسم السلطان. فأما ملوك المشرق من العجم فكان الخلفاء يخصونهم يألقاب تشريفية حتى يستشعر منها انقيادهم و طاعتهم و حسن ولايتهم مثل شرف الدولة و عضد الدولة و ركن الدولة و معز الدولة و نصير الدولة و نظام الملك و بهاء الدولة و ذخيرة الملك و أمثال هذه و كان العبيديون أيضاً يخصون بها أمراء صنهاجة فلما استبدوا على الخلافة قنعوا بهذه الألقاب و تجافوا عن ألقاب الخلافة أدباً معها و عدولا عن سماتها المختصة بها شأن المتغلبين المستبدين كما قلناه و نزع المتأخرون أعاجم المشرق حين قوي استبدادهم على الملك و علا كعبهم في الدولة و السلطان و تلاشت عصبية الخلافة و اضمحلت بالجملة إلى انتحال الألقاب الخاصة بالملك مثل الناصر و المنصور و زيادة على ألقاب يختصون بها قبل هذا الانتحال مشعرة بالخروج عن ربقة الولاء و الاصطناع بما أضافوها إلى الدين فقط فيقولون صلاح الدين أسد الدين نور الدين. و أما ملوك الطوائف بالأندلس فاقتسموا ألقاب الخلافة و توزعوها لقوة استبدادهم عليها بما كانوا من قبيلها و عصبتها فتلقبوا بالناصر و المنصور و المعتمد و المظفر و أمثالها كما قال ابن أبي شرف ينعى عليهم:
    مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيها و معتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد
    و أما صنهاجة فاقصروا عن الألقاب التي كان الخلفاء العبيديون يلقبون بها للتنويه مثل نصير الدولة و معز الدولة و اتصل لهم ذلك لما أدالوا من دعوة العبيديين بدعوة العباسيين ثم بعدت الشقة بينهم و بين الخلافة و نسوا عهدها فنسوا هذه الألقاب و اقتصروا على اسم السلطان و كذا شأن ملوك مغراوة بالمغرب لم ينتحلوا شيئاً من هذه الألقاب إلا اسم السلطان جرياً على مذاهب البداوة و الغضاضة.
    و لما محي رسم الخلافة و تعطل دستها ا و قام بالمغرب من قبائل البربر يوسف بن تاشفين ملك لمتونة فملك الع***ين و كان من أهل الخير و الإقتداء نزعت به همته إلى الدخول في طاعة الخليفة تكميلاً لمراسم دينه فخاطب المستظهر العباسي و أوفد عليه بيعته عبد الله بن العربي و ابنه القاضي أبا بكر من مشيخة إشبيلية يطلبان توليته إياها على المغرب و تقليده ذلك فانقلبوا إليه بعهد الخلافة له على المغرب و استشعار زيهم في لبوسه و رتبته وخاطبه فيه يا أمير المؤمنين تشريفاً و اختصاصاً فاتخذها لقباً و يقال إنه كان دعي له بأمير المؤمنين من قبل أدباً مع رتبة الخلافة لما كان عليه هو و قومه المرابطون من انتحال الدين و اتباع السنة و جاء المهدي على أثرهم داعياً إلى الحق آخذاً بمذاهب الأشعرية ناعياً على أهل المغرب عدولهم عنها إلى تقليد السلف في ترك التأويل لظواهر الشريعة و ما يؤول إليه ذلك من التجسيم كما هو معروف في مذهب الأشعرية و سمي أتباعه الموحدين تعريضاً بذلك النكير و كان يرى رأي أهل البيت في الإمام المعصوم و أنه لا بد منه في كل زمان يحفظ بوجوده نظام هذا العالم فسمى بالإمام لما قلناه أولاً من مذهب الشيعة في ألقاب خلفائهم و أردف بالمعصوم إشارةً إلى مذهبه في عصمة الإمام و تنزه عند اتباعه عن أمير المؤمنين أخذاً بمذاهب المتقدمين من الشيعة و لما فيها من مشاركة الأغمار و الولدان من أعقاب أهل الخلافة يومئذ بالمشرق.
    ثم انتحل عبد المؤمن ولي عهده اللقب بأمير المؤمنين و جرى عليه من بعده خلفاء بنى عبد المؤمن و آل أبى حفص من بعدهم استئثاراً به عمن سواهم لما دعا إليه شيخهم المهدي من ذلك و أنه صاحب الأمر و أولياؤه من بعده كذلك دون كل أحد لانتقاء عصبية قريش و تلاشيها فكان ذلك دأبهم. و لما انتقض الأمر بالمغرب و انتزعه زناتة ذهب أولهم مذاهب البداوة و السذاجة و أتباع لمتونة في انتحال اللقب بأمير المؤمنين أدباً مع رتبة الخلافة التي كانوا على طاعتها لبني عبد المؤمن أولا و لبني أبي حفص من بعدهم ثم نزع المتأخرون منهم إلى اللقب بأمير المؤمنين و انتحلوه لهذا العهد استبلاغاً في منازع الملك و تتميماً لمذاهبه وسماته و الله غالب على أمره.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الفصل الثالث و الثلاثون في شرح اسم البابا و البطرك في الملة النصرانية و اسم الكوهن عند اليهود

    إعلم أن الملة لا بد لها من قائم عند غيبة النبي يحملهم على أحكامها و شرائعها و يكون كالخليفة فيهم للنبي فيما جاء به من التكاليف و النوع الإنساني أيضاً بما تقدم من ضرورة السياسة فيهم للاجتماع البشري لا بد لهم من شخص يحملهم على مصالحهم و يزعهم عن مفاسدهم بالقهر و هو المسمى بالملك و الملة الإسلامية لما كان الجهاد فيها مشروعاً لعموم الدعوة و حمل الكافة على دين الإسلام طوعاً أو كرهاً اتخذت فيها الخلافة و الملك لتوجه الشوكة من القائمين بها إليهما معاً.
    و أما ما سوى الملة الإسلامية فلم تكن دعوتهم عامة و لا الجهاد عندهم مشروعاً إلا في المدافعة فقط فصار القائم بأمر الدين فيها لا يغنيه شيء من سياسة الملك و إنما وقع الملك لمن وقع منهم بالعرض و لأمر غير ديني و هو ما اقتضته لهم العصبية لما فيها من الطلب للملك بالطبع لما قدمناه لأنهم غير مكلفين بالتغلب على الأمم كما في الملة الإسلامية و إنما هم مطلوبون بإقامة دينهم في خاصتهم.
    و لذلك بقي بنو إسرائيل من بعد موسى و يوشع صلوات الله عليهما نحو أربعمائة سنة لا يعتنون بشيء من أمر الملك إنما همهم إقامة دينهم فقط و كان القائم به بينهم يسمى الكوهن كأنه خليفة موسى صلوات الله عليه يقيم لهم أمر الصلاة و القربان و يشترطون فيه أن يكون من ذرية هارون صلوات الله عليه لأن موسى لم يعقب ثم اختاروا لإقامة السياسة التي هي للبشر بالطبع سبعين شيخاً كانوا يتلون أحكامهم العامة و الكوهن أعظم منهم رتبةً في الدين و أبعد عن شغب الأحكام و اتصل ذلك فيهم إلى أن استحكمت طبيعة العصبية و تمحضت الشوكة للملك فغلبوا الكنعانين على الأرض التي أورثهم الله بيت المقدس و ما جاورها كما بين لهم على لسان موسى صلوات الله عليه فحاربتهم أمم الفلسطين و الكنعاننين و الأرمن و أردن و عمان و مأرب و رئاستهم في ذلك راجعة إلى شيوخهم و أقاموا على ذلك نحواً من أربعمائة سنة و لم تكن لهم صولة الملك و ضجر بنو إسرائيل من مطالبة الأمم فطلبوا على لسان شمويل من أنبيائهم أن يأذن الله لهم في تمليك رجل عليهم فولي عليهم طالوت و غلب الأمم و قتل جالوت ملك الفلسطين ثم ملك بعده داود ثم سليمان صلوات الله عليهما و استفحل ملكه وامتد إلى الحجاز ثم أطراف اليمن ثم إلى أطراف بلاد الروم ثم افترق الأسباط من بعد سليمان صلوات الله عليه بمقتضى العصبية في الدول كما قدمناه إلى دولتين كانت إحداهما يالجزيرة و الموصل للأسباط العشرة و الأخرى بالقدس و الشام لبني يهوذا و بنيامين.
    ثم غلبهم بخت نصر ملك بابل على ما كان بأيديهم من الملك أولاً الأسباط العشرة ثم ثانياً بني يهوذا و بنت المقدس بعد اتصال ملكهم نحو ألف سنة و خرب مسجدهم و أحرق توراتهم و أمات دينهم و نقلهم إلى أصبهان و بلاد العراق إلى أن ردهم بعض ملوك الكيانية من الفرس إلى بيت المقدس من بعد سبعين سنةً من خروجهم فبنوا المسجد وأقاموا أمر دينهم على الرسم الأول للكهنة فقط و الملك للفرس ثم غلب الإسكندر و بنو يونان على الفرس و صار اليهود في ملكتهم ثم فشل أمر اليونانيين فاعز اليهود عليهم بالعصبية الطبيعية و دفعوهم عن الاستيلاء عليهم و قام بملكهم الكهنة الذين كانوا فيهم من بنى حشمناي و قاتلوا يونان حتى انقرض أمرهم و غلبهم الروم فصاروا تحت أمرهم ثم رجعوا إلى بيت المقدس و فيها بنو هيرودس أصهار بني حشمناي و بقيت دولتهم فحاصروهم مدة ثم افتتحوها عنوة و أفحشوا في القتل و الهدم و التحريق و خربوا بيت المقدس و أجلوهم عنها إلى رومة و ما وراءها و هو الخراب الثاني للمسجد و يسميه اليهود بالجلوة الكبرى فلم يقم لهم بعدها ملك لفقدان العصبية منهم و بقوا بعد ذلك في ملكة الروم من بعدهم يقيم لهم أمر دينهم الرئيس عليهم المسمى بالكوهن ثم جاء المسيح صلوات الله و سلامة عليه بما جاءهم به من الدين و النسخ لبعض أحكام التوراة و ظهرت على يديه الخوارق العجيبة من إبراء الأكمة و الأبرص و إحياء الموتى و اجتمع عليه كثير من الناس و آمنوا به و أكثرهم الحواريون من أصحابه و كانوا أثني عشر و بعث منهم رسلاً إلى الآفاق داعين إلى ملته و ذلك أيام أوغسطس أول ملوك القياصرة و في مدة هيرودس ملك اليهود الذي انتزع الملك من بني حشمناي أصهاره فحسده اليهود و كذبوه و كاتب هيرودس ملكهم ملك القياصرة أوغسطس يغريه به فأذن لهم في قتله و وقع ما تلاه القرآن من أمره و افترق الحواريون شيعاً و دخل أكثرهم بلاد الروم داعين إلى دين النصرانية و كان بطرس كبيرهم فنزل برومة دار ملك القياصرة ثم كتبوا الإنجيل الذي انزل على عيسى صلوات الله عليه في نسخ أربع على اختلاف رواياتهم فكتب متى إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية و نقله يوحنا بن زبدي منهم إلى اللسان اللاتيني و كتب لوقا منهم إنجيله باللاتيني إلى بعض أكابر الروم و كتب يوحنا بن زبدي منهم إنجيله برومة و كتب بطرس إنجيله باللاتيني و نسبه إلى مرقاص تلميذه و اختلفت هذه النسخ الأربع من الإنجيل مع أنها ليست كلها و حيا صرفاً بل مشوبة بكلام عيسى عليه السلام و بكلام الحواريين و كلها مواعظ و قصص و الأحكام فيها قليلة جداً و اجتمع الحواريون الرسل لذلك العهد برومة و وضعوا قوانين الملة النصرانية و صيروها بيد أقليمنطس تلميذ بطرس و كتبوا فيها عدد الكتب التي يجب قبولها و العمل بها.
    فمن شريعة اليهود القديمة التوراة و هي خمسة أسفار و كتاب يوشع و كتاب القضاة و كتاب راعوث و كتاب يهوذا و أسفار الملوك أربعة و سفر بنيامين و كتب المقابيين لا بن كريون ثلاثة و كتاب عزرا الإمام و كتابا أوشير و قصة هامان و كتاب أيوب الصديق و مزامير داود عليه السلام و كتب ابنه سليمان عليه السلام خمسة و نبؤات الأنبياء الكبار و الصغار ستة عشر و كتاب يشوع بن شارخ وزير سليمان.
    و من شريعة عيسى صلوات الله عليه المتلقاة من الحواريين نسخ الإنجيل الأربع و كتب القتاليقون سبع رسائل و ثامنها الإبريكسيس في قصص الرسل و كتاب بولس أربع عشرة رسالة و كتاب أقليمنطس و فيه الأحكام و كتاب أبو غالمسيس و فيه رؤيا يوحنا بن زبدي.
    و اختلف شأن القياصرة في الأخذ بهذه الشريعة تارة و تعظيم أهلها ثم تركها أخرى و التسلط عليهم بالقتل و البغي إلى أن جاء قسطنطين و أخذ بها و استمروا عليها. و كان صاحب هذا الدين و المقيم لمراسيمه يسمونه البطرك و هو رئيس الملة عندهم و خليفة المسيح فيهم يبعث نوابه و خلفاءه إلى ما بعد عنه من أمم النصرانية و يسمونه الأسقف أي نائب البطرك و يسمون الإمام الذي يقيم الصلوات و يفتيهم في الدين بالقسيس و يسمون المنقطع الذي حبس نفسه في الخلوة للعبادة بالراهب.
    و أكثر خلواتهم في الصوامع و كان بطرس الرسول رأس الحواريين و كبير التلاميذ برومة يقيهم بها دين النصرانية إلى أن قتله نيرون خامس القياصرة فيمن قتل من البطارق و الأساقفة ثم قام بخلافته في كرسي رومة آريوس و كان مرقاس الإنجيلي بالإسكندرية و مصر و المغرب داعيا سبع سنيين فقام بعده حنانيا و تسمى بالبطرك و هو أول البطاركة فيها و جعل معه اثني عشر قساً على أنه إذا مات البطرك يكون واحد من الاثني عشر مكانه و يختار من المؤمنين واحداً مكان ذلك الثاني عشر فكان أمر البطاركة إلى القسوس ثم لما وقع الاختلاف بينهم في قواعد دينهم و عقائده و اجتمعوا بنيقية أيام قسطنطين لتحرير الحق في الدين و اتفق ثلاثمائة و ثمانية عشر من أساقفتهم على رأي واحد في الدين فكتبوه و سموه الإمام و صيروه أصلاً يرجعون إليه و كان فيما كتبوه أن البطرك القائم بالدين لا يرجع في تعيينه إلى اجتهاد الأقسة كما قرره حنانيا تلميذ مرقاس و أبطلوا ذلك الرأي و إنما يقدهم عن بلاء و اختبار من أئمة المؤمنين و رؤسائهم فبقي الأمر كذلك.
    ثم اختلفوا بعد ذلك في تقرير قواعد الذين و كانت لهم مجتمعات في تقرير و لم يختلفوا في هذه القاعدة فبقي الأمر فيها على ذلك و تصل فيهم نيابة الأساقفة عن البطاركة و كان الأساقفة يدعون البطرك بالأب أيضاً تعظيماً له فاشتبه الاسم في أعصار متطاولة يقال آخرها بطركية هرقل بإسكندرية فأرادوا أن يميزوا البطرك عن الاسقف في التعظيم فدعوه البابا و معناه أبو الآباء و ظهر هذا الاسم أول ظهوره بمصر على ما زعم جرجيس بن العميد في تأريخه ثم نقلوه إلى صاحب الكرسي الأعظم عندهم و هو كرسي بطرس الرسول كما قدمناه فلم يزل سمة عليه حتى الآن ثم اختلفت النصارى في دينهم بعد ذلك و فيما يعتقدونه في المسيح و صاروا طوائف و فرقاً و اسظهروا بملوك النصرانية كل على صاحبه فاختلف الحال في العصور في ظهور فرقة دون فرقة إلى أن استقرت لهم ثلاث طوائف هي فرقهم و لا يلتفتون إلى غيرها و هم الملكية و اليعقوبية و النسطورية ثم اختصت كل فرقة منهم ببطرك فبطرك رومة اليوم المسمى بالبابا على رأي الملكية و رومة للإفرنجة و ملكلهم قائم بتلك الناحية و بطرك المعاهدين بمصر على رأي اليعقوبية و هو ساكن بين ظهرانيهم و الحبشة يدينون بدينهم و لبطرك مصر فيهم أساقفة ينوبون عنه في إقامة دينهم هنالك.
    و اختص اسم البابا ببطرك رومة لهذا العهد و لا تسمي اليعاقبة بطركهم بهذا الاسم و ضبط هذه اللفظة بباءين موحدتين من أسفل و النطق بها مفخمة و الثانية مشددة و من مذاهب البابا عند الإفرنجة أنه يحضهم على الانقياد لملك واحد يرجعون إليه في اختلافهم و اجتماعهم تحرجاً من افتراق الكلمة و يتحرى به العصبية التي لا فوقها منهم لتكون يده عالية على جميعهم و يسمونه الإنبرذور و حرفة الوسط بين الذال و الظاء المعجمتين و مباشرة يضع التاج على رأسه للتبرك فيسمى المتوج، و لعله معنى لفظة الإنبرذور و هذا ملخص ما أوردناه من شرح هذين الاسمين الذين هما البابا و الكوهن و الله يضل من يشاء و يهدي من يشاء.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الفصل الرابع و الثلاثون في مراتب الملك و السلطان و ألقابها

    إعلم أن السلطان في نفسه ضعيف يحمل أمراً ثقيلاً فلا بد له من الاستعانة بأبناء جنسه و إذا كان يستعين بهم في ضرورة معاشه و سائر مهنه فما ظنك بسياسة نوعه و من استرعاه الله من خلقه و عباده و هو محتاج إلى حماية الكافة من عدوهم بالمدافعة عنهم و إلى كف عدوان بعضهم على بعض في أنفسهم بإمضاء الأحكام الوازعة فيهم و كف عدوان عليهم في أموالهم بإصلاح سابلتهم و إلى حملهم على مصالحهم و ما تعمهم به البلوى في معاشهم و معاملاتهم من تفقد المعايش و المكاييل و الموازين حذراً من التطفيف و إلى النظر في السكة بحفظ النقود التي يتعاملون بها من الغش و إلى سياستهم بما يريده منهم من الانقياد له و الرضى بمقاصده منهم و انفراده بالمجد دونهم فيتحمل من ذلك فوق الغاية من معاناة القلوب قال بعض الأشراف من الحكماء: لمعاناة نقل الجبال من أماكنها أهون على من معاناة قلوب الرجال ثم إن الاستعانة إذا كانت بأولي القربى من أهل النسب أو التربية أو الاصطناع القديم للدولة كانت أكمل لما يقع في ذلك من مجانسة خلقهم لخلقه فتتم المشاكلة في الاستعانة قال تعالى واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري و هو إما أن يستعين في ذلك بسيفه أو قلمه أو رأيه أو معارفه أو بحجابه عن الناس أن يزدحموا عليه فيشغلوه عن النظر في مهماتهم أو يدفع النظر في الملك كله و يعول على كفايته في ذلك و اضطلاعه فلذلك قد توجد في رجل واحد و قد تفترق في أشخاص و قد يتفرع كل واحد منها إلى فروع كثيرة كالقلم يتفرع إلى قلم الرسائل و المخاطبات و قلم الصكوك و الإقطاعات و إلى قلم المحاسبات و هو صاحب الجباية و العطاء و ديوان الجيش و كالسيف يتفرع إلى صاحب الحرب و صاحب الشرطة و صاحب البريد و ولاية الثغور ثم اعلم أن الوظائف السلطانية في هذه الملة الإسلامية مندرجة تحت الخلافة لاحتمال منصب الخلافة على الدين و الدنيا كما قدمناه فالأحكام الشرعية متعلقة بجميعها و موجودة لكل واحدة منها في سائر وجوهها لعموم تعلق الحكم الشرعية بجميع أفعال العباد و الفقية ينظر في مرتبة الملك و السلطان و شروط تقليدها استبدادا على الخلافة و هو معنى السلطان أو تعويضاً منها و هو معنى الوزارة عندهم كما يأتي و في نظره في الأحكام و الأقوال و سائر السياسات مطلقاً أو مقيداً و في موجبات العزل إن عرضت و غير ذلك مني معاني الملك و السلطان و كذا في سائر الوظائف التي تحت الملك و السلطان من وزارة أو جباية أو ولاية لا بد للفقيه من النظر في جميع ذلك كما قدمناه من انسحاب حكم الخلافة الشرعية في الملة الإسلامية على رتبة الملك و السلطان إلا أن كلامنا في وظائف الملك و السلطان و رتبته إنما هو بمقتضى طبيعة العمران و وجود البشر لا بما يخصها من أحكام الشرع فليس من غرض كتابنا كما علمت فلا نحتاج إلى تفصيل أحكامها الشرعية مع أنها مستوفاة في كتب الأحكام السلطانية مثل كتاب القاضي أبي الحسن الماوردي و غيره من أعلام الفقهاء فإن أردت استيفاءها فعليك بمطالعتها هنالك و إنما تكلمنا في الوظائف الخلافية و أفردناها لنمير بينها و بين الوظائف السلطانية فقط لا لتحقيق أحكامها الشرعية فليس من غرض كتابنا و إنما نتكلم في ذلك بما تقتضيه طبيعة العمران في الوجود الإنساني و الله الموفق.

    الوزارة:
    و هي أهم الخطط السلطانية و الرتب الملوكية لأن اسمها يدل على مطلق الإعانة فإن الوزارة مأخوذة إما من المؤازرة و هي المعاونة أو من الوزر و هو الثقل كأنه يحمل مع مفاعله أوزاره و أثقاله و هو راجع إلى المعاونة المطلقة و قد كنا قدمنا في أول الفصل أن أحوال السلطان و تصرفاته لا تعدو أربعةً لأنها إما أن تكون في أمور حماية الكافة و أسبابها من النظر في الجد و السلاح و الحروب و سائر أمور الحماية و المطالبة و صاحب هذا هو الوزير المتعارف في الدول القديمة بالمشرق و لهذا العهد بالمغرب و إما أن تكون في أمور مخاطباته لمن بعد عنه في أمور جباية المال و إنفاقه و ضبط ذلك من جميع وجوهه أن يكون بمضبطة و صاحب هذا هو صاحب المال و الجباية و هو المسمى بالوزير لهذا العهد بالمشرق و إما أن يكون في مدافعة الناس ذوي الحاجات عنه أن يزدحموا عليه فيشغلوه عن فهمه و هذا راجع لصاحب الباب الذي يحجبه. فلا تعدو أحواله هذه الأربعة بوجه. و كل خطة أو رتبة من رتب الملك و السلطان فإليها ترجع. إلا أن الأرفع منها ما كانت الإعانة فيه عامة فيما تحت يد السلطان من ذلك الصنف إذ هو يقتضي مباشر السلطان دائماً و مشاركته في كل صنف من أحوال ملكه و أما ما كان خاصاً ببعض الناس أو ببعض الجهات فيكون دون الرتبة الأخرى كقيادة ثغر أو ولاية جباية خاصة أو النظر في أمر خاص كحسبة الطعام أو النظر في السكة فإن هذه كلها نظر في أحوال خاصة فيكون صاحبها تبعاً لأهل النظر العام و تكون رتبته مرؤوسة لأولئك. و ما زال الأمر في الدول قبل الإسلام هكذا حتى جاء الإسلام و صار الأمر خلافة فذهبت تلك الخطط كلما بذهاب رسم الملك إلى ما هو طبيعي من المعاونة بالرأي و المفاوضة فيه فلم يمكن زواله إذ هو أمر لا بد منه فكان صلى الله عليه و سلم يشاور أصحابه و يفاوضهم في مهماته العامة و الخاصة و يخص مع ذلك أبا بكر بخصوصيات أخرى حتى كان العرب الذين عرفوا الدول و أحوالها في كسرى و قيصر و النجاشي يسمون أبا بكر وزيره و لم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين لذهاب رتبة الملك بسذاجة الإسلام و كذا عمر مع أبي بكر و علي في و عثمان مع عمر و أما حال الجباية و الإنفاق و الحسبان فلم يكن عندهم برتبة لأن القوم كانوا عرباً أميين لا يحسنون الكتاب و الحساب فكانوا يستعملون في الحساب أهل الكتاب أو أفراداً من موالي العجم ممن يجيده و كان قليلاً فيهم و أما أشرافهم فلم يكونوا يجيدونه لأن الأمية كانت صفتهم التي امتازوا بها و كذا حال المخاطبات و تنفيذ الأمور لم تكن عندهم رتبة خاصة للامية التي كانت فيهم و الأمانة العامة في كتمان القول و تأديته و لم تخرج السياسة إلى اختياره لأن الخلافة إنما هي دين ليست من السياسة الملكية في شيء و أيضاً فلم تكن الكتابة صناعة فيستجاد لخليفة أحسنها لأن الكل كانوا يعبرون عن مقاصدهم بأبلغ العبارات و لم يبق إلا الخط فكان الخليفة يستنيب في كتابته متى عن له من يحسنه و أما مدافعة ذوي الحاجات عن أبوابهم فكان محظوراً بالشريعة فلم يفعلوه فلما انقلبت الخلافة إلى الملك و جاءت رسوم السلطان و ألقابه
    كان أول شيء بديء به في الدولة شأن الباب و سده دون الجهور بما كانوا يخشون عن أنفسهم من اغتيال الخوارج و غيرهم كما وقع بعمر و علي و معاوية و عمر بن العاص و غيرهم مع ما في فتحه من ازدحام الناس عليهم و شغلهم بهم عن المهمات فاتخذوا من يقوهم لهم بذلك و سموه الحاجب و قد جاء أن عبد الملك لما ولي حاجبه قال له قد وليتك حجابة بابي إلا عن ثلاثة المؤذن للصلاة فإنه داعي الله و صاحب البريد فأمر ما جاء به و صاحب الطعام لئلا يفسد ثم استفحل الملك بعد ذلك فظهر المشاور و المعين في أمور القبائل و العصائب و استئلافهم و أطلق عليه اسم الوزير و بقي أمر الحسبان في الموالي و الذميين و أتخذ للسجلات كاتب مخصوص حوطةً على أسرار السلطان أن تشتهر فتفسد سياسته مع قومه و لم يكن بمثابة الوزير لأنه إنما احتيج له من حيث الخط و الكتاب لا من حيث اللسان الذي هو الكلام إذ اللسان لذلك العهد على حاله لم يفسد فكانت الوزارة لذلك أرفع رتبهم يومئذ في سائر دولة بني أمية فكان النظر للوزير عاما في أحوال التدبير و المفاوضات و سائر أمور الحمايات و المطالبات و ما يتبعها من النظر في ديوان الجند و فرض العطاء بالأهلية و غير ذلك فلما جاءت دولة بني العباس
    و استفحل الملك و عظمت مراتبه و ارتفعت و عظم شأن الوزير و صارت إليه النيابة في إنفاذ الحل و العقد تعينت مرتبته في الدولة و عنت لها الوجوه و خضعت لها الرقاب و جعل لها النظر في ديوان الحسبان لما تحتاج إليه خطته من قسم الأعطيات في الجند فاحتاج إلى النظر في جمعه و تفريقه و أضيف إليه النظر فيه ثم جعل له النظر في القلم و الترسيل لصون أسرار السلطان و لحفظ البلاغة لما كان اللسان قد فسد عند الجمهور و جعل الخاتم لسجلات السلطان ليحفظها من الذياع و الشياع و دفع إليه فصار اسم الوزير جامعاً لخطتي السيف و القلم و سائر معالي الوزارة و المعاونة حتى لقد دعي جعفر بن يحيى بالسلطان أيام الرشيد إشارة إلى عموم نظره و قيامه بالدولة و لم يخرج عنه من الرتب السلطانية كلها إلا الحجابة التي هي القيام على الباب فلم تكن له لاستنكافه عن مثل ذلك ثم جاء في الدولة العباسية شأن الاستبداد على السلطان و تعاور فيها استبداد الوزارة مرة و السلطان أخرى و صار الوزير إذا استبد محتاجاً إلى استنابة الخليفة إياه لذلك لتصح الأحكام الشرعية و تجيء على حالها كما تقدمت فانقسمت الوزارة حينئذ إلى وزارة تنفيذ و هي حال ما يكون السلطان قائماً على نفسه و إلى وزارة تفويض و هي حال ما يكون الوزير مستبداً عليه ثم استمر الاستبداد و صار الأمر لملوك العجم و تعطل رسم الخلافة و لم يكن لأولئك المتغلبين أن ينتحلوا ألقاب الخلافة و استنكفوا من مشاركة الوزراء في اللقب لأنهم خول لهم فتسموا بالإمارة و السلطان و كأن المستبد على الدولة يسمى أمير الأمراء أو بالسلطاني إلى ما يحليه به الخليفة من ألقابه كما تراه في ألقابهم و تركوا اسم الوزارة إلى من يتولاها للخليفة في خاصته
    و لم يزل هذا الشأن عندهم إلى آخر دولتهم و فسد اللسان خلال ذلك كله و صارت صناعة ينتحلها بعض الناس فامتهنت و ترفع الوزراء عنها لذلك و لأنهم عجم و ليست تلك البلاغة هي المقصودة من لسانهم فتخير لها من سائر الطبقات و اختصت به و صارت خادمة للوزير و اختص اسم الأمير بصاحب الحروب و الجند و ما يرجع إليها و يده مع ذلك عالية على أهل الرتب و أمره نافذ في الكل إما نيابة أو استبداداً و استمر الأمر على هذا ثم جاءت دولة الترك آخراً بمصر فرأوا أن الوزارة قد ابتذلت بترفع أولئك عنها و دفعها لمن يقوهم بها للخليفة المحجور و نظره مع ذلك فتعقب بنظر الأمير فصارت مرؤوسة ناقصة فاستنكف أهل هذه الرتبة المالية في الدولة عن اسم الوزارة و صار صاحب الأحكام و النظر في الجند يسمى عندهم بالنائب لهذا العهد و بقي اسم الحاجب في مدلوله و اختص اسم الوزير عندهم بالنظر في الجباية. و أما دولة بني أمية بالأندلس فأنفوا اسم الوزير في مدلوله أول الدولة ثم قسموا خطته أصنافاً و أفردواً لكل صنف وزيراً فجعلوا لحسبان المال وزيراً و للترسيل وزيراً و للنظر في حوائج المتظلمين وزيراً و للنظر في أحوال أهل الثغور وزيراً و جعل لهم بيت يجلسون فيه على فرش منضدة لهم و ينفذون أمر السلطان هناك كل فيما جعل له و أفرد للتردد بينهم و بين الخليفة واحد منهم ارتفع عنهم بمباشرة السلطان في كل وقت فارتفع مجلسه عن مجالسهم و خصوه باسم الحاجب و لم يزل الشأن هذا إلى آخر دولتهم فارتفعت خطة الحاجب و مرتبته على سائر الرتب حتى صار ملوك الطوائف ينتحلون لقبها فأكثرهم يومئذ يسمى الحاجب كما نذكره ثم جاءت دولة الشيعة بإفريقية و القيروان و كان للقائمين بها رسوخ في البداوة فاغفلوا أمر هذه الخطط أولاً و تنقيح أسمائها كما تراه في أخبار دولتهم، و لما جاءت دولة الموحدين من بعد ذاك أغفلت الأمر أولا للبداوة ثم صارت إلى انتحال الأسماء و الألقاب و كان اسم الوزير في مدلوله ثم اتبعوا دولة الأمويين و قلدوها في مذاهب السلطان و اختاروا اسم الوزير لمن يحجب السلطان في مجلسه و يقف بالوفود و الداخلين على السلطان عند الحدود في تحيتهم و خطابهم و الآداب التي تلزم في الكون بين يديه و رفعوا خطة الحجابة عنه ما شاءوا و لم يزل الشأن ذلك إلى هذا العهد و أما في دولة الترك بالمشرق فيسمون هذا الذي يقف بالناس على حدود الآداب في اللقاء و التحية في مجالس السلطان
    و التقدم بالوفود بين يدي الدويدار و يضيفون إليه استتباع كاتب السر و أصحاب البريد المتصرفين في حاجات السلطان بالقاصية و بالحاضرة و حالهم على ذلك لهذا العهد و الله مولي الأمور لمن يشاء. الحجابة: قد قدمنا أن هذا اللقب كان مخصوصاً في الدولة الأموية و العباسية بمن يحجب السلطان عن العامة و يغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته و كانت هذه منزلة يوماً عن الخطط مرؤوسة لها إذ الوزير متصرف فيها بما يراه و هكذا كانت سائر أيام بنى العباس لم إلى هذا المهد فهي بمصر مرؤوسة لصاحب الخطة العليا المسمى بالنائب. و أما في الدولة الأموية بالأندلس فكانت الحجابة لمن يحجب السلطان عن الخاصة و العامة و يكون واسطة بينه و بين الوزراء فمن دونهم فكانت في دولتهم رفيعة غاية كما تراه في أخبارهم كابن حديد و غير من حجابهم ثم لما جاء الاستبداد على الدولة اختص المستبد باسم الحجابة لشرفها فكان المنصور بن أبي عامر و أبناوه كذلك و لما بدوا في مظاهر الملك و أطواره جاء من بعدهم من ملوك الطوائف فلم يتركوا لقبها و كانوا يعدونه شرفاً لهم و كان أعظمهم ملكاً بعد انتحال ألقاب الملك و أسمائه لا بد له من ذكر الحاجب و ذي الوزارتين يعنون به السيف و القلم


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    و يدلون بالحجابة على حجابة السلطان عن العامة و الخاصة و بذي الوزارتين عن جمعه لخطتي السيف و القلم. ثم لم يكن في دول المغرب و أفريقية ذكر لهذا الاسم للبداوة التي كانت فيهم و ربما يوجد في دولة العبيديين بمصر عند استعظامها و حضارتها إلا أنه قليل. و لما جاءت دولة الموحدين لم تستمكن فيها الحضارة الداعية إلى انتحال الألقاب و تمييز الخطط و تعيينها بالأسماء إلا آخراً فلم يكن عندهم من الرتب إلا الوزير فكانوا أولاً يخصون بهذا الاسم الكاتب المتصرف المشارك للسلطان في خاص أمر كابن عطية و عبد السلام الكومي و كان له مع ذلك النظر في الحساب و الأشغال المالية ثم صار بعد ذلك اسم الوزير لأهل نسب الدولة من الموحدين كابن جامع و غيره و لم يكن اسم الحاجب معروفاً في دولتهم يومئذ. و أما بنو أبي حفص بأفريقية فكانت الرئاسة في دولتهم أولاً و التقدم لوزير و الرأي و المشورة و كان يخص باسم شيخ الموحدين و كان له النظر في الولايات و العزل وقود العساكر و الحروب و اختص الحسبان و الديوان برتبة أخرى و يسمى متوليها بصاحب الأشغال ينظر فيها النظر المطلق في الدخل و الخرج و يحاسب و يستخلص الأموال و يعاقب على التفريط و كان من شرطه أن يكون من الموحدين و اختص عندهم القلم أيضاً بمن يجيد الترسيل و يؤتمن على الأسرار لأن الكتابة لم تكن من منتحل القوم و لا الترسيل بلسانهم فلم يشترط فيه النسب و احتاج السلطان لاتساع ملكه و كثرة المرتزقين بداره إلى قهرمان خاص بداره في أحواله يجريها على قدرها و ترتيبها من رزق و عطاء و كسوة و نفقة في المطابخ و الإصطبلات و غيرهما و حصر الذخيرة و تنفيذ ما يحتاج إليه في ذلك على أهل الجباية فخصوه باسم الحاجب و ربما أضافوا إليه كتابة فعلامة على السجلات إذا اتفق أنه يحسن صناعة الكتابة
    و ربما جعلوه لغيره و استمر الأمر على ذلك و حجب السلطان نفسه عن الناس فصار هذا الحاجب واسطة بين الناس و بين أهل الرتب كلهم ثم جمع له آخر الدولة السيف و الحرب ثم الرأي و المشورة فصارت الخطة أرفع الرتب و أوعبها للخطط ثم جاء الاستبداد و الحجر مدة من بعد السلطان الثاني عشر منهم ثم استبد بعد ذلك حفيده السلطان أبو العباس على نفسه و أذهب آثار الحجر و الاستبداد بإذهاب خطة الحجابة التي كانت سلماً إليه و باشر أموره كلها بنفسه من غير استعانة بأحد و الأمر على ذلك لهذا العهد. و أما دولة زناتة بالمغرب و أعظمها دولة بني مرين فلا أثر لاسم الحاجب عندهم و أما رئاسة الحرب و العساكر في للوزير و رتبة القلم في الحسبان و الرسائل راجعة إلى من يحسنها من أهلها و إن اختصت ببعض البيوت المصطنعين في دولتهم و قد تجمع عندهم و قد تفرق و أما باب السلطان و حجبه عن المائة فهي رتبة عندهم فيسمى صاحبها عندهم بالمزوار و معناه المقدم على الجنادرة المتصرفين بباب السلطان في تنفيذ أوامر و تصريف عقوباته و إنزال سطواته و حفظ المعتقلين في سجونه و العريف عليهم في ذلك فالباب له و أخذ الناس بالوقوف عند الحدود في دار العامة راجع إليه فكأنها وزارة صغرى. و أما دولة بني عبد الواد فلا أثر عندهم لشيء من هذه الألقاب و لا تمييز الخطط لبداوة دولتهم و قصورها و إنما يخصون باسم الحاجب في بعض الأحوال منفذ الخاص بالسلطان في داره كما كان في دولة بني أبي حفص و قد يجمعون له الحسبان و السجل كما كان فيها حملهم على ذلك تقليد الدولة بما كانوا في تبعتها و قائمين بدعوتها منذ أول أمرهم.
    و أما أهل الأندلس لهذا العهد فالمخصوص عندهم بالحسبان و تنفيذ حال السلطان و سائر الأمور المالية يسمونه بالوكيل و أما الوزير فكالوزير إلا أنه يجمع له الترسيل و السلطان عندهم يضع خطه على السجلات كلها فليس هناك خطة العلامة كما لغيرهم من الدول. و أما دولة الترك بمصر فاسم الحاجب عندهم موضوع لحاكم من أهل الشوكة و هم الترك ينفذ الأحكام بين الناس في المدينة و هم متعددون
    و هذه الوظيفة عندهم تحت وظيفة النيابة التي لها الحكم في أهل الدولة و في العامة على الإطلاق و للنائب التولية و العزل في بعض الوظائف على الأحيان و يقطع القليل من الأرزاق و يبتها و تنفذ أوامره كما تنفذ المراسم السلطانية و كان له النيابة المطلقة عن السلطان و للحجاب الحكم فقط في طبقات العامة و الجند عند الترافع إليهم و إجبار من أبى الانقياد للحكم و طورهم تحت طور النيابة و الوزير في دولة الترك هو صاحب جباية الأموال في الدولة على اختلاف أصنافها من خراج أو مكس أو جزية ثم في تصريفها في الإنفاقات السلطانية أو الجرايات المقدرة و له مع ذلك التولية و العزل في سائر العمال المباشرين لهذه الجباية و التنفيذ على اختلاف مراتبهم و تباين أصنافهم و من عوائدهم أن يكون هذا الوزير من صنف القبط القائمين على ديوان الحسبان و الجباية لاختصاصهم بذلك في مصر منذ عصور قديمة و قد يوليها السلطان بعض الأحيان لأهل الشوكة من رجالات الترك أو أبنائهم على حسب الداعية لذلك و الله مدبر الأمور و مصرفها بحكمته لا إله إلا هو رب الأولين و الآخرين.
    ديوان الأعمال و الجبايات

    إعلم أن هذه الوظيفة من الوظائف الضرورية للملك و هي القياهم على أعمال الجبايات و حفظ حقوق الدولة في الدخل و الخرج و إحصاء العساكر بأسمائهم و تقدير أرزاقهم و صرف أعطياتهم في إباناتها و الرجوع في ذلك إلى القوانين التي يرتبها قومه تلك الأعمال و قهارمة الدولة و هي كلها مسطورة في كتاب شاهد بتفاصيل ذلك في الدخل و الخرج مبني على جزء كبير من الحساب لا يقوهم به إلا المهرة من أهل تلك الأعمال و يسمى ذلك الكتاب بالديوان و كذلك مكان جلوس العمال المباشرين لها. و يقال أن أصل هذه التسمية أن كسرى نظر يوماً إلى كتاب ديوانه و هم يحسبون على أنفسهم كأنهم يحادثون فقال ديوانه أي مجانين بلغة الفرس فسمي موضعهم بذلك و حذفت الهاء لكثرة الاستعمال تخفيفاً فقيل ديوان ثم نقل هذا الاسم إلى كتاب هذه الأعمال المتضمن للقوانين و الحسبانات و قيل أنه اسم للشياطين بالفارسية سمي الكتاب بذلك لسرعة نفوذهم في الأمور و وقوفهم على الجلي معها و الخفي و جمعهم لما شد و تفرق ثم نقل إلى مكان جلوسهم لتلك الأعمال و على هذا فيتناول اسم الديوان كتاب الرسائل و مكان جلوسه بباب السلطان على ما يأتي بعد و قد تفرد هذه الوظيفة بناظر واحد ينظر في سائر هذه الأعمال و قد يفرد كل صنف منها بناظر كما يفرد في بعض الدولي النظر في العساكر و إقطاعاتهم و حسبان أعطيه لهم أو غير ذلك على حسب مصطلح الدولة و ما قرره أولوها. و اعلم أن هذه الوظيفة إنما تحدث في الدول عند تمكن الغلب و الاستيلاء و النظر في أعطاف الملك و فنون التمهيد.
    و أول من وضع الديوان في الدولة الإسلامية عمر رضي الله عنه يقاد لسبب مال أتى به أبو هريرة رضي الله عنه من البحرين فاستكثروه و تعبوا في قسمه فسموا إلى إحصاء الأموال و ضبط العطاء و الحقوق فأشار خالد بن الوليد بالديوان و قال: رأيت ملوك الشام يدونون فقبل منه عمر و قيل بل أشار عليه به الهرمزان لما رآه يبعث البعوث بغير ديوان فقيل له و من يعلهم بغيبة من يغيب منهم فإن من تخلف أخل بمكانه و إنما يضبط ذلك الكتاب فأثبت لهم ديواناً و سأل عمر عن اسم الديوان. فعبر له و لما اجتمع ذلك أمر عقيل بن أبي طالب و مخرمة بن نوفل و خبير بن مطعم و كانوا من كتاب قريش فكتبوا ديوان العساكر الإسلامية على ترتيب الأنساب مبتدأ من قرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما بعدها الأقرب فالأقرب هكذا كان ابتداء ديوان الجيش و روى الزهري بن سعيد بن المسيب أن ذلك كان في المحرم سنة عشرين و أما ديوان الخراج و الجبايات فبقي بعد الإسلام على ما كان عليه من قبل ديوان العراق بالفارسية و ديوان الشام بالرومية و كتاب الدواوين من أهل العهد من الفريقين و لما جاء عبد الملك بن مروان و استحال الأمر ملكاً و انتقل القوم من غضاضة البداوة إلى رونق الحضارة و من سذاجة الأمية إلى حذق الكتابة و ظهر في العرب و مواليه م مهرة في الكتاب و الحسبان فأمر عبد الملك سليمان بن سعد والي الأردن لعهده أن ينقل ديوان الشام إلى العربية فأكمله لسنة من يوم ابتدائه و وقف عليه سرحون كاتب عبد الملك فقال لكتاب الروم: اطلبوا العيش في غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم. و أما ديوان العراق فأمر الحجاج كاتبه صالح بن عبد الرحمن و كان يكتب بالعربية و الفارسية و لقن ذلك عن زادان فروخ كاتب الحجاج قبله و لما قتل زادان في حرب عبد الرحمن بن الأشعث استخلف الحجاج صالحاً هذا مكانه و أمره أن ينقل الديوان من الفارسية إلى العربية ففعل و رغم لذلك كتاب الفرس و كان عبد الحميد بن يحي يقول لله در صالح ما أعظم منته على الكتاب ثم جعلت هذه الوظيفة في دولة بني العباس مضافة إلى من كان له النظر فيه كما كان شأن بني برمك و بنى سهل بن نوبخت و غيرهم من وزراء الدولة. و أما ما يتعلق بهذه الوظيفة من الأحكام الشرعية مما يختص بالجيش أو بيت المال في الدخل و الخرج و تمييز النواحي بالصلح و الغنوة و في تقليد هذه الوظيفة لمن يكون و شروط الناظر فيها و الكاتب و قوانين الحسبانات فأمر راجع إلى كتب الأحكام السلطانية و هي مسطورة هنالك و ليست من عرض كتابنا و إنما نتكلم فيها من حيث طبيعة الملك الذي نحن بصدد الكلام فيه و هذه الوظيفة جزء عظيم من الملك بل هي ثالثة أركانه لأن الملك لا بد له من الجند و المال و المخاطبة لمن غاب عنه فاحتاج صاحب الملك إلى الأعوان في أمر السيف و أمر القلم و أمر المال فينفرد صاحبها لذلك بجزء من رئاسة الملك و كذلك كال الأمر في دولة بني أمية بالأندلس و الطوائف بعدهم و أما في دولة الموحدين فكان صاحبها إنما يكون من الموحدين يستقل بالنظر في استخراج الأموال و جمعها و ضبطها و تعقب نظر الولاة و العمال فيها ثم تنفيذها على قدرها و في مواقيتها و كان يعرف بصاحب الأشغال و كان ربما يليها في الجهات غير الموحدين ممن يحسنها. و لما استبد بنو أبي حفص بأفريقية و كان شأن الجالية من الأندلس فقدم عليهم أهل البيوتات و فيهم من كان يستعمل ذلك في الأندلس مثل بني سعيد أصحاب القلعة جوار غرناطة المعروفين ببني أبي الحسن فاستكفوا بهم في ذلك و جعلوا لهم النظر في الأشغال كما كان لهم بالأندلس و دالوا فيها بينهم و بين الموحدين ثم استقل بها أهل الحسبان و الكتاب و خرجت عن الموحدين ثم لما استغلظ أمر الحاجب و نفذ أمره في كل شأن من شؤون الدولة تعطل هذا الرسل و صار صاحبه مرؤوساً للحاجب و أصبح من جملة الجباة و ذهبت تلك الرئاسة التي كانت له في الدولة. و أما دولة بني مرين لهذا العهد فحسبان العطاء و الخراج مجموع لواحد و صاحب هذه الرتبة هو الذي يصحح الحسبانات كلها و يرجع إلى ديوانه و نظره معقب بنظر السلطان أو الوزير و خطه معتبر في صحت الحسبان في الخارج و العطاء هذه أصول الرتب و الخطط السلطانية و هي الرتب العالية التي هي عامة النظر و مباشر للسلطان. و أما هذه الرتبة في دولة الترك فمتنوعة و صاحب ديوان العطاء يعرف بناظر الجيش و صاحب المال مخصوص باسم الوزير و هو الناظر في ديوان الجباية العامة للدولة و هو أعلى رتب الناظرين في الأموال لأن النظر في الأموال عندهم يتنوع إلى رتب كثيرة لانفساح دولتهم و عظمة سلطانهم و أتساع الأموال و الجبايات عن أن يستقل بضبطها الواحد من الرجال و لو بلغ في الكفاية مبالغة فتعين للنظر العام منها هذا المخصوص باسم الوزير و هو مع ذلك رديف لمولى من موالي السلطان و أهل عصبيته و أرباب السيوف في الدولة يرجع نظر الوزير إلى نظره و يجتهد جهده في متابعته و يسمى عندهم أستاذ الدولة و هو أحد الأمراء الأكابر في الدولة من الجند و أرباب السيوف و يتبع هذه الخطة خطط عندهم أخرى كلما راجعة إلى الأموال و الحسبان مقصورة النظر إلى أمور خاصة مثل ناظر الخاص و هو المباشر لأموال السلطان الخاصة به من إقطاعاته أو سهمانه من أموال الخراج و بلاد الجباية مما ليس من أموال المسلمين العامة و هو تحت يد الأمير أستاذ الدار و إن كان الوزير من الجند فلا يكون لاستاذ الدار نظر عليه و نظر الخاص تحت يد الخازن لأموال السلطان من مماليكه المسمى خازن الدار لاختصاص وظيفتهما بمال السلطان الخاص. هذا بيان هذه الخطة بدولة الترك بالمشرق بعد ما قدمناه من أمرها بالمغرب و الله مصرف الأمور لا رب غيره.
    ديوان الرسائل و الكتابة
    هذه الوظيفة غير ضرورية في الملك لاستغناء كثير من الدول عنها رأساً كما في الدول العريقة في البداوة التي لم يأخذها تهذيب الحضارة و لا استحكام الصنائع و إنما أكد الحاجة إليها في الدولة الإسلامية شأن اللسان العربي و البلاغة في العبارة عن المقاصد فصار الكتاب يؤدي كنه الحاجة بم بلغ من العبارة اللسانية في الأكثر و كان الكاتب للأمير يكون من أهل نسبه و من عظماء قبيله كما كان للخلفاء و أمراء الصحابة بالشام و العراق لعظم أمانتهم و خلوص أسرارهم فلما فسد اللسان و مهار صناعة اختص بمن يحسنه و كانت عند بني العباس رفيعةً و كان الكاتب يصدر السجلات مطلقة و يكتب في آخرها اسمه و يختم عليها بخاتم السلطان و هو طابع منقوش فيه اسم السلطان أو شارته يغمس في طين أحمر مذاب بالماء و يسمى طين الختم و يطبع به على طرفي السجل عند طيه و إلصاقه ثم صارت السجلات من بعدهم تصدر باسم السلطان و يضع الكاتب فيها علامته أولاً أو آخراً على حسب الاختيار في محلها و في لفظها ثم قد تنزل هذه الخطة بارتفاع المكان عند السلطان لغير صاحبها من أهل المراتب في الدولة أو استبداد وزير عليه فتصير علامة هذا الكتاب ملغاة الحكم بعلامة الرئيس عليه يستدل بها فيكتب صورة علامته المعهودة و الحكم لعلامة ذلك الرئيس كما وقع آخر الدولة الحفصية لما ارتفع شأن الحجابة و صار أمرها إلى التفويض ثم الاستبداد

  • صفحة 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. الشام شامك لو الزمن ضامك .. الجزء الثالث
      بواسطة شوالأخبار في المنتدى ملتقى صـــور ســــوريا الغالية Syria photographs
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 09-12-2010, 11:47 AM
    2. مقدمة ابن خلدون - الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 26
      آخر مشاركة: 08-01-2010, 01:24 AM
    3. مقدمة أبن خلدون (الجزء الأول)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 22
      آخر مشاركة: 07-29-2010, 08:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. معجم البلدان الجزء الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 74
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 05:49 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1