الشيب ظاهرة مؤثرة في المشاعر البشرية والقرائح الشعرية والشيب في نظر العلماء نذير من نذر الموت يوجب التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود وأهم مظاهر التجافي عن دار الغرور الإقلاع عن المعاصي وبخاصة الموبقات المهلكات ولهذا ورد في الحديث ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامه ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه و لا يبيع إلا بيمينه .
وأما في حس الأدباء فله دلالات كثيرة تحلق في عالم الخيال احياناً وتلامس الحقيقة احياناً اخرى حتى تنفذ إلى أعماق القلوب كقول أبي الحسن التهامي في رثاء ولده :-
وتلهب الأحشاء شيب مفرقي .... هذا الشعاع شرار تلك النار
فالحزن الشديد يورث أهله الشيب السريع وقد لا يقتصر تأثير المشاعر القلبية على مجرد شرار الشيب المتناثر في الرأس بل قد يعمه حتى يقلبه رأساً وبخاصة إذا حل بالقلب ماهو أعظم من الحزن ، ومن أعجب ما قرأته في هذا الصدد ماذكره ابن القيم في كتاب الروح أنه بينما راكب يسير بين مكه والمدينه اذ مر بمقبرة فإذا برجل قد خرج من قبر يلتهب ناراً مصفداً في الحديد فقال: يا عبد الله انضح ياعبدالله انضح وخرج آخر يتلوه فقال ياعبدالله لاتنضح وغشي على الراكب وعدلت به راحلته إلى العرج وأصبح وقد ابيض شعره فأخبر عثمان بن عفان بذلك فنهى ان يسافر الرجل وحده ا . هـ
وهذا لا ينافي عقيدة أهل السنه في أن عذاب القبر ونعيمه غيب عن الثقلين لأن الله سبحانه وتعالى قد يكشفه لبعض خلقه لحكمه وقد وقع شئ من ذلك في عهد الصحابه كما ذكره ابن القيم في الكتاب المذكور . وأعظم من هذا الفزع مايكون يوم القيامة حين يأمر الله آدم بإخراج بعث النار من ذريته ، فيقول : يارب ومابعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ! فعند ذاك يشيب الولدان !!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)