~ ~ ~ ~ ~
نظل ساهرات حتى ساعة متأخرة من الليل، الأمر الذي يجعل نشاطنا و حيويتنا محدودين في النهار التالي...
أنا و ابنتا خالتي نهلة و سارة لا نجد ما نفعله إلا الحديث و مشاهدة التلفاز و قراءة المجلات!
" أوف ! أشعر بالضجر ! نهلة ما رأيك في الذهاب إلى السوق ؟ "
قلت و أنا أزيح المنشفة عن شعري بملل ...
تفكّر نهلة قليلا ثم تقول :
"في هذا الصباح؟؟...إمممم... حسنا... تبدو فكرة جميلة!! "
و تسارع سارة بالقول :
" سأذهب معكما "
و هذه الـ سارة تلازمنا ما لا يكاد يقل عن 24 ساعة في اليوم !
قالت نهلة:
" إذن تولي أنت ِ إخبار أمّي و إقناع حسام بمرافقتنا ! "
و لم تكد نهلة تنهي جملتها إلا و سارة قد ( طارت ) لتنفيذ الأوامر!
ضحكنا قليلا... ثم باشرت بتسريح شعري أمام المرآة... كنت قد أنهيت حمامي الصباحي قبل قليل و تركت قطرات الماء تنساب من شعري على ظهري بعفوية...
وقفت ابنة خالتي خلفي تراقبني...
" طال شعرك رغد... ألن تقصّيه ؟ "
و قد كنت معتادة على قص شعري كلما طال، فالشعر الطويل لا يروق لي و لا يناسب ملامح وجهي ! هكذا كانت دانة تقول دوما...
" لم يكن بإمكاني ذلك قبل الآن..."
و أضفت :
" آه ... لقد كنت حبيسة الحجاب طوال شهور "
و أنا أسترجع ذكريات عيشي في المزرعة تحت أنظار وليد و العجوز
لقد كان المنزل صغيرا و لم أكن استطيع التجوّل بأرجائه بحرية و لم أكن أغادر غرفة النوم إلا بحجابي و عباءتي ... و جواربي أيضا !
أما هنا... فأنا أتحرّك بحرية في الطابق العلوي بعيدا عن أعين حسام و أبيه...
أما عينا نهلة فلا تزالان تتفحصانني!
قالت :
" و يبدو أنك كذلك نحفت ِ بعض الشيء يا رغد ! أنظري... تظهر ندبتك و كأنها قد كبرت قليلا"
و هي تمسك بذراعي الأيسر مشيرة إلى الندبة القديمة التي تركها الجمر عليها عندما أحرقني قبل سنين...
" مع أنني كنت آكل جيدا في المزرعة ! "
" كيف كانت حياتك في المزرعة ؟ "
تنهّدت تنهيدة طويلة و رفعت رأسي إلى السقف... كم من الوقت مضى و أنا سجينة هناك !
و بالرغم من قربي من وليد، لم أكن أشعر إلا بالضيق من وجود الشقراء الدخيلة... و لم تكن الأيام تمر بسلام...
" آه يا نهلة... حياة بسيطة جدا... ليس فيها أي شيء... هم يعملون في المزرعة و أنا أرسمها!... كانت جميلة و لكن العيش فيها أشبه بالعيش في السجن "
و وصفت لها شيئا من أحوالي هناك و كيف أنني افتقدت الحرية حتى في أبسط الأشياء و عانيت من الغربة و بعض المشاكل مع أروى
و حالما جئت بذكر اسم هذه الأخيرة عبست ُ بوجهي !
لاحظت نهلة ذلك... ثم قالت :
"إنها جميلة جدا! كم هو محظوظ ابن عمّك ! "
و لا أدري إن قالت ذلك عفويا أو عمدا لإزعاجي ! رفعت فرشاة شعري أمام وجهها و هددتها بالضرب !
نهلة ضحكت و ابتعدت بمرح... أما أنا فتملكني الشرود و الحزن، و لما رأت ذلك نهلة أقبلت و أخذت تداعب خصلات شعري المبلل و تربت علي ّ و تقول :
" أنت ِ أيضا جميلة يا رغد... الأعمى من لا يلحظ ذلك !"
قلت :
" لكنها أجمل منّي بكثير... و عندما تتزين تصبح لوحة فنيّة مذهلة... لا يمكن المقارنة بيننا "
قالت:
" و لم أصلا المقارنة بينكما ؟ أنت رغد و هي أروى "
قلت بصوت منكسر :
" نعم... أنا رغد اليتيمة المعدومة... لا أم و لا أب و بيت و لا مال... و هي أروى الحسناء الثرية صاحبة أكبر ثروة في المدينة الساحلية و إحدى أجمل المزارع في المدينة الزراعية... من سيلتفت إلي إزاء ما لديها هي ؟؟ "
و رميت بالفرشاة جانبا في غضب...
نهلة نظرت إلى مطولا ثم قالت :
" و ماذا بعد ذلك؟ هل ستتوقفين عن حب ابن عمّك هذا ؟ "
أتوقف؟
و كأن الأمر بيدي... لا أستطيع ...
أغمضت عيني في إشارة منّي إلى العجز...
" إذن... ماذا ستفعلين؟ الأمر تعقد الآن و الرجل قد تزوج ! "
قلت بسرعة :
" لا لم يتزوج ... خطب فقط... و يمكن أن ينهي علاقته بالشقراء في أي وقت "
و لأن نظرات الاستنكار علت وجه نهلة أضفت :
" فأنا بعد أكثر من أربع سنوات من الخطوبة الحميمة انفصلت عن خطيبي "
نهلة هزت رأسها بأسى... ثم قالت :
" رغد... هل تعتقدين أن هذه الفكرة هي التي تدور برأس ابن عمّك؟ الرجل قد ارتبط بفتاة أخرى و ربما هو يحبها و يعد للزواج منها ! "
قلت بغضب:
" و ماذا عنّي أنا ؟؟ "
نظرت إلى بتمعن و قالت و هي تشير بسبابتها اليمنى :
" أنت أيضا... ستتزوجين رجلا يحبّك و يحترمك كثيرا... وينتظر منك الإشارة "
و هنا أقبلت سارة تقول :
" حسام موافق ! "
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 54 (0 من الأعضاء و 54 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)