ذكر الخبر عن دخول شبيب الكوفة مرة ثانية

وفي هذه السنة دخل شبيب الكوفة دخلته الثانية.
ذكر الخبر عن ذلك وما كان من حربه بها الحجاج
قال هشام: حدثني أبو مخنف، عن موسى بن سوار، قال: قدم سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف من الدسكرة الكوفة بعدما قدم جيش الشام الكوفة، وكان مطرف بن المغيرة كتب إلى الحجاج: إن شبيبًا قد أطل علي، فابعث إلى المدائن بعثًا. فبعث إليه سيرة بن عبد الرحمن ابن مخنف في مائتي فارس، فلما خرج مطرف يريد الجبل خرج بأصحابه معه وقد أعلمهم ما يريد، وكتم ذلك سبرة، فلما انتهى إلى دسكرة الملك دعا سبرة فأعلمه ما يريدن ودعا إلى أمره، فقال له: نعم أنا معك، فلما خرج من عنده بعث إلى أصحابه فجمعهم، وأقبل بهم فصادف عتاب ابن ورقاء قد قتل وشبيبًا قد مضى إلى الكوفة، فأقبل حتى انتهى إلى قرية يقال لها بيطرى، وقد نزل شبيب حمام عمر، فخرج سبرة حتى يعبر الفرات في معبر قرية شاهي، ثم أخذ الظهر حتى قدم على الحجاج، فوجد أهل الكوفة مسخوطًا عليهم، فدخل على سفيان بن الأبرد، فقص قصته عليه وأخبره بطاعته وفراقه مطرفًا، وانه لم يشهد عتابًا ولم يشهد هزيمة في مواطن أهل الكوفة، ولم أزل للأمير عاملًا، ومعي مائتا رجل لم يشهدوا معي هزيمة قط، وهم على طاعتهم ولم يدخلوا في فتنة. فدخل سفيان إلى الحجاج فخبره بخبر ما قص عليه سبرة بن عبد الرحمن، فقال: صدق وبر! قل له: فليشهد معنا لقاء عدونا، فخرج إليه فأعلمه ذلك. وأقبل شبيب حتى نزل موضع حمام أعين، ودعا الحجاج الحارث بن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي فوجهه في ناس من الشرط لم يكونوا شهدوا يوم عتاب، ورجال كانوا عمالًا في نحو من مائتي رجل من أهل الشام، فخرج في نحو من ألف، فنزل زرارة، وبلغ ذلك شبيبًا، فتعجل إليه في أصحابه، فلما أنتهى إليه حمل عليه فقتله، وهزم أصحابه، وجاءت المنهزمة فدخلوا الكوفة. وجاء شبيب حتى قطع الجسر، وعسكر دونه إلى الكوفة، وأقام شبيب في عسكره ثلاثة أيام؛ فلم يكن في أول يوم إلا قتل الحارث بن معاوية، فلما كان في اليوم الثاني أخرج الحجاج مواليه وغلمانه عليهم السلاح، فأخذوا بأفواه السكك مما يلي الكوفة، وخرج أهل الكوفة فأخذوا بأفواه سككهم، وخشوا إن لم يخرجوا موجدة الحجاج وعبد الملك بن مروان. وجاء شبيب حتى ابتنى مسجدًا في أقصى السبخة مما يلي موقف أصحاب القت عند الإيوان، وهو قائم حتى الساعة، فلما كان اليوم الثالث أخرج الحجاج ابا الورد مولىً له عليه تجفاف، وأخرج مجففة كثيرة وغلماناُ له، وقالوا له: هذا الحجاج، فحمل عليه شبيب فقتله، وقال: إن كان هذا الحجاج فقد أرحمتكم منه. ثم إن الحجاج أخرج له غلامه طهمان في مثل تلك العدة على مثل تلك الهيئة، فحمل عليه شبيب فقتله، وقال إن كان هذا الحجاج فقد أرحمتكم منه. ثم إن الحجاج خرج ارتفاع النهار من القصر فقال: ائتوني ببغل أركبه ما بينى وبين السبخة، فأتى ببغل محجل، فقيل له: إن الأعاجم أصلحك الله تطير أن تركب في مثل هذا اليوم مثل هذا البغل، فقال: أدنوه منى، فإن اليوم يوم أغر محجل؛ فركبه ثم خرج في أهل الشام حتى أخذ في سكة البريد، ثم خرج في أعلى السبخة، فلما نظر الحجاج إلى شبيب وأصحابه نزل، وكان شبيب في ستمائة فارس، فلما رأى الحجاج قد خرج إليه أقبل بأصحابه، وجاء سبرة بن عبد الرحمن إلى الحجاج فقال: أين يأمرني الأمير أن أقف؟ فقال: قف على أفواه السكك، فإن جاءوكم فكان فيكم قتال فقاتلوا، فانطلق حتى وقف في جماعة الناس، ودعا الحجاج بكرسي له فقعد عليه، ثم نادى: يا أهل الشام، أنتم أهل السمع والطاعة والصبر واليقين، لا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم، غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، واستقبلوا القوم بأطراف الأسنة، فجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح، وكأنهم حرة سوداء. وأقبل إليهم شبيب حتى إذا دنى منهم عبى أصحابه ثلاثة كراديس، كتيبة معه، وكتيبة مع سويد بن سليم، وكتيية مع المحلل بن وائل، فقال لسويد. احمل عليهم في خيلكن فحمل عليهم، فثبتوا له، حتى إذا غشي أطراف الأسنة وثبوا في وجهه ووجوه أصحابه، فطعنوهم قدمًا حتى انصرف، وصاح الحجاج: يا أهل السمع والطاعة، هكذا فافعلوا. قدم كرسي يا غلام، وأمر شبيب المحلل. فحمل عليهم، ففعلوا به مثل ما فعلوا بسويد، فناداهم الحجاج: يا أهل السمع والطاعة؛ هكذا فافعلوا، قدم كرسي يا غلام. ثم إن شبيبًا حمل عليهم في كتيبته فثبتوا له، حتى إذا غشى أطراف الرماح وثبوا في وجهه، فقاتلهم طويلًا. ثم إن أهل الشام طعنوه قدمًا حتى ألحقوه بأصحابه، فلما رأى صبرهم نادى: يا سويد، احمل في خيلك على أهل هذه السكة - يعني سكة لحام جرير - لعلك تزيل أهلها عنها، فتأتي الحجاج من ورائه، ونحمل نحن عليه من أمامه. فانفرد سويد بن سليم فحمل على أهل تلك السكة؛ فرمى من فوق البيوت رأفواه السكك، فانصرف، وقد كان الحجاج جعل عروة بن المغيرة بن شعبة في نحو من ثلثمائة رجل من أهل الشام ردءًا له ولأصحابه لئلا يؤتوا من ورائه. قال أبو مخنف: فحدثني فروة بن لقيط: إن شبيبًا قال لنا يومئذ: يا أهل الإسلام إنما شرينا الله. ومن شرى الله لم يكبر عليه ما أصابه من أذى والألم في جنب الله. الصبر الصبر، شدة كشداتكم في مواطنكم الكريمة. ثم جمع أصحابه، فلما ظن الحجاج أنه حامل عليهم قال لأصحابه:
يا أهل السمع والطاعة، اصبروا لهذه الشدة الواحدة. ثم ورب السماء ما شيء دون الفتح. فجثوا على الركب. وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه. فلما غشيهم نادى الحجاج بجماعة الناس. فوثبوا في وجه، فما زالوا يطعنون ويضربون قدمًا ويدفعون شبيبًا وأصابه وهو يقاتلهم حتى بلغوا موضع بستان زائدة. فلما بلغ ذلك المكان نادى شبيب أصحابه: يا أولياء الله، الأرض الأرض. ثم نزل وأمر أصحابه فنزل نصفهم وترك نصفهم مع سويد بن سليم، وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبث، ثم قال: يا أهل الشام، يا أهل السمع والطاعة، هذا أول الفتح والذي نفس الحجاج بيده! وصعد المسجد معه نحو من عشرين رجلًا معهم النبل، فقال: إن دنوا منا فارشقوهم، فاقتتلوا عامة النهار من أشد قتال في الأرض، حتى أقر كل واحد من الفريقين لصاحبه. ثم إن خالد بن عتاب قال للحجاج: إئذن لي في قتالهم فإني موتور، وأنا ممن لا يتهم في نصيحة، قال: فإني قد أذنت لك، قال: فإني آتيهم من ورائهم حتى أغير على عسكرهم، فقال له: افعل ما بدا لك، قال: فخرج معه بعصابة من أهل الكوفة حتى دخل عسكرهم من ورائهم، فقتل مصادًا أخا شبيب، وقتل غزالة امرأته، قتلها فروة بن الدفان الكلبي، وحرق في عسكره، وأتى ذلك الخبر الحجاج وشبيبًا، فأما الحجاج وأصحابه فكبروا تكبيرة واحدة، وأما شبيب فوثب هو وكل راجل معه على خيولهم، وقال الحجاج لأهل الشام: شدوا عليهم فإنه قد أتاهم ما أرعب قلوبهم. فشدوا عليهم فهزموهم، وتخلف شبيب في حامية الناس. قال هشام: فحدثني أصغر الخارجي، قال: حدثني من كان مع شبيب قال: لما انهزم الناس فخرج من الجسر تبعه خيل الحجاج، قال: فجعل يخفق برأسه، فقلت: يا أمير المؤمنين، التفت فانظر من خلفك؛ قال: فالتفت غير مكترث، ثم أكب يخفق برأسه؛ قال: ودنوا منا؛ فقلنا يا أمير المؤمنين، قد دنوا منك، قال: فالتفت والله غير مكترث، ثم جعل يخفق برأسه. قال: فبعث الحجاج إلى خيله أن دعوه في حرق الله وناره، فتركوه ورجعوا. قال هشام: قال أبو مخنف: حدثني أبو عمرو العذرى، قال: قطع شبيب الجسر حين عبر. قال: وقال لي فروة: كنت معه حين انهزمنا فما حرك الجسر، ولا اتبعونا حتى قطعنا الجسر. ودخل الحجاج الكوفة، ثم صعد المنبر فحمد الله، ثم قال: والله ما قوتل شبيب قبلها، ولى والله هاربًا، وترك امرأته يكسر في أستها القصب. وقد قيل في قتال الحجاج شبيبًا بالكوفة ما ذكره عمر بن شبة قال: حدثني عبد الله بن المغيرة بن عطية، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا مزاحم بن زفر بن جساس التيمي، قال: لما فض شبيب كتائب الحجاج أذن لنا فدخلنا عليه في مجلسه الذي يبيت فيه وهو على سرير عليه لحاف، فقال: إني دعوتكم لأمر فيه أمان ونظر، فأشير علي؛ إن هذا الرجل قد تبحبح بحبوحتكم، ودخل حريمكم، وقتل مقاتلتكم، فأشيروا على؛ فأطرقوا. وفصل رجل من الصف بكرسيه فقال: إن أذن لي الأمير تكلمت، فقال: تكلم، فقال: إن الأمير والله ما راقب الله، ولا حفظ أمير المؤمنين. ولا نصح للرعية. ثم جلس بكرسيه في الصف. قال: وإذا هو قتيبة، قال: فغضب الحجاج وألقى اللحاف، ودلى قدميه من السرير كأني أنظر إليهما؛ فقال: من المتكلم؟ قال: فخرج قتيبة بكرسيه من الصف فأعاد الكلام، قال: فما الرأي؟ قال: أن تخرج إليه فتحاكمه؛ قال: فارتد لي معسكرًا ثم اغد إلى، قال: فخرجنا نلعن عنسبة بن سعيد، وكان كلم الحجاج في قتيبة، فجعله من أصحابه، فلما أصيحنا وقد أوصينا جميعًا. غدونا في السلاح، فصلى الحجاج الصبح ثم دخل، فجعل رسوله يخرج ساعة بعد ساعة فيقول: أجاء بعد؟ أجاء بعد؟ ولا ندري من يريد! وقد أفعمت المقصورة بالناس، فخرج الرسول فقال: أجاء بعد؟ وإذا قتيبة يمشي في المسجد عليه قباء هروى أصفر، وعمامة خز أحمر، متقلدًا سيفًا عريضًا قصير الحمائل كأنه في إبطه، قد أدخل بركة قبائه في منطقته، والدرع يصفق ساقيه وفتح له الباب فدخل ولم يحجب، فلبث طويلًا ثم خرج، وأخرج معه لواءً منشورًا. فصلى الحجاج ركعتين، ثم قام فتكلم، وأخرج اللواء من باب الفيل. وخرج الحجاج يتبعه، فإذا بالباب بغلة شقراء غراء محجلة فركبها، وعارضه الوصفاء بالدواب، فأبى غيرها. وركب الناس. وركب قتيبة فرسًا أغر محجلا كوميتًا كأنه في سرجه رمانة من عظم السرج، فأخذ في طريق دار السقاية حتى خرج إلى السبخة وبها عسكر شبيب، وذلك يوم الأربعاء، فتواقفوا، ثم غدوا يوم الخميس للقتال، ثم غادوهم يوم الجمعة. فلما كان وقت الصلاة انهزمت الخوارج. قال أبو زيد: حدثني خلاد بن يزيد، قال: حدثنا الحجاج بن قتيبة، قال: جاء شبيب وقد بعث إليه الحجاج أميرًا فقتله، ثم آخر فقتله. أحدهما أعين صاحب حمام أعين، قال: فجاء حتى دخل الكوفة ومعه غزالة، وقد كانت نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران. قال: ففعلت. قال: واتخذ شبيب في عسكره أخصاصًا، فقام الحجاج فقال: لا أراكم تناصحون في قتال هؤلاء القوم يا أهل العراق! وأنا كاتب إلى أمير المؤمنين ليمدني بأهل الشام. قال: فقام قتيبة فقال: إنك لم تنصح لله ولا لأمير المؤمنين في قتالهم. قال عمر بن شبة: قال خلاد: فحدثني محمد بن حفص بن موسى ابن عبيد الله بن معمر بن عثمان التميمي أن الحجاج خنق قتيبة بعمامته خنقًا شديدًا. ثم رجع الحديث إلى حديث الحجاج وقتيبة. قال: فقال: وكيف ذاك؟ قال: تبعث الرجل الشريف وتبعث معه رعاعًا من الناس فينهزمون عنه. ويستحي فيقاتل حتى يقتل؛ قال: فما الرأي؟ قال: أن تخرج بنفسك ويخرج معك نظراؤك فيؤاسونك بأنفسم. قال: فلعنه من ثم. وقال: والله لأبرزن له غدًا؛ فلما كان الغد حضر الناس، فقال قتيبة: اذكر يمينك أصلح الله الأمير! فلعنوه أيضًا. وقال الحجاج: اخرج فارتد لي معسكرًا، فذهب فتهيأ وهو وأصحابه فخزجوا، ف أتى على موضع فيه بعض القذر: موضع كناسة، فقال: ألقوا لي هاهنا. فقيل: إن الموضع قذر، فقال: ما تدعونني إليه أقذر، الأرض تحته طيبة، والسماء فوقه طيبة. قال: فنزل وصف الناس وخالد بن عتاب بن ورقاء مسخوط عليه فليس في القوم، وجاء شبيب وأصحابه فقربوا دوابهم، وخزجوا يمشون، فقال لهم شبيب: الهوا عن رميكم، ودبوا تحت تراسكم، حتى إذا كانت أسنتهم فوقها، فأصدقوها صعدًا، ثم ادخلوا تحتها لتستقلوا فتقطعوا أقدامهم، وهي الهزيمة بإذن الله. فأقبلوا يدبون إليهم. وجاء خالد بن عتاب في شاكريته، فدار من وراء عسكرهم، فأضرم أخصاصهم بالنار. فلما رأوا ضوء النار وسمعوا معمعتها التفتوا فرأوها في بيوتهم، فولوا إلى خيلهم وتبعهم الناس، وكانت الهزيمة. ورضي الحجاج عن خالد، وعقد له على قتالهم. قال: ولما قتل شبيب عتابًا أراد دخول الكوفة ثانية، فأقبل حتى شارفها فوجه إليه الحجاج سيف بن هانىء ورجلًا معه ليأتياه بخبر شبيب، فأتيا عسكره، ففطن بهما، فقتل الرجل، وأفلت سيف، وتبعه رجل من الخوارج، فأوثب سيف فرسه ساقية، ثم سأل الرجل الأمان على أن يصدقه، فآمنه، فأخبره ان الحجاج بعثه وصاحبه ليأتياه بخبر شبيب. قال: فأخبره أنا نأتيه يوم الاثنين. فأتى سيف الحجاج فأخبره؛ فقال: كذب وماق، فلما كان يوم الاثنين توجهوا يريدون الكوفة، فوجه إليهم الحجاج الحارث بن معاوية الثقفي، فلقيه شبيب بزرارة فقتله، وهزم أصحابه ودنا من الكوفة فبعث البطين في عشرة فوارس يرتاد له منزلًا على شاطىء الفرات في دار الرزق. فأقبل البطين وقد وجه الحجاج حوشب بن يزيد في جمع من أهل الكوفة، فأخذوا بأفواه السكك، فقاتلهم البطين فلم يقوى عليهم، فبعث إلى شبيب فأمده بفوارس، فعقروا فرس حوشب وهزموه ونجا، ومضى البطين إلى دار الرزق، وعسكر على شاطىء الفرات. وأقبل شبيب فنزل دون الجسر، فلم يوجه إليه الحجاج أحدًا، فمضى فنزل السبخة بين الكوفة والفرات، فأقام ثلاثًا لا يوجه إليه الحجاج أحدًا، فأشير على الحجاج ان يخرج بنفسه، فوجه قتيبة بن مسلم، فهيأ له عسكرًا ثم رجع، فقال: وجدت المآتي سهلًا، فسر على الطائر الميمون؛ فنادى في أهل الكوفة فخرجوا، وخرج معه الوجوه حتى نزلوا في ذلك العسكر وتواقفوا، وعلى ميمنة شبيب البطين. وعلى ميسرته قعنب مولى بني أبي ربيعة بن ذهل، وهو في زهاء مائتين. وجعل الحجاج على ميمنته مطر بن ناجية الرياح. وعلى ميسرته خالد بن عتاب بن ورقاء الرياح في زهاء أربعة آلاف. وقيل له: لاتعرفه موضعك، فتنكر وأخفي مكانه، وشبه له أبا الورد مولاه، فنظر إليه شبيب، فحمل عليه، فضربه بعمود وزنه خمسة عشر رطلًا فقتله، وشبه له أعين صاحب حمام أعين بالكوفة، وهو مولىً لبكر بن وائل فقتله، فركب الحجاج بغلة غراء محجلة، وقال: إن الدين أغر محجل، وقال لأبي كعب: قدم لواءك، أنا ابن أبي عقيل. وحمل شبيب على خالد بن عتاب وأصحابه، فبلغ بهم الرحبة، وحملوا على مطر بن ناجية فكشفوه، فنزل عند ذلك الحجاج وأمر أصحابه فنزلوا، فجلس على عباءة ومع عنبسة بن سعيد، فإنهم على ذلك إذ تناول مصقلة بن مهلول الضبي لجام شبيب؛ فقال: ما تقول في صالح بن مسرح؟ وبم تشهد عليه؟ قال: أعلى هذا الحال، وفي هذه الحزة؟! والحجاج ينظر، قال: فبرىء من صالح، فقال مصقلة: برىء الله منك. وفلرقوه إلا أربعين فارسًا هم أشد أصحابه، وانحاز الآخرون إلى دار الرزق؛ وقال الحجاج: قد اختلفوا، وأرسل إلى خالد بن عتاب فأتاهم فقاتلهم، فقتلت غزالة، ومر برأسها إلى الحجاج فارس فعرفه شبيب، فأمر علوان فشد على الفارس فقتله وجاء بالرأس، فأمر به فغسل ودفنه وقال: هي أقرب إليكم رحمًا - يعني غزالة.