ذكر الخبر عن خلاف ابن الأشعث على الحجاج

قال أبو جعفر: وفي هذه السنة خالف عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الحجاج ومن معه من جند العراق، وأقبلوا إليه لحربه في قول أبي مخنف، وروايته لذلك عن أبي المخارق الراسبي، وأما الواقدي فإنه زعم أن ذلك كان في سنة اثنتين وثمانين.
ذكر الخبر عن السبب الذي دعا عبد الرحمن بن محمد إلى ما فعل من ذلك وما كان من صنيعه بعد خلافه الحجاج في هذه السنة
قد ذكرنا فيما مضى قبل ما كان من عبد الرحمن بن محمد في بلاد رتبيل، وكتابه إلى الحجاج بما كان منه هناك، وبما عرض عليه من الرأي فيما يستقبل من أيامه في سنة ثمانين، ونذكر الآن ما كان من أمره في سنة إحدى وثمانين في رواية أبي مخنف، عن أبي المخارق. ذكر هشام عن أبي مخنف قال: قال أبو المخارق الراسبي: كتب الحجاج إلى عبد الرحمن بن محمد جواب كتابه: أما بعد، فإن كتابك أتاني، وفهمت ما ذكرت فيه، وكتابك كتاب امرئ يحب الهدنة، ويستريح إلى الموادعة، قد صانع عدوًا قليلًا ذليلًا، قد أصابوا من المسلمين جندًا كان بلاؤهم حسنًا، وغناؤهم في الإسلام عظيمًا. لعمرك يا بن أم عبد الرحمن؛ إنك حيث تكف عن ذلك العدو بجندي وحدي لسخى النفس عمن أصيب من المسلمين. إني لم أعدد رأيك الذي زعمت أنك رأيته رأى مكيدة، ولكني رأيت أنه لم يحملك عليه إلا ضعفك، والتياث رأيك، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم، والهدم لحصونهم، وقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم. ثم أردفه كتابًا فيه: أما بعد، فمر من قبلك من المسلمين فليحرثوا وليقيموا، فإنها دارهم حتى يفتحها الله عليهم. ثم أردفه كتابًا آخر فيه: أما بعد، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم، وإلا فإن إسحاق ابن محمد أخاك أمير الناس، فخله وما وليته. فقال حين قرأ كتابه: أنا أحمل ثقل إسحاق؛ فعرض له، فقال: لا تفعل، فقال: ورب هذا - يعني المصحف - لئن ذكرته لأحد لأقتلنك. فظن أنه يريد السيف، فوضع يده على قائم السيف، ثم دعا الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني لكم ناصح، ولصلاحكم محب، ولكم في كل ما يحيط بكم نفعه ناظر، وقد كان من رأيي فيما بينكم وبين عدوكم رأى استشرت فيه ذوي أحلامكم، وأولى التجربة للحرب منكم، فرضوه لكم رأيًا، ورأوه لكم في العاجل والآجل صلاحًا، وقد كتبت إلى أميركم الحجاج، فجاءني منه كتاب يعجزني ويضعفني، ويأمرني بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك إخوانكم فيها بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم، وآبى إذا أبيتم. فثار إليه الناس فقالوا: لا، بل نأبى على عدو الله، ولا نسمع له ولا نطيع قال أبو مخنف: فحدثني مطرف بن عامر بن واثلة الكناني أن أباه كان أول متكلم يومئذ، وكان شاعرًا خطيبًا، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد، فإن الحجاج والله ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الأول إذ قال لأخيه: احمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك، وإن نجا فلك، إن الحجاج والله ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلادًا كثيرة اللهوب واللصوب، فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد وحاز المال، وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذي لا يبالي عنتهم، ولا يبقي عليهم، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن، فإني أشهدكم أني أول خالع. فنادى الناس من كل جانب، فعلنا فعلنا، قد خلعنا عدو الله، وقام عبد المؤمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانيًا - وكان على شرطته حين أقبل - فقال: عباد الله، إنكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم ما بقيتم، وجمركم تجمير فرعون الجنود، فإنه بلغني أنه أول من جمر البعوث، ولن تعاينوا الأحبة فيما أرى أو يموت أكثركم بايعوا أميركم، وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن بلادكم، فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه، فقال: تبايعوني على خلع الحجاج عدو الله وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق فبايعه الناس، ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشيء قال أبو مخنف: حدثني عمر بن ذر القاص أن أباه كان معه هنالك، وأن ابن محمد كان ضربه وحبسه لا نقطاعه كان إلى أخيه القاسم بن محمد، فلما كان من أمره الذي كان من الخلاف دعاه فحمله وكساه وأعطاه، فأقبل معه فيمن أقبل، وكان قاصًا خطيبًا قال أبو مخنف: حدثني سيف بن بشر العجلي، عن المنخل بن حابس العبدي أن ابن محمد لما أقبل من سجستان أمر على بست عياض ابن هميان البكري، من بني سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وعلى زرنج عبد الله بن عامر التميمي ثم الدارمي، ثم بعث إلى رتبيل، فصالحه على أن ابن الأشعث إن ظهر فال خراج عليه أبدًا ما بقي، وإن هزم فأراده ألجأه عنده.
قال أبو مخنف: حدثني خشينة بن الوليد العبسي أن عبد الرحمن لما خرج من سجستان مقبلا إلى العراق سار بين يديه الأعشى على فرس، وهو يقول:
شطت نوى من داره بالإيوان ** إيوان كسرى ذي القرى والريحان
من عاشق أمسى بزابلستان ** إن ثقيفًا منهم الكذابان
كذابها الماضي وكذاب ثان ** أمكن ربي من ثقيف همدان
يومًا إلى الليل يسلى ما كان ** إنا سمونا للكفور الفتان
حين طغى في الكفر بعد الإيمان ** بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالدبى من قحطان ** ومن معد قد أتى ابن عدنان
بجحفل جم شديد الإرنان ** فقل لحجاج ولي الشيطان
يثبت لجمع مذحج وهمدان ** فإنهم ساقوه كأس الذيقان
وملحقوه بقرى ابن مروان
قال: وبعث على مقدمته عطية بن عمرو العنبري، وبعث الحجاج إليه الخيل، فجعل لا يلقى خيلا إلا هزمها، فقال الحجاج: من هذا؟ فقيل له: عطية، فذلك قول الأعشى:
فإذا جعلت دروب فا ** رس خلفهم دربًا فدربا
فابعث عطية في الخيو ** ل يكبهن عليك كبًا
ثم إن عبد الرحمن أقبل يسير بالناس، فسأل عن أبي إسحاق السبيعي، وكان قد كتبه في أصحابه، وكان يقول: أنت خالي، فقيل له: ألا تأتيه فقد سأل عنك! فكره أن يأتيه، ثم أقبل حتى مر بكرمان فبعث عليهم خرشة ابن عمرو التميمي، ونزل أبو إسحاق بها، فلم يدخل في فتنته حتى كانت الجماجم، ولما دخل الناس فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن، فكان أول الناس. قال أبو مخنف فيما حدثني أبو الصلت التيمي: خلع عبد الملك بن مروان تيحان بن أبجر من تيم الله بن ثعلبة، فقام فقال: أيها الناس، إني خلعت أبا ذبان كخلعي قميصي، فخلعه الناس إلا قليلًا منهم، ووثبوا إلى ابن محمد فبايعوه، وكانت بيعته: تبايعون على كتاب الله وسنة نبيه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين، فإذا قالوا: نعم بايع. فلما بلغ الحجاج خلعه كتب إلى عبد الملك يخبره عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، ويسأله أن يعجل بعثه الجنود إليه، وبعث كتابه إلى عبد الملك يتمثل في آخره بهذه الأبيات، وهي للحارث بن وعلة:
سائل مجاور جرم جنيت لهم ** حربًا تفرق بين الجيرة الخلط
وهل سموت بجرار له لجب ** جم الصواهل بين الجم والفرط
وهل تركت نساء الحي ضاحية ** في ساحة الدار يستوقدون بالغبط
وجاء حتى نزل البصرة. وقد كان بلغ المهلب شقاق عبد الرحمن وهو بسجستان، فكتب إليه: أما بعد، فإنك وضعت رجلك يا بن محمد في غرز طويل الغي على أمة محمد . الله الله فانظر لنفسك لا تهلكها؛ ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت: أخاف الناس على نفسي فالله أحق أن تخافه عليها من الناس، فلا تعرضها لله في سفك دم، ولا استحلال محرم والسلام عليك. وكتب المهلب إلى الحجاج: أما بعد فإن أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل، وليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق شرة في أول مخرجهم، وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شيء يردهم حتى يسقطوا إلى أهليهم، ويثموا أولادهم، ثم واقفهم عندها، فإن الله ناصرك عليهم إنا شاء الله. فلما قرأ كتابه قال: فعل الله به وفعل، لا والله مالي نظر. ولكن لابن عمه نصح. لما رقع كتاب الحجاج إلى عبد الملك هاله ثم نزل عن سريره وبعث إلى خالد بن يزيد ين معاوية، ودعاه فأقرأه الكتاب، ورأى ما به من الجزع، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان هذا الحدث من قبل سجستان، فلا تخفه، وإن كان من قبل خراسان تخوفته. قال: فخرج إلى الناس فقام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن أهل العراق طال عليهم عمري فاستعجلوا قدري. اللهم سلط عليهم سيوف أهل الشام حتى يبلغوا رضاك، فإذا بلغوا رضاك لم يجاوزوا إلى سخطك. ثم نزل. وأقام الحجاج بالبصرة وتجهز ليلقى ابن محمد. وترك رأي المهلب وفرسان الشام يسقطون إلى الحجاج، في كل يوم مائة وخمسون وعشرة وأقل على البرد من قبل عبد الملك، وهو في كل يوم تسقط إلى عبد الملك كتبه ورسله بخبر ابن محمد أي كورة نزل، ومن أي كورة يرتحل، وأي الناس إليه أسرع. قال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج أن مكتبه كان بكرمان، وكان بها أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة، فلما مر بهم ابن محمد بن الأشعث، انجلفوا معه، وعزم الحجاج رأيه على استقبال ابن الأشعث، فسار بأهل الشام حتى نزل تستر، وقدم بين يديه مطهر بن حر العكي - أو الجذامى - وعبد الله بن رميشه الطائي، ومطهر على الفريقين، فجاءوا حتى انتهوا إلى دجيل، وقد قطع عبد الرحمن بن محمد خيلا له، عليها عبد الله بن أبان الحارثي في ثلثمائة فارس - وكانت مسلحةً له وللجند - فلما انتهى إليه مطهر بن حر أمر عبد الله بن رميثة الطائي فأقدم عليهم، فهزمت خيل عبد الله حتى انتهت إليه، وجرح أصحابه. قال أبو مخنف: فحدثني أبو الزبير الهمداني، قال: كنت في أصحاب ابن محمد إذ دعا الناس وجمعهم إليه ثم قال: اعبروا إليه من هذا المكان، فأقحم الناس خيولهم دجيل من ذلك المكان الذي أمرهم به. فوالله ما كان بأسرع من أن عبر عظم خيولنا، فما تكاملت حتى حملنا على مطهر بن حر والطائي فهزمناهما يوم الأضحى في سنة إحدى وثمانين وقتلناهم قتلا ذريعًا، وأصبنا عسكرهم، وأتت الحجاج الهزيمة وهو يخطب، فصعد إليه أبو كعب بن عبيد بن سرجس فأخبره بهزيمة الناس، فقال: أيها الناس، ارتحلوا إلى البصرة إلى معسكر ومقاتل وطعام ومادة، فإن هذا المكان الذي نحن به لا يحمل الجند، ثم انصرف راجعًا وتبعته خيول أهل العراق، فكلما أدركوا منهم شاذًا قتلوه، وأصابوا ثقلا حووه، ومضى الحجاج لا يلوي على شيء حتى نزل الزاوية، وبعث إلى طعام التجار بالكلاء فأخذه فحمله إليه، وخلى البصرة لأهل العراق. وكان عامله عليها الحكم ابن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي. وجاء أهل العراق حتى دخلوا البصرة. وقد كان الحجاج حين صدم تلك الصدمة وأقبل راجعًا دعا بكتاب المهلب، فقرأه ثم قال: لله أبوه! أي صاحب حرب هو! أشار علينا بالرأي، ولكنا لم نقبل.
وقال غير أبي مخنف: كان عامل البصرة يومئذ الحكم بن أيوب على الصلاة والصدقة، وعبد الله بن عامر بن مسمع على الشرط، فسار الحجاج في جيشه حتى نزل رستقباذ وهي من دستوري من كور الأهواز، فعسكر بها، وأقبل ابن الأشعث فنزل تستر، وبينهما نهر، فوجه الحجاج مطهر ابن حر العكي في ألفي رجل، فأوقعوا بمسلحة لابن الأشعث، وسار ابن الأشعث مبادرًا، فواقعهم، وهي عشية عرفة من سنة إحدى، وثمانين فيقال: إنهم قتلوا من أهل الشام ألفًا وخمسمائة، وجاءه الباقون منهزمين، ومعه يومئذ مائة وخمسون ألف ألف، ففرقها في قواده، وضمنهم إياها، وأقبل منهزمًا إلى البصر. وخطب ابن الأشعث أصحابه فقال: أما الحجاج فليس بشيء، ولكنا نريد غزو عبد الملك، وبلغ أهل البصرة هزيمة الحجاج، فأراد عبد الله بن عامر بن مسمع أن يقطع الجسر دونه، فرشاه الحكم ابن أيوب مائة ألف، فكف عنه. ودخل الحجاج البصرة، فأرسل إلى ابن عامر فانتزع المائة الألف منه. رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف عن أبي الزبير الهمداني. فلما دخل عبد الرحمن بن محمد البصرة بايعه على حرب الحجاج، وخلع عبد الملك جميع أهلها من قراءها وكهولها، وكان رجل من الأزد من الجهاضن يقال له عقبة بن عبد الغافر له صحابة، فننزا فبايع عبد الرحمن مستبصرًا في قتال الحجاج، وخندق الحجاج عليه، وخندق عبد الرحمن على البصرة. وكان دخول عبد الرحمن البصرة فر آخر ذي الحجة من سنة إحدى وثمانين. وحج بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الملك، كذا حدثني أحمد ابن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي، وقال: في هذه السنة ولد ابن أبي ذئب. وكان العامل في هذه السنة على المدينة أبان بن عثمان، وعلى العراق والمشرق الحجاج بن يوسف، وعلى حرب خراسان المهلب، وعلى خراجها المغيرة بن المهلب من قبل الحجاج، وعلى قضاء الكوفة أبو بردة بن أبي موسى، وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة.
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين

ذكر الخبر عن الكائن من الأحداث فيها

خبر الحرب بين الحجاج وابن الأشعث بالزاوية

فمن ذلك ما كان بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد من الحروب بالزاوية، ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثني أبو الزبير الهمداني قال: كان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة، واقتتلوا في المحرم من سنة اثنتين وثمانين، فتزاحفوا ذات يوم، فاشتد قتالهم. ثم إن أهل العراق هزموهم حتى انتهوا إلى الحجاج، وحتى قاتلوهم على خنادقهم، وانهزمت عامة قريش وثقيف، حتى قال عبيد بن موهب مولى الحجاج وكاتبه:
فر البراء وابن عمه مصعب ** وفرت قريش غير آل سعيد
ثم إنهم تزاحفوا في المحرم في آخره في اليوم الذي هزم فيه أهل العراق أهل الشام، فنكصت ميمنتهم وميسرتهم، واضطربت رماحهم، وتقوض صفهم، حتى دنوا منا، فلما رأى الحجاج ذلك جثا على ركبتيه، وانتضى نحوًا من شبر من سيفه، وقال: لله در مصعب! ما كان أكرمه حين نزل به ما نزل! فعلمت أنه والله لايريد أن يفر قال: فغمزت أبي بعيني ليأذن لي فيه فأضربه بسيفي، فغمزني غمزةً شديدة، فسكنت وحانت مني التفاتة، فإذا سفيان بن الأبرد الكلبي قد حمل عليهم فهزمهم من قبل الميمنة، فقلت: أبشر أيها الأمير، فإن الله قد هزم العدو. فقال لي: قم فانظر؛ قال: فقمت فنظرت؛ فقلت: قد هزمهم الله، قال: قم يا زياد فانظر؛ قال: فقام فنظر فقال: الحق أصلحك الله يقينًا قد هزموا، فخر ساجدًا، فلما رجعت شتمني أبي وقال: أردت أن تهلكني وأهل بيتي. وقتل في المعركة عبد الرحمن بن عوسجة أبو سفيان النهمي، وقتل عقبة ابن عبد الغافر الأزدي ثم الجهضي، في أولئك القراء في ربضة واحدة وقتل عبد الله بن رزام الحارثي، وقتل المنذر بن الجارود، وقتل عبد الله ابن عامر بن مسمع، وأتى الحجاج برأسه، فقال: ما كنت أرى هذا فارقني حتى جاءني الآن برأسه؛ وبارز سعيد بن يحيى ين سعيد بن العاص رجلًا يومئذ فقتله، وزعموا أنه كان مولى للفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب، كان شجاعًا يدعى نصيرًا، فلما رأى مشيته بين الصفين، وكان يلومه على مشيته قال: لا ألومه على هذه المشية أبدًا. وقتل الطفيل بن عامر بن واثلة، وقد كان وهو بفارس يقبل مع عبد الرحمن من كرمان إلى الحجاج:
ألا طرقتنا بالغريين بعدما ** كللنا على شحط المزار جنوب
أتوك يقودون المنايا وإنما ** هدتها بأولانا إليك ذنوب
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ** من الله في دار القرار نصيب
ألا أبلغ الحجاج أن قد أظله ** عذاب بأيدي المؤمنين مصيب
متى نهبط المصرين يهرب محمد ** وليس بمنجي ابن اللعين هروب