أدركت بثأرك. قال: وقال محمد بن أبي عيينة لسلم بن قتيبة بين يدي سليمان بن علي: إن العجم ليعيرون قتيبة الغدر إنه غدر بخوارزم وسمرقند، قال: فأخبرنا شيخ من بني سدوس عن حمزة بن بيض قال: أصاب قتيبة بخراسان بالسغد جارية من ولد يزد جرد، فقال: أترون ابن هذه يكون هجينًا؟ فقالوا: نعم، يكون هجينًا من قبل أبيه، فبعث بها إلى الحجاج، فبعث بها الحجاج إلى الوليد، فولدت له يزيد ابن الوليد. قال: وأخبرنا بعض الباهلين، عن نهشل بن يزيد، عن عمه - وكان قد أدرك ذلك كله - قال: لما رأى غوزك إلحاح قتيبة عليهم كتب إلى ملك الشاش وإخشاذ فرغانة وخاقان: إنا نحن دونكم فيما بينكم وبين العرب، فإن وصل إلينا كنتم أضعف وأذل، فمهما كان عندكم من قوة فابذلوها؛ فنظروا في أمرهم فقالوا: إنما نؤتي من سفلتنا، وإنهم لا يجدون كوجدنا، ونحن معشر الملوك المعنيون بهذا الأمر، فانتخبوا أبناء الملوك وأهل النجدة من فتيان ملوكهم، فليخرجوا حتى يأتوا عسكر قتيبة فليبيت، فإنه مشغول بحصار السغد، ففعلوا، ولوا عليهم ابنًا لخاقان، وساروا وقد أجمعوا أن يبيتوا العسكر، وبلغ قتيبة فانتخب أهل النجدة والبأس ووجوه الناس، فكان شعبة بن ظهير وزهير بن حيان فيمن انتخب، فكانوا أربعمائة، فقال لهم: إن عدوكم قد رأوا بلاء الله عندكم، وتأييده إياكم في مزاحفتكم ومكاثرتكم، كل ذلك يفلجكم الله عليهم، فأجمعوا على أن يحتالوا غرتكم وبياتكم، واختاروا دهاقينهم وملوكهم، وأنتم دهاقين العرب وفرسانهم، وقد فضلكم الله بدينه، فأبلوا الله بلاء حسنًا تستوجبون به الثواب، مع الذب عن أحسابكم. قال: ووضع قتيبة عيونًا على العدو حتى إذا قربوا منه ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم، فكلمهم وحضهم، واستعمل عليهم صالح بن مسلم، فخرجوا من العسكر عند المغرب، فساروا فتزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم، ففرق صالح خيله، وأكمن كمينًا عن يمينه، وكمينًا عن يساره، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت، وصالح واقف في خيله، فلما رأوه شدوا عليه، حتى إذا اختلفت الرماح شد الكمينان عن يمين وعن شمال، فلم نسمع إلا الاعتزاء، فلم نر قومًا كانوا أشد منهم. قال: وقال رجل من البراجم: حدثني زهير أو شعبة قال: إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة، فقلت: كيف ترى بأبي أنت وأمي! قال: اسكت دق الله فاك! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرءوس حتى أصبحنا، ثم أقبلنا إلى المعسكر، فلم أر جماعة قط جاءوا بمثل ما جئنا به، ما منا رجل إلا معلق رأسًا معروفًا باسمه، وأسير في وثاقه. قال: وجئنا قتيبة بالرءوس، فقال: جزاكم الله عن الدين والأعراض خيرًا وأكرمني قتيبة من غير أن يكون باح لي بشيء، وقرن بي في الصلة والإكرام حيان العدوي وحليسًا الشيباني، فظنت أنه رأى منهما مثل الذي رأى مني، وكسر ذلك أهل السغد، فطلبوا الصلح، وعرضوا الفدية فأبى، وقال: أنا ثائر بدم طرخون، كان مولاي وكان من أهل ذمتي. قالوا: حدث عمرو بن مسلم، عن أبيه. قال: أطال قتيبة المقام، وثلمت الثلمة في سمرقند. قال: فنادى مناد فصيح بالعربية يشتم قتيبة؛ قال: فقال عمرو بن أبي زهدم: ونحن حول قتيبة، فحين سمعنا الشتم خرجنا مسرعين، فمكثنا طويلا وهو ملح بالشتم، فجئت إلى رواق قتيبة فاطلعت، فإذا قتيبة محتب بشملة يقول كالمناجي لنفسه: حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان! أما والله لئن أصبحت لأحاولن من أهلك أقصى غاية، فانصرفت إلى أصحابي، فقلت: كم من نفس أبيه ستموت غدًا منا ومنهم! وأخبرتهم الخبر. قال: وأما باهلة فيقول: سار قتيبة فجعل النهر يمينه حتى ورد بخاري، فاستنهضهم معه، حتى إذا كان بمدينة أربنجن، وهي التي تجلب منها اللبود الأربنجنية، لقيهم غوزك صاحب السغد في جمع عظيم من الترك وأهل الشاش وفرغانة، فكانت بينهم وقائع من غير مزاحفة، كل ذلك يظهر المسلمون، ويتحاجزون حتى قربوا من مدينة سمرقند، فتزاحفوا يومئذ، فحمل السغد على المسلمين حملة حطموهم حتى جازوا عسكرهم، ثم كر المسلون عليهم حتى ردوهم إلى عسكرهم، وقتل الله من المشركين عددًا كثيرًا، ودخلوا مدينة سمرقند فصالحوهم. قال: وأخبرنا الباهليون عن حاتم بن أبي صغيرة؛ قال: رأيت خيلًا يومئذ تطاعن خيل المسلمين وقد أمر يومئذ قتيبة بسريره فأبرز، وقعد عليه، وطاعنوهم حتى جازوا قتيبة، وإنه لمحتب بسيفه ما حل حبوته، وانطوت مجتنبا المسلمين على الذين هزموا القلب، فهزموهم حتى ردوهم إلى سكرهم، وقتل من المشركين عدد كثير ودخلوا مدينة سمرقند فصالحوهم وصنع غوزك طعامًا ودعا قتيبة، فأتاه في عدد من أصحابه فلما تغدى استوهب منه سمرقند فقال للملك: انتقل عنها، فانتقل عنها، وتلى قتيبة: " وإنه أهلك عاد الأولى وثمود فما أبقى " قال: وأخبرنا أبو الذيال، عن عمر بن عبد الله التميمي، قال: حدثني الذي سرحه قتيبة إلى الحجاج بفتح سمرقند، قال: قدمت إلى الحجاج فوجهني إلى الشام فقدمتها فدخلت مسجدها، فجلست قبل طلوع الشمس وإلى جنبي رجل ضرير فسألته عن شيء من أمر الشام، فقال: إنك لغريب، قلت: أجل؛ قال: من أي بلد أنت؟ قلت: من خراسان قال: ما أقدمك؟ فأخبرته؛ فقال: والذي بعث محمدًا بالحق ما افتتحتموها إلا غدرًا، وإنكم يا أهل خراسان للذين تسلبون بني أمية ملكهم، وتنقضون دمشق حجرًا حجرًا. قال: وأخبرنا العلاء بن جرير، قال: بلغني أن قتيبة لما فتح سمرقند وقف على جبلها فنظر إلى الناس متفرقين في مروج السغد، فتمثل قول طرفة: وأرتع أقوام ولولا محلنا ** بمخشية ردوا الجمال فقوضوا
قال: وأخبرنا خالد بن الأفصح، قال: قال الكميت:
كانت سمرقند أحقابًا يمانيةً ** فاليوم تنسبها قيسية مضر
قال: وقال أبو الحسن الجشمي: فدعا قتيبة نهار بن توسعة حين صالح أهل السغد، فقال: يا نهار، أين قولك:
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ** ومات الندى والجود بعد المهلب
أقام بمرور الروذ رهن ضريحه ** وقد غيبا عن كل شرق ومغرب
أفغزو هذا يا نهار؟ قال: لا، هذا أحسن، وأنا الذي أقول:
وما كان مذكنا ولا كان قبلنا ** ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم
أعم لأهل الترك قتلًا بسيفه ** وأكثر فينا مقسمًا بعد مقسم
قال: ثم ارتحل قتيبة راجعًا إلى مرو، واستخلف على سمرقند عبد الله ابن مسلم، وخلف عنده جندًا كثيفًا، وآلة من آلة الحرب كثيرة، وقال: لا تدعن مشركًا يدخل باب من أبواب سمرقند إلا مختوم اليد. وإن جفت الطينة قبل أن يخرج فقتله، وإن وجدت معه حديدة؛ سكينًا فما سواه فاقتله، وإن أغلقت الباب ليلًا فوجدت فيها أحدًا منهم فاقتله، فقال كعب الأشقري - ويقال رجل من جعفى:
كل يوم يحوي قتيبة نهبًا ** ويزيد الأموال مالًا جديدا
باهلي قد ألبس التاج حتى ** شاب منه مفارق كن سودا
دوخ السغد بالكتائب حتى ** ترك السغد بالعراء قعودا
فوليد يبكي لفقد أبيه ** وأب موجع يبكي الوليدا
كلما حل بلدة أو آتاهها ** تركت خيله بها إخدودا
قال: وقال قتيبة: هذا العداء لا عداء عيرين، لأنه فتح خوارزم وسمرقند في عام واحد؛ وذلك أن الفارس إذا صرع في طلق واحد عيرين قيل: عادي بين عيرين. ثم انصرف عن سمرقند فأقام بمرو. وكان عامله على خوارزم إياس بن عبد الله بن عمرو على حربها، وكان ضعيفًا. وكان على خراجها عبيد الله بن أبي عبيد الله مولى بني مسلم. قال: فاستضعف أهل خوارزم إياسًا، وجمعوا له، فكتب عبيد الله إلى قتيبة، فبعث قتيبة عبد الله بن مسلم في الشتاء عاملا، وقال: اضرب إياس بن عبد الله وحيان النبطي مائة مائة، واحلقهما، وضم إليك عبيد الله بن أبي عبيد الله، مولى بني مسلم واسمع منه فإنا له وفاء. فمضى حتى إذا كان من خورازم على سكة، فدس إلى إياس فأنذره فتنحى، وقدم فأخذ حيان فضربه مائة وحلقه. قال: ثم وجه قتيبة بعد عبد الله المغيرة بن عبد الله في الجنود إلى خوارزم، فبلغهم ذلك، فلما قدم المغيرة اعتزل أبناء الذين قتلهم خوارزم شاه. لا نعينك، فهرب إلى بلاد الترك. وقدم المغيرة فسبا وقتل.
وصالحه الباقون، فأخذ الجزية. وقدم على قتيبة. فاستعمله على نيسابور.
فتح طليطلة
وفي هذه السنة عزل موسى بن نصير طارق بن زياد عن الأندلس وجهه إلى مدينة طليطلة
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر محمد بن عمر أن موسى بن نصير غضب على طارق في سنة ثلاث وتسعين، فشخص إليه في رجب منها، ومعه حبيب بن عقبة بن نافع الفهري، واستخلف حين شخص على إفريقيا ابنه عبد الله بن موسى بن نصير، وعبر موسى إلى طارق في عشرة آلاف، فتلقاه، فترضاه فرضي عنه. وقبل منه عذره، ووجهه منها إلى مدينة طليطلة - وهي من عظام مدائن الأندلس، وهي من قرطبة على عشرين يومًا - فأصاب فيها مائدة سليمان بن داود، فيها من الذهب والجوهر ما الله أعلم به. قال: أجدب أهل إفريقيا جدبًا شديدًا، فخرج موسى بن نصير فاستصقى، ودعا يومئذ حتى انتصف النهار. وخطب الناس، فلما أراد أن ينزل قيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين! قال: ليس هذا يوم ذاك. فسقوا سقيًا كفاهم حينًا.
خبر عزل عمر بن عبد العزيز عن الحجاز
وفيها عزل عمر بن عبد العزيز عن المدينة.
ذكر سبب عزل الوليد إياه عنها
وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الوليد يخبره بعسف الحجاج أهل عمله بالعراق، واعتدائه عليهم، وظلمه لهم بغير حق ولا جناية، وأن ذلك بلغ الحجاج، فاضطغنه على عمر، وكتب إلى الوليد: إن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الشقاق قد جلوا عن العراق، ولجؤوا إلى المدينة ومكة وإن ذلك وهن فكتب الوليد إلى الحجاج: أن أشر علي برجلين، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حيان وخالد بن عبد الله. فولى خالدًا مكة وعثمان المدينة، وعزل عمر بن عبد العزيز قال: محمد بن عمر: خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة فأقام بالسويداء وهو يقول لمزاحم: أتخاف أن تكون ممن نفته طيبة! وفيها ضرب عمر بن عبد العزيز خبيب بن عبد الله بن الزبير بأمر الوليد إياه، وصب على رأسه قربة من ماء بارد. ذكر محمد بن عمر، أن أبا المليح الزبير خمسين سوطًا، وصب على رأسه قربة من ماء في يوم شات. ووقفه على باب المسجد، فمكث يومه ثم مات.
وحج بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى. عن أبي معشر. وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها، إلا ما كان من المدينة، فإن العامل عليها كان عثمان بن حيان المري، وليها - فيما قيل - في شعبان سنة ثلاث وتسعين. وأما الواقدي فإنه قال: قدم عثمان المدينة لليلتين بقيتا من شوال سنة أربع وتسعين. وقال بعضهم: شخص عمر بن عبد العزيز عن المدينة معزولا في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وغزا فيها، واستخلف عليها حين شخص عنها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري. وقدم عثمان بن حيان المدينة لليلتين بقيتا من شوال.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)